محمد ابن جرير بن يزيد الطبري، كنيته أبو جعفر، نسبته إلى طبرستان والبعض ينسبه إلى آمل مكان ولادته، والبعض الآخر ينسبه إلى بغداد حيث ذاع صيته.
كان الطبري رحمه الله يتمتع بحافظة نادرة، ويجمع عدة علوم، ويحفظ موضوعاتها وأدلتها وشواهدها، وإن كُتُبه التي وصلتنا لأكبر دليل على ذلك، حتى قال عنه أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن المفلس: "والله إني لأظن أبا جعفر الطبري قد نسي مما حفظ إلى أن مات ما حفظه فلان طول عمره".
من أشهر شيوخ الطبري: محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأحمد بن منيع البغوي، ومحمد بن حميد الرازي، وأبو همام الوليد بن شجاع، وأبو كريب محمد بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأبو سعيد الأشج، وعمرو بن علي، ومحمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، وخلق كثير نحوهم من أهل العراق والشام ومصر.
قال عنه الخطيب البغدادي: "كان أحد أئمة العلماء، يُحكم بقوله، ويُرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظًا لكتاب الله، عارفًا بالقراءات كلها، بصيرًا بالمعاني، فقيهًا في أحكام القرآن، عالمًا بالسنن وطرقها: صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفًا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم...، عارفًا بأيام الناس وأخبارهم". وقال عنه الذهبي أيضًا: "كان ثقة حافظًا صادقًا، رأسًا في التفسير، إمامًا في الفقه والإجماع والاختلاف، عَلاَّمةً في التاريخ وأيام الناس، عارفًا بالقراءات واللغة، وغير ذلك".
ترك لنا الطبري ثروة علمية تدل على غزارة علمه، وسعة ثقافته،، ودقته في اختيار العلوم الشرعية والأحكام المتعلقة بها، وكان له قلم سيَّال، ونَفَس طويل، وصبر في البحث والدرس، فكان يعتكف على التصنيف، وكتابة الموسوعات العلمية في صنوف العلوم، مع ما منَّ الله عليه من ذكاء خارق، وعقل راجح متفتح، وجَلَد على تحمل المشاق؛ ومن هذه المؤلفات:
1- جامع البيان في تأويل القرآن، المعروف بتفسير الطبري.
2- تاريخ الأمم والملوك، المعروف بتاريخ الطبري.
3- كتاب ذيل المذيل.
4- اختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام، المعروف باختلاف الفقهاء وهو في علم الخلاف.
5- لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام، وهو كتاب فقه في المذهب الجريري.
6- الخفيف في أحكام شرائع الإسلام، وهو في تاريخ الفقه.
7- بسط القول في أحكام شرائع الإسلام، وهو في تاريخ الفقه الإسلامي ورجاله وأبوابه.
8- تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار، وسماه القفطي (شرح الآثار) وهو كتاب في الحديث، بقيت منه بقايا طُبعت في أربع مجلدات.
9- آداب القضاة، وهو في الفقه عن أحكام القضاء وأخبار القضاة.
10- أدب النفوس الجيدة والأخلاق الحميدة.
11- كتاب المسند المجرد، ذكر فيه الطبري حديثه عن الشيوخ، بما قرأه على الناس.
12- الرد على ذي الأسفار، وهو ردٌّ على داود بن علي الأصبهاني مؤسِّس المذهب الظاهري.
13- كتاب القراءات وتنزيل القرآن، ويوجد منه نسخة خطية في الأزهر.
14- صريح السنة، وهي رسالة في عدة أوراق في أصول الدين.
15- البصير في معالم الدين. وهو رسالة في أصول الدين، كتبها لأهل طبرستان فيما وقع بينهم من الخلاف في الاسم والمسمى، وذكر مذاهب أهل البدع، والرد عليهم.
16- فضائل علي بن أبي طالب، وهو كتاب في الحديث والتراجم، ولم يتمه الطبري رحمه الله.
17- فضائل أبي بكر الصديق وعمر، ولم يتمه.
18- فضائل العباس، ولم يتمه.
19- كتاب في عبارة الرؤيا في الحديث، ولم يتمه.
20- مختصر مناسك الحج.
21- مختصر الفرائض.
22- الرد على ابن عبد الحكم على مالك، في علم الخلاف والفقه المقارن.
23- الموجز في الأصول، ابتدأه برسالة الأخلاق، ولم يتمه.
