لم تكن هناك عناية حقيقية في عالم الاستشراق بالحنبلية قبل هنري لاووست وتلميذه جورج مقدسي الذي تتحدث دراستهالتي بين أيدينا عن الحنابلة باعتبارهم الممثلين الأقدم لعقيدة أهل السُنّة-وهي تُعنى بمحاولة غولدزيهر في تقييمه لموقع المذهب الحنبلي والعقائد (السلفية والحنبلية) عند أهل السُنّة. فغولدزيهر كان همّه الحديث عن الأشعرية التي صارت التيار (الكلامي) الرئيس عند أهل السُنّة منذ القرن الخامس الهجري، أما زملاؤه فقد كانوا يعتبرون أنّ الأشعريةهي سبب رئيس في الانحطاط الذي نزل بالإسلام عامة والسني خاصة! من جهة ثانية، أسس هنري لاووست لاتجاه جديد في دراسة المدرسة الحنبلية، وفي توجّهها العقدي والفقهي؛فكتب عن ابن تيمية وترجم نصوصاً له،كما قام بدراسة دور الحنابلة في التاريخ الاجتماعي والسياسي. أما جورج مقدسي فقد جرؤ على ما لم يجرؤ عليه أستاذه لاووست،وقام بنشر نصوص حنبلية في الحديث وأصول الفقه. ومع أنه لم يتجاهل الأشعرية بل كتب عنها، لكنه ظلّ يعتبرها أنها تمزج التقليد السُني بغيره، بخلاف الحنبلية الصافية. إن جورج مقدسي محقٌّ في أنّ الحنبلية تقع في أصل تكوين أهل السُنّة والجماعة، لذا كان عمله هذا مبدعاً ولافتاً وفيه أفكار كثيرة تستحق الاهتمام والنقاش.
George Makdisi was a professor of oriental studies. He studied first in the United States, and later in Lebanon. He then graduated in 1964 in France from the Paris-Sorbonne University.
He taught in the University of Michigan and Harvard University before reaching the University of Pennsylvania in 1973, as a professor of Arabic. Here he remained until his retirement in 1990, when he held the post of director of the Department of Oriental Studies. He became a Professor Emeritus of "Arab and Islamic Studies" in the University of Pennsylvania in Philadelphia.
He was particularly interested in issues around higher education in the world.
He published the work al-Wadih fi Usul al-fiqh (The Fundamentals of Principles of Jurisprudence) in three volumes, published in Stuttgart, Germany by Steiner Verlag.
He was a member and honorary member of numerous professional scientific organizations. Among other honors, he was twice a Guggenheim fellow.[2] In 1977, he served as the President of the Middle East Studies Association of North America, now based in Tucson, Arizona, United States.
الكتاب عبارة عن أربع محاضرات في أربعة فصول، ربما أرى أن الترتيب الأفضل لقرائته يبدأ من الفصل الأخير ( الأرثوذكسية الإسلامية) حيث تتجلي فيه الفكرة الأبرز التي يعالجها الكتاب والتي هي وليدة الأزمة الاستشراقية في تناول الدين، هل هناك في الدين الإسلامي اتجاها عاما يمثل الدين النقي أو الصورة الامثل للإسلام، ينطلق مقدسي في تفنيد الرؤية الاستشراقية السائدة في طرح الأشاعرة كممثل لهذا التيار، وهو يحلل ببراعة أسباب تصور المستشرقين الكبار لهذا التصور، وهو نوع من القياس على حالة المسيحية، ومن أبرز ما يستند عليه في تفنيده بيان أن الدولة - وخاصة السلاجقة- لم تتبنى الإسلام الأشعري بشكل سلطوي ويُظهِر أن الوهم الناشيء من اعتقاد المدارس النظامية كانت لفرض التوجه الأشعري جاء من عدم مراجعة نصوص الوقفية التي توضح أنها مدرسة لنشر الفقه الشافعي والعلوم الخادمة لا أكثر ، لهذا ربما يكون من الملائم أيضا القراءة مع هذا الفصل للفصل الثاني قبل إكمال باقي الكتاب يرى مقدسي أن العقيدة الحنبلية كانت هي التي تمثل الاتجاه العام الجامع لتيار (أهل السنة والجماعة) وأن قوتها تستند في الإجماع الحاصل عليها، لا في تبني الحكام لها، هذا الإجماع الحاصل من تأييد العامة لهذه العقيدة وتمسكهم بها. لكنه في نظري وقع في فخين: الأول: تنبه له مُقدّم الترجمة الاستاذ رضوان السيد، وهو وجود اتجاهين حنبليين داخل الحنابلة أنفسهم: فاتجاه المحدثين ونصيره الأكبر ابن تيمية، مغاير لاتجاه آخر تجده عند ابن الجوزي وعند ابن عقيل نفسه، وإن كان مقدسي نفسه لاحظ التميز الحاصل عند ابن عقيل واعتبره نوع من الخطوة التطورية لم تخرجه من حنبليته ولعل تصور مقدسي يزداد عندي أكثر عندما أُنهي كتابه عن ابن عقيل. فهنا نحن أمام نوع من التنازع الداخلي في تفسير المذهب الحنبلي نفسه وهو أمر له أهميته. الفخ الثاني: الوقوع في الرؤية الذاتية للحنابلة، فهو وإن تنبه أن رؤية الأشاعرة للعقيدة السنية هي رؤية ذاتية، فقد اعتمد على رؤية الحنابلة للعقيدة السلفية (والإجماعات) واعتبرها رؤية مطلقة ولم ينتبه إلى أنها رؤية ذاتية أيضا، وكثير من الإجماعات المحكية هي إجماعات افتراضية تعتمد على أن (السلف فهموا هذا وهذا اعتقادهم) في حين أن هذا هو محل النزاع. والعجيب أن مقدسي يضع اتجاه محمد بن عبد الوهاب في نفس مصاف ابن تيمية رغم أن هذا محل نظر شديد من وجهة نظري، واستنساخ الأول لبعض أعمال الثاني بيده لا ينهض دليلا على المطابقة بين الاتجاهين. ثمة فخ ثالث : جعل العمل ناقصا من وجهة نظري، وهوعدم الانتباه للاتساع الأشعري وانه أيضا ينقسم لمتقدمين ومتأخرين والتعامل مع المذهب المتأخر أنه صورة مُهجنة من المعتزلة، وهذه التصورات في نظري ترجع كلها إلى مشكلة منهجية في التعامل مع المذاهب العقدية التراثية، حيث تعتمد على (القول) أو (المقولات) بدون الانتباه للأصول الكلية والمناهج الحاكمة ، والتي لو انتبهنا لها لوجدتنا الأشعرية حنبلية في أحد معاني المذهب الحنبلي والحنبليىة أشعرية في أحد معاني المذهب الأشعري! حالت الحصول على رسالته عن الأشعرية لكني للأسف لم أجد نسخة قريبة. الفصل الثالث من الكتاب لطيف يعتمد على رفض المفارقة بين التصوف والحنبلية التي تبناها المستشرقون والتي ربما يكونوا اعتمدوا فيه على موقف اتجاه ابن عبد الوهاب الرافض له، ولكنه أيضا لم يحرر مفهوم التصوف الذي يتسع ليشمل حركة الزهاد والتصوف الطرقي والتصوف العرفاني، وإن كان البعض يرى ألا فرق بين هذه الاتجاهات ولكن ثمة فروق مهمة من وجهة نظري. يعيب الكتاب ترجمة الفصل الأول التي تبدو ضعيفة أو فيها أزمة صياغة ، ربما يكون سببها النص الأصلي. كما أن المترجم أدخل بعض الجمل التوضيحية في صلب الكتاب بين قوسين وهذه طريقة غير محببة بالنسبة لي.
