إذا كان التقليديون يقلدون المتقدمين، فإن الحداثيين يقلدون المتأخرون، بل إن تقليد الحداثيين يبدو أشنع من تقليد التراثيين، لأن الحداثة والتقليد، حسب تعريفهم، ضدان لا يجتمعان، في حين أن التراث والتقليد، بموجب تقريرهم، صنوان لا يفترقان.
هذا الكتاب يسعى إلى أن يبصر الحداثيين بما هم فيه من تقليد مطبق، لفتح فضاء الإبداع، وذلك عن طريق التفريق بين "روح الحداثة" التي ينبغي حفظها و"واقع الحداثة" الذي يمكن تركه إلى واقع غيره لا يقل عنه حداثة، كما يسعى هذا الكتاب إلى أن يخرج التراثيين بدورهم مما هم فيه من تقليد معيق، لفتح لهم فضاء الاجتهاد، وذلك عن طريق تطبيق روح الحداثة على مقتضى التداول الإسلامي، وقد اختار لهذا التطبيق نماذج متميزة، مبيناً كيف أن هذه الروح يمكن أن تنفذ إلى المجتمع الإسلامي كما نفذت من قبل في المجتمع الغربي، بل كيف أن هذا التطبيق الإسلامي يسمو بروح الحداثة بما لا يسمو بها تطبيقها الغربي، إذ يكون محفوظاً من الآفات الأخلاقية، ومتسعاً لتجليات إنسانية لهذه الروح.
يأتي الكتاب الجديد لطه عبد الرحمن ليضع لبنات الحداثة الإسلامية بعد كتاب "سؤال الأخلاق" الذي بسط فيه نقده للحداثة الغربية، وسوف يلاحظ القارئ الكتابين يتكاملان مضموناً وسياقاً، فلم ينتقد المؤلف ما نقد في الأول إلا لكي يمهد الطريق لوضع ما وضع في الثاني، حتى إن وضعه هذا يبدو وكأنه الأصل في نقد ما نقد.
طه عبد الرحمن (من مواليد عام 1944 بمدينة الجديدة المغربية)، فيلسوف معاصر، متخصص في المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق. ويعد طه عبد الرحمن أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين في العالم الإسلامي منذ بداية سبعينيات القرن الماضي. تلقى طه عبد الرحمن دراسته الابتدائية بمدينة "الجديدة"، ثم تابع دراسته الإعدادية بمدينة الدار البيضاء، ثم بـجامعة محمد الخامس بمدينة الرباط حيث نال إجازة في الفلسفة، واستكمل دراسته بـجامعة السوربون، حيث حصل منها على إجازة ثانية في الفلسفة ودكتوراه السلك الثالث عام 1972 برسالة في موضوع "اللغة والفلسفة: رسالة في البنيات اللغوية لمبحث الوجود"، ثم دكتوراه الدولة عام 1985 عن أطروحته "رسالة في الاستدلال الحِجَاجي والطبيعي ونماذجه". درَّس المنطق وفلسفة اللغة في جامعة محمد الخامس بالرباط منذ 1970 إلى حين تقاعده 2005. وهو عضو في "الجمعية العالمية للدراسات الحِجَاجية" وممثلها في المغرب، وعضو في "المركز الأوروبي للحِجَاج"، وهو رئيس "منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين" بالمغرب. حصل على جائزة المغرب للكتاب مرتين، ثم على جائزة الإسيسكو في الفكر الإسلامي والفلسفة عام 2006. تتميز ممارسته الفلسفية بالجمع بين "التحليل المنطقي" و"التشقيق اللغوي" والارتكاز إلى إمدادات التجربة الصوفية، وذلك في إطار العمل على تقديم مفاهيم متصلة بالتراث الإسلامي ومستندة إلى أهم مكتسبات الفكر الغربي المعاصر على مستوى "نظريات الخطاب" و"المنطق الحجاجي" و"فلسفة الأخلاق"، الأمر الذي جعله يأتي بطريقة في التفلسف يغلب عليها التوجه "التداولي" و"الأخلاقي".
هذا الكتاب محاولةٌ لطرح تصوّر لتطبيق إسلامي لروح الحداثة، يمايزها عن واقعها الغربي الذي ظنّ كثيرٌ من أهل الثقافة أنّه يتطابق مع روحها أو أنّه صورتها الوحيدة. أجاد (طه عبدالرحمن) في العرض والنقض والنقد لواقع الحداثة وروحها؛ وأبدع. لكنّه أخفق برأيي في طرحه للبديل الذي بدا بعيدًا أو مسرفًا في مثاليته، ونظريته. وهذه المرّة قرّرت تلخيص الكتاب بطريقة اكثر تدرّجًا, فما أن أُنهي فكرةً حتى ألخصها. فانتهى الكتاب إلى بضع صفحات (وأنا شديد الاختزال). التلخيص يكشف للقاريء الذهب وقدر النحاس الذي فيه. لا يخلو كتابٌ ل(طه عبدالرحمن) من عمقٍ في الفكرة، وازدحامٍ في الاصطلاحات، وكثرةٍ في التشعيب والتقسيم في الطرح. وأرى أنّ الأسلوب المتّبع في كتاباته، يجعلها تأمّلات أكاديمية لا فاعلية لها ولا انتشار إلا بإعادة الصياغة، وتقريب العبارة. فانتشار المصطلح ومن ثمّ الفكرة التي تقف وراءه رهنٌ بشعبويته، اي رهنٌ بدخوله الخطاب اليومي للمثقفين والناس ليتسنى استخدامه واستبداله بالقديم المتهافت أو الخاطيء أو المنقول على غير بصيرة. أجد في كتابات (طه عبدالرحمن) إرهاقًا غير مبّرر للقاريء، لا بسبب الأفكار وصلابتها وذلك محمود مطلوب، بل بسبب الأسلوب والصياغة وتلك خصلةٌ لا تُحمد لكاتبٍ ولا مفكّر يبغي التأثير لا التنظير، والعمل لا القول فحسب. وأعود لأقول أنّ فكر (طه عبدالرحمن) كنزٌ يستحقّ أن يجد طريقه إلى الناس، وأن يجد الناس طريقهم إليه. بالتعبيد والتقريب والاختصار لا بالأكاديمية الجافة والتنظير الشديد.
كتب مولانا طه بناءٌ محكم و قولٌ ثقيل و نصّ واحد . ولذلك فنقدها في مراجعة سريعة أمر يقع خارج تعريفها , يفرّق طه بين روح الحداثة و واقع الحداثة في طريق التأسييس لشرعية الحداثة الإسلامية . السؤال المنهجي الذي يشغلني , و المتعلّق بأسّ الفكرة , هو في اعتراض طه على جوهرة واقع الحداثة الغربية , و نقده لذلك بأنّ للحداثة روحاً يمكن أن تتجلّى في أكثر من واقع , ولكن هذه الروح التي تقوم على مبادئ الرشد و النقد و الشمول , ألا تقدّم بهذا الطرح مجوهرةً و شكلاً من محاولة اكتساب شرعية الخطاب عبر التقليد -ولو في أصل الصطلح "الحداثة"- و الذي يذمّه طه في خصومه , أي أنّ البحث عن روحٍ للحداثة متجاوزة لواقع النشأة الأوروبي , فيه تجاوز لواقع التمايز التاريخي بين محاولات الحضارات المحتلفة, و ذلك باعتبار أنّهم جميعاً يستقون من هذه الروح ذات المبادئ الثابتة و الحاضرة في كل حضارة, و التي تبدو سابقةً لتاريخ الحداثة الأوروبي احياناً ثمّ تبدو متشكّلةً بجهود أبنائها كذلك أحياناً أخرى (حين يتكلم طه عن ان رجال دين -يعني البروتستانت- ساهموا في تشكيل الحداثة ردّا على دعوى الفصل العلماني بين الدين و الحداثة , فهو لا يميز بين روح الحداثة و واقعها الأوروبي , فلو كانت متعلقة بروح الحداثة فهي متشكلة قبل وجود البروتستانت و إن كانت متعلقة بالواقع الأوروبي فهذا يسقط أحقية الاحتجاج بها ) , أي باختصار : أنّ القول بروح الحداثة , قد يقع أيضاً في شكل الجوهرانية و المصادرة التي يقع بها القول بأنّ الحداثة هي واقع الحداثة الأوروبي .
