يوم المحاكمة أعاد عروب الفالت فتح كتاب الحياة ليتهجى بعضا من حقيقته حقيقة أنه ليس إنسانا يعيش بين البشر في عزلة لا أمل في العودة منها إلا بالإنتماء لفصيلة أخرى حتى لو كانت فصيلة كلاب أين يمكنه أن يرى الحياة كما يريد دون بهرج الألوان وخداعها بالأمس كان طفلاغرست فيه الحياة مخالبها فأذاقته من الذل ألوانا وهو اليوم مجرم خلف القضبان يصرخ باعلى صوته أنه من فصيلة الكلاب عاش مثلها ويريد أن يموت ميتتها أن يكرم بالموت لا أن يعاقب بالحياة فأكبر جرمه انه يوما أراد أن يكون إنسانا
أقف عاجزة أمام جنس هذه الرواية فهي مطبقة في التخييل كما هي محفورة في ذاكرة الراوي، راو يستلهم من ذاكرته الكثير كلما أغرق في نسج حبكة روايته. هي أيضا مرجع مهم عن الكلاب يأتي بتاريخهم منذ كانوا ذئابا متوحشة حتى يومنا هذا و قد لان عودهم و صاروا يألفوننا و يتجول في جغرافيا الأرض يتتبع كلابا حول العالم و هو يحكي تاريخهم. يأتي السؤال هنا؟ من الكلب؟ ماذا يقصد الراوي ب"كلب"؟ أقف عاجزة هنا أيضا. فالراوي هو راو و هو كلب أيضا. له إسم و له كنية و لكن له خطام و يسيل لعابه أغلب الأحيان. على مدى الرواية لن تعلم من يتحدث في أغلب الأحيان: أهو الراوي أم هو الكلب، أظن أنه راو مستكلب. يروي هذا الراوي الكلب وقائع محاكمته التي شغلت الرأي العام لأنها محاكمة انسان يدعي أنه كلب. التهمة هي التحريض على القتل و محاولة القتل: تحريض على قتل الكلب و ترك الراوي تنتهي بانتصار الكلب و محاولته لقتل المعتدي عليه. يتناول المدعي العام و محامي الراوي الكلب باسهاب صفات الكلاب و دورهم في الطبيعة ثم المجتمع بعد أن "تدجنوا". المدعي العام و رئيس المحكمة يحتقران و الراوي و محاميه يمدحان. يمدح الكلب المنتصرعلى الراوي الكلاب و يحتقر الانسان "بوكرعين" لأنه خائن و أناني و هي صفات يتنزه عنها الكلاب. تزيد الأحداث تشعبا عندما تطلب المحكمة تدخل طبيب نفسي ليحلل شخصية المتهم التي يصعب عليهم إدراكها، و يصعب عليه هو أيضا. ينوم الطبيب المتهم ليكتشف أنه يعاني من الفصام. لأن المتهم عاش عيشة كلاب فقد نسخ من ذاته كلبا و مزقه عن ذاته الأصلية ليتغلب هذا الكلب عليه في الآخر و يستولي على جسده. بين جلسة محكمة و أخرى يروي الراوي الكلب سيرته الذاتية لرفيقه في السجن الانفرادي (؟) ك"عروب الفالت" الطفل المتبنى المغتصب المنبوذ الذي عاش عيشة كلاب و يريد أن يموت ميتة كلاب. استبيح "ع" منذ ولادته ثم في صباه و كهولته لأنه رجل منزوع الهوية، ابن بالتبني، و تصريح الكاتب لاحقا بأنه ابن بالتبني هو أيضا يزيد من صعوبة تصنيف الرواية و يكشف أيضا نقل الراوي، الذي يبدأ اسمه ب "ع" أيضا، لمعاناته عبر شخصيته الرئيسية. يتأكد لنا لاحقا فصام الراوي الكلب عندما يتعجب سجانه من ذكائه في اختراعه لرفيق يؤنس وحدة زنزانته و يروي له حكايته. و هنا يتبين لنا أن هذا الفصام هو وضعية دفاعية لجأ لها الراوي الكلب لكي لا يخرج من العالم، عالم نبذه و لكنه لازال متمسكا به. هنا تأتي دلالة الكلب التي نقلها الكاتب على لسان عميد المحامين العرب في الرواية " المواطن عروب الفالت ليس متهما عاديا في قضية عادية، بل إنه في تقديرنا، يمثل بل يختزل نسغ روح هذه الأمة. إنه التكثيف المأساوي للمواطن العربي [...] إن محاكمته هي محاكمة تاريخنا". هنا نفهم أن الكاتب يختزل مأساة المواطن العربي في أنه يحيا حياة الكلاب على أنه يحتقر الكلاب و على أن وضعها أحسن من وضعه. في نفس الوقت يضع الكاتب إصبعه على جرح عميق، جرح الهوية، هوية من لا أصل له أو من اكتشف أن له أصل كلب. من الدلالات البليغة التي استعملها الكاتب أيضا أن جعل من هذا الراوي المستكلب حارس مرمى، حارسا وحيدا سجين مرماه لا يغادره فبمغادرته يستباح من يحميهم، حارسا ينشد الحرية و لكن في حريته هزيمة من يحميهم. ألا يفكرنا هذا بالكلب؟ فالكلب حارس مطيع إذا لم يحرس أصحابه استباحوا ملكيتهم، حارس إن أراد حريته هلك أصحابه. و هذا ما يفاقم أزمة الهوية التي يطرحها الكاتب. و لكن ألا يحق للكلب أن يكون حرا؟ ألا يحق له أن يعود ذئبا طليقا كما كان أسلافه يجوب البراري و يكون سيد نفسه لا ينتظر أن يطعمه أحد أو يتبناه أحد كي لا يكون كلبا ضالا عالة على المجتمع؟ كل هاته الدلالات تفسر طلب المتهم في النهاية. هو يريد الإعدام، يريد الموت على حياة بين بين، حياة انسان كلب مستباح مصاب بالفصام لا يعلم من هو. لكن تنتهي المحكمة بحكم العقوبة القصوى: الحياة مدى الحياة. و كأن الكاتب ينهي حكايته باصدار حكم الكلب على كل منا فبعد الحكم صار الراوي الكلب ينبح و انتهت الرواية بأن سرت عدوى النباح في صفوف الجميع.