كتاب مهم وضروري على صغر حجمه، وهو «رسالة» من 4 مقالات متواصلة، أولاها عن الاستشراق والتأريخ الديني الإسلامي؛ ثم مؤسسات التعليم؛ ثم الصوفية والحنبلية؛ وأخيراً الأورثوذكسية الإسلامية. يعارض الكاتب الرؤى السائدة حول المذهب السلفي وهذا ملخص الأفكار الواردة فيه 1 يبدأ جورج مقدسي برثاء حال الدراسات الإسلامية في ظل وجود عدد هائل من المخطوطات موزعة بين مكاتب الغرب والشرق دون تحقيق وطباعة، ويضرب مثلاً بكتاب ابن عقيل الذي حققه وبلغ 800 صفحة مطبوعة، يجزم مقدسي أن ابن عقيل كتب 200 مثلها، ما يعني 160 ألف صفحة معظمها نقاشات وتقارير مناظرات علمية جرت في بغداد بحضوره شخصياً، وهي وثائق مهملة رغم أهميتها الشديدة في حقل التأريخ الديني. يعود بعد ذلك للإشارة إلى أن نقص المصادر ليس المشكلة الوحيدة التي يقصّر فيها علماء الإسلاميات، بل أيضاً سوء التعامل مع المصادر، حيث يصح وصف الكثير منهم كعلماء لغة لا مؤرخين نقديين، وذلك لثقتهم العمياء غالباً بالمصادر التي بين أيديهم وغياب التفكير النقدي والتشكك حيال الأحكام المسبقة التي تحملها النصوص التي بين أيديهم 2 بعد ذلك يناقش مقدسي المفهوم الغربي للأورثوذكسية الإسلامية، والتي عرفها الغرب عن طريق تركيا العثمانية (الأشعرية) التي كانت في معركة مع الحركة الوهابية (السلفية الحنبلية). جرت العادة على اعتبار الحنابلة مذهباً فقهياً فقط، في حين هي مذهب فقهي ومذهب اعتقادي (لاهوتي) في آن. ابن حنبل نفسه لم يكن رجل فكر ومنطق ولم يورّث مدرسة شرعية أو فكرية، وكانت شخصيته وصلابته في وجه المأمون هي محور أهميته التي تأسست بعد موته. بعد خليفتين وعدة مجازر، تحول أهل الحديث من أتباع ابن حنبل «من كنيسة مضطهدة إلى كنيسة مناضلة»، بدعم من الجمهور وخليفة عباسي (المتوكل) ثم لاحقاً وزير سلجوقي (نظام الملك). غير أن المؤرخين اعتبروا السلفية الحنبلية أورثوذكسية كلاسيكية والأشعرية الشافعية أورثوذكسية جديدة، وأن الأولى صمدت قرنين قبل أن تنتصر عليها بدعم من نظام الملك إياه و«المدرسة النظامية» – وهي كانت مجرد وقف كغيره دون دعم «رسمي» خاص من الوزير نظام الملك، وهي كانت مدرسة فقهية شافعية لا يتم فيها تدريس العقيدة، كما أن المدرّسين الذين سبقوا الغزالي كانوا معادين للأشعرية بما ينقض نظرية ثنائي نظام الملك-الغزالي الذين أسسوا الإسلام الرسمي الأشعري المزعوم، وهو شيء لم يحدث كما يصرّ مقدسي 3 تصور آخر يدحضه جورج مقدسي هو وضع الأحناف يساراً والحنابلة يميناً والشوافعة في الوسط الفقهي، وكذلك الاعتزال يساراً والحنابلة يميناً والأشاعرة في الوسط العقائدي، وهو تصور يبدو منطقياً لكن لا علاقة له بالحقيقة التاريخية. فرغم تسلل الاعتزال إلى الأحناف وتسلل الأشعرية إلى الشوافعة، ورغم الانطباع السائد بأن الأشعرية الشافعية هي «الإسلام المعتدل» والسلفية الحنبلية هي «اليمين المتطرف»، إلا أن الصراع بين التيار العقلاني والتيار النقلي الأثري (السلفي) ظل مستمراً داخل كل من المذاهب الفقهية الأربعة، فكان هناك مثلاً شوافعة أشاعرة وشوافعة سلفيون، أي يرفضون علم الكلام. وحدهم سلفيو الحنابلة كانو منسجمين مع أنفسهم بلا صراع داخل مذهبهم، بينما كان سلفيو الشوافعة والأحناف والمالكية أفراداً بلا مذهب. كذلك كان الحنابلة أحراراً وبلا قيود أدبية حيال مشايخهم المختلفين، فقدموا أنفسهم بوصفهم ناطقين باسم الحركة الحديثية السلفية لا جزءاً منها فقط 4 كذلك يفكك جورج مقدسي نظرية «المصالحة» والتوفيق التي حققها الغزالي بين التصوف والتقليد السني السلفي (بين المتصوفة وأهل الحديث). وكذلك بين المتكلمة وأهل الحديث. كان التصوف موجوداً قبل الغزالي، وهناك متصوفة فقهاء ماتوا وعاشوا قبل المصالحة المزعومة. كما كان هناك تصوف ممزوج بالسلفية الحنبلية، كالأنصاري الهروي وعبد القادر الجيلاني، ولاحقاً ابن الجوزي (الذي مدح رابعة العدوية ولخص حلية الأولياء للأصبهاني وإحياء علوم الدين للغزالي). يشير جورج مقدسي باستمرار إلى المستشرق الواسع الأثر غولدتزيهر، ويرفض تصوره السائد عن وجود تعارض بين التصوف والكلام والفقه. حتى ابن تيمية كان صوفياً قادرياً كما أثبتت وثائق مكتشفة حديثاً 5 أخيراً، بخصوص الأرثوذوكسية الإسلامية، هي بالنسبة لابن تيمية جميع الفرق التي تؤمن بالحديث النبوي (بما في ذلك المعتزلة، الذين لا يكفّرهم بخلاف النظرة السائدة له والتي أسّس لها غولدتزيهر)، في دائرة متفاوتة الأقطار والقرب من المركز الذي هو سنّة النبي. أي إن معيار الأرثوذوكسية «الدين القيّم» هو تعظيم السنة وأهل الحديث، فهو من الإجماعات القليلة جداً في تاريخ الإسلام علماً أن الإجماع هو أعلى شرعية دينية بعد المصادر المقدسة. يحاجج مقدسي بأن «السلف» كان مرجع المحاججة بين جميع المذاهب. أخيراً، علم الكلام في الإسلام لم ينشأ «لكي نعقل الإيمان» كما نشأ اللاهوت المسيحي، بل للدفاع عن الدين وتحصينه فكرياً، وبالتالي لا بد لعلم الكلام أن ينهل من أصول الفقه، يقول مقدسي، وهناك الكثير من اللاهوت في الكثير من كتابات الحنابلة، إلا أن اللاهوت السلفي التقليدي كان يتورع عن استخدام مفردة «كلام» فكان يسمي لاهوته «أصول الدين»، أي اللاهوت المؤسس على النص من كتاب وسنة، ما سهّل الانطباع بأن الكلام الوحيد هو الكلام الأشعري وأن نسخة الإسلام الأشعرية هي الإسلام الرسمي المتكامل الأركان
الإسلام الحنبلي: الإمام أحمد ومذهبه في منظار الاستشراق
جورج مقدسي (1920 – 2002) مؤلّف الدراسة التي نحن بصدد تقديم عرض لها هو مستشرق أمريكي من أصل لبناني، وهو متخصص بالدراسات العربية والإسلامية، خصوصًا دراسات الحنبلية القديمة. وقد عرفه قرّاء العربية من قبل من خلال ترجمة أبرز أعماله: «نشأة الكليات: معاهد العلم عند المسلمين وفي الغرب»، وله أيضًا: «نشوء النزعة الإنسانية»، وعمله الضخم في تحقيق كتابي أبي الوفاء ابن عقيل، الفقيه الحنبلي الشهير: «الواضح في أصول الفقه»، و«كتاب الفنون».