هذا تساؤل على هامش الكتاب , و لا يتعلّق مقصده بنقض أطروحة الكتاب أو الخروج منها , و إنّما بمحاولة سدّ هذه الثغرة إلى المشروع , حرصا على انتشاره و إثرائه بالبحث و السؤال , و خروجاً من أفق التقليد المنحصر بين الاستحسان أو الاستهجان للمشروع , موقناً أنّ ما يسمح لأيّ مشروع بالتأسّس و الانتشار هو أن يكون في موقع المسائل و المساءَل ليتوسّع لحقول من الأفكار بما تحتمله إمكاناتُه الأوسع من نصّه بلا شكّ, ومن موقع الاتفاق مع مقصد الكتاب في التأسيس للحداثة المبدعة و نقده للحداثة المقلدة , مع التأكيد على أنّ هذا الكتاب هو أحد مفاتيح مشروع طه التي لا غَناء عنها لكلّ من ينشغل به , و التي يحمل كلّ محورٍ منها بذرة مشروع لاحقٍ مؤسّس عليه .
الكتاب الأول " روح الحداثة : المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية " لـ د . طه عبد الرحمن . في أول صفحة من الكتاب جاءت الآية " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ... " [ البقرة : 143 ] . وبعد قراءة مدخل الكتاب اتضح لي مدلولها ، ومعنى الوسطية المراد ، والشهادة المرادة من خلال معنى الحداثة الإسلامية الذي أكد عليه المؤلف . المقدمة : ذكر فيها المؤلف جملة من التنبيهات المهمة ، ولأهميتها ارتأيت نقل جزءٍ منها نصاً : " من ذا الذي ينكر أن المجتمع المسلم يكابد من التحديات المعنوية مقدار ما يكابده من التحديات المادية؛ ويتصدَّر التحديثات المعنوية ما يواجهه من تِيهٍ فكري متمثل في فِتنة مفهومية كبرى لا يعرف كيف يَخرج منها؛ إذ لا تفتأ تتوارد عليه كثرة متكاثرة من المفاهيم التي تضعها المجتمعات الأخرى، فيأخذ في التخبط في معاقدها ومغالقها ، بل في متاهاتها وأحابيلها، لا قدرة له على استيعابها، ولا طاقة له على صرفها؛ والواقع أن المجتمع المسلم ما لم يهتدِ إلى إبداع مفاهيمه أو إعادة إبداع مفاهيم غيره، حتى كأنها من إبداعه ابتداءً، فلا مطمع في أن يخرج من هذا التيه الفكري الذي أصاب العقول فيه. ومع هذا، نجد زمرة من أهله تدّعي أنها استطاعت أن تهتدي في هذا التيه المُهلِك؛ وما هذه الزمرة إلا فئة المقلدين من أبنائه؛ وهؤلاء ليسوا – على خلالف الاعتقاد السائد – نوعا واحداً ، وإنما نوعين اثنين: أحدهما : يضم الذين يقلدون المتقدمين من المسلمين، ولنسمّهم " مقلدة المتقدمين". والنوع الآخر : يضم الذين يُقلدون المتأخرين من غير المسلمين، ولنسمّهم " مقلدة المتأخرين" . أما مقلدة المتقدمين، فيتعاطون إسقاط المفاهيم الإسلامية التقليدية على المفاهيم الغربية الحديثة كأن يُسقطوا مفهوم " الشورى" على مفهوم " الديموقراطية" أو مفهوم " الأمة " على مفهوم " الدولة" أو مفهوم " الربا " على مفهوم " الفائدة"؛ ويتوسلون في هذه الإسقاطات المختلفة بخطاب يريدون أن تكون له صبغة عملية توجيهية، لكنهم يقعون – من حيث لا يشعرون – في شَرَك الوعظ المباشر؛ وهكذا ، يصيرون – على التدريج – إلى رد المفاهيم المنقولة إلى المفاهيم المأصولة؛ فينتهون بمحو خصوصية المفاهيم المنقولة. وأما مقلدة المتأخرين، فيتعاطون إسقاط المفاهيم الغربية المنقولة على المفاهيم الإسلامية المأصولة كأن يُسقطوا مفهوم " العلمانية " على مفهوم " العلم بالدنيا" ومفهوم القطيعة على مفهوم " الجّبّ" ومفهوم " الحرب الدينية " على مفهوم " الفتح"؛ ويتوسلون في هذه الإسقاطات المختلفة بخطاب يريدون أن تكون له صبغة عقلية استدلالية، لكنهم يتعثرون- على خلاف ما يظنون – في القيام بشروطها؛ وهكذا يصيرون – على التدريج – إلى رد المفاهيم المأصولة إلى المفاهيم المنقولة؛ فينتهون بمحو خصوصية المفاهيم المأصولة. ظاهر أن كلا النوعين من المقلدة لا إبداع عنده، إذ مقلدة المتقدمين يتّبعون ما أبدعه السلف من غير تحصيل الأسباب التي جعلتهم يبدعون ما أبدعو؛ ومقلدة المتأخرين يتّبعون ما أبدعه الغرب من غير تحصيل الأسباب التي جعلتهم يبدعون ما أبدعوه. " . ثم بيّن منهجه في الكتاب من خلال نبذ التقليد ، واللجوء إلى الإبداع كحاجة لازمة وأولها إبداع المفاهيم من خلال التراث الإسلامي العربي، لإشراك خير المتقدمين مع خير الوافد. ثم بيّن قاعدتين منهجيتين نقديتين خاصة به لوضع المفاهيم وصوغ الأحكام : • " كل أمرٍ منقول معترض عليه ، حتى تثبت بالدليل صحته " . • " كل أمرٍ مأصول مسلم به ، حتى يثبت بالدليل فساده" . وقد شرح مقصده من كل قاعدة . وبيّن مفهوم " الحداثة " في هذا الكتاب ثم بيّن تعلقه بكتابه " سؤال الأخلاق : بنقد الحداثة الغربية " ، لأن الثاني ظن بعض النقاد أنه كتاب هادم للحداثة ، فجاء الكتاب الثاني " روح الحداثة " ليبني روح الحداثة كما يراها المؤلف . إلا أنه استدرك ليبين أن ما قيل عن كتابه الأول بأنه هدم هو سوء فهم بل هو كما يرى نتيجة رؤيتهم المغلوطة للحداثة وكأنها حق كلها ، أو كاملة تامة ، وواقع لا حِولَ عنه، فهذا ما حجبهم عن الأصول الأخلاقية المصححة لمسار الحداثة ، الحاصلة من التجربة الروحية الخاصة للمؤلف ، وإن تشابه مع غيره فهذا يراه دعما لتقوية صوابية رؤيته ، وقد ذكر منها الأصول التالية : • " أن الأخلاق صفات ضرورية يختل بفقدها نظام الحياة لدى الإنسان، وليست هي مجرَّد صفات عرضية أو كمالية لا يقدح تركُها إلا في مروءته. • أن القيمة الأخلاقية أسبقُ على غيرها من القيم، بحيث لا فعل يأتيه الإنسان إلا ويقع ابتداءً تحت التقويم الأخلاقي. • أن ماهية الإنسان تُحدِّدها الأخلاق وليس العقل، بحيث يكون العقل تابعاً للأخلاق، فيكون محمودا متى أفاد ومذموماً متى أساء، وليس العكس. • أن الأخلاق مستمدة من الدين المنزل، حتى إن قول القائل " الأخلاق العلمانية " تُعد عبارة متناقضة. • أن الإنسان – بموجب أخلاقيته – لا يستطيع أن يتجرد كلياً من حال التدين ولو سعى إلى ذلك ما سعى، لأنه – وإن أبى التدين اختياراً ومن حيث يدري – فإنه يقع فيه اضطراراً ومن حيث لا يدري. • أن الأخلاق مراتب مختلفة قد يتقلب بينها الفرد الواحد، وليست مرتبة واحدة يجمد عليها. • أن الهمة الأخلاقية للإنسان أقوى من الأمر الواقع وأصلب من حتمية الحدث، لأن الواقع القائم لا يستنفذ الإمكان الذي في يد الإنسان، ولا الحتمية المنسوبة إلى التاريخ تستنفذ طاقته. • أن العقل المجرَّد الذي اختار الانفصال عن العمل الديني لا تلبث أفعاله أن تنقلب إلى نقيض مقصودها، بحيث تغدو آثارها ضارة بالإنسان حيث كان يُتوقَّع أنها ستأتيه بالنفع الخالص. ولو أن هؤلاء الذين حصروا نقدنا في جانب الهدم تأمّلوا في هذه الأصول، لأدركوا أنها تؤسس لحداثة ذات توجّه معنوي بديلة عن الحداثة ذات التوجه المادي التي يعرفها المجتمع الغربي... " . فبيّن أن كتاب " سؤال الأخلاق " هدفه التمهيد لكتاب روح الحداثة ، والذي مداره على إثبات الدعوى التالية ، وهي : • " كما أن هناك حداثة غير إسلامية ، فكذلك ينبغي أن تكون هناك حداثة إسلامية." 17 . مستندا على مسلمة هي أن الإسلام هو الخير ويأتي بالخير ، وكل خير حقيقي فقد تضمّنه الإسلام بالأصالة والحقيقة ، فإن كان في الحداثة خير ونفع فهو من مضمون الحقيقة الإسلامية . ثم ذكر ملخصا لجوهر أفكار كتابه .
