"اعلم أن هذا القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة رجال وبين ظهراني قوم، كانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مغمزاً وعليه مطعناً "
يتحدث الكتاب عن بعض أوجه إعجاز القرآن الكريم، سواء على مستوى اللفظ أو الآية، مشيراً إلى أن من أعظم جوانب إعجازه هو "صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس"
ثم ساق المؤلف العديد من الدعاوي التي تدَّعي عدم مجئ القرآن على أفصح وجوه البيان وأحسنها، وقام بالرد عليها بشئ من التفصيل، ومن أمثلة ذلك:
▪في ︎قوله تعالى (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) يقول المدعون: أن فعل السبع يكون الافتراس وهذا هو الافصح. 》ويرد المؤلف على ذلك قائلاً: الافتراس معناه في فعل السبع القتل فحسب، والقوم - أخوة يوسف - ادعوا على الذئب أنه أكله أكلاً، وأتي على جميع أجزاءه وأعضائه فلم يترك مفصلاً ولا عظماً، وذلك أنهم خافوا مطالبة أبيهم إياهم بأثر باق منه يشهد بصحة ما ذكروه.
▪في ︎قوله تعالى (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) قالوا: أن لفظ الهلاك يُستعمل في الأعيان والأشخاص، ولا يُستعمل فى الأمور التى هى معان، فلا يقال: هلك عن فلان علمه، لأن هذا مستقبحاً عير مستحسن. 》ويرد المؤلف على ذلك قائلاً: قد تكون الاستعارة في بعض المواضع أبلغ من الحقيقة إلى جانب أن الذهاب قد يكون بعده عود، أما الهلاك فلا يكون معه بقاء ولا رجوع.
أول رسالة من ثلاث رسائل كتبت فى اعجاز القرآن للمتقدمين وباقى لى قراءة . النكت فى اعجاز القرآن للرمانى واعجاز القرآن للباقلانى
الخطابى بين أوجه البلاغة والاعجاز فى القرآن ورد ردا مفندا على كل الشبهات البلاغية وحتى ما سجعه مسيلمة الكذاب من شعر كان يريد مضاهاة القرآن به ، رد عليه الخطابى ووضح اوجه فلسه واخطائه التى لا تأتى من شاعر مبتدئ وليس مدعيا لنبوة يريد تحدى القرآن.
والتحقيق أن أجناس الكلام مختلفة ، ومراتبها في درجة البيان متفاوتة ، فمنها البليغ الرصين الجزل ، ومنها الفصيح القريب السهل ، ومنها الجائز الطلق الرسل ، وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود . فالقسم الأول أعلاه ، والثاني أوسطه ، والثالث أدناه وأقربه ، فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة ، وأخذت من كل نوع شعبة ، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة ، وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادين ; لأن العذوبة نتاج السهولة ، والجزالة والمتانة يعالجان نوعا من الوعورة ; فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبو كل منهما عن الآخر فضيلة خص بها القرآن ، ليكون آية بينة لنبيه .
وإنما تعذر على البشر الإتيان بمثله لأمور :
منها ; أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التي هي ظروف المعاني ، ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ ، ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض ، فيتوصلوا باختيار الأفضل عن الأحسن من وجوهها ، إلا أن يأتوا بكلام مثله .
وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة : لفظ حامل ، ومعنى به قائم ، ورباط لهما ناظم .
وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة ; حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه ، ولا ترى نظما أحسن تأليفا وأشد تلاؤما وتشاكلا من نظمه . وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقديم في أبوابه ، والرقي في أعلى درجاته .
وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام ، وأما أن توجد مجموعة في نوع واحد منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير .
"وأجناس الكلام مختلفة: فمنها: البليغ الرصين الجزل، ومنها: الفصيح القريب السهل، ومنها: الجائز الطلق الرسل. والقرآن قد اشتمل على الأجناس الثلاثة في عبارات قيمة حازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة، وأخذت من كل نوع من أنواعها شعبة، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة، وهما على الانفراد كالمتضادين؛ لأن العذوبة نتاج السهولة والجزالة والمتانة في الكلام تعالجان نوعًا من الوعورة، فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبوغ كل واحدٍ منهما عن الآخر فضيلة خص بها القرآن، ليكون آية بينة على صحة ما دعا إليه".