24- الرمي بالنشاب، أو رمي القوس، وهو كتاب صغير، ويُشك في نسبته إلى الطبري.
25- الرسالة في أصول الفقه. ذكرها الطبري في ثنايا كتبه، ولعلها على شاكلة الرسالة للإمام الشافعي في أصول الاجتهاد والاستنباط.
26- العدد والتنزيل.
27- مسند ابن عباس. ولعله الجزء الخاص من كتاب (تهذيب الآثار)، وطبعت البقية الباقية منه في مجلدين.
" إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق .. التاريخ فن .. يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم وحضاراتهم والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسيرتهم حتى تتم فائدة الاقتداء في أحوال الدين والدنيا "
ابن خلدون .
المراجعة عند الإنتهاء من قراءة جميع الأجزاء إن شاء الله :)
هذا أول أجزاء تاريخ الرسل والملوك لعمدة المؤرخين محمد بن جرير الطبري. ولن أتكلم عن الكتاب عامّة بل عن هذا الجزء وحده.
1-هذا الجزء كله في تاريخ ما قبل الإسلام، بل ما قبل الميلاد، فإن ذكر المسيح عليه السلام لم يجئ إلا في آخر صفحاته، وسائره عمّا قبل ذلك من تاريخ البشرية في العالم القديم. وتأريخ هذا الزمان صعب جداً على المؤرخ لبُعد العهد به، وبين الطبري وميلاد عيسى نحو من ألف سنة، فما ظنك بما قبل الميلاد.
ولهذا السبب رأى رحمه الله أن السبيل الوحيدة لكتابة تاريخ الأزمنة الغابرة لا يكون إلا بالاستناد لوحي الله أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بالاستناد إلى الرواة من التابعين فمن دونهم الذين ينقلون عن أهل الكتاب-أو مؤرخي الفرس-والذين هم كذلك ينقلون عمّن قبلهم، والطبري لا ريب أدرك أن الانقطاع في الإسناد بين التابعين وبين من أدركوا زمن نوح النبي أو جيومرت أبي الفرس مثلاً وبُعد ما بين الراوي وذلك الحدث المؤرَّخ له=أمور قد تقلل من قيمة الرواية التاريخية وتُدخل فيها من الأباطيل والمبالغات شيئاً هائلاً، ولكن الأمر كما يقول رحمه الله:"…كان العلم بما كان من أخبار الماضين، وما هو كائن من أنباء الحادثين، غير واصل إلى من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم؛ إلا بإخبار المُخبرين ونقل الناقلين، دون الاستخراج بالعقول، والاستنباط بفكر النفوس. فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قِبَل بعض ناقليه إلينا؛ وأنّا إنما أدينا ذلك على نحو ما أُدّي إلينا."(ص8). وهكذا جمع الطبري أشهر الروايات لكل حدث من الأحداث بحذق ومهارة، فبرئت ذمّته وصحّ نقله.
2-كنت أستغرب من المؤرخين بدأهم كتب التاريخ ببدء الخليقة، فذلك بعيد جداً لم يأت أحد فيه بيقين إلى يومنا هذا إلا بوحي الله عز وجلّ، ثم رأيت الطبري فسّر ذلك تفسيراً واضحاً، وربما وافقَه المؤرخون.
تاريخ الملوك والدول والرسل والأمم لا يكون إلا عبر علم أزمنتهم، فصار لا بدّ للمؤرخ من معرفة الزمان، ما هو الزمان الذي نؤرّخ به؟ ومتى بدأ؟ ومتى انتهاؤه؟ لأن هناك أزمنة غير زماننا هذا، فزمن الآخرة ليس كزمن الدنيا، وكذلك زمن ما قبل خلق الدنيا، لأن زمن الدنيا أيام، واليوم ليل ونهار، وهذان نتيجة لحركة الشمس والقمر، فنشوء الزمان مرتبط بهما وتبع لجريهما في الفلك، فلا بد إذن من معرفة خلق الشمس والقمر، ثم خلق ما يتكون منه الشمس والقمر من ماء وأرض إلخ… حتى نصل إلى بداية خلق كل شيء حيث لا شيء إلا الله الأول سبحانه.
