في محاولة للبحث عن عالم أكثر جمالًا، يأخذنا الرواي عبد العزيز من خلال تجربته عبر عدة بيوت سكنها، بداية من قريته غير المسماة، ثم في مدن عدة تبدأ من ميت غمر بدلتا مصر، وتنتهي في برلين، مرورًا بطنطا والإسكندرية والقاهرة. ببراعة كاتب قدير وحساسية روائي جمع في تكوينه بين الأصالة والحداثة، استطاع عبد الحكيم قاسم أن يقيم مقابلة جمالية بين عدة أشكال من السجن والقهر، سجن الداخل والخارج، سجن التقاليد والحداثة، الروح والجسد، سجن الأبنية الصغيرة القبيحة في العشوائيات والأرياف وسجن نواطح السحاب العملاقة في المدن الرأسمالية في الغرب. هذه الرواية واحدة من أهم أعمال أدب السجون في العالم العربي، قال عنها نقاد إنها "فاجأت الوسط الأدبي"، ووصفها إدوار الخراط بـ "العمل الفذ" لخروجها عن نطاق ومواصفات الرواية التقليدية.
إحدى العلامات البارزة في الأدب المصري في الثلاثين عاما الأخيرة. ولد بقرية البندرة قرب طنطا. انتقل في منتصف الخمسينات إلى القاهرة وبدأ الكتابة الأدبية في منتصف الستينات حينما سجن لمدة أربع سنوات لانتمائه لتنظيم يساري. عاش في المنفى ببرلين من عام 1974 إلى عام 1985 لاختلافه مع النظام ثم رجع إلى القاهرة حيث توفي عام 1990له خمس روايات، وأربع روايات قصيرة، وخمس مجموعات قصصية ومسرحية
رواية غير تقليدية, البطل فيها هو المكان ينتقل عبد الحكيم قاسم بين الغرف المقبضة في القرى والمدن والسجون وكأنه يرصد أثر المكان على نفس الانسان ورؤيته للحياة الكتابة عن القبح باختلاف أنواعه هي محاولة لتجاوزه, للتعالي والبحث عن الجمال الرواية يُخيم عليها الحزن والكآبة والعزلة النفسية لكن اللغة جميلة والوصف بديع ودقيق لتفاصيل الأماكن والناس
كم كانت مجهدة تلك الرواية..لا أكتمكم سراً أني ب\لت مجهوداً خرافياً لأكملها لا لأنها سيئة ولكن لأن الغرف المقبضة أصابتني بالعدوى..فعبد الحكيم قاسم لم يكن يحكي قصة حياة ولا سيرة ذاتية ولا أحداث ولا أبحاث..كان فقط يحكي الأمكنة..كان يرسم بدقة خريطة لما يمكن أن تشقه الجدر والحوائط والأرضيات والنور والظلام داخلنا..إننا بشكل أو بآخر تلك الأمكنة..بجنونها بيأسها بغربتها بانقباضها بعبير بخرابها وعمارها وجمالها وقبحها..لكن أماكن النشأة هي الأقوى تأثيراً على الإطلاق لأنها تحبسنا داخلها أو تسكننا هي مابقى لنا من حياة فنظل نراها مهما تغير ماحولنا..تظل رابضة في أعماقنا تهمس وتصرخ وتحكي وتبكي وربما تضحك ..أتساءل أهي حية إلى هذه الدرجة؟أهي أقوى تأثيراً وتفاعلاً أحياناً من البشر الذين يشبهوننا في التكوين ويختلفون كالبصمات في التأثير؟...لا أدري..كل ما أستطيع قوله أن هذا العمل لم يصادفني مايشبهه من قبل...ربما أنهكني لدرجة السقوط..لكنه في نفس الوقت أتاح لي الفرصة للحديث مع أماكني ..مع جدراني..مع أصداء أصواتي وأصوات أصدائي..
يتكلم عن الحلم الفردي، والأحلام البسيطة المستحيلة، كأن تحلم ببيتٍ مستقر وحديقة وجدران مستورة تخفي عنك تشوه هذا العالم، أن تُغنّي وتقرأ وتمارس حياتك الطبيعية باطمئنان فقط.
هذه الرواية على عكس كل ما قرأت من السيرْ، لا تتبعُ بشكل رئيسي امتداد شخص عبر الزمن، بل تتبع سيرة الأماكن، سيرة الإنتقال من القرية للمدينة للسجن ثم لأوروبا كل هذا بحثًا عن الجمال البسيط، تتبع سيرة الفقر وسيرة القهر عن طريق الجدران.
القضية هنا هي قُبح وجمال المساكن، وأن الواحد يُلقى من حفرة لحفرة وأنه يُهان، وأن كل حس فيه بالجمال لا يحترم، يريك التأوه الإنساني الطبيعي من وقع الاهانه، يريك هُنا ما لا تستطيع كتمانه. وتحس فيها بجمال الحلم ومرارة الاستيقاظ منه.
