وهكذا فمن أحداث التاريخ السابق ونتائجها في الحاضر يمكن لفيلسوف التاريخ صاحب النظرة الكلية الشاملة أن يتنبأ - من خلال قدراته التحليلية وفي ضوء سير أحداث الماضي والحاضر - بالكثير من أحداث المستقبل، ليس على الصعيد السياسي والإجتماعي والعسكري فقط بل على كل الأصعدة !!!
ومن هذه الرؤية التنبؤية لأحداث المستقبل تتميز فلسفة التاريخ عن علم التاريخ؛ فعالم التاريخ يلتزم في روايته للأحداث التاريخية بما لديه من وثائق بمختلف أنواعها وعصورها، بينما فيلسوف التاريخ لا يستند على وثائق في تنبؤاته بأحداث المستقبل فهي لم تحدث بعد حتى تسجلها أو تكشف عنها الوثائق، ومع ذلك فإن في هذه النبؤات بشأن المستقبل وأحداثه تكمن منفعة التاريخ الحقيقة؛ إذ ما مجدوى كل الأحداق التاريخية السابقة وما جدوى التأريخ لها بموضوعية وتجرد إذا لم تكن سنداً لأخذ العبرة والتنبؤ بصورة سيرها مستقبلاً ؟
على هذا النحو وبهذا الأسلوب السلس الممتع يمضي مفكرنا الكبير د. مصطفى النشار في تعريفنا بأهمية فلسفة التاريخ وضرورة التعرف على نظريات ومذاهب فلاسفتها حتى يمكننا أن نعي متطلبات الحاضر وممكنات المستقبل ....
- كان اشتراكي في البداية لهدف (إثراء المحتوى العربي) هنا، والمقصود توفير قاعدة بيانات ومراجعات ودراسات حول كل ما كتب بالعربية. ولهذا فوائد عدة، منها: 1) مساعدة القراء في تحديد اختيارهم للكتاب القادم، سواء عن طريق الموضوع أو ترشيح قراء آخرين. 2) توفير عناء الحاجة لقراءة كتب قد لا تستحق، يكفيك قراءة الاقتباسات من الكتاب، أو مراجعات من قرأوه لتكتسب صورة عامة عنه. - وبالإضافة لما سبق، يوفر الموقع هنا مساحة للمناقشة أو إبداء الرأي ربما حول قضية/ رأي/ فترة تاريخية/ شخصية عامة أو حتى روائية/ إلخ .. وهي النقطة الأهم في رأيي.
وأحاول دائمًا أن أكتب مراجعاتي بحيث أن تشمل النقاط السابقة. هذه المراجعة ستكون الأولى لكتاب (فلسفة التاريخ)، تأخرت كثيرًا في كتابتها لعل من هو أقدر مني على كتابة مراجعة تليق بالكتاب.
ثم تأتي هذه المحاولة، أهدف منها أن أدفعك دفعًا لقراءة هذا الكتاب. لماذا؟ لهذه الأسباب:
- مؤلف الكتاب أستاذ لمادة الفلسفة بكلية الآداب، والكتاب مكتوب بشكل رائع، مُرتب وشامل ومختصر دون إخلال. هناك فصول قرأتها أكثر من مرة حتى قاربت أن أحفظها، بالمقارنة بكتبي الجامعية التي كنت أكره أن أقرأها للمرة الأولى وجدت نفسي أحسد الطلاب الذين سيتم امتحانهم في هذا الكتاب. فضلًا أن الكتاب جاء متحليًا بقدر كاف من الحياد البحثي. احترت بين كل الآراء التي جاءت به، أيهم هو رأي المؤلف؟ وفي النهاية وجدتني أخرج بشئ مجمع بين كل الآراء أستطيع أن أصفه بفلسفتي الخاصة للتاريخ. من المرات القليلة التي يُعاملني فيها أستاذ جامعي كشخص له رأيه المستقل، وليس مجرد آلة للحفظ وللتشكل كما المجموع. في رأيي هذا الكتاب يجب أن يكون نموذجًا لكل الكتب الجامعية.
" التاريخ بالنسبة للفيلسوف هو لحظات الزمن الثلاث، الماضي والحاضر والمستقبل."