This entire review has been hidden because of spoilers.
تخيل أن إنسانا تلبسه كلب، صار جزءا منه، انصهرت روحاهما فصار بو كرعين (الإنسان) يجرش، يسيل لعابه وينبح ؟
يقرر "ع" هذا الإنسان المستكلب، التخلص من الكلب الساكن فيه، ليجد نفسه متهما في التحريض على القتل.
تقام محاكمة، محاكمة الكلب أم الإنسان الذي عاش عيشة الكلاب ؟
الحوار بين الدفاع والنيابة شيق جدا، زاخر بمكانة الكلاب عند الغرب والعرب، إضافة إلى حضورهم في الأدب.
يبدأ البطل في استحضار ذكرياته ليفهم القارئ ما الذي جعل منه ما صار عليه، إنسانا مستكلبا أم كلبا يقف على قائمتين ؟
الطفولة، هذه المرحلة المصيرية في عمر البشر. بضع سنوات تنحت في الإنسان شخصيته وقد تكلفه اضطرابات نفسية وجموحا.
العائلة والإنتماء، هل الأم من أنجبت أم من سهرت الليالي ؟
العفو والمغفرة، هل هما غاية أم وسيلة للتصالح مع واقع "كلب"؟
تطرق الكاتب عن طريق ذكريات بطله إلى ملف الهجرة الغير شرعية، أحببت جدا هذا الجزء من الرواية لما فيه من رمزية ونقد ساخر لاذع.
محاكمة كلب هي رواية جميلة جدا، هي رواية الإنسان بإنسانيته وحيوانيته، هي رواية المقاومة، مقاومة التهميش والإستغلال، هي صوت الثورة ومن المؤسف أن يكون الصوت نباحا !
رواية رائعة خاصة لو تحدثنا عن الأسلوب الفريد الذي استخدمه الكاتب .أحداث تغوص جذورها المتفرعة في أعماق الواقع الحالك و الدامي لتنمو تدريجيا و تتماسك واهبة القارئ المسافر في خضم بحر من الألم و المرارة والوحدة و العزلة المناطة بعهدة الشخصية الرئيسية بحر يغرق فيه الكل رواية أروع ما يشدك فيها هو بناؤها على اساس احداث و وقائع حقيقية ليتحطم فؤادك من شدة الألم و تتراوح بين الماضي و الحاضر لتكتمل الصورة لك صورة لطالما تمنى "عروب الفالت"وهو الشخصية الرئيسية أن تكتمل ملامحها .رحلة يكتوي " ايكاروس" القارئ في نهايتها و تذوب أجنحته موقعة به على أرض الواقع بعيدا عن كل أمل و يقين و كمال ليرتطم بالحياة مدى الحياة على هذه الأرض أرض الكذب و الرياء أرض الكلاب المقهورة أرض الفصام ... من أروع الأعمال الأدبية التونسية .شكرا على هذا الإبداع و الخلق الراقي
كيف ستكون ردة فعلك إذ أصبت بحالة من الإنفصام؟ ماذا لو أصبحت كلب ؟أو ماذا لو أن حياتك عبارة عن وهم و خيال؟ محاكمة كلب عنوان تصدر جميع عناوين الصحف حيث أن المتهم هو عبارة عن كلب يمثل أمام القضاء بتهمة الهجرة الغير شرعية و القتل الراوي أو "المستكلب" هي" عروب الفالت" كنيته هو" السلوقي" المتهم لا ينتمي الى فصيلة الانسان "بوكرعين" إلا ان الغريب في الرواية هو أن الراوي أثناء المحاكمة يكون على شاكلة كلب لكن عند إنهاء المحاكمة و إقتياده الى السجن يتحول الى إنسان حزين و مجروح يلتقي بشخص في الزنزانة ليقص عليه تفاصيل حياته بدأ من الطفولة وصولا الى رحلة بحثه عن أمه و تفاصيل أخرى ليكتشف في ما بعد أن هذا الشخص هو وهم الحكم النهائي في هذه القضية كان غريبة بالنسبة له الرواية بالنسبة لي كانت مختلفة عن بقية الروايات من ناحية الموضوع ، الشخصيات و جنس الرواية أيضا
رائعه, رواية لا تلتزم بالقواعد المفترضة كما يحب ان يكون النص الأدبي. قصيرة بحجمها و تستطيع القبض المشاعر في كل سطر لكونها تمس حياة الكاتب شخصياً, ليست رواية خيالية, قريبة للنفس .. تحية كبيرة لعبدالجبار , وليسقط أبو كراعين.
