جاء في كلمة الغلاف لد.شريف رزق: يتجسَّدُ الخِطابُ الشِّعريُّ لدَى القِلِّيني، في هذِهِ المجموعَةِ منْ النُّصوصِ الشِّعريَّةِ، عَبْرَ نبرَاتِ صَوْتٍ تلتحِمُ بالحَراكِ اليَوميِّ المَعِيشِ، في أدَاءٍ سَرديٍّ شفويٍّ رَهيفٍ، يَحْتَشِدُ بالتَّشكيلاتِ التَّصويريَّةِ، ويَجْنَحُ إلى بِنْيَةِ المُفارَقةِ، في عَلاقاتِ الذَّاتِ بالواقعِ المَعِيشِ أو علاقاتِ الأشياءِ في الواقعِ المَعِيشِ.
الأدَاءُ الشِّعريُّ، بهذا المِنْهاجِ، يُذكِّرُنا بالواقعِ على الدَّوامِ، وهو يُعِيدُ تشكيلَهُ في أبنيَةٍ شِعريَّةٍ رَهيفَةٍ، تنتهِكُ المَجَازَ بالمَجَازِ في أحْيَانٍ كثيرَةٍ، وثمَّ نُزوعٌ واضِحٌ إلى السُّخْريَةِ والتَّهكُّمِ على آليَّاتِ الشِّعريَّةِ السَّابقةِ أو المُستقرَّةِ، وثمَّ نزوعٌ آخَرُ إلى الإنسانيِّ والشَّخصَانيِّ.
قلما تجد شاعرًا مبدعًا يتمتع، إلى جانب خياله الخصب، بالتواضع. فالغرور والإعتداد بالنفس تكاد تكون صفتين ملازمتين لأغلب الشعراء منذ، وربما قبل، أن صرح المتنبي قائلاً
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ***وأسمعت كلماتي من به صمم
محمد القليني، على عكس المتنبي، يؤكد للقارئ في أحد نصوص الكتاب بأن قصيدته ليست حديقة تعج بالعصافير، ولا سينما تقضي فيها وقتًا ممتعًا، بل هي مجرد مرحاض كبير يتقيأ فيه خيباته وهزائمه، ويعترف بأنه ليس سوى شاعر فقير، لا يملك في الحياة سوى قصائده التي يدسها في أفواه أطفاله إذا جاعوا. ويؤكد بأن موته، كشاعر، لن يكون سببه إذا حدث عدم الإقبال على قصائده ، بل عندما يكتب قصيدة رديئة!
ومع أنه يقول بتواضع شديد في قصيدة أخرى بأنه شاعر لا يجيد الإمساك بتلابيب فكرته، ولا يعرف كيف يوظف أدواته لكتابة نص جيد، إلا أنه استطاع في هذا الكتاب صيد التفاصيل العادية والمبتذلة في الحياة وتحويلها إلى قصائد غير عادية ومذهلة أحيانًا.
لذلك لن أجد ما أقوله حول قصائده سوى الإهداء الذي زين به الصفحة الأولى من الكتاب يشكر فيه كل شاعر قرأ له ووجد نفسه يصرخ في نهاية قصيدته
الجدار في الطابق الأرضيّ يتدفّأُ بأصابع الأم العجوز وهي تزحفُ وحيدةً إلى المرحاض، ويحثُّها على الحديث إليه قبل أن يتساقط الصَّدأ مِن حنجرتها المُعَطَّلة عن العمل ويفرح حين تجمع كفيَّ زوجها الميت من على سطحه كما لو كانت مراهقة تجمع لحبيبها زهورًا ولأنه جدارٌ طيبٌ مثلها فلا يخبرها أنه يكره أبناءها الذين تثبِّتْ صورهم عليه بالمسامير لأنهم يجعلونها تبكي كلما نظرتْ إليه الأمهات يسكُنَّ في الطوابق الأرضية بينما أبناؤهنَّ يعيشون مع زوجاتهم في الطوابق العالية لذلك عندما تموت الأمَّهات لا يحزن عليهنَّ إلا الجدار وما الرطوبة التي تظهر عليه فجأة إلا دموعه الغزيرة التي لا تتوقف
الشعر عجوز لا يشيخ، يحمي المعنى، يقف هزيلا شاهرا سيفه نحو المجهول دون جدوى في زمن الحرب النووية،القتل فيه مجرد كبسة زر. كلما قرأت شعرا جميلا أشعر نحوه بالخجل ليس لأننا في زمن يعد الشعر فيه كالأحافير القديمة والنادرة، بل لأنه لا يزال سيد اللغة حتى وإن لم يعد الآن ديوانها.
