ما هي الحرية؟ وما هي الحياة؟ بين إشباع الشهوات وإرضاء الضمير والواقع الذي نعيشه، يظهر أنس ليمرر إلينا حالة من التخبط وانعدام الرؤية، ويطرح تساؤلاً حول مدى إمكانية الخروج من هذا الحصار، من هذه العادات والأفكار وهل ما نعيشه حرية مزيفة، أم أن علينا البحث عن الحياة الحقيقية؟ هل نحن أحرار بحق، أم سجناء افتراضيون؟
أنهيت اليوم رواية (سجين افتراضي) للكاتب أحمد فهيم القاضي.. .. في الحقيقة أنا لست ممن يصلحون للحكم على عمل أدبي كالرواية أو الشعر من الناحية الفنية لأن صلتي بالمجالين ضعيفة، لكن أقول أن الكاتب على الأقل قد استطاع أن يلزمني بالجلوس لإنهاء الرواية في جلستين أو ثلاثة، ولولا الاضطرار للقيام لأداء واجبات الحياة لأنهيتها في جلسة واحدة طويلة بسبب تشوقي لمعرفة النهاية التي لم أستطع توقعها بالضبط رغم أن البدايات تبدو تقليدية بشكل ييسر نظريا التوقع.. وهذه هي النقطة الأهم في هذه المراجعة.. .. في رأيي أن الجمع بين الفن الأدبي والنصح الوعظي شديد الصعوبة ، العمل الهادف "بزيادة" قد يقيد الجوانب الأدبية الإبداعية للكاتب فيخرج العمل شديد المباشرة أقرب للمقال وربما خطبة الجمعة وينحصر دور الملكات الإبداعية في صياغة شيء من المثال المقرب للصورة أو الميسر للإقناع بالضبط كما يفعل كاتب المقال وخطيب المنبر، أنت تعرف النهاية من البداية وتدرك الأهداف مبكرا وفقط تقرأ من باب التذكير والتجديد، أما إطلاق الكاتب العنان لخياله وإبداعه دون التقيد الشديد بأهداف مسبقة يخرج عملا ممتعا بديعا ولكن تمثل الأهداف فيه نسبة بسيطة ربما لا يدركها الكثير من القراء عند نهاية العمل، ويبقى الاختبار الحقيقي لصاحب العمل الأدبي الهادف هو الابتعاد بإبداعه عن النمط الأول دون أن يسحبه تيار الإبداع بعيدا عن تلك الأهداف.. .. في رواية أحمد فهيم القاضي الأولى وبمجرد قراءة اسمها وكلمة الكاتب على ظهرها يمكنك بسهولة إدراك أنك ستواجه بعد قليل عملا أدبيا من النوع الهادف، لذلك ومن الصفحات الأولى بدأ قلبي يخفق خوفا على كاتبنا من الوقوع في شراك النمط الأول.. الوعظية المباشرة أو شبه المباشرة.. لا سيما أن بطل القصة يمثل نموذجا من الذي قتل تناولا في محاضرات وكتب الوعظ سواء المنفرة من أسلوب حياته العابث أو الحاكية عن التوبة منه، والتي في عمومها تتناول المرحلتين بسطحية شديدة في أوقات كثيرة كأفلام الهجرة وفجر الإسلام، فهل نجح القاضي في النجاة من تلك الشراك؟ .. مع وصولي لمنتصف الرواية استقر في وجداني أنه قد نجا من النمطية لحد كبير، وأنه نجح بأدبه وذكائه أن ينفذ إلى التعقيدات الإنسانية التي لا ينفذ إليها التناول الوعظي، ولعل من الوسائل التي استخدمها القاضي في تحقيق ذلك:
1- عدم الاكتفاء بتركيز الضوء على شخصية ونفسية البطل فقط والتي تميل إلى كونها لوامة يمنعها اللوم من تحصيل ولو بعض السعادة من الانحراف، فاستخدام نماذج مختلفة ذات دوافع وأفكار ونشأة مختلفة داخل مجموعة البطل (الشلة) سهل الخروج من النمطية قليلا، لم ينسب الكاتب لأحدهم السعادة بشكل حقيقي بطبيعة الحال ولكن في نفس الوقت لم يظهرهم في نفس درجة المعاناة والألم والبحث عن مخرج.. .. 2- راقني أن الكاتب مرر البطل على ظروف متعددة يغلب في التناول الوعظي السطحي أن تكون تلك الظروف لحظة انقلاب للأفضل بشكل كامل، ومع ذلك لم ينقلب، مثل الحادث أو حتى وفاة الصديق أو لحظة الإفاقة التي جاءت قبل الوقوع في خطأ ما ، راقني أنه بين بقوة أن الفاسد ليس بالضرورة فاسدا في كل الجوانب على عكس ما يظن الكثيرون ويخسرون بسببه الكثيرين ، وأن الإنسان قد يبقي خطوطا حمراء وأبوابا مواربة مهما زاد فساده، ثم صدمني بذكاء شديد بوقوع البطل في نفس الخطأ الذي نجا منه في وقت سابق بعدما توفرت ظروف تدريجية قطعت الخط الأحمر وهو لا يدري.. وكل هذا واقعي وغير نمطي.. .. 