على بلاغة القرآن وإعجازه إلا أننا في هذا العصر نعاني فلا كعب لنا في هذه اللغة وفوق هذا نواجه من الدعاوي والشكوك وموجات الإلحاد وانزال القرآن منزل الكتب الأخرى ومحاربته دون علم بل بترديد مايثار بكل صفاقة وجهل ،، جعل الله القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا
"في إعجاز القرآن وجها آخر ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ من آحادهم، وذلك صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا، إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه، تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها الوجيب والقلق ، وتغشاها الخوف والفرق، تقشعر منه الجلود وتنزعج له القلوب، يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها، فكم من عدو للرسول صلى الله عليه وسلم من رجال العرب وفتاكها أقبلوا يريدون اغتياله وقتله فسمعوا آيات من القران، فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الأول، وأن يركنوا إلى مسالمته، ويدخلوا في دينه، وصارت عداوتهم موالاة، وكفرهم إيمانا"
من أجمل الكتب المقررة في البناء المنهجي حتى الآن♥️📚
"إنما يقوم الكلام بهذه الاشياء الثلاثة، لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم، وإذا تأملت في القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا نرى من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه" .. " الساجع عادته أن يجعل المعاني تابعة لسجعه، ولا يبالي بما يتكلم به اذا استوت أساجيعه واطردت" "البلاغة لا تعيأ بالغرابة ولا تعمل بهما شيء" .. فرائد جليلة بين جنبي هذا الكتاب القليل بصفحاته الثري بفوائده البيانية عن وجوه الإعجاز في كتاب الله عز وجل.
سأل رجلٌ بعض العلماء عن قول الله عز وجل: {لا أقسم بهذا البلد}، فأخبر أنه لا يُقسم ثم أقسم به في قوله: {والتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين، لقد خلقنا}، فقال له ابن سُريج:
«اعلم أن هذا القرآن نزلَ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحضرة رجالٍ وبين ظهراني قوم كانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مغمزًا وعليه مَطعنًا، ولو كان هذا عندهم مُناقضةً لتعلقوا به وأسرعوا بالرد عليه، ولكن القوم علموا وجهلتَ، فلم يُنكروا منه ما أنكرت»
كتاب قيم وجميل على صغر حجمه، يجعلك تدعو الله أن يرزقك العلم بالعربية ليرزقك العلم بالقرآن وحلاوة تذوقه وفهمه.
كتاب عظيم يا حبذا لو يعاد تدوينه مع إضافة كل ما يتعلق بباب الإعجاز اللغوي في كتاب واحد فهو على إيجازه الغني غير مروٍ لظمأ القلوب إلى اكتشاف جمال القرآن وسحر إعجازه
الكتاب من السهل الممتنع، ويعد خطوة أولى في ولوج هذا الباب العظيم، باب إعجاز القرآن ، بدأ الخطابي ببيان عجز العرب عن الاتيان بمثل القرآن وأنهم ما عجزوا عنه إلا لكونه فوق قدرتهم لا يصلون لشأوه لا لفظا ولا معنى ولا نظما! وأعجبني المثل الذي ضربه ل��لك قال : "فكيف كان يجوز - على قول العرب ومجرى العادة مع وقوع الحاجة ولزوم الضرورة - أن يغفلوه ولا يهتبلوا الفرصة فيه , وأن يضربوا صفحًا , ولا يحوزوا الفلح والظفر فيه لولا عدم القدرة عليه والعجز المانع منه. ومعلوم أن رجلا عاقلا لو عطش عطشًا شديدا خاف منه الهلاك على نفسه وبحضرته ماء معرض للشرب فلم يشربه حتى هلك عطشَا [لحكمنا] أنه عاجز عن شربه غير قادر عليه. وهذا بين واضح لا يُشكل على عاقل."
