في "أخيلة الظل" نحن أمام لعبة افتراضات وتخيلات لا يتضح تمامًا من يديرها: كاميليا؟ أولجا؟ أم راوٍ خفي يحرك الجميع بين مدن واقعية وأخرى متخيلة، ويجوس في ذاكرة الشخصيات التي تشبه الأواني المستطرقة؟ سردية تتشكل من التمازج بين الوعي والذاكرة، الحلم والواقع، الماضوي والآني في لعبة سردية مثيرة؛ لعبة كتابة -أو "تراسل"- متبادلة، تتخللها قصص ومرويات يكتبها أبطال اعتادوا تبادل حكاياتهم، رغبةً في القفز لآبار الذكريات المعتمة، أو سعيًا لتفسير لحظة حاضرة، أو لملامسة خبرة الألم التي تحاصر الجميع كالهاجس أو الكابوس. من مقعد خشبي على ضفة نهر الفلتافا في براغ، ينفتح صندوق حكايات، تُنسَج منها مرويّة ذات إرث ثقافي متنوّع.
منصورة عز الدين كاتبة مصرية من أعمالها: "متاهة مريم" و"جبل الزمرد" و"وراء الفردوس" التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2010. تُرجِمت رواياتها إلى الإنجليزية والإيطالية والألمانية والفرنسية، وقصصها القصيرة إلى أكثر من عشر لغات
رَوعة الأسلوب، والتّشابُك المُثير في القصّة، وسلاسة السّرد، كُل هذا جعَلَ من هذه الرّواية تُحفة فنّية، فلَم يدخُلني الملل في أثناء قراءتها. الأستاذة منصورة صاحبة قلَم متميّز وأسلوب روائي جميل للغاية. افتتاحيّة ممتازة لهذا العام.
إن أردت البوح لغريب بأمر عنك.. لأيّ مدى ستذهب في بوحك! هذا أول ما تبادر لذهني وأنا أقرأ هذه الرواية.. المسألة لا تتعلق ببئر الأسرار بقدر ما تتعلق بما تجد نفسك تقوله دون حتى أن تدرك ذلك.. قد تتفاجأ بأنك لست الراوي الحقيقي أو الوحيد لروايتك.. أحلامك ستروي عنك، خيالاتك..ذكرياتك البعيدة وحتى ظلك..
لن أعبر عن رأيي في الرواية إلا كما قرأتها.. مشاهد متقطعة، متقاطعة، متداخلة وكأن كل منها يلقي بظلاله على الأخرى، حين أفكر فيها كصورة أجدها منطقية، باللحظة التي أريد أن أكتب عنها تتسلّل كما الحلم حين نحاول استحضاره..
في مشهد رائع تقوم كاميليا برفع رأسها عن حاسوبها قليلا وتفكر مندهشة في قدرة الخيال وأجنحته المحلقة، خطر لها أن تبحث في المعاجم القديمة عن مترادفة مفردة الخيال وأن تتفحص معانيها ودلالاتها المتنوعة. أغوتها هذه اللعبة اللغوية ورغبت في إغراق نفسها في معجم لسان العرب. الإيحاءات السلبية بمفردة الخيال، وربطها بالظن والتوهم ومايتراءى للمرء في اليقظة والحلم من صور لفتت نظره، كالعلاقة بين السحاب وأحد مشتقات مفردة الخيال، فالخال هو السحاب الذي إذا رأيته حسبته ماطرا ولا مطر فيه وخيلت السماء أي تغيمت ولم تمطر.. اعتبرت كاميليا الصلة المقترحة من لسان العرب بين السحاب والخيال علامة على اختيارها الموفق لعنوان قصتها الجديدة.. ولعنوان هذه الرواية نصيب من خيالات الظل الواقعة بين تقاطعات الظلمة والضوء في حياة كل شخصيّة خطرت على بال الرواية. رواية بلسان الجميع. تقول إحدى الشخصيات: "أشعر أنني لست امرأة من لحم ودم، بل فكرة خطرت لكاتبة، وراحت تجترها بلا رغبة في تعميقها أو التوسع فيها أو حتى كتابتها، رتوش خفيفة في لوحة عصيّة على الاكتمال. أكتب بحثا عن تمامي، وفي تحويل الفكرة العابرة التي هي أنا إلى كيان ملموس له وجود واقعي " فهل نحن خيال إلى أن نكتبنا! إلى أن نبوح بكامل مافي البئر لغريب دونما خوف من لعبة الافتراضات! هذا ما حدث، من على مقعدين في مقهى أمام متحف كافكا في براغ، يلتقي شخصان غريبان، يحكيان أمورًا عن حياتهما وكأنهما متأكدان أن طرقهما لن تتقاطع ثانية. رواية يتحرّر فيها الجميع؛ المكان، الزمان، المخيلة، الأحلام الشخوص والذكريات، كل شيء يتحرّر من شريط الذاكرة.. علاقة الشخوص بالأشياء غيرها علاقة الأشياء بالشخوص.. خيال آدم قد يكون حلم كاميليا، حلم كاميليا قد يكون كابوس آدم.. كما قالت إحدى الشخصيات؛ الحلم والكابوس مغزولان من القماش نفسه. هذه الرواية صعبة لأنها بلا قواعد أو نمط واضح.. وممتعة لأنها بلا قواعد أو نمط واضح.