المدخل التنظيري العام : روح الحداثة وحق الإبداع : ابتدأه بمنهجيات عرّفت الحداثة بناء على الزمان التاريخي ، أو بحسب الصفات التي طبعت عطاء هذه الحقبة ، فأبان بعده خصائص روح الحداثة التي من خلالها يمكن استخلاص تعريف للحداثة ، بعد أن جعلتها التعريفات الشائعة وكأنها " كائن تاريخي عجيب يتصرف في الأحياء والأشياء كلها تصرف الإله القادر، بحيث لا راد لقدره " ، ثم أبطل هذه الدعوى لأنها تصور غير حداثي ينقل الحداثة من مفهوم عقلي إجرائي إلى رتبة شيء وهمي مقدس! فبين أن خصائص روح الحداثة تتجلى في مبادئها وهي ثلاثة مبادئ يتفرع عن كل مبدأ ركنين ، فيكون مجموع المبادئ ثلاثة ومجموع أركانها ستة ، في صورة تفصيلية تكاملية . والمبادئ هي : المبدأ الأول : مبدأ الرشد ، ومقتضاه " أن الأصل في الحداثة الانتقال من حال القصور إلى حال الرشد " . وركنيه هما : الاستقلال ، ويعني به الاستقلال الذاتي والفكري والحركي. الإبداع ، وبيّن أثناء استرساله نقطة بديعة تتعلق بسؤال قد يُطرح : لماذا غالبا يقترن مفهوم الحداثة بالأدب والفن؟ فالجواب من تعليل الكاتب " متى علمنا أن مفهوم " الإبداع " لا يقترن بمجال مثل اقترانه بمجال الأدب والفن، لا نستغرب أن يرتبط ظهور فكرة " الحداثة" بتطور هذا المجال، بل لا نستغرب أن ينشأ في القرن التاسع عشر مذهب في الأدب والفن عُرف باسم " النزعة الحداثية" ".
المبدأ الثاني : مبدأ النقد ، ومقتضاه " الأصل في الحداثة هو الانتقال من حال الاعتقاد إلى حال الانتقاد " . وركناه : التعقيل ( أو العقلنة ) ، ويقصد به كلفظ السببية أو العلية وقد أوضح ذلك في الحاشية . ويقد به كمفهوم هو " إخضاع ظواهر العالم ومؤسسات المجتمع وسلوكات الإنسان وموروثات التاريخ كلها لمبادئ العقلانية " . التفصيل ( أو التفريق ) ومقتضاه " نقل الشيء من صفة التجانس إلى صفة التغاير" كالتفريق في حقل المجتمع المتمثل في اختلاف المهام والأدوار التي تُسند إلى الفاعلين الاجتماعيين. ومفهومها بشكل أدق هو تمييز كل شيء عن الآخر لكنه لا يعني تميزيا قاطعا أو فصلا قاطعا وجوهريا.
أما المبدأ الثالث والأخير هو " مبدأ الشمول " ومقتضاه " أن الأصل في الحداثة الإخراج من حال الخصوص إلى حال الشمول " . وركناها : التوسع ، أي عدم حصر أفعال الحداثة على مجالات معينة. التعميم ، بأن لا تكون الحداثة محصورة في مجتمع معين نشأت فيه. بل هي اقرب للمشترك الإنساني. وأنهى المبادئ بخلاصة هي " أن روح الحداثة تتكون من مبادئ ثلاثة : أولها : مبدأ الرشد، ويقضي بوجود الاستقلال عن الأوصياء والأولياء، ووجود الإبداع في الأقوال والأفعال. والثاني : مبدأ النقد، ويقضي بممارسة التعقيل في كل شأن من شؤون الحياة وممارسة التفصيل في كل أمر يحتاج إلى مزيد الضبط. والثالث: مبدأ الشمول، ويقضي بحصول التوسع في كل المجالات وحصول التعميم على كل المجتمعات، فخصائص الروح الحداثية إذن هي أنها روح راشدة وناقدة وشاملة."
وبناءً على ما تقدم من تعريف لروح الحداثة من خلال مبادئها ، تترتب النتائج التالية : أ- تعدد تطبيقات روح الحداثة: ذلك أن روح الشيء تختص بكونها تقدر على التجلي في أكثر من مظهر واحد. ب- التفاوت بين واقع الحداثة وروحها، فليس التطبيق الحاصل لها في الغرب هو روحها فبالتالي وقع اللبس بينهما عندما جعل الواقع هو الروح. ت- خصوصية واقع الحداثة الغربية، حتى أن المجتمعات الغربية ذاتها تختلف في تقديم أحد مبادئ الحداثة في مجال عن مجال آخر. ث- أصالة روح الحداثة ، بردها إلى الجذر الإنساني الذاتي والتاريخي. ج- الاستواء في الانتساب إلى روح الحداثة ، فهي ليست ملكا لمن أخرجها في هذا العصر ، بل إن روحها موجودة في الأمم السالفة أيضا. فبيّن بعد ذلك الجواب للتساؤل التالي : " ماهي كيفيات تطبيق روح الحداثة في المجتمع المسلم وكيف تختلف وجوه تطبيق المجتمع الغربي لها؟ "
This entire review has been hidden because of spoilers.
روح الحداثة ~~~~~~~ أجزم أن هذا الكتاب محوريٌ في مشروع طه عبد الرحمان لتجديد الإبداع و إعادة توطينه في المجال التداولي العربي الإسلامي و منطلقه في ذلك أن للحداثة روحا قد يكون لها تطبيقات عدة ليس التطبيق الغربي إلا إحداها و لا يَلزمنا السير على خطى المجتمعات الغربية بل أن نفكك ظاهرة الحداثة إلى بنيتها الأساسية، و هي روحها. دعاة الحداثة في أوطاننا ينقُضون دعواهم بالإكتفاء بنقل تجربة الغرب الحداثية، فيقعون بذلك في نفس ما نقموه من ”التقليديين“ الذين ينقلون عن متقدمي الأمة. و ما الفرق، إذن، بين هؤلاء و هؤلاء ما داموا لا يأتون بجديد؟ و الجدة لب الحداثة.
مبادئ روح الحداثةو [أركانها]: الرشد[الإستقلال و الإبداع] و النقد [التعقيل و التفضيل] و الشمول [التوسع و التعميم].
المطلوب -في أمر الحداثة و روحها- أن ننقل من الغرب الأصلَ لا نقلَ النقلِ.