هذه الرواية البديعة جدًا، تركت فيَّ ما لم أتوقعه، جعلتني أردد فقط: " لماذا نسقط نحن كالنخاله كالفتات، لماذا نُرمى فرائس للحيطان الجرباء والقُبح، أي قوه ضارية وحشية تعطل قدرتنا على صنع الجمال لأنفسنا، أي قدر يحبسنا في هذه الأحقاق بلا مفر ؟
منتهى الإبداع فى انتاج نص كئيب إلى أقصى مدى، نص مرهق نفسيا جدا، أشعر معه أنى محاصرة بالقبح فى كل شئ، ثالث عمل أقرئه لعبد الحكيم قاسم يجمع بينهم جميعا عذوبة مفرداته وثراء لغوى لافت، وقدرته البديعة على الوصف، تفصيل المشاعر، الأماكن، وكآبة النص لا تنفى عنه ميزة الإبداع أبداااا
هل يكتب عبد الحكيم قاسم سيرته الذاتية ام لا ؟ قدر الغرف المقبضة من النصوص التي لا تستطيع ان تضع لها تصنيف واضحا فهي تجمع بين السيرة الذاتية و الرواية و الجغرافية بشكل مذهل بالاضافة الي مشاهد عالم اجتماع يحلل الافراد والمجتمعات يتنقل بك عبد الحكيم بين اماكن مختلفة ويرسمها بطريقة اشبه ما تكون بالمستكشف الجغرافى بالاضافة الى الروح السوداوية التي ميزت النص الا انها في الوقت نفسه رسمت لنا معمارا انسانية فمهما تنقلت رحلت معك السوداوية لكن ما يميز نصوص عبد الحكيم قاسم هي العلاقات الاجتماعية والتي استطاع ان يرصدها بنجاح فليست الاماكن مجرد حجارة او غرف لكنها حكايات و ينبض فى داخلها روح وهو ما عبر عنه قاسم
انا سعيد بالتجربة الاولي و بالتنقلات بين ميت غمر الي طنطا الي الاسكندرية الي القاهرة وبرلين وفي وسط التنقلات ديه قدر عبد الحكيم يستخلص ازمة الشرق والغرب لو جاز نسميها كده من خلال رحلته لبرلين لكن الامر مكنش ثنائي زي ما قولت لكن اثبات ان الرؤية المحطمة لبطل روايته ظلت تلاحقه باستمرار
لغة عبد الحكيم قاسم مميزة ومفرداتها بتوقفني قدامها كتير بسبب جزالة الألفاظ وده عظيم من حيث إعادة اكتشاف اللغة الأم أما الموضوع بالغرف بالمشاعر المقبضة اللي فيها فممكن نزود الرواية دي لسلسلة "كيف ت" ويبقى عنوانها كيف تكتئب :(
في بعض الأحيان يخرج الكُتَّاب عن بنية الرواية التقليدية ويحاولون تقديم شكل جديد ومبتكر للعمل؛ أحيانًا يفعلون ذلك من أجل التجديد الشكلي والتقني في حد ذاته كهدف، وأحيانًا يشعرون أن مضمون العمل أو الرؤية التي يريدون تقديمها لا تناسبها الحبكات التقليدية. في رواية المحاكمة لكافكا مثلا نجد شيئًا من هذا، فالبنية غير تقليدية إلى حد كبير، تنقصها المعلومات الأساسية عن البطل، وتحيط أجواء غرائبية بالعمل، لكن كل هذا يدخل ضمن نطاق رؤية الكاتب في عمله، فالقضية التي يُحاكم البطل عليها دون أن يعرف ماهيتها ويُذبح ككلب دون أن يعرف سببًا هي محنة وجود الإنسان في حد ذاته. الغرابة هنا ونقص التفاصيل الأساسية هي جزء أصيل من العمل. عمومًا هذه المحاولات قد تصيب نجاحًا كبيرًا وقد تنتهي بالفشل. في ظني أن محاولة عبد الحكيم قاسم في هذه الرواية غير موفقة.
الإطار المباشر للرواية يتلخص في بطل يبحث عن مسكن إنساني، غير مقبض، يمكنه أن يحيا فيه حياة إنسانية، وعبر صفحات الرواية ننتقل مع البطل إلى عدد كبير من البيوت والغرف والشقق، والجدران من كل نوع، مرورًا بتجربة السجن والسفر إلى الخارج. الإطار الأوسع للرواية يتمثل في وطن تحول برمته إلى سجن مقبض اكتنف كيان البطل، حتى إنه لم يعد قادرًا على الشعور بالحرية والراحة، حتى لو سكن مكانًا جيدًا نسبيًا... سجن قذر وقميء أفسد قدرة المرء على البهجة وشلّل قدرة المرء على الشعور بالحرية.
يستخدم عبد الحكيم قاسم أسلوبًا واقعيًا تمامًا، تغيب عنه أي أبعاد فلسفية، يركز على تفاصيل الأماكن، وينثر هنا وهناك بعض المقاطع عن شعور البطل وتفاعله بهذه الأماكن. هذا الأسلوب الواقعي المباشر تطلب معرفة كل التفاصيل التي عمد الكاتب إلى إخفائها. القارئ لا يعرف شيئًا تفصيليًا عن أي شيء يخص الراوي؛ شخصيته - بنيته النفسية - طباعه - طبيعة عمله - سبب انتقاله من مكان لمكان - التهمة التي أفضت به إلى السجن - كيف ذهب إلى ألمانيا تحديدًا - كم يتقاضى من عمله... كل هذه التفاصيل التي يبني عليها الروائي تفاصيل شخصيته غائبة عن العمل عمدًا، لكن هذا التعمد أضر بالراوية تمامًا، فهي ليست رواية فلسفية حتى يستطيع القارئ التغاضي عن هذه التفاصيل... ليست المحاكمة لكافكا وليست التنظيم السري لمحفوظ مثلًا... الإصرار على وصف شعوره بالانقباض في كل مكان جعلني أفكر في احتمالية مرض الشخصية النفسي مثلًا، لكنه تصور بعيد عن معطيات الرواية. أحيانًا يغامر الكاتب بصنع شكل جديد لكنه يفشل فيه... كتابة عمل عن الوطن الذي تحول إلى سجن كبير أفسد بنية أفراده تحتاج إلى طريقة أخرى، أما هذه الطريقة فبها مشكلات عديدة. أنهيت الرواية ولم أستطع تكوين أي تصور عن الراوي.. لا عن شخصيته أو شكله أو طباعه أو فلسفته في الحياة أو أخلاقه... لا شيء بتاتًا. لا يكفي أبدًا أن أنتقل معه من مكان مقبض لمكان آخر مقبض، وهكذا دواليك...