- السؤال الذي سألني إياه كل من رأي الكتاب معي: ماذا تعني (فلسفة التاريخ)؟ فيكون ردي بالجملة السابقة المقتبسة من الكتاب. نحن نعاني –في وطنا العربي بشكل عام- أن حاضرنا ومستقبلنا لم يخرجوا بعد من مستنقع الماضي، ولا أعتقد أن الأمر يحتاج لشرح أكثر.
"صناعة التاريخ بين دور الأبطال ودور الشعوب".
- عنوان الفصل الثاني، ويشمل أيضًا على سؤال، وإجابة. لن أقتبس لأني سأحتاج لكتابة كل سطور الفصل.
" إلى كل من يهتم بالمعرفة التاريخية ويدرك أن الوعي بالتاريخ هو أساس العمل للمستقبل". - لهؤلاء اختار أ.د. النشار إهداء كتابه. وأعتقد أنك بعد فصول الكتاب الست ستكتشف لماذا وصلنا لما وصلنا له الآن، نظرتنا للتاريخ كارثية، وقرائتنا له سطحية جدًا، وطفولية للغاية.
مدخل جيد للقراءة في فلسفة التاريخ ، يبدأ الكتاب بتعريف التاريخ والفرق بينه وبين فلسفة التاريخ من ناحية الإصطلاح ، وكذلك الفرق بين المؤرخ والفيلسوف . ثم يعمد إلي عرض سريع للنظريات الفلسفية الكبري في فلسفة التاريخ من النظرية الإلهية ونظرية التقدم ونظرية الدوران الحضاري ومؤسسيها القديس أوغسطين وفولتيير وبن خلدون ، ولا ينسي بالطبع الحديث عن أفكار هيجل بشأن التاريخ ورؤيته لدور العقل في صنعه .
إلى كل من يهتم بالمعرفة التاريخية ويدرك أن الوعي بالتاريخ هو أساس العمل للمستقبل ..أرشح هذا الكتاب فلسفة التاريخ فلسفة التاريخ فرع من علم التاريخ قبل أن يكون فرعا فلسفيا. فالإنسان العاقل من يتعض بمن سبقه من الأمم هذا الوعي الإنسان هو الذي يميز الإنسان عن سائر المخلوقات التي تشاركه الحياة على وجه الأرض وأو إنسان يحتك بتلك التواريخ والحوادث لاشك أنه المؤرخ الباحث قبل أن يطرقها الفيلسوف ، والأحرى بهذا المؤرخ أن لا يكون مجرد ناقل سارد لا يسنتنتج ولا يحلل بل الأوجب أن يكون ناقدا فيلسوفا في دراسته وتقديمه للتاريخ موضوعيا في طرحه ، هذا الطرح الموضوعي هو الذي يمكن من أنتاج فلسفة خاصة لقراءة التاريخ فروح المقارنة والنقد التي يجب أن يتحلى بها المؤرخ هي التي تجعله فيلسوفا ومؤرخا في نقس الوقت ، فالباحث في التاريخ في الأصل هو باحث عن الحقيقة والطريقة التي سار عليها الأمم لبناء حضاراتها وإنجازاتها وهو سبيل كل صانعي الحضارة ومنظريها إبتداءا من بن خلدون إلى غيره شرقا وغربا إلى مفكرنا مالك بن نبي وغيره ، والأمة التي لا تنظر في أحوالها وتاريخها لا تدرك حجمها وسبب وجودها ومكانها بين الأمم . ومن الأمور الضرورية لإعادة صياغة حاضرها ومستقبلها يقول د. المفكر محمد المختار الشنقيطي ’’من الأمور الصحية للثقافة ، القراءة في ذاتها ، ومعرفة حدودها ،وتراثها ، لتجدد نفسها وتنهض .’’ ولا أخفي إهتمامي بالفلسفة قبل دراستي للتاريخ لذا لازمني هذا الشفغ فكنت في كل مرة أندفع للقراءة في كتب فلسفية تاريخية وتفضيلها عن كتب التاريخ المحض ، مما أوقع في يدي هذا الكتاب الرائع بعد إطلاع على بعض كتبه الأخرى وبالعودة للإهتمام بالتاريخ من منظور فلسفي فيقول صاحب الكتاب ’’ فالمطلوب تقديم التاريخ بصورة جاذبة مشوقة للعقل وباعثة للوعي بأهمية ما نقرأ ..