لا أعرف إذا كان العنف العراقي يحير أو لا يحير فالح عبد الجبار، لكني مثله لا أشك في الغريزة لا تكفي جواباً. أنا عقب ما يزيد على ثلاثين سنة مضت على آخر حرب لبنانية لا أزال حائراً محيراً. ومثل فالح لا تكفيني الطبيعة البشرية تفسيراً، إذ عاينت بأي سرعة يتكفل العنف بقلب الطبيعة البشرية وتسليحها بقساوة وشراسة لم تكونا ملحوظتين فيها. ولا نستطيع، إلا بالتعنت، الزعم بأن هذه هي حقيقتها المخفية. لقد تحطمت أمامي، وبأي سرعة تربية أشخاص قامت منذ الطفولة على التنازل واللين والدماثة، بل إن هؤلاء سلاسة طبع كان أحيانا الأعنف والأكثر عدائية. أسوق ذلك لأقول إن العنف يبقى على رغم التحليل التاريخي محيراً. بل يبقى بمعنى ما سراً ولا يخفف التحليل من مفاجأته. ما يحدث يسبق غالباً التحليل ولا يفهم بسهولة عمليات التصفية الجماعية والقتل على الهوية وكاتالوغات الأعضاء البشرية. ربما لذلك لا نستطيع أن ننتهي من المسألة بإدماجها في الظاهرة الأكبر، فهول العنف وتفوقه على الخيال يجعله يستحق مبحثاً خاصاً، بل يستحق أن يكون لذلك سؤالاً قائماً بذاته.
عالم اجتماع عراقي ( 1946-2018م). عمل أستاذاً وباحثاً في علم الاجتماع في جامعة لندن، مدرسة السياسة وعلم الاجتماع في كلية بيركبيك التي نال فيها شهادة الدكتوراه. مدير البحث والنشر في مركز الدراسات الاجتماعية للعالم العربي في نيقوسيا وبيروت (1983-1990). متخصص بدراسة الفكر السياسي والاجتماعي في الشرق الأوسط، وتتناول أعماله: الدين، دور القانون، الصراع الديني والمجتمع المدني.
بما ان الهويات تتراكم في الزمان وتتزاحم في المكان وهذا ما يصرح به أغلب علماء الاجتماع حيث تتغير الهويات من هوية الى اخرى خلال مراحل زمنية مختلفة ومتعاقبة فأنها أيضاً تتغير حسب طبيعة الأمكنة وتتزاحم في نفس المحل بحيث ان الهويات تطمح الى أن تحصل كل واحدة منها (الهويات المتنازعة ) على الاعتراف بوجودها في هذا المكان ، ينطلق الدكتور المرحوم فالح عبد الجبار من هذا الاشكال حيث يصرح بأول الكتاب بأن " هذه الانتقالات (بالهويات) حدثت في أقل من قرن واحد قياساً الى اوربا (عدة قرون) فباتت النظم المعرفية المتعاقبة في الزمان متجاورة في المكان مولدة توترات وانشطارات وتشظيات متشعبة داخل البنية الاجتماعية - الثقافية تركتنا في حال من النزاع مع النفس" ثم يصعد ببنيان هذا البحث لتطبيقاته ويثبت صحتها وتصارع الهويات في حقبها الزمنية للتاريخ العربي عموماً والعراقي على وجه الخصوص ، جدا استفدت من هذا الكتاب رغم صغر حجمه .