ثم دخل بابا كان من أمتع ما قرأت في الكتاب ابتدأه بقوله : "ثم اعلم أن عمود هذه البلاغة التي تجمع لها هذه الصفات هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به , الذي إذا أُبدل مكانه غيره جاء منه: إما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام , وإما ذهاب الرونق الذى يكون معه سقوط البلاغة" ثم ضرب لذلك الأمثال من الصفات وأمثالها وأضداها نحو القيام والقعود والاضطجاع والجلوس والحمد والذم والشكر والكفران ، إلى غير ذلك من الألفاظ التي لكل منها مقامها الفريد الأليق بها، ورأي الخطابي في الإعجاز أنه ليس مما يعرف بالذوق والإحساس بل أن له معايير يعرف بها فضل الكلام على غيره ، قال: " وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل , ومعنى به قائم , ورباط لهما ناظم. وإذا تأَملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئًا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه , ولا ترى نظمًا أحسن تأليفًا وأشد تلاؤمًا وتشاكلاً من نظمه... واعلم أن القرآن إنما صار معجزًا لأَنه جاءَ بأَفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمنًا أصح المعاني"
ثم رد على سلسلة من الشبهات التي قالها بعض الناس في بلاغة القرآن من نحو الألفاظ ومواقعها ومخالفتها لمعهود كلام العرب والفصيح عندهم فرد عليها وبيّن الغلط فيها.
ثم بيّن كيف يعرف تفاضل الكلام بعضه عن بعض وعرض طرفا من نزالات الشعراء وأوجه تفضيل شعر بعضهم عن بعض، وفهمت لأول مرة على الحقيقة أهمية الشعر الجاهلي في فهم القرآن بل وفي الدفاع عنه ! فالخطابي لم يرد قول من قال بأن لفظ كذا لا تقول به العرب في موضع كذا إلا من الشعر الجاهلي مبينا أن العرب عهدوا هذا الاستعمال وابتعاد أهل ذلك الزمان عن طريقتهم لا يقدح في القرآن شيئا. ثم نقد سخافات من زعم أنه أتى بما يعارض القرآن نقدا أدبيا فقدرهم بذلك النقد الأدبي فوق قدرهم ، ثم لم يغفل آخرا أن يسخر من جرأتهم على مثل ذلك السّخف فشبّه ما جاءوا به كقول من يقول : حدارجا حداجا .. سبعين فرخا دارجا ... هههه أضحكني هذا ونحوه في الكتاب
يقول الخطابي في ختام كتابه : " , فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوما ولا منثورا , إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال , ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه , تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور , حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها الوجيب والقلق , وتغشاها الخوف والفرق , تقشعر منه الجلود وتنزعج له القلوب , يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها؛"
دونت مجموعة من الاقتباسات : مجمعة في ملف Pdf بقناتي على التليقرام Candleflame23
———— فوائد كتاب بيان إعجاز القرآن -الخطابي
١-وليس ينظر في المعجزة إلى عظ حجم ما يأتي به النبي ﷺ ولا إلى فخامة منظره . وإنما تعتبر صحتها بأن تكون أمراً خارجاً عن مجارى العادات ناقضا لها. فمهما كانت بهذا الوصف كانت آية دالة عل صدق من جاء بها ، وهذا أيضا وجه قريب ، إلا أن دلالة الآية تشهد بـخلافه وهى قوله سبحانه : ﴿قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأتوا بِمِثلِ هذَا القُرآنِ لا يَأتونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨] ، فأشار في ذلك إلى أمر طريقه التكلف والاجتهاد ، وسبيله التأهب والاحتشاد . والمعنى فى الصرفة التي وصفوها لا يلائم هذه الصفة . فدل عل أن المراد غيرها . صـ23
٢-وقد جعل سبحانه في صفة كل سورة أن تكون معجزة بنفسها لا يقدر أحد من الخلق أن يأتي بمثلها فقال تعالى (﴿وَإِن كُنتُم في رَيبٍ مِمّا نَزَّلنا عَلى عَبدِنا فَأتوا بِسورَةٍ مِن مِثلِهِ وَادعوا شُهَداءَكُم مِن دونِ اللَّهِ إِن كُنتُم صادِقينَ﴾ [البقرة: ٢٣]. صـ24