الريفيو يكاد يكون شخصي جداً :D في عام 2017, قمت بزيارة مدينة براج. والحقيقة لم تكن الزيارة ممتعة لي بالقدر المتوقع. لم أجد المدينة مبهرة ولم أستمتع بها كما استمتعت بمدن أخرى في أوروبا. كانت بالنسبة لي نسخة مطابقة لمدينة هايدلبرج الألمانية وإن كانت نسخة أبهت وأكثر برودة. الفقرة الوحيدة التي كانت مختلفة وممتعة بالنسبة لي هي فقرة زيارتي لمتحف كافكا والتي لم تستغرق سوى 30 دقيقة ركضت خلالهن لأرى أكبر قدر ممكن من المعروضات قبل أن تنتهي مواعيد العمل الرسمية. في ذلك الوقت, لم أكن قد قرأت شيئاً بعد لكافكا ولا كنت أعرفه بالقدر الكافي! أستحي أن أقولها ولكنها الحقيقة: كنت حتى أخلط بين اسمه ككاتب تشيكي وبين رواية "كافكا على الشاطئ" للكاتب الياباني هاروكي موراكامي :D لكنني حرصت على زيارة المتحف على أية حال واستمتعت به بالرغم من كل شئ. خلال العام التالي للزيارة تعرفت على ما كنت أجهله. قرأت معظم أعمال كافكا كما قرأت رواية "كافكا على الشاطئ" وأدركت الفروق بين كل ما كان يختلط علي :D وفي نفس الوقت تقريباً سمعت عن هذة الرواية وجذبني فيها فكرة أنها تحدث - أو هذا ما سمعته وقتها - في متحف فرانز كافكا فتحمست جداً لقراءتها خاصة وأنني قد زرت هذا المكان من قبل زيارة قصيرة لم تكن مشبعة بالقدر الكافي فقلت ربما أجد بين صفحات هذة الرواية ما يملأ الثغرات التي خلفها تعجل زيارتي. ابتعت الرواية وظلت في مكتبتي عام كامل لا أريد أن أبدأ في قراءتها بحجة أن هذة الروايات تحتاج لمزاج رائق ووقت فراغ كبير حتى أستطيع أن أستمتع بها بحق. لكنني قبل أيام قليلة وجدت نفسي أتخذ القرار بقراءتها على الرغم من أنني لا أتمتع بأوقات فراغ طويلة في هذة الفترة من حياتي إلا أنني أحسست بخيط خفي يجذبني لفعل ما ظللت عاماً كاملاً أسوفه. وخيرًا ما فعلت. عندما أعدت قراءة النبذة المكتوبة على ظهر الكتاب أصابتني حيرة شديدة ولم أفهم الكثير من معانيها لكن مع التقدم في القراءة أصبحت النبذة واضحة جداً ومفهومة بل مبهرة أيضاً مثلها مثل هذا العمل المتفرد والمختلف عن كل ما قرأت من قبل! لقد قرأت كثيراً من الروايات المشابهة حيث ألعاب الخيال هي البطل الرئيسي لكنني كنت في كثير من الأحيان أفقد اندماجي أو أصاب بالملل لكن الأمر هنا مختلف تماماً! بشكل عام, وجدت في هذة الرواية شكل جديد مبهر ومختلف من فكرة القص الما ورائي. الكاتبة متمثلة في نصها تقول لك بوضوح "مالنا ومال القص والحكي؟ هذة لعبة خيال لا أكثر" وهي كذلك فعلاً. لكن على الرغم من ذلك فهي لم تفتقر أبداً لقصص وشخصيات تخطف القلب وترغمك على التواصل معها والشعور بها. شخصيات كثيرة مختلفة ومتشابهة في آن. تتقاطع طرقها بأشكال عدة حقيقية وخيالية أو الاثنان في نفس الوقت. معظمهم يمتلك موهبة الكتابة والخيال. يشكلون حياة بعضهم البعض فلا تعرف من فيهم الحقيقي ومن فيهم خيالي, من المتخِيل ومن المتخَيل, من الكاتب ومن المكتوب! لعبة خيال بديعة تسافر بك ذهاباً وإياباً عدة مرات بين القاهرة وبراج وبودابست وموسكو وسياتل وجنوب تركيا دون أن تجد أي تنافر في ذلك. لغة عذبة والكثير من الخيال مع نتف من التاريخ والفن والرومانسية والسياسة. خلطة رائعة مصنوعة بفن وحرفية. أما على المستوى الشخصي, فقد وجدت نفسي أرتبط نفسياً بعدة مواضع في هذا النص الجميل. أولاً, فكرة أخيلة الكُتاب و فعل الكتابة كشخصيات حاضرة في الرواية توافق مع موهبة الكتابة لدي خاصة الجزء المتعلق بحكاية آميديا الطفلة الصغيرة الناجية من مذبجة سيفو وكيف أنها كانت في نفس الوقت جزء من قصة آدم باعتبارها جدته ومن قصة أولجا باعتبارها كاتبة الحكاية. لقد مس هذا الجزء بالتحديد شغاف قلبي بشدة لمدى توافقه مع روايتي الأخيرة حيث كتبت عن ثلاث طفلات في ظروف زمانية ومكانية مختلفة عانين جميعهن من الهروب من مذابح وكيف أن أول الهامي بهذة الرواية كان من خلال قصة سمعتها من جدي عن أمه. أيضاً, أعترف بأنني أحببت مدينة براج في هذة الرواية أكثر مما أحببتها في الحقيقة. فعلى الرغم من أن الرواية خالفت توقعاتي ولم تدخل بي المتحف نفسه بل لم تتخطى حاجز مقعد خشبي يقع أمام المتحف حيث تبدأ الرواية وتتشابك كل خيوطها إلا أنني رأيت من خلالها أشياء رأيتها هناك ولم أكن أعرف لها اسماً أو أرتبط بها ارتباطاً عاطفياً. لقد سرت بجانب نهر الفلتافا وصعدت تل بيترين وزرت متاهة المرايا دون أن أعرف لهم اسماً أو حتى أدرك مدى أهميتهم للمدينة. وأخيراً, هذة ليست رواية بالمعنى المعروف ولا حتى خواطر أو شذرات متفرقة. هي شئ يخلط بين كل ذلك بشكل جديد ومختلف وغريب لكنه بالنسبة لي كان أكثر من ممتع.
لعبة سردية ممتعة، من يكتب من؟! كاميليا أم أولجا؟! أم آخر خفي لا يعلن عن نفسه! ماذا عن قصتي، عن حكايتنا من يكتبها! الرواية الثالثة هذا العام لشخصيات تبحث عن/ تتواصل مع الراوي. من يكتب قصتي؟! (حيرة ترومان)
لطالما أثار انتباهي (خيال الظل) الذي كان شائعاً في بلداننا قبل ظهور الفنون الحديثة هنا تستلهم الكاتبة من هذا الفن عنواناً لروايتها، وبعد قراءة الرواية أجد أنه أفضل عنوان لها الرواية تعتمد تكنيك Approfondissement لا أعرف كيف يمكن أن نترجم المصطلح من الفرنسية، فكلمة (تعميق) لا تفي بالغرض رواية بديعة، ومحفزة وملهمة جداً !هذا ثاني كتاب أقرؤه لعز الدين، وبالتأكيد لن يكون الأخير
من أفضل ما قرأت في الأدب المعاصر، لغاً وأسلوباً وحبكة، سرد متقن وصوت أدبي مميز، مهارة في التشابك بين العوالم لا تسأم منه وإن طالت تفاصيل كلا منهم وتعمقت فيه، خيال صخب أسرني، أول قراءة لمنصورة وبالتأكيد ليست الأخيرة.