والدراسة التي بين أيدينا صدرت في مقالتين بمجلة الدراسات الإسلامية Revue des etudes islamiqus، في المجلدين 42 و43 الصادرين عام 1974 و1975، ولكنها -أي الدراسة – في أصلها عبارة عن أربع محاضرات ألقاها المؤلف بدعوة من أستاذه «هنري لاووست» في الكوليج دو فرانس في ديسمبر/كانون الأول 1969.
عشية الحرب العالمية الثانية، كتب هنري لاووست -أبرز المستشرقين الغربيين المهتمين بالحنبلية وابن تيمية وأستاذ جورج مقدسي- واصفًا الحنبلية بأنها نسق منهجي عقدي وفقهي، نبع من أعمال أحمد بن حنبل. وقد كانت هذه الحركة، بفضل شخصية مؤسسها وشخصيات أجيالها الأولى، أحد العوامل الأكثر تأسيسًا في تكوين الثقافة الإسلامية.
لم يكن هذا القول متوافقًا مع أقوال قدامى المتخصصين الغربيين في الدراسات الإسلامية عن الحنبلية، ولهذا فقد جعل مقدسي هدف دراسته تلك التدليل على صحة موقف لاووست وموافقته للمعرفة التاريخية السليمة.
وخدمة لهذا الهدف قسَّم مقدسي دراسته إلى 4 فصول:
الأول: الاستشراق الغربي والتاريخ الديني الإسلامي. الثاني: مؤسسات التعليم والحركات الدينية. الثالث: الصوفية والحنبلية. الرابع: الأورثوذكسية الإسلامية.
ويبدو جليًا في هذه الدراسة تأثّر مقدسي بطريقة الدرس الفقهي المعتادة في المدارس الإسلامية التقليدية التي شرحها مقدسي بعمق في عمله الكبير: «نشأة الكليات: معاهد العلم عند المسلمين وفي الغرب»؛ فهو يبدأ بعرض المسألة محل المدارسة متناولا جميع الآراء السابقة فيها متخيرًا منها ما يناسبه ومعلِّقًا على مثالب ما لا يناسبه لكي يخرج في النهاية برأي شامل في المسألة. كان هذا ديدن مقدسي في جميع فصول هذه الدراسة.
الاستشراق الغربي والتاريخ الديني الإسلامي كان بديهيًا أن يبدأ مقدسي دراسته بتقديم عرض موجز لصورة الحنبلية في الدراسات الاستشراقية السابقة على دراسة أستاذه الشهيرة، لكنه كمقدمة لما يود قوله في هذا الشأن، أثار قضية ندرة النصوص العربية المحققة كعائق في سبيل تحقيق معرفة أفضل بالتاريخ الديني في الإسلام، وتاريخ الإسلام عمومًا.
وللتدليل على ضخامة هذا العائق، دعا مقدسي إلى العودة إلى أعمال «كارل بروكلمان»، و«فؤاد سزكين» البيبلوغرافية، وأشار إلى تجربته الشخصية في تحقيق كتاب الفنون لابن عقيل التي عانى فيها من عدم اكتمال مخطوطة الكتاب، بل إن ما وجده منها قد لا يتعدى 1% من حجم الكتاب الأصلي.
ويعرّج مقدسي من هذه المشكلة إلى مشكلة أخرى سيقدّم بها للمشكلات التالية التي وجدها في تصورات الاستشراق عن الحنبلية، وهي أنه مع قلة المتوفر من النصوص العربية الإسلامية الأصلية، فإن دراستها تتم غالبًا بمعزل عن تصورات وأفكار مؤلفيها من العلماء المسلمين. ويلقي مقدسي باللائمة في ذلك على مستشرقي القرن التاسع عشر، ويدلل على هذه القضية بعدة أدلة:
أولا: إن إسلام القرن التاسع عشر كان يتمثّل في أعين أوروبا بصورة تركيا العثمانية التي كانت في صراع مع الحركة الوهابية وكانت تصفها بالابتداع، وحصل الانتباه لاحقًا إلى أن الوهابيين مرتبطون بابن تيمية وأن ابن تيمية ينتمي إلى الحنبلية، وهكذا وُصف الحنابلة بالابتداع.
ثانيًا: هناك عامل آخر أسهم في جعل القرن التاسع عشر ألدّ أعداء الحنبلية، وهو حقيقة أن أتباع المذهب الحنبلي كانوا أقل عددًا من أتباع بقية المذاهب الفقهية السنية، واعتاد المستشرقون في هذا الصدد – تحت تأثير دراسات المستشرق المجري الكبير إجناس غولدتسيهر – أن يُعرّفوا الأشاعرة والماتُريدية باعتبارهم «أهل السنة» في مقابل المعتزلة، أما الحنابلة فقد ظلوا بالنسبة إليهم من المذاهب الموصوفة بأنها لا تستحق الذكر.
ثالثًا: رغم أن أهل السنة كانوا بالنسبة للمستشرقين هم الأشاعرة والماتُريدية، إلا أن دراسات غولدتسيهر وتلميذه ماكدونالد قد دلّلت على أن الحنابلة وابن تيمية لم يكونوا من المبتدعة، وإنما مثّلا نوعًا من «أورثوذكسية سنية قديمة متحجرة» في مقابل «الأورثوذكسية السنية الجديدة» المتمثلة في الأشاعرة بعد انتصارهم على المعتزلة.