٣-إن أجناس الكلام مختلفة ومراتبها في نسبة التبيان متفاوتة ، والعلة ودرجاتها فى البلاغة متباينة غير متساوية؛ فمنها البليغ الرصين الجزل . ومنها الفصيح القريب السهل ؛ ومنها الجائز الطلق المرسل . وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود دون النوع الهجين المذموم . الذى لا يوجد فى القران شيء منه البتة. فالقسم الأول أعلى طبقات الكلام وأرفعه ، والقسى الثانى أوسطه وأقصده ، والقسم الثالث أدناه وأقربه ، فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الاقسام حصة ، وخذت من كل نوع من أنواع شعبة فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة . وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادين لأن العذوبة نتاج السهولة . والجزالة والمتانة في الكلام تعالجان نوعا من الوعورة ، فكان إجتماع الأمرين فى نظمه مع نبوّ كل واحد منهما على الآخر فضيلة خص بها القرآن . يسرها الله بلطيف قدرته من امره ليكون آية بينة لنبيه ، ودلالة له على صحة مادعا إليه من أمر دينه .…صـ26
٤-إن القرآن إنما صار معجزا لانه جاء بأفصح الألفاظ فى أحسن نظوم التاليف مضمنا أصح المعاني، من توحيد له عزت قدرته، وتنزيه له فى صفاته. ودعاء إلى طاعته ، وبيان منهاج عبادته؛ من تحليل وتحريم . وحظر وإباحة، ومن وعظ وتقويم وأمر بمعروف ونهى عن منكر، وإرشاد إلى محاسن الأخلاق ، وزجر عن مساؤها، واضعًا كل شيء منها موضعه الذى لا يرى شيء أولى منه ، ولا يرى في صورة العقل أمر أليق منه ، مودعًا أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن عصى وعاند منهم، منبئاً عن الكوائن المستقبلة فى الأعصار الباقية من الزمان ، جامعا في ذلك بين الحجة والمحتج له ، والدليل والمدلول عليه ، ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعا إليه ، وإنباء عن وجوب ما أمربه . ونهى. ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور، والجمع بين شتاتها حتى تنتظم وتتسق أمر تعجز عنه قوى البشر ، ولا تبلغه قدره ، فانقطع الخلق دونه ، وعجزوا عن معارضته مثله أو مناقضته في شكله .…صـ27-28
٥-تهيب كثير من السلف تفسير القران ، وتركوا القول فيه حذرا أن يزلوا فيذهبوا عن المراد . وإن كانوا علماء باللسان ، فقهاء فى الدين ؛ فكان الأصمعى وهر إمام أهل اللغة لا يفسر شيئا من غريب القرآن. وحث النبي ﷺ على تعلم إعراب القرآن وطلب معانى الغريب منه .عن أى هريرة قال : قال رسول الله ﷺ «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه " … بتصرف صـ34
٦-إن القول في وجود ألفاظ القرآن وبلاغتها على النار الذي وصفناه صحيح لا ينكره إلا جاهل أو معاند ، وليس الأمر في معاني هذه الآي على ما تأولوه ولا المراد فى أكثرها عل ما ظنوه وتوهموه…صـ٤٠-٤١
٧-عن العباس بن سريج أنه قال : اعلم أن هذا القرآن نزل عل رسول الله ﷺ بحضرة رجال وبين ظهراني قوم كانوا أحرص الخلق عل أن يجدوا فيه مغمزا ، وعليه مطعناً فلو كان هذا عندهم مناقضة لتعلقوا به وأسرعوا بالرد عليه.…صـ٤٧
٨-كان رسول الله ﷺ أميا لا يقرأ ولا يكتب وكان إذا نزل الوحى وسمع القرآن حرك لسانه يستذكر به ، فقيل له : تفهم ما يوحى إليك ولا تتقبله بلسانك ، فإنا نـجمعه لك ونـحفظه عليك . …صٓ٥١
٩- نزل القرآن على هذه الصفة (من جمع أشياء مختلفة المعاني )في السورة الواحدة وفى الآية المجموعة القليلة العدد لتكون أكثر لفائدته وأعم لنفعه . ولوكان لكل باب منه قبيل ، ولكل معنى سورة مفردة لم تكثر عائدته ، ولكان الواحد من الكفار " والمعاندين المنكرين له إذا سمع السورة منه لاتقوم عليه " الحجة به إلا فى النوع الواحد الذى تضمنته السورة الواحدة فقط. ، فكان اجتماع المعاني الكثيرة فى السورة الواحدة أوفر حظا وأجدى نفعا من التمييز والتفريد للمعنى الذي ذكرناه . وقدد آحب الله عز وجل أن يمتحن عباده ويبلو طاعتهم واجتهادهم في جمع المتفرق منه ، وفي تنزيله وترتيبه ، وليرفع الله الذين آمنوا منهم والذين أوتوا العلم درجات.…صـ٥٤.