رواية مختلفة، تجبرك على القراءة من أول صفحاتها، وتسعى جاهدا لحل ألغازها.. ما إن تعتقد أنك ملكت زمام الشخصية حتى تجدها أفلتت منك مرة أخرى.. أعجبتني جدا وأنصح بقراءتها.
رواية للكاتبة "منصورة عز الدين" - وقد قرأت لها رواية "بساتين البصرة" ورواية "أطلس الخفاء"!
ليس في القصة حدود واضحة بين قصص شخصياتها وواقعهم وخيالهم - بل أن الكاتبة أخذتنا من قصة لأخرى فرعية ومن موضوع لآخر حول شخصيات الرواية المتداخلين مع بعضهم البعض بصورة في غاية التعقيد ولكن رغم هذا فالقصة نفسها واضحة ومميزة بل وأجزم أنها مسلية رغم صعوبة تركيبها وعمقها الأدبي والفلسفي!
القصة مليئة بشخصيات شديدة العمق كـ"أولجا"و "كاميليا" و "روز" و "فلاديمير" و "آدم" و "ڤيڤان" - منهم من هم أبطال حقيقيون ومنهم من هم أبطال في روايات "أولجا" - وهذا التداخل المعقد أعطى أبعاداً مختلفة للرواية ذات طابعاً فلسفياً!
القصة مكتوبة بلغة قوية كالعادة وقد تعمدت الكاتبة أن تشركنا معها في تخيل الأحداث وتسقط المواقف التي يتعرض لها أبطالها على الواقع الذي قد نتعرض له نحن في حياتنا - كما أنها تطلق لخيال أبطالها العنان فتجعل روايتها مجموعة من الروايات الواحدة داخل الأخرى!
بدأت القصة من مقعد خشبي في باحة متحف على ضفة الفلتافا قريبًا من جسر تشارلز وانتهت عند نفس المقعد الخشبي في باحة متحف على ضفة الفلتافا قريبًا من جسر تشارلز !!!
اقتباسات
"ثمة لحظات يتكثَّف فيها الزمن حتى أكاد أشعر بثقله وقوامه، أحدِّق فيه وأراه يبادلني التحديق. اللحظات المماثلة تمكث طويلًا بداخلي، ولا أتخلص منها إلَّا بتفريغها على الورق."
"اعتاد السير وعيناه مثبتتان على ظل يسبقه تارة ويلحق به أخرى، يكون أصغر منه مرة وأكبر مرات. بدا له كرفيق غير مرحب به، كتكوين رمادي مبهم يراقبه ويطل عليه من عالم غامض."
"ذكرى غيمة ظللتنا، ولم تفِ بوعدها بالمطر!"
"النساء يكرهن الصمت، بل يخفن منه ولا يتسامحن مع الرجل الصموت."
- "كل تفصيلة، في الصورة أمامها، وعد بقصة لم تكتب بعد، وكل نافذة تخبئ حكاية غير مروية، كل نقطة مطر -متجمعة مع مثيلاتها في بقع متفرقة على طريق موحٍ ومغرٍ بمسير بلا هدف أو نقطة انتهاء- موشومة بتاريخ السماء والبحار والغيوم منذ بداية الخلق". - تأخذنا منصورة عز الدين إلى عالم من الافتراض والخيال والدهشة حيث دمجت الحقيقة بالخيال والحلم بالواقع. - هذه الرواية دعوة للتفكير؛ لعبة سردية فريدة، فلا تقرأها لكي تعرف ماذا حدث لأبطالها ولا من يكتب من، بل تقرأ الخيالات والتأملات والتداعيات برهافة كما هي رهافة اللغة في الرواية. - الكتاب مصنف ضمن فئة الرواية، إلا أنه يمكن اعتباره كمجموعة قصصية، فالراوي يدخلنا في السرد إلى المكان والأحداث بشكل درامي وأيضاً إلى وعي الشخصيات المتعددة من خلال تقنية الحديث الحر غير المباشر. - الرواية فنية بلغة شاعرية قادرة على تحويل التفاصيل اليومية إلى فن، لاحظت كثرة استحضار الغيوم والأشجار والأزهار والأحلام والخيال في رواياتها، واهتمامها بالصلة بين الأشياء والشخصيات والماضي والحاضر. - وأخيراً "ثمة جمال يحتاج إلى درجة كافية من النضج للإحساس به، ثمة فن يتطلب ذائقة مدربة لتقديره، لأنه لا يبذل نفسه لعابر عجول لا يجيد سبر أغوار الفتنة".
This entire review has been hidden because of spoilers.