التزكية، على خلاف التنمية، لا تطلب عموم المنافع، و إنما تطلب المصالح منها. علما أن المصالح هي المنافع التي يتحقق بها صلاح الإنسان.
أهل العولمة في علاقاتهم الإقتصادية ينفعون و لا يصلحون و ينمُّون و لا يُزكُّون.
تنمية الموارد و إهمال الأخلاق، فتنة إقتصادية أو تأليه للإقتصاد.
إن كان مآل الفعل حسنا، قام به المُعتبرُ ولو بدا ضارا في الحال، وإن كان قبيحا صرفه و لو بدا نافعا في الحال.
في معرض دراسته للحالة الحداثية الغربية، يجرد طه عبد الرحمن الأخلاق المفترضة في الأسرة الحداثية و التي هي: (المروءة و الإلزام و السعادة) ثم انقلاب هذه الأخلاق الحداثية إلى أضدادها في الأسرة " المابعدحداثية " و هي تباعاً ( الإمعية +الميوعة و الحظ{الحق من دون واجب ملزمٍ}و اللعب)
لا دخول للمسلم إلى الحداثة إلا بتجديد ممارسته للترجمة.
فصل أحقية الإسلام بدرء الآفات الخلقية للعولمة غير مقنع بتاتاً لغير المسلم المؤمن فالأدلة التي أوردها طه عبد الرحمن ليست ملزمة إلا للمسلم المؤمن الذي يعتقد بها ابتداءا و تسليما. إبداع ظاهر في فصلي نقد الأسرة الحداثية الغربية و نقد القراءات المعاصرة (الحداثية إدعاءاً) للقرآن الكريم.
كتاب: روح الحداثة : المدخل إلى تأسيس حداثة إسلامية تأليف : طه عبد الرحمان. المحتوى: مدخل تنظيري عام يبين فيه مقصوده من روح الحداثة وحق الأمم الأخرى في الإبداع وكيفية الإنتقال من حالة التقليد إلى حالة الإبداع. وعبر ثلاث أبواب يقدم الكتاب نماذج للتطبيق الإسلامي لمبادئ روح الحداثة وهي: مبدأ النقد الحداثي ويعتمد على ركنين (التعقيل)(العقلنة) و(التفصيل)(الإنفصال) مبدأ الرشد الحداثي ويعتمد على ركنين(الإستقلال)(الفردانية أو الإستقلالية)و (الإبداع)(التحديث أو الثورة على القديم) مبدأ الشمول الحداثي ويعتمد على ركنين(التوسّع)(كل مناحي الحياة يجب ان تحدث بدأ من الدين) و(التعميم)(عولمة الحداثة "النموذج الغربي لها") ويلاحظ أن المبادئ قد صاغها طه عبد الرحمان بلسانية عربية وابتعد فيها عن الترجمة المقلّدة التي ينتهجها الكتاب عادة وقد حافظ فيه على ما يقابله في الإصطلاح الغربي مما يدل على نجاعة خطة الإبداع في الترجمة أولا. يكشف طه عبد الرحمان من خلال قراءته للمشاريع الحداثية العربية عن قراءات حداثية المقلدة بأهداف ثلاث وهي: - خطة التأنيس أو الأنسنة وهي بالأساس تسعى إلى برهنة على إنسانية التجربة القرءانية. - خطة التعقيل أو العقلنة تستهدف رفع عائق الغيبية أو أن القرءان وحي من خلال التعامل مع القرءان بوسائل النظر والبحث المعاصر ليس هنا الإشكال بل الإعتقاد بأن لا سلطة على العقل في بيان أي آية ولا امتناع له من إخضاعها للنظر العقلي والعلوم النقلية. - خطة الأرخنة أو التأريخ أي رفع الإعتقاد بأن القرءان قد جاء بأحكام منها الثابتة ومنها الظرفية والقراءة الحداثوية تضع المسائل التاريخية الظرفية المحددة بدل كل من الجزء من الخطاب القرءاني كاملا وهذه كمشروع أركون، الجابري، الشرفي، العروي، أبو زيد، شحرور ..فبينهم من داع إلى تبنّي النموذج الغربي جملة وبين الداعي إلى الأخذ بجزئياته يدعو عبد الرحمان إلى تجاوز النموذج الغربي وفتح فضاء للإبداع العربي الإسلامي بتطبيق روح الحداثة المبدعة المجتهدة والتي ستسمو بها أكثر من النموذج الغربي وذلك بكون مبناها على الأخلاق بعد ان وضع الغرب الأخلاق في خانة النسبية يعتبر النموذج الإسلامي الأخلاق هي الأساس كما طرح ذلك طه عبد الرحمان في كتابه سؤال الأخلاق.. ايضا منتقدا كون ما هم فيه من حداثة ما هو إلا تقليد لنموذج جزئي غربي ويدعوهم في إطار ذلك إلى التفريق بين "روح الحداثة" و"واقع الحداثة" والتفريق بين الحداثة المقلدة ويدعوهم إلى حداثة مبدعة: تسعى لخلق حداثة في واقع مخالف للواقع الغربي بالأخذ بالآليات التي أنتجتها روح الحداثة وهي إرث إنساني يختلف على واقعا الغربي من خلال ضرب أمثلة عن مبادئ روح الحداثة وهي مبدأ النقد، الرشد، الشمول كما سبق شرحه. هذه الحداثة المبدعة هي خطة بديلة (في المجال الإسلامي حداثة إسلامية بديلة) حيث: التعامل بعلمية حداثية مع الآيات لا يضعف التفاعل الديني معها ولا يحولها إلى (خطاب) كما ينص عليه الحداثويون .
أراد المؤلف في هذا الكتاب أن يؤسس لحداثة إسلامية لا تعتمد على المنطلقات الغربية، وإنما تنبع من الأصول الإسلامية, وحاول أن يشرح روح الحداثة التي يرى أنها تمثل القيم الإسلامية بشكل مكثف
ويعد الكتاب في جملته نقداً إجمالياً لظاهرة الاقتراض من الفكر الغربي, وتقييماً منهجياً لحالة الاستهلاك الكبرى التي وقع فيها الخطاب الحداثي
وقد عقد المؤلف فصلاً تناول فيه القراءة الحداثية للنص الديني, وكشف عن خططها و��ستراتيجياتها, ونقد من خلاله فكرة التأنيس للنص الديني وقطع صلته بالله تعالى, ونقد كذلك عقلنة النص وإزالة الجانب الغيبي منه, ثم تناول فكرة التاريخية التي تعد مرتكزا هامة للقراءة الجديدة بالنقد والتفكيك
وانتهى بعد قراءة مطولة إلى أن الخطاب الحداثي يعاني من فقد القدرة على النقد، حيث إنه لم يكن لديه تصور تام للموضوع, ويعاني أيضا من ضعف التصور للمنهجيات التي نقلها, وكشف عن أنه نقل منهجيات مازالت في طور البناء ولم تكتمل بعد, وأنه نقل أفكاراً عبارة عن وسائل نقدية أشبه بالموجات الفكرية الزائلة منها بالمنجزات العلمية الراسخة
ولا بد من التنبيه على أن هذا الكتاب والذي قبله (= تجديد المنهج ) يتصف بالصعوبة في العبارة والتعقيد في التركيب, والتركيز الشديد في الألفاظ, بحيث يصعب فهمه والاستمرار في قراءته ولكن يمكن التغلب على هذه الإشكالية بالاطلاع على كتاب "حوارات ا��مستقبل" للمؤلف نفسه, فإن هذا الكتاب يعد كالمدخل لفكر طه عبدالرحمن؛ لأنه عبارة عن حوارات دارت بينه وبين كبار القريبين منه, وقد قرب فيها أفكاره ومصطلحاته بشكل جيد وسهل في نفس الوقت..