١٠-فى إعجاز القرآن وجهاً آخر ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ من آحاده ، وذلك صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس ، فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا ، إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة فى حال . ومن الروعة والمهابة فى أخرى ما يـخلص منه إليه ، تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها الوجيب والقلق ، وتغشاها الخوف والفرق تقشعر منه الجلود ، وتنزعج له القلوب . يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها ؛ فكم من عدو للرسول ﷺ من رجال العرب وفتاكها أقبلوا يريدون اغتياله وقتله فسمعوا آيات من القرآن ، فلم يلبثا حين وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الأول . وأن يركنوا إلى مسالمته، ويـدخلوا فى دينه، وصارت عداوتهم موالاة، وكفرهم إيماناً.…صـ٧١
ذَكَر الخطابي رحمه الله في كتابه هذا أَوجُهًا مُتعددة لبيان إعجاز القرآن البلاغي، خاتمًا إياها بوجهٍ بديعٍ جدًا لمن تأمَّلَهُ:
«وفي إعجاز القرآن وجهاً آخر ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ من آحادهم، وهو صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراً إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في حال أخرى، ما يخلص منه إليه، تستبشر به النفوس، وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة، قد عراها الوجيب والقلق، وتغشاها الخوف والفرق، تقشعر منه الجلود، وتنزعج له القلوب، يحول بين النفس وعقائدها الراسخة فيها، فكم من عدو للرسول صلى الله عليه وسلم من رجال العرب وفتاكها أقبلوا يريدون اغتياله وقتله، فسمعوا آيات من القرآن فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الأول، وأن يركنوا إلى مسالمته، ويدخلوا في دينه، وصارت عداوتهم موالاة، وكفرهم إيماناً..»
اللهم اقسِم لنا من خشيتكَ ما تَحول به بيننا وبين معصيتك، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجَلاء هُمومنا.
كتاب جميل جدا وصغير في بابه لغته عالية جزيلة - يستحق القراءة اكثر من مرة لمجرد الاستمتاع بها. تحدث المؤلف عن الأوجه التي كان بها القرآن معجزا مبطلا دعوى من قالوا بالصرفة ومبينا عجز العرب عن الاتييان بمثل القرآن، كما ذكر بعضا من الاعتراضات التي زعم اصحابها ان القرآن خالف فيها أساليب العرب ثم ناقضها كلها مبينا ان القرآن جاء بافصح لفظ وأتم معنى وانه معجز ببلاغته التي جائت على أساليب العرب في الكلام الا انها فاقتها حسنا. ومما يستمتع به في قراءة الكتاب رد المؤلف في الصفحات الأخيرة على بعض المحاولات البائسة في معارضة القرآن وبيان ما فيها من أوجه العي والجهل وقصور اللغة.
لا نحتاج لبيان إعجاز القرآن أكثر من وجوده القائم على وجه الدهر من يوم نزوله وحتى عصرنا الحالي.
يبدأ الكتاب بمظاهر عجز العرب عن الإتيان بمثله وأنهم لو كانوا يستطيعون ذلك لما خاضوا الحروب الطوال التي فُقدتْ فيها الأرواح وقُطعتْ فيها الأرحام.
ثم عرض ثلاثة أقوال للعلماء لبيان سبب عجزهم وفنّدها، أوله الصرفة، أي أن القرآن ليس معجزًا في نفسه وإنما المعجزة في صرف الله لهم عن معارضته وهذا يتعارض مع قول الله"لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا. ثانيها ذكر الأخبار الغيبية وهذا جانب واحد جاء في القرآن وليس كل جوانبه والثالث البلاغة وهي بالذوق لا معيار لها.