علاوة على ذلك، وهي ملحوظة تخص الناشر أكثر من الكاتب، العمل يحتاج إلى مجهود تحريري لأنه يحتوي على جمل كثيرة، إما خاطئة أو تحتاج إلى صياغات أخرى. على سبيل المثال: قد يرى على تغضنات عابرة في جبينه أو ارتجافة واهنة في شفته. (يرى ماذا؟ أين المفعول به؟) يبدو سواد سقفه وأعالي جدرانه أكثر قتامة. (أشد لا أكثر) تكون أكثر صخبًا. (أشد لا أكثر) كان عبد العزيز يسلم يده إلى خالته كأنما تمشي خطوات يقصد أن يمشيها. (المعنى مرتبك) شارع شبرا في الظهور والشمس كامنة في عروق الأشياء سخنة باهرة صاعدة. (هل يقصد ظهرًا؟) قالت السيد صاحبة البيت لعبد العزيز إنها لم تكن لتكون أسعد لو أنها تزوجت مليونيرًا. (لم تكن لتكون؟!) كأن حذرًا لا يريد أن يقدم إلا بعد أن يتدبر الأمر طويلًا. (هل يقصد يتقدم لخطبة؟ المعنى مرتبك) وفي رغبات سيدة غبريال بين الضراوة فيها وبين المذلة في عيون أهله... (تكرار بين ركيك) لقد كان بدأ يكتب مقطوعات صغيرة. (لقد كان بدأ؟!) لا يأمن الخروج في المساء إلا أمن أنهما نامتا. (هل يقصد إلا إذا؟) كيف يصارع الواحد ضد قدر كهذا. (يصارع قدرًا، لا يصارع ضد)
إذا أردت تلخيص انطباعي عن الرواية: بعض أنواع التجريب تفشل، وهذه الرواية نموذج واضح لذلك.
الحقيقة المفروض أعترف إن اصابتني عدوي الغرف المقبضة ..
أول تجربة لي مع عبد الحكيم قاسم و بالتأكيد مش هتكون الأخيرة روائي فذ و عظيم ، كان يستحق أكتر من كدة لكن للأسف زي كتير غيره لم ينل التقدير المناسب ، الرواية بطلها الأول كان الأماكن و الغرف و البنايات الكتيرة اللي تنقل فيها بطل الرواية عبد العزيز .
اللغة قوية و بتعبر عن كاتب متمكن من أدواته و جمعت بين لغة المحافظين الأصيلة ذات المفردات القوية البليغة ، و بين لغة المجددين العصرية سهلة الهضم .
الإسلوب كان إسلوب وصفي بإمتياز ، عبد الحكيم كان بيوصف كل حاجة تقريباً ، إسلوب احتاج مني تركيز إلي حد ما و حسيته مختلف عن كل اللي قريتلهم قبل كدة .
الفكرة لو تأملنا فيها شوية هنلاقي إن رحلة البطل عبد العزيز في العثور علي مكان للعيشة مريح نفسياً هي رحلة الإنسان في الحياة عموماً في انه يلاقي المكان اللي يجد فيه ذاته ، مش بس مكان لكن التوقيت كمان او المهنة و البشر اللي بيحاوطوه . . رحلة الإنسان المُعذَب اللي كل ما يروح لحتة معينة يلاقي فيها اللي يعكر مزاجه البطل اللي اتنقل من قريته الأم لطنطا لميت غمر ، قاهرة إسكندرية برلين .. كل ده و فضل حاسس بإغتراب ، حتي بعد ما طلع من السجن كان بيحس بروحه مسجونة ، سجن الروح مش القضبان ..
الرواية لمستني جداً و حبيتها ، لكن حسيت ان فيها عيبين اولاً إن الرواية تقريباً خالية من الحوار ، كلها وصف و سرد للأحداث و المشاعر ، فا كان فيه نقص في التعبير . ثانياً هو إن كان تقريباً لها بطل واحد بس الرواية كلها متمركزة حواليه
لكنها في النهاية جميلة جداً و مُقبِضة جداً و تستحق قراءة ثانية .