هذا سبب بدء المؤرخين المسلمين-والله أعلم-ببدء الخلق دائماً في كتبهم، وعلى كلٍّ هم عيال في هذا على الطبري ينقلون رواياته في ذلك، فصاحب هذه النظرية الزمانية الرائعة هو ابن جرير الطبري، وإلا فالأصل أن تدوين أخبار الخلق ليس من صلب عمل المؤرخ بل تأريخ الأمم والملوك والرسل عمله، ولكنه أمر لا بد منه، وقد لخّص الطبري هذا كله في موضع من كتابه(ص78-79)، فانظره-غير مأمور-هناك.
3-أحب أن أشير إلى أن جواد علي كتب في مجلة المجمع بحثاً لم أقرأه بعد في "موارد تاريخ الطبري" حاول فيه استقصاء مصادر تاريخه خصوصاً في تاريخ ما قبل الإسلام. والطبري عامّةً لم تتح له من تواريخ الأمم مصادرُ مكتملةٌ في سياقة التاريخ غير منقطعة، وإلا فهو رجل عالم منصف لن يُعرض عن ذكر أمة ويغفل تاريخها، بل حاول مثلاً أن يورد بعض هذه التواريخ المنقطعة الممزقة كتاريخ ملوك حمير وتاريخ ملوك الروم، ولكن الذي أتيح له مصدران أو سرديّتان رآهما متصلتين معلومة السنين لم تنقطعان إلا من زمان قريب جداً من زمانه، وهما: تاريخ ملوك الفرس، وتاريخ بني إسرائيل. "وأما سائر الأمم غير الفرس، فإنه غير ممكن الوصول إلى علم التأريخ بهم؛ إذ لم يكن لهم ملك متصل في قديم الأيام وحديثه إلا ما لا يمكن معه سياق التأريخ عليه وعلى أعمار ملوكهم، إلا ما ذكرنا من ولد يعقوب[بني إسرائيل]…"(ص316، وفي تاريخ الفرس ص147).
الكلام في هذا الجزء كثير والملاحظات التي عندي كثيرة، منها: المبالغات في الأعداد دائماً(وأظن ابن خلدون نقد هذا أيضاً) وكثرة التهويل بذكر الخوارق والمعجزات، وكيف ضخّم بنو إسرائيل قصّتهم وهزائمهم ورحلاتهم ورجالهم، والتوافق بين كتابهم المقدس وبين روايات الرواة(مثلاً قصة القبض على المسيح وجدتها كما هي في الكتاب المقدس)، وقصة العرب في العراق، وغير ذلك، ولكن الكلام تنفس واتسع فلا يكاد يطيقه قارئه ولا برنامجه، وأشكر للقارئ وصوله إلى هنا.
في هذا الجزء بدأ التاريخ من خلق السموات والأرض، وخلقِ آدم وعيشه في الجنة، وخروجه منها، وذكر خبر أبنائه، وما أحدث آل قايين من الملهيات والمعاصي، وإخلاف شيث بعد آدم عليهما السلام، وخبر دخول الشرك، وإرسال إدريس عليه السلام ونوحًا من بعده، وفي الجزء أخبار الأنبياء المذكورة في القرآن وما رواه بنو إسرائيل من أخبار أنبيائهم. وذكر أخبار فارس وملوكهم، وأخبار الملاحم التي حدثت أيام الاسكندر ودارا، وغيرهم. حتى بلغ خبر عيسى بن مريم عليهما السلام، وما بعدهما من خير ملوك الطوائف والتبابعة، وختم بخبر جذيمة الابرش والزباء وجديس وطسم. بدأ الكتاب بقوله: أما بعد؛ فإنّ الله جلّ جلالُه، وتقدّست أسماؤه، خلقَ خلقَه من غير ضرورة كانت به إلى خلقِهم، وأنشأهم من غير حاجةٍ كانت به إلى إنشائهم، بل خلق من خصّه منهم بأمرِهِ ونهيِه، وامتحنه بعبادته، ليعبدوه فيجود عليهم بنعمِه، وليحمدوه على نِعَمِه فيزيدَهم من فضلِه ومِنَنِه، ويسبغ عليهم من فضله وطَوْله، كما قال تعالى: ﴿ وما خلقتُ الإنس والجنّ إلا ليعبدونِ ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاقُ ذو القوّة المتين ﴾ وخُتم الجزء بهذه العبارة:
ومما كان في أيّام ملوك الطوائف ما ذكره الله عزّ وجلّ في كتابِهِ من أمرِ الفتية التي أووا إلى الكهفِ فضُربَ على آذانِهم.