يقول الكاتب : تبطل المماثلة التاريخية التي أقامتها خطة التأريخ المقلدة بين النص القرآني وبين النصوص التاريخية؛ ذلك أن لهذا النص وضعا تاريخيا لا يضاهيه فيه غيره، حيث إنه النص الديني الخاتم؛ والنص الخاتم يمتد زمنه إلى ما بعد زمن نزوله، حتى إن كل زمن يليه يكون زمنه؛ فيتعين أن نبحث في الآيات القرآنية، لا عن علامات الماضي، حتى نوقف صلاحيتها على هذه العلامات، واقعين في تاريخية ماضوية، وإنما أن نبحث فيها على علامات الحاضر، حتى نستمد منها معالم الاهتداء في الحياة الآتية، صانعين لتاريخية مستقبلية؛ فلا بد للنص الخاتم أن يكون نصا راهنيا، وأن تكون راهنيته راهنية دائمة؛ أضف إلى هذا أن القرآن اختص بقيم أخلاقية وروحية عليا؛ والقيم لا ينال منها توالي الزمن كما ينال من الوقائع، بل من القيم ما تنال من الزمن ولا ينال منها، ذلك لأن إرادة تطبيق هذه القيم تكون هي السبب في صنع التاريخ، أو على الأقل، لأن التعلق بها يكون سببا في اتخاذ الأحداث الوجهة التي اتخذتها؛ ومن ثم، فلا نظير للنص القرآني في حداثته التاريخية.
في هذا الكتاب يحاول دكتور طه عبد الرحمن أن يؤسس لحداثة إسلامية مبدعة غير مقلدة وذلك لأنه يرى أن الحداثة ليست هي الحداثة الغربية فقط وإنما يفرق بين واقع الحداثة وروح الحداثة ، فروح الحداثة هي مجموعة من المباديء والقيم والمثل العليا التي يمكن تطبيقها بطرق مختلفة تتناسب مع ثقافة كل مجتمع وتراثه دون تقليد ودون تقيد بواقع الحداثة الغربية التي _ كما يرى المؤلف _ ابتعدت كثيرا عن روح الحداثة وداخلتها آفات قلبت بعض مبادئها لضدها ... يرى المؤلف أن الحداثة تنبني على مباديء ثلاثة ينقسم كل منها لركنين : ١_ مبدأ النقد وينقسم ل التعقيل ، التفصيل ٢_ مبدأ الرشد وينقسم ل الاستقلال ، الإبداع ٣_ مبدأ الشمول وينقسم ل التوسع ، التعميم ثم يفرد لكل مبدأ بابا ينقسم لفصلين ، في كل فصل يناقش كل ركن ويشرح أسسه في الحداثة الغربية ثم الآفات التي داخلته ثم كيفية التطبيق الإسلامي له وكيفية علاج آفاته .. الكتاب ممتع ومهم للغاية وحتى لو اختلفت مع بعض ما يطرحه فإنك لن تعدم فيه أفكارا ملهمة تساهم في تحفيز عقلك وإمداده بما يساعده على تحديد وجهته بعد ذلك ... وبصفة عامة فمدرسة دكتور طه ومشروعه الفلسفي ومنهجه في ذلك جدير بالاحترام والتقدير ومحاولة الفهم .
هذا كتاب عزيز المطلب واسع المذهب.. قائم على زبدة الأنظار و دقة الإبصار .. جعله صاحبة دستور تتأسس عليه الحداثة الإسلامية بنحو ينبذ نحوي التقليد (تقليد المتقدمين و تقليد المتأخرين)
غير أنه و بنحو بحثه عن الأصالة المبدعة .. و الحداثة المبدعة فهو من جزء منها حبيس مبادئ الحداثة كما جمعتها العقلية الغربية وصنفتها .. ولربما كان يزيج هذا البحث ابداعا لو التمس روح الحداثة من روح الحضارة المخصوصة ... وهو بنحو ما متحكم بتعريف لروح الحداثة هو تعريف الغرب .. ولا ينقده كون تلك المبادئ جامعة عامة ... اذ ان تلك المبادئ مرتبة و مصنفة و مجعولة على هيئة مخصوصة لا يبعد لها هيئات أخرى أخص بالمجال التداولي الإسلامي.
استمتعت بالغوص بين دفتي كتاب روح الحداثة لكاتبه "طه عبد الرحمان" و فيه عالج الكاتب سؤال محوري هو سؤال الحداثة و يفرق فيه بين روح الحداثة و واقع الحداثة إذ أن واقع الحداثة ماهو إلا تمثل من تمثلات روح الحداثة. و بيين أن التطبيق الحداثي الإسلامي الحالي هو تطبيق التطبيق الغربي للحداثة أي أنه تطبيق من الدرجة الثانية لأنه يرفع التطبيق الغربي إلى رتبة الروح لأنه كما فصل الكاتب طه عبد الرحمان أن حقيقة الحداثة هي تطبيق مباشر لروح الحداثة التي هي عبارة عن مبادئ ثلاثة "مبدأ النقد" "مبدأ الرشد" و "مبدأ الشمول" و قد تناول الكاتب كل مبدأ بالشرح و التفصيل. و يحاول أن يجيب على سؤال كيفية الإنتقال من الحداثة المقلدة إلى الحداثة المبدعة في الواقع الإسلامي و يحاول أن يؤسس لحداثة إسلامية قائمة على أساس الأخلاق. يعد كتاب روح الحداثة هو تكملة للمشروع النقدي للحداثة الغربية الذي استهله بكتاب "سؤال الأخلاق" لذا من الأفضل قراءته أولا لفهم أفضل للمشروع ككل وهو ما فاتني القيام به و لكن لي عودة إليه في القريب إن شاء الله.
يقدم د. طه محاجة من نوع رفيع، يطرح فيها (فهمًا) للحداثة جديدًا. كما يطرح فيها (بديلًا) للتطبيق الغربي للحداثة قديمًا لكن في ثوب جديد.
لا جرم أن أرجو أن يمد الله في عمري ويبارك لي في نيتي ووقتي فأزدرد كتب طه عبدالرحمن بعد هذا الكتاب ازدرادًا. فقد وجدت فيه مفكرًا مبدعًا، ينقد، ويشرح، ويبني ولا يهدم وحسب.
كيف يمكن لدكتور يشتغل بالفلسفة ويطرح فكرًا بناءً عن موضوع معقد أن يقارب المسألة بهذا الوضوح وييسرها لقرائه هذا التيسير، ذاك لون آخر من ألوان الإبداع التي اتسم بها الكتاب حقيقة.
نعم! هذا مدخل إلى الموضوع كما يذكر العنوان الفرعي على الغلاف، فلا مناص من أن يضطلع المفكرون مع الدكتور طه بهذا العمل، ويشمروا عن سواعدهم فيخرجوا لنا أعمالًا على هذه الشاكلة، تتيح لنا الدخول في غمرات الفكر الحديث بثقة نحن في أمس الحاجة إليها.
الكتاب يعتمد على مسألة بين روح الحداثة وواقع الحداثة وهى مسألة صحيحة وخاطئة فى نفس الوقت فصحيح أن هناك بشكل طبيعى فارق بين النظرية والتطبيق لكن ليس صحيحاً بالمرة أن التطبيق لا علاقة له بالنظرية بكلمات أخرى : لم يبذل المؤلف جهداً ليوضح أن واقع الحداثة منحرف عن روح الحداثة لأسباب خارجة عن الحداثة نفسها وهذا التفريق بين الروح والواقع .. الواقع الذى هو غربى ولم يبذل الكاتب كثيراً مناً الجهد ليثبت أن الواقع متعدد إذ أنه ليس متعدداً كما يدعى لكنه واقع واحد هذا التفريق بين الروح والواقع يشبه تفريق أحدهم بين أتون الحداثة .. الذى هو مطهر .. وبين ظاهر الحداثة الذى هو موسخ
وعلى الرغم من اهتمامه المبالغ فيه .. والذى أمدحه عليه .. بتعريف جميع المفاهيم أو بتوضيح المسمى من وجهة نظره لكل اسم يستخدمه فقد تجاهل تماماً أن يعرفنا على ماذا تعنى الحداثة عنده وماذا تعنى الإسلامية
الكتاب محاولة لتأسيس ما يطلق عليه طه عبدالرحمن بالحداثة الاسلامية، منطلقا في ذلك بالتفريق بين واقع الحداثة السائد في الغرب وبين روح الحداثة الذي يسعى طه عبد الرحمن من خلال نظريته لتأسيسه في المجتمعات الاسلامية.