قدر الغرف المقبضة رواية ل عبدالحكيم قاسم كعادتي مع روايات وقصص عبدالحكيم قاسم بستمتع بيها أيما إستمتاع موضوع الرواية غريب وفضلت لحد حوالي نص الرواية مش فاهم الموضوع المحدد بتاع القصة المغزى منها . بيحكي عن عبدالعزيز وطفولته في قرى طنطا وانتقالهم من بيت الجد الكبير لاحد البيوت في حارة ضيقة مليئة بالسكان الذين يحلمون بالهروب من الجحيم المسمى بيوت . رحلة عبدالعزيز من بيوت طنطا الفقير للقاهره والاسكندرية والعيش في الغرف والبيوت المستأجرة الفقيرة والقبيحة نفس البطل مشوهة بقبح وجروح متقرجة داخلية تجعله يرى القبح في كل مكان ويتميز بالتنقيب عنه في كل مكان واستخراجة . حكاية عبدالعزيز مع اصحاب الغرف وسكانها ومستأجريها وحكياته معها وخوفه منها ومن قبحها . يذهب للاسكندرية وللقاهرة للدراسة والعمل ايضا ويدخل السجن بل سجون فذهب لسجن في اسيوط واسكندرية واكثر من محافظة وكان السبب في اعتقاله سياسي . لا يركز الكاتب على حياة عبدالعزيز ومآسيه بل يركز فقط على اماكن سكنه وما تعكسه من بؤس وقبح وفقر وجروح في القلب دامية لازالت . تأتيه الفرصة للسفر لألمانيا الغربية والسكن في برلين ويسافر ايضا للندن لكنه نفس القبح في كل مكان ويفضل قبح غرف برلين المقبضة على قبح مثلاتها في لندن . يجتمع مع شباب عرب ومصررين في برلين لكنه يهرب منهم لأنهم يعيشون حياة قاهرية مصرية هارب هو منها . شعور كئيب يغلف الروابة الكاتب لم يركز الا على كل ما هو قبيح ومؤلم في حياة بطلنا عبدالعزيز . عبدالعزيز بطل عبدالحكيم قاسم في روايته الاولى أيام الأنسان السبعة هو صدى لشخصية الكاتب نفسه . رواية كئيبة وجميلة فنفس الوقت 4/5
من أجمل الروايات التي قرأتها ، علاقة عبدالعزيز بالمكان عبر قرى الدلتا والمدن بدءا من طنطا إلى اﻷسكندرية والقاهرة وسجون مصر المختلفة ثم رحتله إلى برلين كزائر ثم كمتسكع ثم كطالب دكتوراه ثم في النهاية انهكته الحياة بمرض السكر وهو يبحث عن الجمال ولكن لا فكاك من قدر الغرف المقبضة.... اقتباس مع مجيء زوجته إليه في برلين كتبت له زوجته أنها قادمة هي وأولاده. حينما رأت غرفته ذعرت، كانت تبكي مثل حيوان يؤخذ للذبح، حاول عبدالعزيز جهده أن تعطي له شقة في البيت المخصص للمتزوجين، غرفة كبيرة وحمام ثم قمرة ملحقة بها تتسع بالكاد لشخصين ينامان متجاورين. كان عبدالعزيز وزوجته وطفلاه يجلسون معًا في هذه الغرفة الواحدة طوال النهار معًا. ما يأتيه الواحد منهم أو يتركه واقعًا تحت بصر الثلاثة الآخرين يلا رحمة. لو أراد واحد منهم الانفراد بنفسه لحظة فأين؟ الغرفة واحدة والحيطان والسقف كالحة سيئة البياض وفرش الأرض ناحل. الفقر والقبح يطلان من الأركان، ينفجر الزوجان في عراك مروع والعيال ينظرون مرعوبين. كلمات العراك مروعة بشعة تلقي على عبدالعزيز وحده مسئولية هذا القدر وتؤاخذه عليه، عبدالعزيز يناضل عن نفسه التهمة، يدفعها بحرارة وإصرار. صور حياته كلها تمر أمام عينيه كالبرق، يرى المواقف كلها. يقول من أعماقة "لا" إنه عمل كل يوم من أيام عمره بلا كلال، لم يتهاون ولم يكسل، إن ذلك القدر أبشع من أن يكون خطئًا شخصيًا أو تقصيرًا أو غباء. إنه خلل مروع بالحياة كلها ويحولها إلى أسطورة من القبح والتشوه.
البطولة هنا معقودة للمكان وليس لشخصية ما، والمكان هنا عام وليس خاصا، هو كل اماكن السكن والغرف المقبضة، وكل سكن فى الرواية كان مقبضا وخانقا يقضى على الامل ويدعو الى اليأس، بما فى ذلك طبعا السجن وليست هذه الرواية من أدب السجون خاصة بل ان السجن لايشمل حتى اغلبية وقائعها بل الاحرى ان يقال ان القاص كان ينتقل طول الوقت من سجن إلى سجن وكلها تطبق على الصدور، من الواضح انها جزء من حياة قاسم، واذا كان قاسم يقصد ان يكون جو الرواية خانقا كئيبا يخنق القارىء فقد نجح فى ذلك أيما نجاح، رغم ذلك فالرواية لاترقى إلى مستوى أيام الإنسان السبعة، أبدع أعمال قاسم وإحدى اروع الأعمال الروائية العربية، ربما كان هذا قدر قاسم البائس إذ بدأ بأروع أعماله ومضى يحاول دون جدوى أن يكتب عملا مساويا دون أن يستطيع
ثم عامل مشترك بين هذا الجيل المعروف جيل كتاب الستينيات، وهو هذه الروح الضجرة اليائسة، وهذه النظرة السوداوية التي واجهت كا ما من شأنه أن يدفع بها إلى كراهية كل شيء، والانسحاب خارج هذه البقعة القميئة القبيحة والمقبضة.