3- خرج من النمطية إلى الواقعية بتدريجية التغيير الذي لم يتم كاملا حتى نهاية الرواية، كما أن راقني ذكاءه في تخيل ردود أفعال الأصدقاء على بدء التغيير والذي خالف فيه المتوقع بل والمتمنى بالذات في شخصية "حسين" الذي قد حصل من التعاطف في البداية ما لم يحصله غيره.. .. 4- راقني تعامل الكاتب مع تفكير البطل حول نفسه وما يحتاج وأن ليس كل من حاول الإفاقة وجد الطريق بالضرورة مباشرة لا سيما إن صاحب الفشل الأخلاقي والديني فشل مادي دنيوي ، فقد ينشغل المرء زمنا بإصلاح فشله الدنيوي ظنا منه أنه سر كآبته ولا يدرك أن للكآبة أسباب أكبر إلا بعد التخلص ولو جزئيا من فشله الدنيوي وتحقيق نجاحات ، فالتناول كان واقعيا جدا في هذه النقطة، كما كان واقعيا في علاقة البطل بمحبوبته من البداية للنهاية وعكس كل ما تكون لدي من خبرة بمثل هذه العلاقات والمشكلات ونهاياتها.. .. ولكن لا أستطيع أن أقول أن الكاتب قد حقق كل ما أتمناه من الرواية، فقد كانت النصيحة فيها رغم ذلك تحتاج لمزيد من الخفاء تحت غطاء الأحداث الاكثر تشويقا والأدبيات الأقل مباشرة على الأقل في البدايات لأن الفئة التي أتمنى أن تصلها تلك الرواية ستظل قادرة على تصنيف الرواية مبكرا بشكل قد يدفعها للتعامل معها كتعامل "شادي" وربما "سعيد" مع أطروحات "أنس" ، كنت أتمنى مثلا ألا أقابل فيها "هيثم" و"علي" بهذه الصورة المباشرة التي فهمتها من اللحظة الأولى والتي لم ينجح الكاتب في خداعنا أو تمويهنا بشأنهما بشكل قلل كثيرا من وقع مفاجأة الدكتور ل"أنس" عنهما في النهاية، ومثل هذه المفاجآت الأدبية هي أقوى وسائل الكاتب في النفاذ إلى عقل القاريء وحفر رسالته فيه بشكل يصعب نسيانه أو تجاهله، لذلك فكانت تحتاج لإتقان أكثر من ذلك، وبشكل عام لقد بدت نهايات الرواية سريعة ومتعجلة أكثر من اللازم ومن المتوقع على عكس الإطناب الذي قد يكون فيه بعض زيادة وتكرار في البداية والمنتصف، وأنصح الكاتب بإعادة النظر فيها.. .. كانت الرواية في رأيي ستزداد واقعية واشتباك مع ظروف هذا الجيل إذا أضيف جوانب أكثر من الخير لا في شخصية البطل فقط بل في الشخصيات الأفسد منه أيضا، كالمشاركة في الأعمال الخيرية وحقوق الإنسان ومساعدة المهمشين وما شابه، فهذه أمور تزيد من تعقيد وتحصين قضبان السجن الافتراضي ، كما أن أكثر المهتمين بالقراءة والأدب سيكونون من هذا النوع وليس من الأنماط التقليدية، كنا نحتاج ولو واحدا من المجموعة من هذا النمط، لقد هم الكاتب بذلك في شخصية "سيف" ومكتبته وكان سيف أهلا لها ولكن لم تكتمل، وكذلك "حسين" كان مهيئا لها ، وأيضا شخصية "سعيد" كانت مهيئة للقيام بدور شبيه على الجانب الديني الاجتزائي لا الخيري والحقوقي ولكن فاجئني الكاتب بإشراكه في كل بلايا المجموعة بلا أي استثناء بشكل حرمنا من استشعار وتأمل تعقيد النفس البشرية التي يمكنها أن تجمع بين نقيضين يكون أولهما (الجيد) أداة للنفس والشيطان في الوقوع والاستمرار في ثانيهما (الفاسد) بضمير مخدر ونائم.. أما فقدان كل الخير فهو تصور أكثر بساطة من الواقع.. السجن الافتراضي لا يتكون دائما من (اللا هدف) أو الهدف التافه، ولكن قد يتكون من هدف صالح في ذاته ولكن غير كاف كهدف وحيد أو كهدف مستقل غير مرتبط بالهدف الأكبر .. صديقي الكاتب المهندس أحمد فهيم البسط لا قيمة له دون النظر إلى المقام ومع مقام البداية والعمل الأول .. فالبسط يقول النتيجة رائعة..