ثم ذكر بعض الأفعال والحروف والفرق بينهم.
ثم ذكر بعض الشبهات حول بعض الآيات والرد عليها.
والجزء الأخير جاء ببعض من حاول معارضة القرآن وبيان فساد وضحالة هذه المحاولات.
ثم ذكر وجهً من وجوه الإعجاز يغفل عنه كثير من الناس وهو تأثيره في النفوس، فكم من عدو من رجال العرب وفتّاكها أقبلوا يريدون قتله فما إن سمعوه حتى آمنوا وتحولوا بالكلية.
وبالنهاية، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا.
"فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراً، إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه، تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها الوجيب والقلق، وتغشاها الخوف والفرق، تقشعر منه الجلود، وتنزعج له القلوب، يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها"
(( فأما المعاني التي تحملها الألفاظ فالأمر في معاناتها أشد، لأنها نتائج العقول وولائد الأفهام وبنات الأفكار.
وأما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر لأنها لجام الألفاظ وزمام المعاني وبه تنتظم أجزاء الكلام، ويلتئم بعضه ببعض فتقوم له صورة في النفس يتشكل بها البيان. ))
تكلم كذلك الخطابي -رحمه الله- بعد عرضه لغريب القرآن، فوقفت عند هذه العبارة وتحديدا لفظه "صورة في النفس"، وقد يجد غير واحد منا صورة في نفسه لعدة معاني يتذوقها قلبه ولكن لا يكاد يبين عنها اللسان، أو قد يجد تلك الصورة عندما يقرأ كلام فحول البلاغة، فإن رزق بشيء من نقاء فطرة التذوق تشكلت في نفسه صورة ما قرأ وإن حاول أن يأتي بمثلها ما اسطاع.
وقد كان في نفسي سؤال أخال أني قد وجدت جوابه فيما سبق، أنه لمَ لمْ يتقدم جهابذة الشعر لتحدي الإتيان بمثل نظم القرآن، والذي حاول بالإتيان كان من أهل البلادة وعكورة الطبع وتجد ذلك فيما نظموه تحديا لنظم القرآن، كمثل ما نظمه مسيلمة وفيه ما فيه من اللزوجة والرداءة والتقعر ووضع الكلام في غير محله؟
ولعل ذلك أن سراة الشعر وجدوا في أنفسهم معنا مهيبا جللا صعب المنال ومع ذلك حلو الصورة عذب المذاق، فتهيبوا ذلك المرتقى الصعب المفاجئ الدامغ لكل ما عهدوه من كلام العرب، فهم كطفل صغير أمام بحر لُجِّيّ أمواج البيان بعضها فوق بعض متلاطمة فيعود الطفل رادا على عقبيه قائلا: أنَّ لي بهذا!، وأما رديء الطبع معطوب الفطرة اللغوية تقدم للتحدي وما هو بقادر على التذوق فضلا على أن ينظم فضلا على أن يرتقي لأول درجة في التحدي.
فسبحان من أوحى إلى نبيه-عليه الصلاة والسلام- الهدى والشفاء والحق والصراط المستقيم بلسان عربي مبين.
«إنما تعذر على البشر الإتيان بمثله لأمور: منها أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وبألفاظها التي هي ظروف المعاني والحوامل لها، ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ، ولا تكمل معرفتهم لاستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض فيتوصلوا باختيار الأفضل عن الأحسن من وجوهها إلى أن يأتوا بكلام مثله، وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنی به قائم، ورباط لهما ناظم. وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه. ولا ترى نظما أحسن تأليفا وأشد تلاؤما وتشاكلا من نظمه.
وأما المعاني فلا خفاء على ذي عقل أنها هي التي تشهد لها العقول بالتقدم في أبوابها، والترقي إلى أعلى درجات الفضل في نعوتها وصفاتها. وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام، فأَمّا أن توجدَ مجموعةً في نوع واحد منه؛ فلم توجد إلا في كلام العليم القدير، الذي أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا. فتفّهم الآن واعلم أن القرآن إنما صار معجزاً لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف، مضمنا أصح المعاني.»