تستطيع في رواية كهذه الرواية أن تقول بكل ثقة إن المكان هو البطل، فهي ليست كغيرها من الروايات المعروفة برواية المكان - حتى تلك الرواية التي قدمها محفوظ- التي تتخذ من المكان إطارًا لتقديم شخصياتها، بل هي تقدم المكان نفسه كبطل، كمحور للحكاية. تقدم الرواية تاريخ عبد العزيز مع الأماكن، بدءًا من بيتهم في الريف حيث تتكدس البيوت وتضرب الشمس الأسطح بكل قوة محيلة كل شيء إلى جحيم أرضي، مرورًا ببيت جده لأمه العاري من الأثاث بإضاءته المقبضة، وكذلك البيوت التي مر بها كطالب مغترب، وصولًا لشقته بالقاهرة، ثم السجون التي تنقل بينها. أماكن مقبضة تفتقر للمكان، تجثم على صدرها الضرورة المتمثلة في العوز والفقر، وتنتفي فيها حرية اختيار الجمال، حرية العيش في مكان مريح للعينوالقلب قبل الجسد.
يقطع عبد العزيز هذه الرحلة الطويلة بين الغرف المقبضة في بلاده باحثًا عن الجمال، متشوقًا لمكان جميل لا يحس فيه بذلك الانقباض الدائم الجاثم على صدره، ولكنه - وبعد مرحلة من النضج إن جاز التعبير- يدرك أن المشكلة ليست في هذه الأماكن بصفتها جزئيات، بل في الكل، في مصر، حيث يكتشف أن القبح لم يكن في هذه الغرف والبيوت الكالحة المقبضة، إنما القبح في مصر، القاهرة نفسها قبيحة، مصر قبيحة.
إن صراع عبد العزيز هو صراع طبقته الباحثة لنفسها عن مكان في هذا البلد القبيح، المجبرة على العيش تحت ثقل الفقر في مقابر على سطح الأرض، مقبضة وكالحة ومثيرة للنفور والحزب والكآبة. هذا التطلع الدائم إلى مكان أفضل، مكان كتب عليهم ألا يدخلوه إلا زائرين غير مرغوبين مرهوبي الجانبي، يخشى أصحاب المكان أن يسرقوا شيئًا، ويتنفسون الصعداء حين يرحلون بفقرهم وكآبتهم.
المرحلة الخاصة بالسجن بدت لي معبرة للغاية، هذا البحث الدائم عن صنع خصوصية يتمكن فيها الشخص من تطويع المكان حسب إرادته، حسب رغبته وتطلعه نحو شيء من الجمال، هذا التطلع الذي يتحقق بأمور هي قمة البؤس، بطانيات نظيفة، مأوى من الخشب في بعض الحالات، حوائط نظيفة، سرعان ما يكتشفها القائمون على السجن فينقضوها.
ثم يأتي الهرب إلى أوروبا، هذا الارتياح للمكان الجديد في مساكن الكنيسة، الغرفة النظيفة والمرتبة، الشوارع ذات الحدائق، الشعور الجزئي بالحرية. ولكن ذلك لا يدوم، إذ سرعان ما يخرج عبد العزيز مطرودًا إلى مآوي الفقراء والمهاجرين العربي، العودة إلى بلاده مرة أخرى في هذا المجسم القبيح والقميء المصغر لبلاده بقبحها وكآبتها، ليكتشف عبد العزيز أن تغيير البلاد، الخروج من أرض إلى أرض، ليس حلًا لمشكلته وليس تحقيقًا لحلمه في التطلع نحو شيء من الجمال، فثمة قدر قد خطته أيد عابثة، ليس عليه هو فحسب، بل على أبناء طبقته، هذا القدر الذي حكم عليهم بأن يبقوا أبد الدهر في أماكنهم الشائهة والمقبضة والكالحة!
رواية كئيبة جدا و رغم ذلك احببتها .. كيف يمكن للجدران ان يكون لها مثل هذا التأثير .. كيف يمكنها ان تصيبك بالقهر او السعادة او الجنون .. الكاتب طوال الوقت يصف الاماكن منذ ان كان طفلا في قريته الفقيرة و تنقله بين طنطا و اسكندرية و القاهرة حتي برلين ... تفاصيل تصيبك بالارهاق .. تشعر بالقبح يتغلغل داخلك .. الكاتب كان يبحث عن الجمال كان يريد ان يروي ظ��آه بالتفاصيل الجميلة و لكن دون جدوي .. اماكن قليلة جدا شعر فيها بالارتياح و لكن كل مرة كان القبح يطغي و يلتهمه .. اعتقد انني اشاطر الكاتب الكثير من مشاعره .. القبح يشعرني بانقباض في الروح و اينما نظرت لا اري الا تفاصيل تجعلني اشعر بالقهر و اليأس !
