وأنت واجد في هذه المقدمة ملامح ظاهرة من منهج التذوق الذي أصل له الشيخ وقعّد، ولعل هذه أول رسالة ظهر فيها منهج الذوق عند الشيح محمود محمد شاكر، وأصل هذه الرسالة مقدمة كتبها الشيخ لتصدير طبعة شرح العلامة الأشموني على ألفية مالك من تحقيق الشيخ محي الدين عبد الحميد والتي نشرت سنة 1933م، وقد كتبها وهو لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره.
أبو فهر محمود محمد شاكر أديب مصري، نافح عن العربية في مواجهة التغريب. اطلع على كتب التراث وحقق العديد منها. أقام منهجه الخاص في الشعر وسماه منهج التذوق. خاض الكثير من المعارك الأدبية حول أصالة الثقافة العربية، ومصادر الشعر الجاهلي.
خاض معركتين ضخمتين أولاهما مع طه حسين والأخرى مع لويس عوض كانتا من أبرز معالم حياته الأدبية والفكرية ويمكننا القول بأنه تفرع عنهما معارك فرعية وثانوية كثيرة، وكانت هاتان المعركتان بسبب شاعرين كبيرين من شعراء العربية هما: المتنبي والمعري.
رسالة خفيفة ومهمة (هي في الأصل مقدمة لشرح الأشموني على ألفية بن مالك) وكما هي من اسمها والترتيب الذي وقع فيه، فقد ذكر الشيخ رحمه الله فيها نبذة عن ماهية اللغة ونشأتها عموما، ثم نشأة العربية خصوصا، ثم نشأة علوم العربية بعد ذلك، ثم ذكر أعلام علوم العربية حسب الطبقات، فذكر من طبقات نحاة البصرة أربع طبقات، ومن طبقات نحاة الكوفة طبقتين، واكتفى بأشهر النحويين في كل طبقة وعمن أخذ كلٌّ منهم؛ يستطيع القارئ إنهاءها في جلسة واحدة، مع الأخذ بعين الاعتبار كونَها مقدمة، يُحتاج معها إلى زيادة بحث وتفصيل؛ وذاك ما أشار إليه الشيخ هنا غير مرة، إذ قال أنه عازم على تأليف كتاب في النحو أوسع وأشمل لكثير من التفاصيل التي أجملها في هذه المقدمة.. لكن حسب محقق هذه المقدمة، فقد حالت المنية بين الشيخ وبين إنجاز ذلك.. رحمه الله ورضي عنه وتقبل منه.