قدَّم مقدسي بعد ذلك عرضًا لثلاث من أهم الدراسات الاستشراقية التي تناولت الإمام أحمد والحنبلية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وهي دراسة المستشرق الأمريكي وليم باتون المعنوَنة بـ «أحمد بن حنبل والمحنة»، ثم دراستان لغولدتسيهر أولاهما عرض لكتاب باتون المذكور، والثانية، دراسة مخصصة للحنبلية.
اهتمّت دراسة باتون بشخصية الإمام أحمد في سياق محنة خلق القرآن، ولم تعطِ اهتمامًا كافيًا لأتباعه الذين خلفوه في بغداد، وأكّد باتون على أن التعاليم الصارمة للإمام أحمد كانت سببًا في قلة أتباعه وأتباع المذهب عمومًا، رغم التأثير الكبير لسيرته الشخصية ودفاعه عن السنة أثناء المحنة في العالم الإسلامي.
ويرى مقدسي أن غولدتسيهر – مع تقديره له – قد غطّى تأثيره الضخم في عالم الاستشراق – دون قصد – على أهمية الحنابلة في التاريخ الديني للإسلام، وقادت دراساته إلى اتجاه في الدراسات الإسلامية في القرون الوسيطة يدور حول «ثالوث مقدس» مكوّن من الغزالي الإمام، المتكلّم والفقيه، وقدَّم له باعتباره تخلّص من الفقه والكلام لصالح التصوف، وأتباع المدرسة النظامية المعتبرة على أنها معهد أشعري رسمي، ونظام الملك الوزير السلجوقي الذي رسّخ – في تصور غولدتسيهر ومن تبعه – دعائم «سنية جديدة» هي الأشعرية.
مؤسسات التعليم والحركات الدينية بناءً على ما سبق، عرض مقدسي في الفصل الثاني من الدراسة مشكلة أخرى في الدراسات السابقة عن التاريخ الديني في الإسلام متعلقة بغياب النزعة النقدية عن المستشرقين الذين درسوا هذه المسائل، ولخّص أثر هذه المشكلة في أمرين:
أولهما: التسليم بما ورد في المصادر التاريخية عن فقهاء المذاهب تجاه بعضهم البعض دون أي قدرة على استيعاب خلفيات كل كاتب وصراعات عصره.
ثانيهما: عدم القدرة على فهم المصطلحات الفنية التي وردت في المصادر العربية وسياقاتها التاريخية، وضرب مثالاً لذلك بمصطلح «المدرّس» و«المدرسة» اللذيْن يعنيان في حالة عدم إضافة أي مفعول به إليهم «تدريس الفقه» حصرًا.
وإذا كان غولدتسيهر قد فسَّر انتصار الأشعرية تفسيرًا سياسيًا من خلال التركيز على دور المدارس النظامية التي أسسها الوزير السلجوقي نظام الملك في بغداد، وغيرها من حواضر الإمبراطورية العباسية ودور الإمام الغزالي تحديدًا في ذلك، فإن مقدسي يخالف هذا التفسير مخالفة تامة استنادًا إلى الأدلة التالية:
أولا: عثر مقدسي على حجة تأسيس وقف المدرسة النظامية، ودلّل من خلالها على غياب أي كرسي أو منصب لتدريس علم الكلام سواء كان أشعريًا أو غيره. بل تركز التدريس فيها على العلوم الشرعية التقليدية على المذهب الشافعي وعلى علوم الآلة المساعدة لها، وبالتالي فقد انضم الغزالي للمدرسة كمدرس للفقه الشافعي فقط، لا كمتكلّم أشعري.
ثانيًا: أن أوّل مدرسي الفقه الشافعي في المدرسة كان الإمام أبي اسحاق الشيرازي، وهو إمام شافعي سني مخالف بشدة للأشعرية، واحتلّ صدارة التدريس في المدرسة النظامية طوال 17 عامًا الأولى في تاريخها.
ويخلُص مقدسي إلى أن قلة عدد أتباع الحنبلية كمذهب فقهي لا يعني ضعف تأثيرها ضمن المذاهب الأخرى، ذلك أن الحنبلية كانت المذهب الوحيد الذي يندمج فيه العقدي بالفقهي نتيجة لبطولة الإمام أحمد في محنة خلق القرآن. وينبني على ذلك أن عقيدة أحمد الأثرية كُتِب لها الانتشار بين أتباع جميع المذاهب السنية الأخرى أكثر من فقهه. وكان الحنابلة هم الفصيل الإسلامي الأوحد الذي يستطيع الكتابة بحرية والتأثير في الخلافات الشرعية والدينية لأنهم ليسوا مدينين لأي تقليد توفيقي بين السنة وما هو خارجها من علوم اليونان.
الصوفية والحنبلية ثمة مشكلة أخرى واجهت التصورات الاستشراقية عن التاريخ الديني للإسلام ودور الحنابلة فيه، تتعلّق بالرغبة الشديدة في التعميم نتيجة لضعف المصادر المتاحة وغياب النزعة النقدية لدى الدارسين. ويرى مقدسي أن تصوّر الاتجاهات الفكرية الإسلامية ككتل مصمتة لا يراعي الاختلافات الداخلية، ولا يراعي أيضًا تطوّر مسار العالِم الواحد وأفكاره المتغيرة على مدى مسيرته.
ومن الأفكار الجاهزة التي انتقدها مقدسي في الدرس الاستشراقي بهذا الصدد: المصالحة التي قام بها الغزالي بين الفقه والتصوف، والعداء المستحكم بين الفقه والتصوف، وأخيرًا العداء المستحكم بين الحنبلية والتصوف؛ وهي الفكرة التي سيخصص مقدسي هذا الفصل لنقدها وبيان تهافتها.
أولا: لم يكن الغزالي أوّل متصوف سني، بل سبقه إلى هذا الاتجاه أعلام كبار من المتصوفين السنة منهم الجنيد البغدادي وأبو طالب المكي وأبو عبد الرحمن السلمي، وكان ثلاثتهم فقهاء سنيين ومن كبار أعلام التصوف في نفس الوقت.
ثانيًا: لا يمكن إنكار أن اثنين من كبار الحنابلة كانا من المتصوفة أيضًا، وهما الأنصاري الهروي وعبد القادر الجيلاني.
وينقضّ مقدسي في هذا السياق على التفسير الاستشراقي لحنبلية هؤلاء المتصوفة القاضي بأنهم هربوا إلى التصوف من سفسطات الكلام بالأدلة التالية:
أولا: كيف أمكن لهؤلاء المتصوفة أن يجدوا مهربًا من الكلام في الحنبلية إذا كانت الحنبلية فعلا تعادي التصوف بشكل مطلق.
ثانيًا: ادّعى بعض المستشرقين أن تصوّف الإمام الحنبلي الكبير ابن القيم الجوزية نابع من تأثّره بالغزالي وتناسوا أن ابن القيم هو شارح كتاب منازل السائرين للصوفي الحنبلي الأنصاري الهروي.