أدب حكيم قاسم مغرق في الشخصية والذاتية، وعندما تتعرف على حياته تتأكد من هذا. عبد العزيز في أيام الإنسان السبعة أو في قدر الغرف المقبضة هو عبد الحكيم قاسم نفسه، وهو وكما يقول على لسان عبد العزيز: يكتب لخلاصه الذاتي أكثر مما يعني قارئًا. محملًا بشحنات غامضة ومتناقضة من الانفعالات و��لمشاعر، بغض وقرف ورثاء في الوقت ذاته. ونشأة قاسية تقابلت مع معرفة رهيبة فخلقت في داخله جسارة ومرارة في آن، وأورثته محاولة مضنية للانتماء إلى أي شيء، ولكنها محاولة مهيضة لا تني أن تنسحق أمام تناقضات شخصيته فتصبح بلا جدوى. .. لغة عبد الحكيم كالعادة بديعة، شديدة التأثير والإيحاء، وتورطك بالقوة في التوحد معها. جعلت وجهي يتغضن بتشنجات عند الانتقال من فقرة إلى فقرة، وشملتني بكآبة قاتمة، وتقطع نفسي في بعض الأحيان، كأني كنت أشاركه نفس الغرف المقبضة ونفس الشعور بالغربة. واللغة أيضًا جائت كثيفة متركزة، فسبغت الزمن بالديمومة، موحية بأبدية الشقاء والقرف والقهر. .. فتني عبد الحكيم قاسم عندما قرأت روايته الأولى أيام الإنسان السبعة، وها هو هنا يزيدني افتتانًا، فيضع نفسه في قائمة روائيي المفضلين المؤثرين. كتابته تكشف وتقابل ما في نفسي، فأنا كما كان هو أيضًا، ابنًا للهامش والعشوائية والفقر، وواحد من جماعة المقهورين. لذلك وأنا أقرأ تخيلت نفسي بين السطورعاريًا، ومحاصرًا في غرفة زرية معتمة، ولشد ما أفزعني هذا، وجعلني أفكر أنني لا يجب أن أعود لقراءة هذا الكتاب مرة أخرى، لا يجب أبدًا.
رائعة، رغم حكايتها المقبضة، عبد الحكيم قاسم بيستعمل لغة حلوة و قوية فى الوصف جدا لدرجة تشعر معاها باحساس عبد العزيز بطل الرواية، تعيش معه فى الغرف المقبضة.
هنا يبدأ كل شيء: القرية الأولى التي خرج منها الراوي عبد العزيز. لم يذكر الكاتب اسمها، ليجعلها رمزًا لكل القرى التي يعيش فيها الإنسان طفولته الأولى وبذور وعيه. في القرية، الغرف بسيطة، لكنها خانقة بطريقتها: إنها قيود العادات والتقاليد، سجن المجتمع قبل أن يكون سجن الجدران.هل هذه الغرف الصغيرة هي رحمٌ آمن؟ أم هي بداية الزنزانة الأبدية؟!
ميت غمر ينتقل الراوي إلى ميت غمر، وهي مدينة صناعية وزراعية في دلتا مصر. ميت غمر هنا ليست مجرد محطة جغرافية، بل تمثل الغرف الأولى التي تحرّك فيها بحثًا عن فرصة، هاربًا من ضيق القرية. لكن هل وجد الحرية؟! لا… الغرف ما زالت تلاحقه: غرف جديدة لكنها تحمل نفس الإغلاق، نفس الانقباض.
طنطا طنطا مدينة دينية صوفية، تعجّ بالموالد والطقوس. في طنطا، الغرف تنفتح قليلًا: يجد عبد العزيز صدى لصراعه الروحي، وكأنه في مواجهة جديدة بين قدسية المكان وضيق الذات. مفارقة طنطا؟! مدينةٌ مفتوحة على السماء بقبابها، لكنها في عيون الراوي “غرفة” أخرى… هل يمكن أن يكون الزهد في القلب خلاصًا من الغرف المقبضة؟!
الإسكندرية الانتقال إلى الإسكندرية، مدينة البحر والحرية الظاهرة، يعطي النص دفقة هواء جديدة. لكن الغريب أن الغرف تبقى كما هي! هنا يواجه عبد العزيز البحر كامتداد للحرية، ومع ذلك يبقى مسجونًا في غرفه الداخلية. كيف لمدينة البحر أن تخنق إنسانًا؟! الإسكندرية هنا تُثبت أن المشكلة ليست في الجدران… بل في الروح التي لم تتحرر بعد!
القاهرة في القاهرة، تتضاعف الغرف: الزحام، الاضطراب، السجون السياسية. الغرفة هنا تتحوّل إلى زنزانة حقيقية، حيث اعتُقل عبد العزيز. لكن القاهرة أيضًا مدينة الأمل، مدينة الأحلام… هل الغرف هنا تُسحق الإنسان أم تمنحه فرصة لإعادة تعريف نفسه؟! هنا يصبح سؤال الحرية أكثر إلحاحًا: هل الحرية فكرة داخلية أم حقّ خارجي ينتزعه الإنسان.
برلين وأخيرًا… برلين، مدينة “الغرب”، مدينة الحداثة. هل برلين نهاية الغرف المقبضة؟! لا… حتى في المنفى، حتى في “الغرب”، يجد عبد العزيز نفسه في غرف مغلقة جديدة: اللغة الغريبة، الغربة القاسية، الحنين الموجع… برلين تصبح رمزًا لأن الغرفة الحقيقية في عقلنا، لا في الجغرافيا! مفارقة قاتلة! هل يمكن للغرفة أن تلاحقنا إلى أقصى بقاع الأرض؟! الرواية ترسم خريطة الغرف: من القرية، إلى طنطا، إلى القاهرة، إلى برلين. لكن الغرف ليست مجرد محطات سفر، بل اختبارات متجددة للروح: هل يستطيع الإنسان أن يواجه سجنه الداخلي؟! هل يمكن تحويل الغرفة إلى فضاءٍ للحرية؟! أم أنّ الغرفة ستظل قدرًا مطبقًا على النفس… أينما ذهبنا؟!
