يتناول هذا الكتاب الجذور الدينية والسياسية للدولة المخزنية في المغرب التي توطدت في القرن السادس عشر على ايدي الاشراف الزيدانيين الذين ظهروا في سياق محلي ودولي خاص فلاحكام القبضة على فضاء مغربي مشرذم ومعرض للمطامع الايبيرية والعثمانية اضطر سلاطين هذا البيت الى تبني منظومة شرعنة متماسكة والاعتماد على مؤسسات ناجحة والقيام بنشاط ديبلوماسي مهم بهدف ترسيخ حكمهم في المغرب وتحصينه من المخاطر الاجنبية واتباع سياسة توسيعية
الكتاب يسلط الضوء على الجذور الدينية والسياسية و التاريخية لمنظومة المخزن المغربي منذ القرن 15 إلى العهد الحديث. فمصطلح المخزن من بين المصطلحات التي تثير نوعا من اللبس وعدم التدقيق في التعريف به. فقد يذهب بعض الكتاب والمهتمين بالشأن السياسي والتاريخي المغرب أن "المخزن" ينحصر في الطبقة السياسية والتي تستحوذ السلطة بالمغرب من أعلى هرم السلطة الى أصغر موظف حكومي. وهذه انطباع عام لدى جل الناس. لكن الكتاب، الذي يحاول تبيان جذور هذه الكيان الخارج عن رسميات الدولة extra-étatique لعله يعطي تعريفا له أو بمكوناته، بل يحاول إيضاح الجذور التاريخية لهذه المؤسسة التي ربما هي دولة كبرى فوق مؤسسات الدولة الرسمية تستمد شرعيتها من الدين "النسب الشريف وامارة المؤمنين" والتاريخ كإرث رسميات البيوت السابقة للعائلة الزيدانية التي تعزز طموحات الشرعية السياسية والدينية والتاريخية لسلطان الشريف. ولعل فصول هذا الكتاب قد أطرت بديات تكوين المخزن وهيكلته السياسية والنخبوية مع بداية أحمد المنصور الذهبي، السلطان السعدي 1578 - 1603 الذي عزز هذا النظام النخبوي بالمغرب ورسم له معالم محددة بقيت موررثة حتى في البيت العلوي الحاكم. باختصار الدولة المخزنية بالمغرب هي كيان نخبوية يحوز السلطة والهيمنة السياسية والاقتصادية والدينية في دائرة مصالح خاصة متداخلة يختلط فيها الخاص بالعام حيث مصالح الدولة ترسم انطلاقا من المصالح الخاصة للمخزن وسيرورة بقاءه. والاضرار بهذه المصالح الموروث تاريخيا يفوض استعمال وسائل العنف الشرعي للدولة لقمع أي محاولة تمس المخزن.
يتناول هذا الكتاب الجذور الدينية والسياسية للدولة المخزنية في المغرب التي توطدت على يد السعديين في القرن السادس عشر الميلادي، وخصوصاً على يد السلطان أحمد المنصور الذهبي، الذي حكم المغرب بين سنتي 1578م و 1603م.
لقد كان حكم أحمد المنصور الذهبي مطبوعا بالرغبة في وضع نظام سياسي مركزي قوي يؤدي إلى ترسيخ حكمه واستقرار مملكته، ومن أجل تحقيق ذلك أعد منظومة شرعنة وتمكين متكاملة سميت بالمخزن. وتقوم هذه المنظومة على ثلاثة أبعاد، وهي :
1•• البعد العقائدي: ويتجلى في عدة أشكال خطابية ذات قوة إيحائية مثل النسب الشريف والتصوف والتاريخ والفقه وبعض الأساطير المهيكلة للمخيلة الإسلامية وشارات الملك والمراسم.
2•• البعد المؤسساتي: فقد دعم السلطان الشريف هيمنته على التراب المغربي بتفعيل ومركزة المؤسسات الإدارية والمالية الموروثة عن العهود السابقة، وتحديث المؤسسة العسكرية، واصطناع طبقة سياسية-عسكرية مخلصة.
3•• البعد الدبلوماسي الخارجي: حيث انتهج السلطان الشريف استراتجية مرنة مكنته من الاستفادة من كل ثغرات النظام العالمي الوليد لتحييد القوى الكبرى، من أجل الحفاظ على استقلال ممالكه ونجاح مساعيه التوسعية في الصحراء الكبرى والتحضير لاسترجاع الأندلس وغزو العالم الجديد.
إن اعتماد السلطان أحمد المنصور الذهبي على هذه المنظومة بأبعادها الثلاث قد أعطى لمؤسسة السلطان الشريف بعدا إسلاميا وعمقا تاريخيا وثقلا رمزيا، جعلها قطب رحى المعترك السياسي المغربي من ذلك الوقت وإلى اليوم.
يقول المؤلف: " وهكذا كان خطاب الشرعنة السلطاني يهدف إلى أن يكون في نفس الوقت أداة تنظيم ودمج، بحيث يستطيع أعضاء النخبة ولاسيما الفقهاء والصلحاء أن يستوعبوه ويتقبلوه بسهولة نسيبة، لأنه يوافق بشكل عام ثقافتهم وتمثلاتهم مما يسهل نشره بين عامة الناس عن وعي أو غير وعي. ولتحقيق هذا الغرض كان لابد من إنتاج ترسانة من المفاهيم والرموز والصور تجعل من المشروع السلطاني وريث القرون الإسلامية الأولى أو ما يصطلح عليه بعهد السلف الصالح الذي يعتبر خير العهود على الإطلاق في المخيال الإسلامي. " ص: 67