وقد تعمدت على غير عادتي التفصيل في مراجعة الرواية- بل أنا غير معتاد على قراءة الروايات بشكل عام- أملا في أن يكون رأيي لبنة في بناء بسط أكبر في العمل القادم لأنه سيقسم حينها على مقام أكبر .. أعلم أنك أهل له
ليس هذا نقداً، ولا تقييماً ولا تقويماً....لكنه مجرد رأي.
(سجين افتراضي)
ليست مصنفاً أدبياً عادياً، قد أسميها مصنف فني مثلاً، هي - في رأيي - أكثر من مجرد رواية، ليست رواية فحسب أقول رأيي في أركانها من مقدمة و حبكة و عقدة و حل. بل هي حالة متكاملة، هي الخاطرة التي تدور بعقلك، و الحكمة التي وصل إليها من مروا بهذه السبيل قبلك، و النصيحة التي يسديها إليك من عاشوا نفس الرحلة و واجهوا نفس الصعاب......هي تذكرة لك بأصل الحكاية...و نهايتها، و كاشفة لما بينهما. في كل صفحة من صفحات (سجين افتراضي) مرآة، ترى نفسك في بعض المرايا، أو كلها! و تجد نفسك أمام نفسك.
(أنس)
ليس بطلاً خيالياً في رواية، (أنس) جيل، بل و أجيال كثيرة، هو أنت. تشعر أن أحمد فهيم القاضي كتب ما كتب كأنه سبر أغوارك و شعر بحرارة معاناتك و أنين قلبك و أزيز عقلك. من منا ليس (أنس)؟ أو بعض منه؟ من منا لم يضل الطريق؟ من منا عرف نفسه تمام المعرفة؟ من منا ملاك بلا خطيئة؟ من لم يبرر خطأه لنفسه ليريح ضميره؟ من منا لم يسجن نفسه خلف قضبان من صنعه؟
من منا ليس سجيناً افتراضياً؟؟!
كل التوفيق والنجاح الدائم لأحمد فهيم القاضي الذي أدرك مأساة الجيل الذي ضل الطريق و فقد الخريطة.
فى اخر الرواية لاقتني بأدعي ربنا وبأقول يارب مش هيبقي بؤس فى الدنيا وقلق وتوتر وخوف وفي الاخره عذاب وقلق ورهبه من الخوف من حسابك، يارب ادينا الامان فى الوقوف بين ايديك وابعد اعنا البؤس والشقاء فى الدنيا والاخره. أحمد فهيم قد بكل سلاسه انه يوصف حال ناس كتير جدا والصراعات النفسية الناشئة عن المستقبل والواقع واللى بيدفعوا الناس للخروج عن أطر اخلاقيه حاكمة. الرواية بتتكلم عن كل واحد فينا بشكل وبأخر مش شرط حالة "أنس" تبقي هي الشكل الامثل لكنها تعبير عن حالات كتير من الاضطراب والاسئلة الكتير اللى بتقابلنا فى حياتنا اليومية. انا بس كان ليا مأخذه بسيطه على خط الرواية وهو غياب دور الأب تماما في حياة بطل الرواية واعتقد دور الأب كان ممكن يتطور اكتر من كده وكان ممكن يخلق مساحات أكبر بكتير من اللى موجوده فى الرواية. من حيث لغة الرواية فهي فصحي بسيطة سهلة لكل الناس احسن أحمد فى استخدام العبارات الفصيحة البسيطة بدون اطالات وإن شخصيا كنت أتمنى ان الرواية تكون كلها بجُمل فصيحة طويلة لا تميل الي البساطة. انا فى انتظار الرواية الجديدة لأحمد فهيم على نار الصراحة وربنا يكرمه ويخلصها قريب.