لا أرغب في كتابة أي شيء عن هذا العمل، ربما لأنني أريد أن أبقى بحالتي التي أنا عليها الآن، التي قد يفسدها أي رأي أتفوه به. في الشعر كل الأشياء متقابلة ومتسقة، فقط ركز بما هو حولك من أشياء ساكنة، تشبع بالألوان التي تراها وبالوقت والحركات من حولك، الآن أغمض عينيك، حاول الدخول في عالمك اللامرئي، هل تشاهد دوران عقارب الساعة، أتعرف ماذا يقابلها في العالم اللامرئي؟ إنها أعقاب مشتعلة في عالم صار كله منفضة سجائر !
أو أن استعير منها قدمين أضيفهما إلي قدمي اللتين لا تمكنناني من اللحاق بأحلامي السريعة . وحين أضع رأسي قوق الوسادة تجثم فوق صدري كل القصائد التي لم اتمكن من كتابتها . نثري أكثر منه شعري
"لكنّ قصيدتي ليست حديقة تعجُّ بالعصافير ولا سينما تقضي فيها وقتاً ممتعاً قصيدتي مجرد مرحاض كبير أتقياً فيه خيباتي .. وهزائمي"
"حين أموت لا تحملوني إلى القبر مباشرة أريد أولاً أن أشاهد زوجتي وهى تُلقي كتبي في أول عربة (روبابيكيا) تمر أسفل نافذتها. أن أحضر إبرامها لصفقة مخزية مع صاحب المطعم الذي يحتل ناصية شارعنا حتى تستبدل بأوراقي بعض أقراص الطعمية أريد أن أكون قريباً من قصائدي في هذه اللحظات المؤلمة قصائدي التي ستمتلاً معدتها الرقيقة بالزيت ولن تكف عن السعال زوجتي أيضاً ستسعل بشدة وهى تقذف الأقراص الساخنة في فم أبنائي وتصرخ كقائد مجنون منتصر: كلوا يا أطفال أخيراً .. أصبح لهراء والدكم جدوى!"
بدأت في تصفح الديوان لرغبتي في القراءة وعدم قدرتي عليها، فقررت أن أقرأ ديوان شعري فتكون قراءة خفيفة، وقد كانت كذلك فعلاً!
تجربتي الأولى مع الكاتب وحقيقة لا أعلم عنه شيء سوى أن هذا الديوان وقع في يدي مصادفة وقررت قراءته واكتشفت أن الكاتب لديه لغة بسيطة وأسلوب سلس ويكتب شعراً ممتعاً.
