أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدِّينورِي. عالم وفقيه وأديب وناقد ولغوي، موسوعيُّ المعرفة، ويعد من أعلام القرن الثالث للهجرة. ولد بالكوفة، ثم انتقل إلى بغداد، حيث استقر علماء البصرة والكوفة، فأخذ عنهم الحديث والتفسير والفقه واللغة والنحو والكلام والأدب والتاريخ، مثل أبي حاتم السجستاني وإسحاق بن راهويه وأبي الفضل الرياشي وأبي إسحاق الزيادي والقاضي يحيى ابن أكثم والجاحظ، ولهذا اعتبر ابن قتيبة إمام مدرسة بغدادية في النَّحو وفَّقت بين آراء المدرستين البصرية والكوفية. كما عاصر قوة الدولة العباسية، وصراع الثقافات العربية والفارسية والأجناس العربية وغير العربية، وما أسفر عنه من ظهور الحركة الشعوبية ومعاداة كل ما هو عربي. كما عاصر صعود الفكر الاعتزالي وسقوطه. فكان لكل ذلك تأثيره في معالم تفكيره، وتجديد موضوعات كتبه كما يظهر في مؤلفاته. اختير قاضيًا لمدينة الدينور، ومن ثم لقب بالدينوري. وفي عهد الخليفة المتوكل العباسي، الذي أزال هيمنة فكر المعتزلة، عاد ابن قتيبة إلى بغداد، وشهر قلمه وسخره لإعلاء السنة وتفنيد حجج خصومها، وبذلك استحق أن يقال: إنه في أهل السنة بمنزلة الجاحظ عند المعتزلة. وفي بغداد اشتغل بالتدريس، فتتلمذ عليه خلق كثيرون، رووا كتبه، ونقلوا إلينا علمه مثل: ابن درستويه، وعبد الرحمن السكري، وأحمد بن مروان المالكي، وأبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان وغيرهم. وأهل السنة يحبونه ويثنون عليه، ويعدونه إمامًا من أئمتهم كما فعل الخطيب البغدادي والحافظ الذهبي وابن تيمية. مؤلفاته متعددة، وتشمل موضوعاتها المعارف الدينية والتاريخية واللغوية والأدبية، ومن أشهر مؤلفاته: تأويل مشكل القرآن؛ تأويل مختلف الحديث؛ كتاب الاختلاف في اللفظ؛ الرد على الجهمية والمشبهة؛ كتاب الصيام؛ دلالة النبوة؛ إعراب القرآن؛ تفسير غريب القرآن. ومن كتبه في تاريخ العرب وحضارتهم، كتاب الأنواء؛ عيون الأخبار؛ الميسر والقداح؛ كتاب المعارف. ومن كتبه الأدبية واللغوية: أدب الكاتب؛ الشعر والشعراء؛ صناعة الكتابة؛ آلة الكاتب؛ المسائل والأجوبة؛ الألفاظ المغربة بالألفاظ المعربة؛ كتاب المعاني الكبير؛ عيون الشعر؛ كتاب التقفية وغيرها. ولتعدد اهتمامات ابن قتيبة وتنوع موضوعات كتبه، يُعدُّ عالمًا موسوعيًا، فهو العالم اللغوي الناقد المتكلم الفقيه النحوي. وتعود شهرته في التاريخ والأدب إلى كتابه الشعر والشعراء، وبوجه خاصّ إلى مقدمة هذا الكتاب، وما أثار فيها من قضايا نقدية.
هل دار في خلد ابن قتيبة يوم أن خط يمينه (عيون الأخبار)، أنه يكتب أول جمهرة في التاريخ؟ لا يمكن أن نقطع، ولكن ما بين أيدينا جمهرة أدبية تاريخية أرادها صاحبة لعامة الناس ورؤساءهم. المجلد الأول من هذا الكتاب ضم ثلاثة كتب، الأول (كتاب السلطان) وموضوعاته تتراوح ما بين علوم وآداب السياسة، ويلحقه الكتاب الثاني (كتاب الحرب)، بما يتناوله من موضوعات تتعلق بإعداد الجيوش تدريبًا وتسليحًا وإدارة الحرب والخطط الاستراتيجية والتكتيكية، أما الكتاب الثالث (كتاب السؤدد) فهو دراسة مطولة في طباع النفس البشرية؛ وابن قتيبة في هذه الكتب الثالث منهجه جمع الروايات المتوفرة في الآداب العربية، وتنظيمها وترتيبها، ثم تحليلها والربط بينها والتعليق عليها.
جمع المؤلف - رحمه الله - الروائع والعيون من بستانيّ السلطان والسؤدد في هذا الجزء، وستجد أنه طرق في ذلك دروب العرب والعجم، فتراه يورد الآيات من المُحكم، ويورد الحديث، كما يقتبس من مشائخه، وشعراء العرب، ويروي عن كسرى وأرسطوطاليس. شتّان ما بين ذلك الجيل وجيل اليوم.