الكتاب ثقيل بالمادة الفلسفية الفكرية، وبحاجه لأكثر من قراءة لمن ليس لديه خلفية سابقة باطروحات المفكر طه عبدالرحمن، وانصح بعدم الاستعجال في القراءة حتى يتم استيعاب ما يعنيه الكاتب بروح الحداثة.
كان إصدار هذا الكتاب القيم عام 2006 أي بعد سنة واحدة من تقاعد الفيلسوف و المفكر المغربي القدير طه عبد الرحمن من مهنته كأستاذ جامعي باحث بجامعة محمد الخامس بالرباط .. و يعد تكملة لمشروعه النقدي للحداثة الغربية و الذي ابتدأه سنة 2000 مع كتابه "سؤال الأخلاق: مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية"
------------------------------------------
في كتابه روح الحداثة يحيلنا الكاتب إلى هذا المفهوم باعتباره مصطلحا شائكا بالغ التعقيد و هو ما ولد سيلا من التحديدات المختلفة التي حاولت حصره و تأطيره دون جدوى .. فإذا كان ثمة من يعرف الحداثة بأنها النهضة بأسباب العقل و التقدم و التحرر .. فإن البعض يميل إلى القول بأنها استثمار العلوم و التكنولوجيات الحديثة لممارسة السيادة على الطبيعة و الذات و المجتمع .. في حين أن ثمة من يربطها بقطع الصلة بالتراث و ما هو أصيل بينما يرى آخرون أن الحداثة مرادف للعلمانية و الحرية و العقلانية .. و قد قال طه عبد الرحمن أن إساءة فهم هذا المصطلح المعقد هو الذي أحدث هذا الخلط و جعل الغالبية تقدم للحداثة هذه التعريفات التي اعتبرها لا حداثية .. فمن الصعب تحديد تعريف واحد لهذا المفهوم الجوهري .. لكن قبل الخوض في هذه الدوامة ينبغي أولا تمييز روح الحداثة عن واقع الحداثة .. فهذا الأخير ما هو إلا تمثل من تمثلات روح الحداثة .. إذ أن روح الحداثة هو جوهرها و البناء النظري لها .. بينما واقع الحداثة هو تطبيقها على أرض الواقع لذا من الطبيعي أن تتعدد أشكال تطبيقاتها ..
و سنلاحظ أن فيلسوفنا المغربي القدير يحاول طوال كتابه أن يؤسس لحداثة إسلامية قائمة على أساس "الأخلاق" .. متحررة من قيود التقليد الأعمى لمثيلتها الغربية إلى درجة أمكن معها القول أنها وصلت حد التماهي و الاستنساخ كما أشار إلى ذلك الكاتب و يقول في ذلك "كما أن هناك حداثة غربية .. كذلك ينبغي أن تكون هناك حداثة إسلامية" .. و بما أن تأسيس حداثة مماثلة يحتاج منا إلى أن نلمس روح الحداثة قبل كل شيء و بما أننا ذكرنا أنه يصعب حصرها في تعريف موحد مقتضب .. فقد وجب الاعتماد على مبادئ روح الحداثة لتشكيل تصور واضح و شامل عنه .. و قد جاء الكاتب على تناول كل مبدأ على حدة بالشرح و التفصيل في فصل منفصل من الكتاب ..
-----------------------------------------------
فأول تلك الفصول جاء على ذكر مبدأ النقد قبل كل شيء لأهميته البالغة إذ أن "الأصل في الحداثة هو الانتقال من الاعتقاد إلى الانتقاد" كما أورد ذلك مفكرنا المغربي في كتابه القيم و ينطوي هذا المبدأ على ركنين لا ثالث لهما و هما "التعقيل أو العقلنة" و "التفصيل أو التفريق" .. و قد قام بتطبيق قواعد هذا المبدأ على نظامين غربيين و هما العولمة و نظام الأسرة الغربية .. فقال بوجوب إخضاعهما لمنطق العقلانية لأخذ ما يمكن أخذه و رد ما يجب درؤه .. دون أن ننسى التفرقة بين المنظورين الغربي و الإسلامي مع مراعاة اختلاف السياق التاريخي و الثقافي الفكري ..
في حين أن الفصل الثاني اهتم بمبدأ الرشد و الذي ينبني بدوره على ركنيين اثنين "الاستقلالية" و "الإبداع" و اللذين أسقطهما على مجال الترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية و كذا القراءة الحداثية للقرآن ..
ثم جاء الفصل الثالث و الأخير ليتطرق إلى مبدأ الشمول الذي يرتكز هو الآخر على ركنين أساسيين يتمثلان في التوسع و التعميم فلا ينبغي أن تبقى تلك الروح حبيسة الإطار الضيق التي ولدت به .. و إنما ينبغي أن تشمل كل المجالات و تعمم على كل المجتمعات .. حتى يتم توحيد صفوف الأمة و يتم الالتفاف على مفهوم حداثي واحد ..
و سنجد في النهاية أن الكاتب لا يدعو إلى رد الحداثة الغربية و صدها كليا كما قد يتبادر إلى أذهان البعض .. و إنما هو يدعو إلى توظيف ملكة النقد تجاه تلك الحداثة حتى يتسنى لنا أن نأخذ منها ما يتوافق مع ثقافتنا دون أن يطمس هويتنا و نضيفه إلى عصارة موروثنا الفكري الثقافي و الديني بعد تجديده و تنقيحه لمواكبة المستجدات الحاصلة و التغيرات الطارئة في زمننا الحالي .. و بذلك نكون قد وضعنا الحجر الأساس لتأسيس حداثتنا الإسلامية المرجوة ..
----------------------------------------------
بعض الانتقادات التي طالت الكتاب: - لم يتم التركيز على تطور مفهوم الحداثة عبر التاريخ .. فالفهم الأمثل للأشياء يكون بفهم الأصل أولا. - لم يتم التعمق في الفلسفة الغربية و منظورها للحداثة و لم يتم إدراج مختلف الأطروحات التي جاء بها المفكرون الغربيون في هذا الصدد لنقد كل منها على حدة ..
---------------------------------------------
أما بالنسبة للنص كنسيج فقد جاء بناؤه محكما و متكاملا .. و قد أبان الفيلسوف طه عبد الرحمن عن مقدرة كبيرة على التحكم بزمام اللغة و توظيفها في قالب مناسب لتقديم أطروحته و تناولها بالشرح و التوضيح .. كما أجاد تسخير اللغة في التعبير عن أفكاره بدقة و إقناع المتلقي بمدى صوابها .. متوسلا في ذلك بآليات و استراتيجيات حجاجية محكمة كما استعان بمختلف البراهين العقلية منها و الاستشهادية لتعزيز طرحه الأساس و الدفاع عنه .. فجاء نصه متقنا من حيث البناء الفني سليم اللغة متماسكا من حيث ترابط الأفكار و انسجامها .. سلسا في التنقل من فكرة إلى أخرى برشاقة و انسيابية .. قويا على مستوى البناء الحجاجي الإقناعي ..
---------------------------------------------
كان الكتاب فاتحا للشهية من أجل قراءة كل ما جاد به فكر فيلسوفنا العظيم للاستزادة من فكره الخصب المستنير و من معين معارفه التي لا تنضب في مجال الأخلاق و الفلسفة و المنطق و الحجاج و فقه اللغة .. و ما زلت أستغرب كيف يتم تهميش مفكرين وازنين بقامة طه عبد الرحمن و عابد الجابري و المهدي المنجرة و غيرهم و لا يتم تسليط أضواء الإعلام المغربي عليهم حتى تنتشر كتبهم كما ينبغي و يحظوا بالشهرة التي يستحقون على المستوى العربي و العالمي .. و الأهم من هذا على المستوى المحلي قبل كل شيء !!
