هذا الكتاب – وهو ثمرة دراسة قامت بها كاتبة جزائرية شابة أصبحت فرنسية بزواجها – يؤكد أن ظاهرة أم كلثوم تلك الفنانة العظيمة التى كانت بالأمس سفىيًا للفن وللوطنية المصرية ما زالت هامتها المهيبة ترتفع اليوم عالية فى العالم العربى كله، بل فى عالم الثقافة؛ فذكراها باقية فى كل مكان .. وما زال شدوها يعبر عن أعمق الأحاسيس الإنسانية: السعادة والسلام، والحب، والإخلاص.
إيزابيل صياح هنا لا تكتب عن مغنية عادية مر عليها الزمن، هي تكتب عن صرحٍ كامل، عن أحد أهم شخصيات القرن العشرين عمومًا بلا مبالغة، ثومة ليست مجرد مغنية فقط.. هي مناضلة، محاربة، سياسية، دبلوماسية، وأهم من ذلك موحدة للعرب، وقد مرّ على فراقها الكثير ولكن مع كل يوم يأتي يُولد صوتها في القلوب، بالذات لو كان الوقت ليلًا.. ثومة هي رفيقة الليل، مؤنسة الوحدة، وأقرب الشخصيات إلى القلب.
استطاعت أم كلثوم في عالم جاف يكاد الجمال يندثر فيه أن تزرع بساتين الحب في القلوب بصوتها، بـ«هبة الله» لها كما تقول هي، وكان الله والحب ومصر هم عتادها. دعمت ثومة الملوك وآزرت عبد الناصر في زعامته للعرب وحملت أوتارُ حنجرتها مصرَ إلى القاصي والداني، ورغم كل ما وصلت إليه من مكانة ورفعة فقد ظلت تلك الفلاحة البسيطة الوفية لقريتها وبلدها.
الحديث عن ثومة لا يمكن حصره، ولا يمكن تحديد إطار محدد يُختصر الحديث فيه لأن الحديث مهما تحدد فإنه يتشعب ليدخل في أشياء أخرى تخص حياتها وفنها وتاريخ الغناء قبلها وفي عصرها، وهنا إيزابيل صياح تقص سيرة ثومة بداية من نشأتها في قرية طماي إلى أن توفاها الله مع تناول بسيط إلى قصة المغنيين في عصرها مثل عبد الوهاب ومنيرة المهدية، الترجمة بديعة من سونيا محمود نجا، وتعديل أحمد عنتر مصطفى الذي صلَّح الكثير من الأخطاء التي وقعت فيها المؤلفة فكّ الكثير من الالتباس الذي كان ممكن حدوثه.
وفي نهاية الكتاب جدول كامل بكل أغاني ثومة ومؤلفيها وملحنيها وتاريخ التسجيل وشركة التسجيل، ثم ألبوم بالكثير من صور ثومة والتي بحثت عنها كثيرًا فلم أجدها على الإنترنت، واضحٌ أنها صور نادرة.
رحلة ممتعة جدًا، وهي أول قراءة لسيرة واحدة من أقرب شخصيتين إلى قلبي: ثومة ومحفوظ. رحمك الله يا صوت الجنة.