قراءتي الحثيثة للشعر الأجنبي (المترجم) تجعلني - لاشعوريًا، في أغلب الأحيان - أقارن بينه وبين ما أقرأ دوما من شعر فصيح للكتاب الشباب. على أن الديوان به من الروح المصرية الشعبية البسيطة ما لا يحتويه بالتأكيد معظم الشعر الأميركي مثلا. وهو به من اللطف والجمال ما ليس بقصائد آن ساكستون؟ ربما المشكلة ترجع في الألفاظ أو القوالب أو الصور ما يسميه القراء "كليشيهات" أو إكلشيهات أو cliché أو أيًا ما اصطلح عليه للتعبير عن هذه الفكرة. لكنه ديوان لطيف ويمتلئ خفة ورهافة - أو أيًا ما كان ذلك
افتح فمك أيُّها الموت أريدُ أن أسقيك ماء عاديًّا.. بدلًا من دموع الأرامل والأيتام أن أدهن حنجرتك بأغنيات هادئة تستقبل بها زبائنك المرعوبين منك لماذا لا تتقمّص دور مرشد سياحيّ؟ فلتلتقط آخر نفسٍ في صدر زبونك وتضعه داخل حقيبة جلديّة فاخرة.. ثمّ تبتسم في وجهه وتقول بطلاقةٍ: "سيدي هل تسمح لي أن اصطحبك في رحلةٍ إلى السماءِ"
رحلة ممتعة مع محمد القليني الذي جذبني عنوان ديوانه الشعري ما أجمل عناوين قصائده وما أبسطها وأعمقها. ...... هل تقبل ماكينة تصوير الأوراق أن أتمدد داخلها وأطبع مني عشرات النسخ؟! قولوا لها أن واحدًا مني لا يكفي لصد طعنات الموسيقى وأني أريد أن يكون هناك نسخًا احتياطية مني كي أستخدمها عند الحاجة كأن أستعير منها قدمين أضيفهما إلى قدمي اللتين لا تمكناني من اللحاق بأحلامي السريعة ..... كتبت بالأمس قصيدة عن البحر ربما يفسر هذا سر تلك السفينة التي وجدها أحدهم عالقة فوق ياقة قميصي ......
لكنّي أُحب الله وأعلم أن له حكمة من أن تمطر سحابة في المكان الخطأ ومن أن يُضيء القمر طريق أشخاص سيئين.
أنا مبفهمش في الشعر أوي، يمكن مبفهمش خالص، وده بيخلي رأيي في أي شعر بقرأ أبياته مبني على اللغة بتاعته الحلوة، والفكرة الحلوة، والمتعة في الصور والتراكيب، وأنا استمتعت جدا بالأبيات دي.
الجدار في الطابقِ الأرضيّ يتدّفأ بأصابعِ الأُمِّ العجوز وهيّ تزحف وحيدةً إلى المرحاضِ ويحثُها على الحديثِ إليه قبلَ أن يتساقط الصدأ من حنجرتها المُعطلة عن العملِ ويفرح حينَ تجمع كفّيْ زوجها المَيّت من على سطحه كما لو كانت مراهقة تجمع لحبيبها زهورًا ولأنه جدارٌ طيّبٌ مثلها فلا يُخبرها أنه يكرهُ أبنآءها الذينَ تُثبِّتُ صورَهم عليه بالمسامير لأنهم يَجعلونها تبكي كُلّما نظرتْ إليه. الأمهات يسكُنَّ في الطوابقِ الأرضيّة بَينما أبناؤُهنّ يعيشون مَع زوجاتهم في الطوابقِ العالية، لذلكَ عندما تموتُ الأمّهات لا يَحزن عليهُنَّ إلاّ الجدارُ وما الرُّطوبة التي تظهر عليه فجأةً إلاَّ دموُعُه العزيرة التي لا تتوقفُ.
•••••••
افتح فمَك أيُّها الموت أُريدُ أن اسقيك ماءً عاديًا بدلًا من دمُوع الأرامل والأيتام أن ادهن حُنجرتك بأُغنياتٍ هادئة تستقبلُ فيها زبائِنك المرعوبين مِنكَ. لماذا لا تتقمّصُ دورَ مرشِدٍ سيّاحيّ؟ فتلتقط آخر نفس في صدرِ زبونِكَ وتضعهُ داخِلَ حقيبةٍ جلديّةٍ فاخرة ثمّ تبتسم في وجههِ وتقول بطلاقةٍ: "سيّدي هل تسمح لي أن أصطحبك في رحلةٍ إلى السماء؟"
اسمي محمد القليني .. اكتب الشعر .. واعمل في شركه ملابس .. ليس بين الامرين اي تعارض .. فثمه مخزن كبير .. اخزن فيه قمصانا مستورده .. يتهافت الناس على شرائها .. وثمه قلب اكبر .. اخزن داخله قصائد .. لاتجد لها مشتريا.
ديوان جميل و رقيق بشكل غريب، انا فاكر كويس لما جبته في معرض الكتاب من سنتين مكنش عندي اي فكرة مسبقة عن القليني، لكن عنوان الديوان شدّني جداً فا قررت اشتريه و اشوف بيقول ايه .