اختلف في جنس هذا النص هل هو رواية أم سيرة ذاتية فالكاتب لم يعلن عن ميثاقه السيرذاتي فضلا عن أنه أسبغ عليه كمية من الغموض تحول دون القطع بأنه كان ينقل لنا في مشاهد متقطعة حياته الشخصية و لكن لنا بعد قراءة الحاشية أن نؤكد أن هذا النص ما هو إلا السيرة الذاتية للعظيم (كما يحلو لي أن أطلق عليه) عبد الجبار العش فرغم تمويه الكاتب المتعمد في ثنايا نصه بأن أطلق على الشخصية البطلة اسما غير اسمه و تكتم على أسماء شخصيات لها صلة بالبطل؛ أبواه بالتبني و والداه الحقيقيين و أخواته و إخوته و حتى الشخصيات التي أثثت مشاهد المحكمة فإنه اكتفى بتسميتهم الرسمية من قبيل "المدعي العام"، "المحامي" و "رئيس المحكم" دون ذكر أسمائهم الكاملة و لكن يجب الإشارة في هذا السياق إلى نقطة مهمة هي إسناده لكل شخصية لها علاقة بالبطل أثناء قصه أحداث حياته حرفا يتيما من قبيل "عين" أو "نون" و ماهذه الحروف إلا الحروف الأولى من أسماء هذه الشخصيات في الحقيقة و ذلك باعتبار أن عروب الفالت و عبد الجبار العش يشتركان في الحرف الأول "العين" و بذلك فإن ال��اتب توخى أسلوب التلميح.. رغم البلبلة التي أحدثها هذا النص الفذ لعبد الجبار العش من ناحية جنسه فإنه يظل من أروع الانتاجات الأدبية التونسية.. فريد في أسلوبه و طرحه للموضوع و فريد في لغته و أحداثه.. و قد تراوحت أحداثه بين مكانين اثنين هما المحكمة حيث سيتم محاكمة عروب الفالت لتهمتين هما "تحريضه على القتل" و سيتبين لنا في النهاية أن الكلب الذي حرض شخصا على قتله ليس إلا هو نفسه فهو الكلب-الشخص الذي يتمنى موته أما التهمة الثانية فهي "الهجرة الغير الشرعية عن طريق البحر" و المكان الثاني هو الزنزانة حيث سيجد فيها رفيقا يؤنسه و يسرد عليه قصة حياتة المضمخة ألما و شقاء و في الحقيقة ما هذا الرفيق إلا ظل البطل أي لا وجود لشخص آخر معه داخل الزنزانة و سيقع تفسير ذلك في آخر الرواية بأن البطل مصاب بالفصام و هو ما دفعه إلى تخيل هذا الشخص.. و لعل أكثر الأحداث تشويقا هي تلك التي نقلها على لسانه مستعينا بذاكرته المشحونة بصور و مشاهد من طفولته القاسية حيث سكنته الحيرة و التسآل منذ نعومة أظافره إذ سيكتشف أنه ابن بالتبني و لكنه سيتناسى ذلك إلى أن يفاجئه يوما الدليل القاطع و منذ تلك اللحظة ستنطلق رحلة البحث عن والديه الحقيقيين.. هي رحلة ألم و عذاب ستؤرق بطلنا و تذيقه ألوانا من الشقاء خاصة بعد إطلاعه على تفاصيل مروعة تتصل بلحظة ولادته و سنواته الأولى... أخيرا أريد أن أشيد بطابع التشويق الذي غلب على هذه السيرة الذاتية الفريدة.. و البعد المزدوج الذي اتخذته و هو البعد الاجتماعي السياسي.. محاكمة كلب تخرج من بعدها الذاتي الفردي لتكتسب بعدا كونيا أوسع يخص كل كلاب العالم و كلاب هنا على المجاز و نعني بها الأقليات من المشردين و المهمشين و المظلومين الخ.. !وعموما هذه السيرة انتصار للكلب -الانسان الذي أطنب البطل و محاميه في إبراز خصاله و ميزاته التي بوأته مرتبة أرقى من مرتبة الانسان.. شكرا عبد الجبار العش على هذا النص المخاتل و الصادم و الممتع في آن..