1- مبدأيا أُحييك على إستخدام الفصحى بدلاً من العامية. فمعظم الكتّاب الجدد يلجئون إلى العامّية كنوع من الاستسهال وضحالة حصيلتهم اللّغوية. 2- لا أعلم إختيارك لإسم " أنس" بمحض الصدفة أم مقصود ليدلّ على " الإنسان". كأنك تقصد بروايتك أن هذه الصراعات تشمل كل بشري على الأرض. 3- الرّواية غير مشوّقة، على الأقل بالنسبة لي. لأني لم أجد فيها من الأحداث ما يثير شهيّتي وفضولي. 4- جزئية علي وهيثم واضحة من البداية دون أي تمويه لحقيقتهم، لذا فالإيضاح بالنهاية كان تحصيل حاصل. 5- شخصيّات الرّواية هامشيّين بدرجة كبيرة ولا يوجد أي بُعد فنّي لحياتهم أو شخصيّاتهم إلّا قشورا. 6- شخصية سعيد ممكن بكل بساطة حذفها دون أدنى تأثير. 7- اتفهم الحوارات الكثيرة المطوّلة بين البطل ونفسه وتعددها بين كل مرحلة يمرّ بها وكل تجربة فشل يحاول النهوض منها، لكن لم أستطع تقبّل فكرة التفكير المنطقي العقلاني والتّضاد السريع في أفعاله وإنقلابه على عقله. 8-الحورات النفسية جيدة جدا في ذاتها، فهي كل ما يُعتمل بعقل كلّ شابٍ في أيامنا هذه. 9- هدف الرواية وغايتها مميز ومفيد لمن يكملها بإمتعان، وربما يتوقف الشخص خلال قرائتها للتفكير في حياته. إجمالاً عمل أول جيد ونأمل في الأفضل.
أكثر ما أعجبني وجذبني لقراءة الرواية هو أنها تحكي حال أكثرنا؛ أعني قصة ذلك الشاب الذي لا يطال الفجور والتحرر الكامل، ولا يطال أيضا الصلاح والاستقامة.. فكلما يوسوس له قرناء السوء ويحرضونه على ألوان المعاصي، ويبررونها له بالعقل والمنطق، بدافع الصراحة والاتساق مع النفس وعدم النفاق أو المخادعة.. يجد نفسه اللوامة الحبيسة التي غرسها والداه في الصبا لا تزال تحيا بداخله وتدعوه بصوت متألم خافت لأن يكف ويقلع ويمتنع.. فبين هذين الندائين، وفي هذا التيه، يعيش أكثر الشباب والبنات أسوياء الفطرة، المرجو من أكثرهم الصلاح، لولا ضعف النفس وكثرة المؤثرات الخارجية الخاطفة للقلوب والعقول والأبصار.. عشت مع أحداث القصة والحوارات الدائرة بين أبطالها وتأثرت بها لواقعيتها.. وعند الوقوف على الفقرات الحوارية تمنيت كثيرا أنها تدور بلهجة مصرية لتكون أقرب إلى استحضار الصورة، بدلا من استخدام بعض المصطلحات الفصحى الغريبة عن لغة الحوار اليومية.. لا أفتي في أساسيات صناعة الرواية.. لكن كقارئ عادي لا أرى بأسا في التنويع بين الفصحى (في سرد الأحداث) واللهجة المصرية (في سياق الحوارات)، بشرط عدم استخدام العامية المبتذلة.. رواية خفيفة جميلة ومؤثرة.. ومن الأمور اللطيفة الخفية التي تعرضت لها بشكل خاص هو استخدام الكاتب الصديق أحمد فهيم القاضي لبعض الأمثلة وبعض الأفكار التي لي علم مسبق باهتمامه بها.. فكان ذلك مما أضفى علي قراءتي بعض المرح في وسط الأحداث الجادة.. مبارك عليك باكورة الأعمال، وفي انتظار المزيد القادم بإذن الله.