ثالثًا: أن كتاب «تلبيس إبليس» للإمام الحنبلي ابن الجوزي الذي يدلّل به المستشرقون على العداء المستحكم بين الحنبلية والتصوف لم يكن مُخصّصًا فقط للرد على المتصوفة، بل خصّصه الإمام للرد على شطحات مذاهب عدة من متصوفة ومتكلمين وبعض أهل السنة في زمانه كذلك. وأخيرًا فإن ابن الجوزي هو شارح كتابيْن من أعمدة التصوف، هما: «حلية الأولياء» لأبي نعيم الأصبهاني و«إحياء علوم الدين» للغزالي.
ويعرِّج مقدسي من ذلك على علاقة كبير أئمة الحنابلة في العصور الوسطى، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية، بالتصوّف، ليدرج نصوصًا تدل على تقدير ابن تيمية للتصوف السني، بل وانضمامه في فترة من حياته للطريقة القادرية التي أسّسها عبد القادر الجيلاني، وأنه – على خلاف السائد – كان متّفقًا مع الغزالي في نقد شطحات المتصوفة وأفكار الحلول والاتحاد وما إلى ذلك من أفكار مناقضة للشريعة.
الأرثوذكسية الإسلامية (أهل السنة والجماعة) لا يعرف الإسلام السني شكل السلطة الكنسية التي عرفتها المسيحية طوال تاريخها الطويل، وقد استبدل الإسلام السني بتلك المرجعية مرجعيةَ الإجماع. كان غولدتسيهر عارفًا بهذه الحقيقة، لكنّ تركيزه على العوامل السياسية في تفسير نشأة وتطور الإتجاهات الدينية في الإسلام -تأثرًا بأحوال الكنيسة الكاثوليكية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كما يقول مقدسي- أجبراه على البحث عما يشبه تلك السلطة الكنسية.
وقد وجدها في المدرسة النظامية التي أسّسها الوزير السلجوقي نظام الملك في بغداد في القرن الخامس الهجري، ووصف وجودها بأنه انتصار لعقيدة رسمية هي الأشعرية اعتمادًا على تدريس الإمام الغزالي، وهذه هي مجموعة الأفكار الخاطئة التي نقدها مقدسي في الفصل الثاني من هذه الدراسة. لكن كيف وُجدت سلطة الإجماع المرجعية في الإسلام السني؟
للإجابة على هذا السؤال عاد مقدسي مرة أخرى إلى تصنيف «ابن تيمية» لأهل القبلة في مجموعة من الدوائر الكبيرة مركزها الكتاب والسنة؛ أقربها نجد السلف يليهم أهل السنة والحديث ثم يأتي المتصوفة وأهل الكلام، ويأتي بعد ذلك الفلاسفة والخوارج وأخيرًا الرافضة. وحدهم الجهمية خارج الجماعة.
ولكي نفهم فكرة الإجماع عند ابن تيمية، لابدّ وأن نتذكر مبدءا إسلاميًا آخر، هو الاختلاف الذي هو عكس الإجماع. فقد كان ابن تيمية واعيًا أنه لم يحدث اتفاق علني على أن أهل الحديث هم أهل العقيدة السنية الصحيحة، لكنّه يحاول أن يثبت وجود إجماع مضمر في هذا الشأن من خلال مبدأ الاختلاف نفسه كالتالي:
أولا: الخلافات داخل الجماعة أمر محتوم، والمرجعية للكتاب والسنة فقط، لذا نجد أن الاختلافات لدى المبتدعة أكبر منها لدى أهل الحديث لأن أهل الحديث أقرب للمركز.
ثانيًا: إذا اتّجهنا من المركز صوب الحلقات الأبعد، نجد أنّ كل حلقة تتهم التي تليها بمخالفة عقيدة السلف، وبالتالي فإن قيمة كل حلقة في دورها الدفاعي ونقدها للحلقة التي تليها بناء على قناعتها في صحة اتباعها لعقيدة السلف.
ثالثًا: من هذا يظهر لنا أن ابن تيمية قاس مدى سنّية كل فرد أو مجموعة بمدى اقترابه أو ابتعاده عن المركز، ثم بمدى نقده لما يليه من حركات اتباعًا للمركز، وضرب أمثلة لذلك بنقد المعتزلة للرافضة ونقد الأشاعرة للمعتزلة، وهكذا.
أخيرًا: كل المذاهب متّفقة على تعظيم الكتاب والسنة، والاعتراف بأن الحقيقة موجودة فيهما، وبالتالي يتبين لنا أن علماء الإسلام موقّرون بمقدار اتفاقهم مع الكتاب والسنة. وهذه هي سلطة الإجماع.
خاتمة كانت الحركة الحنبلية في قلب الجماعة المسلمة حاملة لواء حماية سنة الرسول وآثاره، ووقفت الحنبلية على رأس حركة أهل الحديث التي ضمَّت علماءً من جميع المذاهب، ويُعرَفون باسم أهل السنة والجماعة.
وتكمن مأساة الدراسات الاستشراقية السابقة في القرن التاسع عشر في تأثّرها بالعداء التركي للحركة الوهابية، وضعف اطّلاعها على المصادر الإسلامية، وغياب النزعة النقدية عنها، بالإضافة إلى بحثها عمّا يشابه المكوّنات الدينية للغرب من سلطة مرجعية ولاهوت فلسفي في الإسلام، وهو ما حاول غولدتسيهر ومن تابعه إلباسه للأشعرية والمدارس النظامية والإمام الغزالي، وهو دور لا يتفق – بحسب مقدسي – مع الحقيقة التاريخية المحضة.
أجلت قراءته مرات ومرات، ويبدو أن قدري مع الكتب المؤجلة ثابت لا يتغير، فالكتاب المؤجل دائما يكون ممتاز. وهذا واحد من هذه الكتب الممتازة. يتحدث الكتاب عن مذاهب الإسلام المختلفة الفقهية والفكرية، ويتحدث عن التباديل المختلفة عندما تختلط المذاهب الفكرية مع الفقهية. الكثير من الأئمة الذين اعتقدناهم حنابلة وفقط اكتشفناهم في هذا الكتاب حنابلة ومتصوفة في نفس الوقت، أو حنابلة وأشاعرة في نفس الوقت وهذه الفكرة تحديدا قضت تماما علي فكرة أهل السنة و الجماعة التي روج لها السلفيون دائما بأنهم ذوي كتلة واحدة لا يوجد بينها اختلافات أو تعدد أراء. روعة الكتاب تزيد حينما نعلم أن ابن القيم كان متصوفا في فترة من حياته وظل متأثرا بصوفيته حتي النهاية، كذلك كان ابن تيمية، وهذا ينافي الصثورة التي يحاول السلفيون إشاعتها بين الناس بأن الصوفية شر كلها وأنهم أعداؤها علي طول الخط. كثير جدا من المعلومات تكشفت مع هذا اكتاب الرائع.