الإمام أبو سليمان الخطابي (388). رسالة: بيان إعجاز القرآن ص 27.
بعض الدعاوى التي ذكرت على القرآن جميلة وأن كان دافعها إستشكال، منها آية (هلك عني سلطانيه) كان الإشكال في كلمة الهلاك لأنها تستخدم في الأعيان والاشخاص كهلك فلان، فقولك: هلك عن فلان علمه أو هلك عن فلان جاهه مستقبح غير مستحسن.
وفعلاً عندما ينظر الناظر في كلمة هلك عن فلان علمه، يرى هذا الاستقباح، لكن الجميل فيها أنه اذا نظر للآية لا يرى هذا الاستقباح بل يرى أحسن البيان. فالاشكال هذا قد اظهر جمالية الآية ووقعها.. ،اما الخطابي فرده على هذه المسألة بإنها من الاستعارة وأن هذا يدل على كمال البلاغة، ثم فسر لو استخدمت كلمة الذهاب بدل هلك فالذهاب فيه معنى الرجعى، وليس مع الهلاك ذلك.
مما قاله: "وأما من تبحر في كلام العرب، وعرف أساليبه الواسعة، ووقف على مذاهبه القديمةِ فإنه إذا ورد عليه منها ما يخالف المعهود من لغة أهل زمانه (لم يسرع إلى النكير فيه والتلحين.) "
من أجمل واوجز ما كتب في إعجاز القرآن الكريم فقد بين المؤلف أوجه البلاغة في القرآن الكريم نفى شبهات آثارها البعض حول القرآن الكريم ونقد اعتراضاتهم في أسلوب سهل وجيز
بسم الله الرحمن الرحيم، ما زلت لم أنته بعد من قراءته. تذكرت وأنا أقرأ محاضرة الشيخ أحمد السيد عن الإعجاز عند المتقدمين وإن كنت لا أذكر الكثير منها للأسف لكن ها هي https://youtu.be/wXBdnw1FxVM يتحدث في جزء منها عن الكتاب
وشرف العلم إنما يكون بشرف المَعلوم منه، فكانت علوم القرآن من أشرف العلوم، إذ كلام الله سبحانه شريف عظيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا ريب فيه هدى وبشرى للمؤمنين، وعلوم القرآن كثير��، خَطَّ الأولون والأخرون في كُل فنٍ من فنونه وذهبوا في الفن الواحد كل مذهب من القول، فما كان لهم الرِىُّ بعد الظمأ، وما سبروا غور الفن الواحد من فنون كلام الله، بل كلما عَلم الواحد منهم أبصر عيَّ مقاله وقِصر علمه، فما زادهم إلا إيمانًا وتسليما. بيان إعجاز القرآن، لأبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي. يأسرني في كُتب الأئمة المُتقدمين رحمهم الله حصافة الرأى، ورساخة العلم، وفصاحة الكلمة، وبلاغة الجملة، وحُسن الأدب، فلا يكاد المرء يُنهى ما خطُّوه إلا وقد سمت نَفسه مَراقىَّ كُثر إلى السماء، وتطهرت نفسه شيئا من دنس الدُنيا، كِتاب قليل الصفحات، سامي الكلمات، فيه من المعاني ما يربو على ذرى الشامخات، وأولها الوعاء أي اللغة والبلاغة، "فإن قِيل أنَّ أجناس الكلام مختلفة، ومراتبها في نسبة التبيان مُتفاوتة، ودرجاتها في البلاغة متباينة، فمنها البليغ الرصين الجزل، ومنها الفصيح القريب السهل، ومنها الجائز الطَّلْقُ الرَّسل"، فإن جُل ما خَطَّه الإمام، بين مرتبتي البليغ منها والفصيح، للكلمة عذوبة، وللجملة وقار. وقسم الإمام رحمه الله العلة في إعجاز القرآن إلى ثلاثة أقسام:-
إعجاز الصرفة : أي صرف الهمم عن المعارضة، وإن كان مَقدورا عليها، وغير معجزة عنها، غير أن القرآن أبطل أن تكون الصرفة وجه إعجازه، وذا في قول ربنا {قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا }، وهذا أمرٌ طريقه التكلف والإجتهاد، وسبيله التأهل والإحتشاد، ومعنى الصرفة لا يلائم مثل هذه الطريق، فأنَّى يجمَعُ السبيلين (الصرفة، ما تحمله الآية من معنى ودلالة)؟، فدل هذا على أن المراد غيرها من أوجه الأعجاز، والله أعلم.