الحقيقة شِعر و اسلوب القليني بسيط جداً و جماله يكمُن في البساطة دي .. و الجمل الشعرية عنده ينطبق عليها السهل الممتنع فعلاً.
"ما هذا الجمال! " هذا ما نطقت بهِ نفسي ، بعد أن أنتهيتُ من قراءة هذا الديوان الماتع الذي فاضت منهُ المشاعر وغَمرت نفوس القُراء . أبدعت يارفيق ، وفي تقدُم دئمًا ، مُنتظر القادم بشغف .
جميلٌ وليس شعرًا، وأعتقد أننا لسنا مُضطرين دائما إلى إلى إدراج النصوصِ تحت لونٍ أدبي محدد، يكفي أنه كلامٌ حسنٌ تسببَ في بعضِ المتعةِ أو في إنارةِ فكرةٍ أو إيقادِ شعور.
أسمي مُحمّد القليني أكتبُ الشَّعر وأعملُ في شركة ملابس ليس بين الأمرين أيُّ تعارُضٍ فثمةَ مَخزنٌ كبيرٌ أُكدسُ فيه قُمصاناً مُستوردةً يتهافتُ الناسُ على شرائها وثمةَ قلبٌ أكبرُ أخزنُ داخلهُ قصائد لا تجدُ لها مشترياً
تقول زوجتي: أن بيتنا قديمٌ جداً وأن حُجرة الأطفال لا تتسع لسريرين صغيرين فكتبتُ بيتاً شعرياً ذا مجازٍ رحبٍ وقلتُ وأنا أشيرُ إليه: "يُمكننا أن ننام ها هُنا الليلة"
دائماً أحملُ إبرةً وخيطاً لأُرقع قلبي كُلما خرجت منهُ قصيدةٌ كرشي الصغيرُ لا يمنعُني من الأختلاط بالناس وحدهُم الشُّعراءُ يُعيرونني به كثيراً رغم أنهُ قد نشأ بسبب التهامي لقصائدهم السمينة
صوبوا بنادقكم إلي، واضغطوا الزناد كُلُّ ما سيحدثُ أن الموسيقى ستنفجرُ من شراييني! لا تصدقوا أن شاعراً يُمكنُ أن يموت بهذه الأساليب التقليدية. في مرةٍ حاول لصٌ أن يطعن صدري بسكينٍ لن يُصدق أحدٌ أن هذا اللص أصبح الآن مُطرباً عظيماً! أنا أيضاً لم أُصدق عيني حين رأيتهُ يُلملمُ كُل أغاني "حليمٍ" التي نزفها قلبي ويُعبئها بحرصٍ في حنجرته الخشنة! صدقوني: شاعرٌ مثلي لن يموت إلا حين يكتبُ قصيدةً سيئة.
تجربة أولي جميلة للكاتب ، تشبيهات بديعة في النص خلتني اعيد قراءتها اكثر من مرة عناوين القصائد قصائد في حد ذاتها : سأفرغ بطن الخريطة من البلاد السامة ، وردة خرجت من فوهة بندقية ، رصيف المحطة يلعق أقدام المسافرين ، أخبز مشاعري لإطعام قصيدة جائعة ، بندقية تعج بأنفاق تُفضي إلي الفق�� ، الموت بجرعة زائدة من الأحلام ، .. وغيرهم استعارات لأول مرة اقرأها ، ومدهشة الحقيقة ومش مفارقة دماغي من ساعة ما قرأتها
الديوان كله اقتباسات ولكن ممكن نكتفي ب دول - أنا شاعر .. لم يكتب عن أي شئ تقريباً ! فقط .. في مرة كتبت قصيدة عن قبر بحجم وطن ، ثم ألقيت جسدي داخله .. ومِتُّ .
- يا أخي أصابعك التي أمسكت بها بندقية صوَّبتها إلي صدري أصابعك التي ورطت إحداها في ضغط الزناد وأجبرتها علي صفع جثتي فور سقوطي أمامك ، أصابعك هذه .. انا علي يقين أنها دعت الله كثيراً من أجل أن تستخدمها في كتابة قصيدةٍ أو في الرَّبْت فوق أصابع بيانو يتيمٍ .