قدم جورج مقدسي 4 محاضرات في الكوليج دو فرانس، قامت مجلة الدراسات الإسلامية بنشرها لتقوم بعدها الشبكة العربية بتجميعها في الكتاب الموجود بين أيدينا الآن. فيما يلي تلخيص لبعض نقاط المقالات:
المقال الأول: الاستشراق الغربي والتاريخ الديني الإسلامي.
شرح في البداية مدى صعوبة الحصول على مصادر لدراسة التاريخ الإسلامي بشكل صحيح لعدة أسباب منها صعوبة اللغة، تعقيد المصطلحات التي يتسم بعضها بالتقنية ومفهوم في سياقه فقط. ثم وضح الفرق بين أنواع النصوص المنشورة.
يرجع مقدسي سبب وصم الحنبلية بالتشدد في نظر أوروبا والمستشرقين أن التعامل كان وقتها مع الأتراك أعداء الوهابيين في السعودية وهم تلاميذ ابن تيمية الحنبلي بجانب قلة أعداد المنتمين للحنبلية واعتبارهم مدرسة هامشية بالرغم من تأييد العامة لهم ضد المناهج الكلامية، وهو تقريباً نفس ما حدث للمذهب الظاهري.
البعض حاول تصحيح هذه الفكرة لكنهم ارتكبوا الخطأ الأكبر باعتبار الأشعرية مقابلة للحنبلية وتقديمها كمنهج أساسي للمسلمين الوسطيين؛ ليصبح بعدها البحث مهتم ب3 شخصيات فقط:
1- الغزالي المتكلم والفقيه الصوفي وتقديمه كمعلم للمنهج الأشعري في المدرسة النظامية في بغداد وهو ما تنفيه المصادر جملة وتفصيلاً.
2- اتباع المدرسة النظامية(الأشعرية من وجهة نظرهم الخاطئة أيضاً).
3- الوزير السلجوقي مؤسس المدرسة سابقة الذكر واعتباره مؤسس دعائم السنية الجديدة(الأشعرية). كذلك اهمل الباحثين المصادر الحنبلية واهتموا بكل ما يخالفها.
المقال الثاني: مؤسسات التعليم والحركات الدينية.
وفيه قام المقدسي بتفنيد المصادر المؤكدة على أن المدارس كانت لتدريس الفقه فقط وكل ما يخص علوم الكلام أو أي علم دخيل كالفلسفة مثلاً كان في المدارس، البيوت، والمكتبات، وبعدها في مؤسستي الوقف والإجازة.
شرح موقف ابن الأثير الشافعي الأشعري في كتابه الكامل في التاريخ ضد الحنابلة بإهماله ذكر ابن تيمية الحنبلي.
الفكر السياسي لمؤسسي المدارس المختلفة باستقطاب العلماء للاستفادة من أنصارهم.
ظل السجال بين الأثريين (أهل الحديث) والمتكلمين (أهل علم الكلام وعلى رأسهم الأشاعرة.
المقال الثالث: العلاقة بين الحنبلية والصوفية.
وفيه التأكيد على أن المذهب لم يكن تكتل بالمعنى المفهوم وكان هناك اختلاف بين أعضائه، وعليه يجب دراسة كل شخصية على حدة لفهم أسباب انتماءها ومواقفها وتحولاتها.
افرد جزء كبير للغزالي ونفى دوره في التوفيق بين الحنابلة والصوفية لأنه لم يكن هناك عداء من الأساس بدليل وجود فقهاء متصوفين ومنهم حنابلة مثل الأنصاري الهروي، وعبد القادر الجيلاني قبل اعتلاء الغزالي كرسي تدريس الأشعرية المزعوم.
جزء لشرح رأي ابن الجوزي في كتاب (تلبيس إبليس) الذي هاجم فيه الشطحات عموماً وليست شطحات بعض الصوفيين فقط. وهجومه على عبد القادر الجيلاني برغم حنبليته.
المقال الرابع: الأرثوذكسية الإسلامية.
المقال بكامله تقريباً نقد لرأي المستشرق جولدزهير الذي تأثر بأحداث الكنيسة في الغرب وقدم الأشعرية كمنهج ارثوذكسي (منهج قويم) وهي فكرة خاطئة تماماً لعدم وجود لاهوت كلامي أو سلطة في الإسلام سوى اجماع العلماء وهو مساحة واسعة للخلاف أيضاً.
استعرض في النهاية مفهوم ابن تيمية عن الجماعة الإسلامية، وأن الموقف يختلف قرباً وبعداً في الدوائر بمقدار الدفاع عن الدين والإيمان؛ فمن الممكن أن يتقدم الأشعري على الحنبلي.
(كل واحدة من المدارس العقدية الأخرى تجد سنداً لها عند أهل الحديث ضد خصومها الذين تهاجمهم بقسوة أكثر مما تهاجم أهل الحديث)
لا شك بأني آسف لقراءة هذا الكتاب متأخرا. في هذا الكتاب أربع محاضرات القاها جورج مقدسي في ستينيات القرن العشرين، وهي في مجملها تقلب حقل الاستشراق الإسلامي من خلال التحقيقات الجديدة التي وصلت للحقل متأخرا (آنذاك). إلا أن هناك افتراضات مؤسسة للحقل يفندها مقدسي ببراعة ليقوم بعد ذلك بوضع تصور جديد، يبدو لي أنه يشكل مصدرا أساسيا لمقاربتين معاصرتين: مقاربة النطاق المركزي، ومقاربة السياق التداولي. _____________________ الترجمة سلسة جدا، فخور بالدكتور والأستاذ سعود المولى...
كتاب صغير الحجم، يركز على مؤسسات التعليم في التاريخ الاسلامي وتأثرها بالحركات الدينية، وعلاقة الصوفية بالحنبيلة، ونظرة أهل السنة والجماعة لأنفسهم بأنهم يمثلون (الأرثوذكسية الاسلامية) على أنه لم يحدث قط أن أجمعت المدارس بأن أهل الحديث هم أهل العقيدة الصحيحة في الاسلام!
كتاب مهم رسم بالنسبة لي خطوطا عريضة حول بعض الفروق التي أردت فهمها بشيء من التبسيط بين الفرق والمذاهب الفقهية أعتقد أن الفصل الأخير كان أهم ما في الكتاب والذي تركز حول محاولة المستشرقين تأسيس أرثوذكسية إسلامية معتمدة على العقيدة الأشعرية باعتبارها اختيار المؤسسة الرسمية رغم أن هذا لا علاقة له بما وقع أصلا في المجتمع الإسلامي بل هو محض تأثر بوقائع المجتمعات الغربية ، الكتاب حاول إعادة الاعتبار للمذهب الحنبلي على مستوى العقيدة والفقه باعتباره كان دوما في المركز من أهل السنة والجماعة نافيا عنه تهم التعصب والتشدد والمغالاة ومعيدا قراءة علاقته بالتصوف وعلم الكلام والمذاهب الأخرى.