إعجاز الإخبار عن الكوائن: أي الإخبار عن الحوادث في مستقبل الزمان، وهذا لا جدال فيه أنه وجه من وجوه إعجازه، ولكن الإخبار عن الكوائن لا يكون في عموم سور القرآن، وقد أوجب الله صفة الإعجاز لكل سورة فقال { فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ}، وفيه الآية تعميم من غير تعيين، فدل على أن المُراد غير ذلك.
إعجاز البلاغة: وهو ما ذهب إليه الأكثرون من علماء أهل النظر، ولكنهم حاروا في كيفية هذا الوجه، فلما أُشْكِل عليهم، أحالوا الإشكال بإبهام، فقالوا : "قد يخفى السبب عند البحث، ويظهر أثره في النفس، وقد توجد لبعض الكلام عذوبة في السمع وهشاشة في النفس لا توجد لغيره، والكلامان معا فصيحان، ثم لا علة لهذا تُعرف". وهو كلام حَسن إذا ما اكتفينا بظاهر الأمر، ولكنه لا يشفى داء الجهل به، ولا يُقنع في مثل هذا العلم.
سبب كون وجه الإعجاز في القرآن هو البلاغة: دل النظر وشاهد العِبر على تفاوت أجناس الكلام على ثلاثة أقسام، كما سَلف وبيَنَّا، فالبليغ هو أعلى طبقات الكلام وأرفعه، والفصيح هو أوسطه وأقصده، والجائز هو أدناه وأقربه، وبلاغات القرآن لها في كُلٍ حصة، حسب ما هو أنسب للمقام، فكان نظمه نورا لمن شاء الله أن يكون له نورا، وآية بينة لنبيه صلى الله عليه وسلم.
ولبلوغ هذا المرام من مناسبة البلاغة للمقام المذكور، تعين الجمع بين ثلاثة، أولها الإحاطة بجميع أسماء اللغة وألفاظها التي هي حوامل المعاني، وثانيها الإحاطة بجميع المعاني التى تحملها اللفظة الواحدة، وثالثها الإحاطة بجميع وجوه النظوم التي يكون بها ائتلاف اللفظة مع اللفظة وانسجام المعنى مع المعنى، ولذا تعذر على البشر الإتيان بمثله بصورة تضاهي كلام الله، فإن قُلنا أن الكلام إنما يقوم بلفظ حامل، ومعنا به قائم، ورابط لهما ناظم، فإن القرآن جمع هذه الأمور جمعا شريفا فضيلاً، حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظما أحسن تأليفا وتلاؤما وتشاكلا من نظمه، وما وجدت هذه الفضائل الثلاثة مجموعة بأحسن ما يكون إلا في كلام العليم القدير، الذى أحاط بكل شىء علما، وأحصى كل شىء عددا، فاللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجعله حجة لنا لا علينا، والحمد لله على نعمة القرآن.
كتاب ماتع، أخاله موجه للمبتدئ في هذا البحر الواسع، بحر الإعجاز ودرره؛ حاول الكتاب أن يؤصل لفكرة إعجاز القرآن بطريقة سلسة، فبين وجه الاعجاز فيه و عجز العرب عن الاتيان بسورة واحدة من مثله، فكان هلاكهم في هبتهم للسيف بعد أن كان الحرف أشد عليهم، كما عرج على شبهة الصرفة وشبهات أخرى تناولها بشكل يسير بسيط، ثم أورد في كتابه الهادئ بعض شروط المعارضات ورسومها والأمثلة عليها، ولم ينسى أن يشنع ويصغر من شأن ما جاء به مسيلمة الكذاب و ختم كتابه بصنيع القرآن في القلوب والنفوس وغياب هذه الحجة على كثير.