قدر الغرف المقبضة. عبدالحكيم قاسم ..... باستثناء أعمال نجيب محفوظ، فهذه هي أجمل رواية عربية قرأتُها بلا منازع. ٠ رواية شديدة التميز والتفرد، تعكس روح البطل من خلال فقط وصف تدفق صور وتفاصيل الأماكن في عينيه. فنحن لا نعلم شيئا عن صراعه وعذاب روحه إلا من خلال وصف تأثير الأماكن علي روحه، المدن والشوارع، وخاصة المساكن، الغرف والحيطان.٠ وكأن حلمه يختزل فقط في أن يضمه مسكن مريح نظيف متناسق.٠ ونحن لا نشعر بالملل من الوصف المكثف والمستغرق للأماكن ولا شيء غير الأماكن عبر الصفحات الطويلة، وهنا إبداع الرواية وتحديها، يكتسب الوصف المكرر والرتيب لسمات القبح والتشوه والرثاثة في عدد كبير جدا من المنازل والغرف التي تنقل بينها البطل إيقاعا موسيقيا متدفقا لعذابات الروح التي تحلم بلمسات الجمال. ويتم تكثيف مأساة حياة كاملة، ليس لشخص البطل فقط وإنما لجيل كامل من الكتاب الذين حلموا بمباديء ما، في الصورة المختزلة الضيقة للصراع مع قبح المنازل وعشوائيتها.٠ وإلي جانب اختناق روح البطل من الأماكن والمتاع والأثاث، هناك خيط آخر خفي لم يُشَر إليه بوضوح، وسبّب لي اختناقا كبيرا لدرجة أنني شرقتُ ببكائي، وربما يمكن اعتباره جوهرا لمأساة البطل المتمثلة في رؤيته المريضة للقبح متضخما ومهولا وشاملا. هذا الخيط هو اغتراب البطل عن أهله، لقد رأتهم روحُهُ في قبح ورثاثة المتاع، وكان يتشوق للتخلص منهم تشوق تخلصه من المتاع الرخيص المبتذل، وخلال السيمفونية الطويلة لقبح الأماكن لم تسقط كلمة واحدة تشير إلي عاطفة بشرية تجاه أقرب الناس إليه، فلم تعد تلك الأماكن، في نظري، قبيحة بسبب رثاثتها وفقرها وضيقها، ولكن قبيحة لأنها خرساء مجدبة لا تحفظ ذكري حب أو ونس.٠ وكان البطل يتساءل تساؤلا جوهريا: هل دائرة القبح التي تنغلق عليه ترتبط بخلل أو غباءٍ في شخصه. هل هو مذنب بخلل (قد يكون في رأيي عدم القدرة علي الحب)، ويتم عقابه عليه بسجنه في دائرة القبح، أو أن القبح العام خارجه هو الذي أصابه بخلل وجروح عميقة حملها معه أينما ذهب؟ وهو سؤال لا جواب له.٠
هذه رواية غارقة فى السواد بشكل بشع، أنا الذى يميل بطبعه إلى تلك الروايات الحزينة والكئيبة وتستهويتى وابحث عنها، ازعجتنى كمية البؤس هذة، وغرقت تحت وطئة هذا السواد والبؤس والكآبة إلى ذلك الحد الذى قد لا يطاق. شخصيا ومع كل ما قرأت لم أقرأ شيئا أكثر منها سوادًا وكآبة فى حياتى. عبد الحكيم قاسم هنا لا يرى حولة أى شئ جميل أو حتى أى ملمح قد يؤدى إلى قليل من التفاؤل، باستثناء تلك اللمسة البسيطة جدا عن إعجابه بالأسكندرية، لا يوجد شئ تقريبا فى عينى قاسم إلا يراه مشوها وكئيبا، نعم الرواية خارج الصندوق تماما وأعترف بذلك، والجانب الفنى فيها على أعلى المستويات، ولكن بسوداوية مفرطة ، نعم هى رواية عن أدب السجون بالرغم انها لا تحتوى إلا على فصل واحد عن السجون، وهذه عبقرية فى حد ذاتها، فكل شئ وكل حائط وكل سقف وكل مبنى منذ طفولته المبكرة كان يراه سجنا، فقط سجن لا شئ آخر. الفصل الأول من الرواية أضعة وبكل أريحية ضمن قائمة أفضل وأقوى ما قرأت فى حياتى، ذلك الجزء من حياتة عن قريتة الأولى المجهولة الإسم والمكان، قد يتذوقه أكثر من درس العمارة أو يمتلك خلفية جيده عنها، لوحة معمارية معقدة فانتازيا، تدخل فيها إلى منزل من خلال منزل آخر وتخرج من حارة إلى حارة ثم تنتهى بجدار أو حتى تزيل جدار أو تفتح باب فتجد نفسك فى الحارة الأوسع، عبقرية فى التعبير لم أرى لها مثيلا من قبل. ثم مع تكرار نفس الأفكار مرات ومرات وإصرار الكاتب على تأكيد نفس المعانى طوال الرواية ، أصبحت المعانى مبتذلة ولم يستطع الكاتب أن يستمر فى إبهارة ، لذلك فالفصول الأولى أكثر تأثيرا مما يليها ، وفى النهاية للأسف أصبحت الرواية ثقيلة على القلب وأصبحت الكآبة ماسخة من كثرة تكرارها وفقد الحزن رونقة ، حتى فى الفصل الأخير عندما خرج الكاتب من مصر وذهب إلى برلين ولندن - فى أضعف جزء فى الرواية - لم يتغير الأمر ، حتى فى لندن وبرلين كان يرى معظم الأشياء سوداء . كانت من الممكن أن تكون واحدة من أعظم الروايات لو كان عند الكاتب قدرة أو رغبة أن يكون أكثر مرونة وقادرا على خلق منحنيات ومنعطفات بدلا من السير على نفس الخط المستقيم طوال الرواية