تاریخ الرسل و الملوک یا تاریخ الامم و الملوک معروف به تاریخ طبری کتابی است به زبان عربی که توسط محمد بن جریر طبری تاریخنگار و پژوهشگرِ ایرانی مسلمان در اواخر سده سوم پس از هجرت به رشته تحریر درآمده است و یکی از بزرگترین و معتبرترین منابع دوره اسلامی است. طبری نویسندهٔ مشهورترین، مهمترین و ارزشمندترین مجموعههای مفصل تاریخ عمومی اسلام و جهان به شمار میآید. این کتاب، تاریخ را از زمان خلقت شروع کرده و سپس به نقل داستان پیامبران و پادشاهان قدیمی میپردازد. در بخش بعدی کتاب طبری به نقل تاریخ پادشاهان ساسانی میپردازد، و از آنجا به نقل زندگی پیامبر اسلام، محمد میپردازد. در این کتاب وقایع پس از شروع تاریخ اسلامی (مقارن با هجرت به مدینه) به ترتیب سال تنظیم شده و تا سال ۲۹۳ هجری شمسی را در بر میگیرد.
تاریخ طبری شامل دو بخش کلی است:
تاریخ پیش از اسلام: بخش پیش از اسلام مشهورترین، مهمترین قسمت آن است و نویسنده این بخش از کتاب را پس از پایان تفسیر طبری تألیف نمود. پس از اسلام: در تاریخ پس از اسلام این کتاب، نویسنده وقایع را به صورت وقایع نگاری نقل میکند. این بخش (پس از اسلام) خود مشتمل بر سه بخش جداگانه دیگر است. نکته در خور توجه این است که طبری از چه سالی شروع به نوشتن کتابهای خود کرده است ؟ برخی میگویند که او در سال ۲۱۰ ه.ق شروع به تحریر کتاب خود کرده است و برخی روایتها حاکی از آن است که طبری بخش تاریخ عباسیان را در کتاب جداگانهای به نام القطعین تألیف کرده است و این خود نشان دهنده این است که طبری تاریخ خود را فقط تا پایان دوره عباسیان نوشته است.
ان اكثر ما يميز التاريخ من انه بحث في انه تحقيق، وربما ما يوضح اكثر من ذلك اعتمادنا على تحقيق باحث عن آخر في نفس القضية
تاريخ الأمم والملوك في البداية كان أملا للقراءة، وما ترى أي كتاب للتاريخ إلا ويتذيل مصادره "تاريخ الأمم والملوك" للعلامة الطبري أكثر ما يعجبني في الجزء الأول الإلمام بفترة سيطرة الاعاجم والفرس على المنطقة العربية وتتابع ملوكهم وخروجهم حسب فترة كل رسول ونبي تحديدا فترة الفرس في العرب فالطبري استرسل فيها بشكل يجعلها مرجع لأي قادم في نفس الموضوع لأي بحث لشخص كان فالعالم وهو ما يفسر الاستناد الكبير بالفعل علىه في اغلب كتب التاريخ العربي لعرب او مستشرقين.
فترة ما قبل الهجرة والأنبياء باستثناء "المسيح" فكانت موفقة إلا حد كبير، وربما تفوق فيها عن آخرون، بالإضافة إلى ذكر تفاصيل التفاصيل بشكل يجعلك تتشبع من الفترة موضوع الذكر. أما العيوب فكان الاسترسال بشكل كبير في مناطق لا تحتاج لاسترسال بهذا لاشكل، حتى لو كانت مرتبطة بملوك بالفعل في نفس الفترة الزمنية موضوع الذكر. بالإضافة إلى الاعتماد في أول الجزء الأول على أحاديث لكعب الأحبار وهو معروف عنه ضعف احاديثه ونقله، وتكرر الاستناد اليه في اكثر من موضع، دون ذكر نفس التوضيح "مثلما كان يوضح ابن كثير" على سبيل المثال في رائعته "البداية والنهاية".
من أعظم كتب التاريخ قاطبة وغني عن التعريف. البعض يؤاخذ على المؤلف إيراده الغث والسمين من الأسانيد وعدم ممارسة الدقة والتمحيص في ذلك. وهذا مما لا يلام عليه لتبيينه في مقدمة الكتاب ضرورة فحص الأسانيد وعدم التسليم بصحتها كما أنه بالنظر لصعوبة وعسر العملية لضخامة حجم الكتاب يمكن اعذار المؤلف من هذه الناحية.