بس: من الأفضل قراءة كتاب "سؤال الأخلاق" قبل "روح الحداثة" .. لفهم فلسفة طه عبد الرحمن و منهجيته في نقد الحداثة الغربية بشكل أفضل ..
يكابد المجتمع المسلم تحديات معنوية عالية بقدر مايكابد تحديات مادية من ذا الذي ينكر ذلك وبتصدر هذا التحديات المعنوية ما يواجه من تيه فكري متمثل فتنة مفهومية كبرى لا يعرف كيف يخرج منها، إذا تتوارد عليه كثرة متكاثرة من المفاهيم التي تضعها المجتمعات الأخرى فيأخذ في التخبط في معاقدها ومغالقها والواقع انه ان لم يهتد في إبداع مفاهيمه اوابداع مفاهيم غيره فسيظل يترنح في هذا التيه الفكري... وعلى هذا بسط الكاتب والفيلسوف المدخل التنظيري العام الأصول التي تتأسس عليها نظريته في الحداثة في التفريق بين روح الحداثة وواقع الحداثة.. وبعد التنظير للحداثة فحص عمليات التطبيق الاسلامي لروح الحداثة في حالات معينة التزم في انتقائها بمعيار النموذجية المثلى.. قسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب، كل باب اختص بتطبيق مبدأ واحد من المباديء الثلاثة لروح الحداثة على حالتين نموذجيتين، كل حالة تطبق ركنا من ركني هذا المبدأ.. فتفرد الباب الأول بتطبيق مبدأ النقد على نموذجين أمثلين خصص لكل منهما فصلا مستقلا وهما نظام العولمة ونظام الأسرة الغربية فظهر أن نظام العولمة دخلت عليه آفات بسبب ترسله بالتعقيل المضيق ولا يمكن أن يدفعها الا التعقيل الموسع الذي يأخذ به التطبيق الإسلامي كما ظهر أن نظام الأسرة الغربية دخلت عليه هو الآخر آفات بسبب لجوئه إلى التفصيل المطلق ولا يمكن أن يدفعها الا التفصيل الموجه الذي يأخذ به التطبيق الإسلامي..
وتولى الباب الثاني تطبيق مبدأ الرشد على نموذجين أمثلين متناولا كل واحد منهما في فصل مستقل وهما الترجمة الحداثية والقراءة الحداثية للقرآن فاتضح أن تحديث الترجمة يقتضي أن يمارس المترجم المسلم نوعا من الاستقلال المسؤول حيال النصوص الأصلية فيتبع فيها طريق الاستنساخ الذي ينحصر في وضع ترجمة واحدة للاصل الواحد وإنما طريق الاستكشاف الذي يوجب وضع ترجمات متعددة لهذا الأصل كما اتضح أن تحديث قراءة القرآن يقتضي أن يمارس القاريء المسلم نوعا من الإبداع الموصول فيتبع فيها لا الخطط الانتقادية المنقولة التي تمحو القدسية والغيبية والحُكمية من النص القرآني وإنما الخطط الانتقادية المأصولة التي تثبت تكريم الإنسان وتوسيع العقل وترسيخ الأخلاق..
واختص الباب الثالث بتطبيق مبدأ الشمول على نموذجين أمثلين وهما حق المواطنة وواجب التضامن فتبين أن المواطنة في التطبيق الإسلامي ترتقي إلى رتبة المؤاخاة متحققة بصفة التوسع المعنوي إذ أنها بفضل عملها بمبدأ الإخلاص تتقي الانفصال الذي تقع فيه المواطنة الليبرالية وبفضل عملها بمبدأ الأمة تتقي الإغلاق الذي تقع فيه المواطنة الجماعنية كما أن التضامن يرتقي إلى رتبة التراحم متحققا بصفة التعميم الوجودي؛ إذ إنه بفضل إسناده إلى علاقة الإنسان بالخالق والمخلوقات جميعا يتقي الانفصالات الثلاثة التي يقع فيها التضامن وهي الانفصال عن التراث والانفصال عن الطبيعة والانفصال عن الحيز..
واخيرا تولت خاتمة الكتاب الإجابة عن اعتراض محتمل بالتطبيق الإسلامي لروح الحداثة؛ إذ يسأل المعترض عن جدوى هذا الاشتغال في وقت حل فيه طور ما بعد الحداثة محل طور الحداثة؛ فجأت هذه الإجابة توضح كيف أن التجاوز مابعد الحداثي الذي حصل تعلق بالواقع الحداثي الغربي وليس بروح الحداثة نفسها وكيف أن ما بعد الحداثة هي الأخرى تطبيقا لهذة الروح مثلها في ذلك مثل التطبيق الإسلامي..
طه عبد الرحمن يؤسس لفلسفة تنطلق من الحداثة ومبادئها وتحولها وتتلاعب بها وتجعل منها حداثة إسلامية خالصة، لا تصبغها صبغة الإسلام فقط، بل تنهي على كل ما هو حداثي فيها وتحوله إلى فلسفة سياسية إسلامية تدافع عن مبادئ الدين كما هو مفهوم عند العموم.
هذا التحويل والتلبيس لا يمكن أن يحدث إلا عندما يقتطع كل شيء من سياقه، فالحداثة كروح تصبح مطلقة وعلى الجميع السعي لها، وهنا الحداثة كروح تعني القيم الحداثية من تداول للسلطة وحرية ومساواة، وبذات الوقت هناك إطلاقية مقابلة، وليست من وجهة نظر الكاتب متناقضة، وهي الإطلاقية الإسلامية. القيم الحداثية مطلقة والقيم الإسلامية كذلك مطلقة، لكن يبدو أن الحداثة هنا تتعلق بالعقل، بالشرط الذي لا يمكن تجاوزه لضرورته، وتبدو بالمقابل القيم الإسلامية متعلقة بالقلب والعمل. تقسيمة تشابه تقسيمة كانط للعقل، فالحداثة هي العقل النظري النقدي الذي يسعى لتأسيس شروط وحدود لماديته، أما الإسلام فهو العقل العملي الذي يضع العقل النظري في إطار يجعله أخلاقيًا وغير متناقض مع ثقافتنا الإسلامية.
يتضح الكثير مما في الكتاب عند تطبيق هذه القسمة الكانطية على الحداثة والإسلام، فلذلك يستخدم طه عبد الرحمن كل الأدوات النقدية الممكنة لتفكيك توسعات وتطبيقات الحداثة الغربية، وينقد أجزاءً فيها تستحق النقد، ويقف بذات الوقت عاجزًا على التحاور أمام القيم التقليدية الإسلامية. فالقيم الإسلامية لا تمثل مسائل فلسفية يمكن إعمال العقل النقدي بها، ولا يمكن لنا إلا اتباعها بذات الطريق التي يعتقد كانط بضرورة اتباع قوانين العقل العملي.
يرى طه عبد الرحمن في كتاب”روح الحداثة، بلغ تعلق النقاد العرب بالحداثة الغربية أن توهموا أنها واقع لا يزول، وحتمية لا تحول، وأنها نافعة لا ضرر فيها، وكاملة لا نقص معها، فحجَبهم هذا التعلُّق عن أن يتبيَّنوا ما في كتابه السابق “سؤال الأخلاق: مساهمة في نقد الحداثة الغربية” من أصول أخلاقية مصحِّحة لمسار هذه الحداثة لم يقلّد فيها أحدا، ونذكر منها الأصول التالية:
أن الأخلاق صفات ضرورية يختل بفقدها نظام الحياة لدى الإنسان، وليست هي مجرد صفات عرضية أو كمالية لا يقدح تركُها إلا في مروءته. أن ماهية الإنسان تُحدِّدها الأخلاق وليس العقل، بحيث يكون العقل تابعا للأخلاق. أن الأخلاق مستمدة من الدين حتى إنه يحكم بالتناقض على قول القائل: الأخلاق العلمانية. أن الإنسان بموجب أخلاقيته، لا يستطيع أن يتجرد كليا من حال التدين ولو سعى إلى ذلك ما سعى. أن الهمة الأخلاقية للإنسان أقوى من الأمر الواقع.