لم تكن ثمة مراعاة حقيقية في عالم الاستشراق بالحنبلية قبل هنري لاووست وتلميذه جورج مقدسي الذي تتكلم دراستهالتي بين أيدينا عن الحنابلة باعتبارهم الممثلين الأقدم لعقيدة أهل السُنّة-وهي تُعنى بمحاولة غولدزيهر في تقييمه لمكان المذهب الحنبلي والعقائد (السلفية والحنبلية) لدى أهل السُنّة. فغولدزيهر كان همّه الحوار عن الأشعرية التي صرت التيار (الكلامي) الرئيس لدى أهل السُ��ّة منذ القرن الـ5 الهجري، أما زملاؤه ولقد كانوا يعتبرون أنّ الأشعريةهي تبرير رئيس في الانحطاط الذي تدنى بالإسلام عامة والسني خاصة!
من ناحية ثانية، دشن هنري لاووست لاتجاه عصري في دراسة المدرسة الحنبلية، وفي توجّهها العقدي والفقهي؛فكتب عن ابن تيمية وترجم نصوصاً له،مثلما وقف على قدميه بدراسة دور الحنابلة في الزمان الماضي الاجتماعي والسياسي. أما جورج مقدسي ولقد جرؤ على ما لم يجرؤ فوق منه أستاذه لاووست،ووقف على قدميه بنشر مواضيع حنبلية في الحوار ومناشئ الفقه. وعلى الرغم من أنه لم يتجاهل الأشعرية إلا أن كتب عنها، لكنه واصلّ يعتبرها أنها تمزج التقليد السُني بغيره، بعكس الحنبلية الصافية. إن جورج مقدسي محقٌّ في أنّ الحنبلية تقع في منشأ تكوين أهل السُنّة والجماعة، لذلك كان عمله ذاك مبدعاً ولافتاً وفيه وجهات نظر عديدة تستحق المراعاة والنقاش
إعادة موضَعَةِ المذهب الحنبلي بين المذاهب المختلفة وتياراتها الداخلية، فبعد زمنٍ تجاوز الحنبلية في دراسات المستشرقين، يناقش المؤاف أسباب هذا التجاوز وأسبابه الفعلية، وارتباط المذاهب بمؤسسات التعليم، ثم في فصل مثير يحرر العلاقة بين الصوفية والحنبلية ويورد آراءَ ابن تيمية في المسألة، ويختم بجدلية تحديد أهل السنة والجماعة بين المذاهب المتعددة. لغة الكتاب بحثية تحريرية كأن فيها تفكيرًا بصوتٍ عال.
تم بحمد الله كتاب: الإسلام الحنبلي مُألف : چورچ مقدسي نُبذة عن الكتاب برغم أن الكتاب صغير الحجم يقع بين ١٣٠ صفحة إلا أن ما يحتويه يجعل منه ذو قيمة عاليةً جداً فالكتاب يُركز على المذهب الحنبلي ويناقش بعض المحطات الهامة في تاريخ المذهب. و قد قسم مقدسي المحطات إلى أربع محطات مهمه الاولى : الاستشراق الغربي و التاريخ الإسلامي الثانية : مؤسسات التعليم و الحركات الدينية الثالثة: الصوفية و الحنبلية الرابع : الأرثوذكسية الإسلامية .
الاستشراق الغربي و التاريخ الديني الإسلامي ينقل المقدسي هنا نُبذة عن بعض الأبحاث الاستشراقية حول العقيدة الإسلامية وتاريخها و الاختلافات بينه و هو مجهود مذهل و ضخم و يُلفت النظر إلى نقطة أن الأبحاث في بدايته كانت مهتمه في البداية بالمذهب الإشعري و الماتُريدي على أعتبر أن المذهبان و قت إذ هما من كان لهما الانتشار الأوسع في أرجاء العالم الإسلامي و أن عدد الحنابلة قليل نسبةً لهما و لكن مع مرور الوقت و أنتشىر صدا الدعوة النجدية و ظهور التيار السلفي و هذا ما شكل طفرة كبيرة في أعادت المذهب الحنبلي و بقوة للمنافسة من جديد فبدأ تتبدل النظرة القديمة
: مؤسسات التعليم و الحركات الدينية هذا الباب هو من أهم الأبواب ففيه يلقي الضوء على كيف كان لمؤسسات التعليم و المدارس في القرن الخامس الهجري و ما جاء بعده من دوراً في تنحيت الحنابلة عن السدة و صعود الأشاعرة مكانهم و أكثر مثل يُذكر في مجلس المناقشات الشعبوية كبداية لهذا التحول هي المدرسة النظامية التي أساسها الوزير نظام المُلك على أنه هي السبب وراء هذا الطفرة حيث أنه عنت بتدريس على الكلام و المنطق و عقيدة المتكلمين مما جعل دور الحنابلة في أنحصر مستمر حتي تمكن غيرهم مكانهم و الحقيقة بعدما أطلع مقدسي على حجة وقف المدرسة نقل لنا أن هذا الادعاء ليس له أساساً من صحة فالمدرسة كانت مدرسة فقه شافعي في المقام الأول تعتني ببعض العلوم الشرعية مثل النحو و التفسير و اللغة و كل مواده أنما هي علوماً شرعية و لم يكن هنالك كرسياً واحداً لتدريس المنطق أو العقيدة الكلامية بل أن من يُرشح للتدريس فيه يتم اختياره على أساس شافعيته لا أشعريته و برهان على ذلك بأن الإمام أبو أسحق الشيرازي أول مُدرس للمدرسة كان شافعياً في الفقة و مع ذلك كان و في نفس ذات الوقت بينه و بين الأشاعرة و حشه معروفه للجميع و قد ظل في هذا المنصب 17 عاماً ! و حتي حينما تم أختيار الغزالي لم يكُن إلا على نفس ذات الإساس و هو أنه فقيهاً شافعياً في المقام الأول و هو في الأساس لم يُدرس أي شئ من علوم أهل الكلام في المدرسة و يضف إلى أن المدرسة لم تكن تخوض معركة مع الحنابلة بالصورة التي تُصور حالياً لأن الذي تكفل بهذا الملف هي المدرسة التاجية لمؤسسه تاج المُلك وزير سلجوقي كان بينه بين نظام منافسه وصراع نفوذ فكانت هي أيضاً تدرس المذهب الشافعي و المدرسة النظامية لم تكن الوحيدة في عصرها بل كان هنالك غيرها منه التاجية و أخري حنفية بل و أن نظام المُلك حينما أقام المدرسة أقامه بصفته قوام الدين أبو علي الحسن لا بصفة الوزير نظام المُلك فالمدرسة النظامية تحملت في الصراع أكثر مما تحمل فمع البحث نكتشف أنه كانت أقرب للتوجه الإثري السلفي في نظام عمله و المواد التي تدرسه من غيرها : الصوفية و الحنبلية يُعتبر من أغرب الفصول المقدسي يذكر بعض من الحنابلة الذين كان عنده جانباً من الزهد و الورع و التقشف و يحاول فيه أن يرصد العلاقة القديمة بين الطرفين بالأخص