أكملت قراءة الرواية بصعوبة شديدة، فهي على المستوى الفني غير ذات موضوع، فالراوي/ البطل يعاني مشكلة مع الأماكن، وبات الامر متوقعاً، سيذهب إلى أي مكان حتى لو بدا جيدا في البداية سيغدوا مطبقا على روحه بعد حين، ويتكرر الأمر إلى ما لا نهاية. اللغة جيدة في بداية الرواية، ولكنها تصير ثقيلة وممجوجة بعد حين، على مستوى القصة فليس هناك حكاية يمكن الإمساك بها، ربما جوهر القصة هي تأثير المكان على الإنسان وإعطائه قيمة معنوية، ولكن الإنسان هنا يمشي في طريق جبري لا يستطيع الفكاك من قدره كما هو الحال في روايات نجيب محفوظ. وعندما تقترب من النهاية، وتتأمل أن البطل جال في مصر طولا وعرضا ولم يجد المكان الذي إليه يستريح بل كل الأماكن تغص بفاقدي الشرف والمروءة واللوطيين فأين الزمن الجميل الذي يحدثونا عنه الان؟!
محاولة للبحث عن عالم أكثر جمالًا، من خلال تجربة الراوي عبد العزيز فى السجون المصرية، فى الستنيات، عبر عدة بيوت سكنها الراوى بداية من قريته غير المسماة، ثم فى مدن عدة تبدأ من ميت غمر بدلتا مصر ، وتنتهى فى برلين، ومرورًا بطنطا والاسكندرية والقاهرة. ببراعة كاتب قدير وحساسية روائى جمع فى تكوينه بين الأصالة والحداثة، استطاع أن يقيم مقابلة جمالية بين عدة أشكال من السجن والقهر ، سجن الخارج والداخل، سجن التقاليد والحداثة ، سجن الروح والجسد، سجن الأبنية الصغيرة القبيحة فى العشوائيات والأرياف وسجن نواط السحاب العملاقة فى المدن الرأسمالية فى الغرب.
أعتقد أني أستطيع القول أن عنوان هذه الرواية هو أصدق بيان يمكن أن يشي بمضمونها، لكنك أيها القارئ العزيز لن تعي ذلك بالطبع حتى تقع في شراك هذه الرواية البديعة المُزلزلة لمشاعرك حتما، ستخرج منها مصاباً بعدوى الغرف المقبضة، ستختلف نظرتك للحيطان و الأسقف بل والسلالم وواجهات المباني، ستعلم ربما أشقيٌ أنت أم سعيد في حياتك بالنظر إلى غرفتك أو بيتك أو المكان الذي تعيش فيه. هذه الرواية قد تُتهم بالكآبة وهذا حق لا ريب، لكنها كاشفة لزوايا في نفوس الناس تُقارب نفسك أنت. ستجد أنك قد تُشبه بطل الرواية في شئ أو أشياء، وقد تشبه غرفتك غرفته في شئ أو أشياء. هذه رواية عن الحياة الواقعية من وجهة نظر جديدة.
من وجهة نظري، اخطئ المؤلف فى تحديد موضوع الروايه، كان يحكي عن البطل من خلال وصف المكان، لكنها اطال فى المكان فاصبحت انسي البطل، اطال البطل فانسي المكان. لم اقدر على استكمالها، فكرر من خلالها نفس الاخطاء، كان يقدر اتخاذ هذا المنهج دون التشتت مثلما فعل الكاتب خيري شلبي فى قصة الوتد، حيث وصف القصة من خلال افراد الاسرة و نشاهد حكايه بيت فاطمة تعلبة، دون ان تشعر من تزوج من و من طلق من، لكنه غير فى الموضوع فاصبحت روايه بلا موضوع.
يلعن أبو ده نَصّ يا أخي ! على ما فيه من قدرة لغوية مدهشة وليست بالمستغربة من عبد الحكيم قاسم ، إلا إنه وعن كل جدارة واستحقاق أبشع وأكئب نص قريته في حياتي وأكتر شيء مُقبض وموجع ومثير للسواد والغثيان والاغتمام ممكن حد يرميه سوء حظه لإنه يقراه ! ولعل من مفارقات النص ده ، إن من قرأه ، يستطيع تحميل السطور السابقة على منحى الذم أو المدح للرواية !
لغة هذا الرجل ساحرة ، شديدة العذوبة ، وفكرة أن يكون أبطال الرواية أماكنا وليس أشخاصا هي فكرة بديعة بلا شك ولكن المعالجة الروائية جعلت الرواية لحنا جنائزيا شديد الكآبة بصورة لا تحتمل ، ولولا أن الرواية قصيرة نسبيا لما أتممتها للنهاية