فيما يتعلق بكتاب “روح الحداثة”، فمداره على الأطروحة التالية: كما أن هناك حداثة غير إسلامية، فكذلك ينبغي أن تكون هناك حداثة إسلامية. فلا يعقل أن يتقرر في الأذهان أن الحداثة تأتي بالمنافع والخيرات التي تَصلُح بها البشرية، وأن تتحقق هذه المنافع والخيرات في الأعيان، ثم لا يكون هذا الجزء النافع منها متضمنا في الحقيقة الإسلامية؛ خاصة أن الزمن الإسلامي يبقي بمنزلة الزمن الأخلاقي الذي تتحقق فيه ظاهرة الحداثة والذي يتمّم ما نقص في سابق الأزمان من المكارم. تذكروا القول النبوي الشهير: “إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق“.
يسعى هذا الكتاب إلى أن يُبصِّر الحداثيين بما هم فيه من تقليد مُطبِق، لفتح فضاء الإبداع، وذلك عن طريق التفريق بين ما يصفه المؤلف بـ”روح الحداثة التي ينبغي حفظها” و”واقع الحداثة الذي يمكن تركه إلى واقع غيره لا يقلُّ عنه حداثة”.كما يسعى طه عبد الرحمن من خلال عمله هذا إلى أن يُخرج “التراثيين” بدورهم مما هم فيه من تقليد مُعيق، لفتح فضاء الاجتهاد لهم، وذلك عن طريق تطبيق روح الحداثة على مقتضى التداول الإسلامي. وفي هذا الشق الثاني رد صارم على تهمة الأصولية الفلسفية التي وجهها أحد الباحثين لفيلسوف الأخلاق طه عبد الرحمن.أما الكتاب في مجمله فيؤسس لقراءة تفكيكية مغايرة بالمرة مع القراءات العربية والإسلامية التي تطرقت لموضوع الحداثة.
صعب جدًا تلخيص هذا الكتاب بكلمات قليلة لما يحمله من معاني وتأملات وتحليلات لروح الحداثه وواقع الحداثه . يعيدنا المفكر طه إلى البناء الحقيقي الذي من المُفترض أن نسير على منهجيته وهي منهجيه الانتقال من الحداثه المقلَّدة إلى الحداثة المبدِعة.
لذلك، فإن الطريق الإسلامي في التعقيل الحداثي لا يصارع الطبيعة ولا يتسلط عليها، وإنما يخاطبها، بل يوادها ويراحمها، حتى تبوح له بأخبارها وأسرارها؛ وكلما زاد اطلاعا على أخبارها وأسرارها، زاد رحمة بها وعطفا عليها؛ ولكنه أبدا لا يقدسها، وإنما يقدس من بتُ فيها هذه الأسرار سبحانه ؛ فالطبيعة أُمُّ الإنسان، وليست أَمَةً له؛ فقد خرج من رحمها كما خرج من رحم أمه التي ولدته، والوالدة لا تكون أَمَةً لولدها.
إن ما يفرّقُ بيني وبين طه عبد الرحمن هي المنطلقات الأيديولوجية ومن ثم الاختيارات المعرفيّة فلا أنا أمشي معه في منطلقاته الأيديولوجيّة، واختياراتي المعرفيّة هي على النقيض.
من كان يُريدها حداثةً إسلامويّة فطه عبد الرحمن هو منظّر (بل يستحق بجدارة «المنظّر» للتقليد بألف ولام التعريف!) التّقليد ومنظر الإسلاميين (على اختلافه معهم).
أنا متأسّف لأن مثل هذا القامة المنطقيّة والمعرفيّة والتنظير لم يكن يكتب وينظّر في سبيل حداثة كونيّة دون أوهام الخصوصيّة.
هذا الكتاب هو ثالثُ كتابٍ أقرأهُ لطه، وهو كتابٌ مركزي لمن أراد أن يقف على أطروحته، وهذا الكتاب كتابٌ ثقيلٌ في العبارة جليُّ الفكرة، وأنصح به بعد سؤال الأخلاق والحق العربي في الاختلاف الفلسفي والحق الإسلامي في الاختلاف الفكري.
إذا كان التقليديون يقلدون المتقدمين، فإن الحداثيين يقلدون المتأخرين، بل إن تقليد الحداثيين يبدو أشنع من تقليد التراثيين، لأن الحداثة والتقليد، حسب تعريفهم، ضدان لا يجتمعان، في حين أن التراث والتقليد، بموجب تقريرهم، صنوان لا يفترقان.
هذا الكتاب يسعى إلى أن يبصر الحداثيين بما هم فيه من تقليد مطبق، لفتح فضاء الإبداع، وذلك عن طريق التفريق بين "روح الحداثة" التي ينبغي حفظها و"واقع الحداثة" الذي يمكن تركه إلى واقع غيره لا يقل عنه حداثة، كما يسعى هذا الكتاب إلى أن يخرج التراثيين بدورهم مما هم فيه من تقليد معيق، لفتح لهم فضاء الاجتهاد، وذلك عن طريق تطبيق روح الحداثة على مقتضى التداول الإسلامي
عرض مميز و مثري للأفكار الأساسية التي تقوم عليها الحداثة مع نقد رصين و عميق للتطبيق الغربي للحداثة ونزع الهالة المقدسة حولها مع بيان الكثير من عوارها و إشكالاتها خاصة في المجال الاجتماعي و التقني و الذي أدى إلى آثار كارثية على العلاقة الاجتماعية بدءاً بالأسرة و صولاً للعلاقة بين أفراد المجتمع الواحد
بخصوص روح الحداثة من منطلق إسلامي أظن الكتاب فيه إطلاقات كثيرة بحاجة لنقاش مدلولاتها و مضامينها و لا أرى الكتاب أسهم بوضوح في تفسيرها و الآلية الإجرائية لتطبيقها لكنها تصلح لتكون منطلقاً و أساساً يبنى عليه في بناء تطبيق إسلامي حداثي
الكتاب بيقدم فكرة ومقاربة جيدة لتطبيق الحداثة في الثقافة الإسلامية، لكن الاختبار الحقيقي للأفكار الواردة في الكتاب هي تطبيق هذه الأفكار وايجاد حلول مختلفة فيما يسميه الكاتب المجال التداولي الإسلامي عما انتهت إليه الحضارة والثقافة الغربية من تطبيق ونتائج لنفس المشكلات أو المشكلات المتقاربة بين النموذجين، ومنها على سبيل المثال سلطة رجال الدين ومنها التعامل مع التعارض بين النص المقدس وبين مكتشفات العلم كنظرية التطور مقابل قصة الخلق
الحداثة هي العقل هي التحرر هي التقدم الحداثة هي الانفصال عن التراث ،، الانفصال عن الماضي بعيد المنال ولكن المرحلة التطويرية لا ينبغي الاعتياد رجمها بالخروج من حظيرة الدين ،، القران لا يحارب الحداثة ولكن نماذج الخطاب الديني المتشنج تعتكف على ضرورة التواجد تحت سقف الأزمنة القديمة وان التقنية والحضارة والعلوم والفلسفة ليست إلا ملاهي ومخدرات ومنصات خاطفة الى الإلحاد والشك العبثي !!
يملك بصيرة نافذة واعية ،وقفت على دقائق الأمور التي يكابد بحثا عنها كل طالب مجد ،فقد جعل الحقيقة طيعة بين أنامله ومحبرته ،حقا أعجوبة في الطرح والنقد وانتقاء الأبحاث
This entire review has been hidden because of spoilers.
الدكتور طه عبد الرحمن قامة علميّة كبيرة بحق .. أمّا عن هذا الكتاب فهو عظيمٌ ومُهمٌ جدًّا لأيّ شخص يريد أن يقرأ أكثر بشكل علميّ ورسميّ عن الحداثة بمعناها الأعمّ وأكثر ما أبدع فيه الدكتور طه هو تحليل وتشريح الحداثة، ويحتاج لتركيزٍ لا بأس به.