ومع صعود نجم السلفية المعاصرة و التي أصبحت ضد الصوفية فكرة و تطبيقاً و أشخصاً ولكل ما يمد له بصله بل أن النظرة توسعت ليُنظر له بأثر رجعي على مد خط التاريخ الإسلامي ككل و على أنه كان هنالك عداء بينهما في المطلق و على طول الخط يحاول أن يعطي رؤية مختلفه فيذكر في هذا الجُنيد و الجيلاني و الهراوي و شيخ الإسلام و ابن القيم بل و الغريبة أنه ذكر ابن قدامة ! رحمهم الله جميعاً و أن كانت لم اهتم بهذه المسألة و لكن ما لفت نظري هو امراً أخر مناقشته لمعلومة شعبوية أخري يتم الدندنه به في المجلس و هي أن الغزالي هو من و فق بين الصوفية و أهل الفقهاء و أن كل فقيهاً أتي من بعده كان صوفياً! الحقيقة يبدوا أن هذا المعلومة أيضاً تم أختزله فالغزالي شأنه شأن المدرسة النظامية وأن كان هو كذلك فعلاً يعني فقيهاً صوفياً إلا أنه ليس أول شخصاً سن هذه السنة بل هو حلقة في سلسلة من أُناس قبله نذكر منهم الإمام أبو نعيم الأصفهاني وأبو خلف الطبري و لكنه يمكن أن يكون أشهرهم فبرغم أن هذا الفصل سبب أستياء البعض و لكن أظن أن نقطة الغزالي جيدة ولو خرجت به لكفاتك الأرثوذكسية الإسلامية. أهل السنة والجماعة يَخلُص الكتاب إلى أن للحنابلة دوراً هاماً في الحفظ على حديث رسول الله و على السنة و أنهم هم البوتقة التي انصهار فيه كل من عنيا بالأثر و أن خفتان في لمعان نجمهم لم يكن بشكل أساسي له علاقة بالمدرسة النظامية طبعاً مع عدم أنكار أن الدولة له دوراً بارزاً في العناية بالمذاهب مثل الدولة العثمانية و المذهب الحنفي و لكن المدرسة النظامية فيه لم يكن له علاقه بهم لا من قريب و الا من بعيد فعلى حسب تصنيف المقدسي فإذا قسمنا المذاهب إلى يميني و يساري سيكون الظاهري أقصي اليمين و الحنابلة اليمين و أم أقصي اليسار فهم الإحناف و اليسار المالكية بينما الشافعية في المنتصف و في النهاية تكمن أهمية الكتاب في تصحيح بعض المعلومات الهامة التي تُشع بين الناس بالخطأ و ينتج عنه حشد ليس في محالة و أظن أن تحقيقه لموقف المدرسة النظامية هو أهم ما في الكتاب .
الصفحات الأولى هي عرض لتطور دراسة المذهب الحنبلي على يد الدارسين الغربيين
لمحات و ملاحظات عن الكتاب:
من أكثر الأمور أهمية هي قضية المصطلحات و أهميتها في الدراسة وتأثير غيابها على التحليل التاريخي لكثير من الحركات والمذاهب، إضاءة الكاتب على هذه الجزئية هامة جدا برأي.
دراسة المذاهب أمر صعب للغاية فهي ترتبط بالأحداث التاريخية، الأشخاص و انتماءاتهم وتطورهم والظروف المحيطة بهم، وهي أمر مهم للمتخصصين ومتعب للعامة ،فما اصعب ان تقف على تطور حركة وأنت تبحث في كل شخص مؤثر وتاريخه وفهمه وتغير المذهب مع تغيره
منهجية الدراسة تعجبني في تحليل الفرق الإسلامية وتشعباتها ، المنهجية المتبعة بشكل كلي مفيدة جدا للفهم، لكن وفي كثير أجزاء من الكتاب حسبت نفسي اقرء عن غولدزيهر وتطور نظرته وإدراكه لا عن الحنبلية.
المحصلة فكرة الكتاب جيدة، كمية المعلومات المفيدة فيه قليلة بالمقارنة مع جودة من منهجية البحث والتقصي للوصول للأفكار وظهرت بشكل جلي من خلال ذكر جهود مجموعة من الباحثين ، لو افرد الكاتب صفحات أكثر للكلام عن الحنبلية من الصفحات للحديث عن تطور النظر الى الفرق الإسلامية وتطور ربط الأحداث ببعضها لدى الباحثين ولديه لكان افضل وأكثر جدوى
في الكتاب بعض الأفكار المهمة والتنبيهات الضرورية إلى ضرورة استنباط القاعدة من مصادرها لا من مصادر خصومها. أرى أن طرفي الخلاف يدهشهم ذلك الاستنباط من حيث كون ابن تيمية قادريا لبس الحرقة الصوفية المباركة وكون سدس من ترجم لهم ابن رجب الحنبلي من الحنابلة صوفية.. ومن الناحية الأخرى من حيث كون مصادر تعريف الحنبلية هي عند أغلب المتصدرين مصادر أشعرية أو غربية متأثرة برؤية تركيا الماتريدية الحنفية للوهابية تلك النسخة التي صدرت نفسها ممثلة للحنابلة وكان للصراع بينهما أثره في وصم الحنابلة الذي أخذه الغربيون كخلفية مسلمة بها.
يختم الكتاب بنتيجة أراها مهمة جدا جدا.. إن المرجعية في الحكم على الأشياء في الإسلام في النهاية مرجع��ة فقهية، ولا يوجد مذهب يحق له ادعاء الصحة على الثلاثة الأخر.. فالفقه هو الحاكم بالكفر والإيمان، والفقه بصورته المركبة هو الحاصر لاجماعات المسلمين، التي هي السقف الذي يتوقف عنده كل خلاف.
كتاب قيم جدا و مفيد جدا رغم صغر حجمه. في الفصل الأول يناقش نظرة المستشرقين للحنابلة و يبين انها كانت متحيزه ظالمة لأنها جاءت من كتابات مخالفيهم و حدث سوء فهم حتي لكلام مناوئيهم نتيجة الجهل بالمصطلحات العلمية و في الثاني يتحدث عن المؤسسات التعليمية الدينية و خصوصا المدرسة النظامية و رد فيها قول من قال انها السبب في سيادة المذهب الاشعري علي بقية المذاهب العقدية و في الثالث فصل مدهش عن علاقة الحنابلة بالصوفية و فيه كلام لا سابق له عن انتماء ابن تيميه و ابن قدامة للطريقة القادرية و انتماء قطاع كبير جدا من الحنابلة الي الصوفيه و الرد علي ان الغزالي هو من جمع بين التصوف و الفقه ثم فصل رابع اخير في الارثوذكية الاسلامية و تحديد مذهب اهل السنة عند مختلف العلماء و لكنه غير وافي
كتاب مهم وشيق رغم صغر حجمه عن علاقة المذاهب الفقهية بالحركات المذهبية الأخرى كالاشعرية والصوفية تبين لي أن هناك من علماء المذهب الحنبلي كان متصوفا كـ ابن القيم