لأن الإغراق في التفاصيل باعث للملل ويفقد الأدراك _لطول الكلام وتشعب الأحداث_وهنا تبرز أهمية كتابة التاريخ من منظور فلسفي لا ينظر للتفاصيل وتفاصيلها بل ينظر للتاريخ الإنساني بإعتباره تاريحا لحضارات ولدت ونمت وتطورت ثم هرمت وبادت ومن خلال طرح التساؤلات حول كيف نمت وكيف بادت ..’’ إن هذه التساؤلات التي لطالما طرحها مؤسسوا الحضارات ومنظّروها الذين وضعو ا أساليب لدراسة تلك الأطوار وإستغلالها في إعادة بناء الحضارة ولا يمكن طرح موضوع الحضارة دون الإستشهاد بفيسلسوف الحضارة مالك بن نبي الذي يقول "إن للتاريخ دورة فهو يسجل إنحطاط الأمة كما يدون حضارتها، ومعرفة عوامل الانحطاط ودواعي التقدم تمكن من الإمساك بشروط النهضة أو السقوط في الحياة ،وللتاريخ نقطة إنطلاق اخرى للوصول ينبغي التحكم فيما بينهما نظريا وعمليا من خلال التحكم في الشرو ط التاريخية والاجتماعية والعوامل الكونية الميتافيزيقية لتأسيس حضارة أصيلة وقوية. '' إن عمل المؤرخ الواعي إذا ليس سرديا وليس مملا كما يعتقد البعض إن فيه من التشويق ما لم إجده إلا في دراستي للرياضيات قبل إلتحاقي بدراسة التاريخ . .إن التاريخ ليس علما واحدا بل هو في الحقيقة مصرح لولادة كل العلوم أيمن/الجزائر
الكتاب مقدمة جيدة تعرض مفاهيم متعلقة بفلسفة التاريخ أولا المقصود بالتاريخ كعلم وصفي يتعامل مع نوعين من الوقائع "مادية تعلم بالحواس ونفسية متمثلة في الأفكار والعواطف فلا يدركها إلا الشعور"
والمعنى الاصطلاحي للتاريخ فبعد أن كانت كلمة تاريخ تدل عل معاني متباينة صارت تؤول لشكل واحد من المعرفة وهو "معرفة الأحداث التي وقعت في الماضي ورافقت تطور الأشياء والظواهر المختلفة"
ثم يعرض لتعريف المؤرخ وتقريره بأنه "ذلك العالم الذي يحاول إبعاد عواطفه وانفعالاته عن رصد الأحداث التاريخية وتفسيرها بعد فهمها" ويشدد على أن الموضوعية فعل مستبعد من قبل المؤرخ لأنه "أولا وآخرا إنسان!" أما مراحل عمله فتتلخص في مرحلة التجميع "تجميع المواد الخاصة بالوقائع التاريخية" والنقد ومرحلة التأويل والتفسير وهي "أشق المراحل حيث تتطلب من المؤرخ سعة الخيال العلمي دون أن يخرج من أضيق حدود الحقيقة"
أما الفرق بين الفلسفة والعلم فتبين أن الفيلسوف يتأمل في ما وراء الواقع المادي وهو على عكس العالم فإن نقطة بدءه هي "دراسة الكل الماثل في جزئياته" بينما نقطة بدء العالم هي "دراسة الجزئيات للوصول إلى النتيجة الكلية وتبقى الفروق في نوع الوقائع التي يتخذها كل علم موضوعة له"
بينما الفرق بين المؤرخ وفيلسوف التاريخ هو أن الأول "تسجيل الحدث والتحقق من صحة تسجيله بأكبر قدر من الموضوعية والنزاهة" بينما هدف فيلسوف التاريخ هو "تفسير مجمل أحداث التاريخ واستخراج الآليات والقواعد العامة التي يسير بمقتضاها التاريخ الإنساني" وتبرز سمة - ذاتية الفيلسوف - في استخراج هذه الآليات لذلك ستختلف من فيلسوف لآخر. وينوه أن عملهما مكمل لبعضه أي أن التاريخ تكمله النظرة الفلسفية فبدونها "يبدو أحداثا متراصة دون فائدة تذكر"
يعرض في أحد فصول الكتاب طرق الكتابة التاريخية ثم ينتقل للموضوع الشائك: من يصنع التاريخ؟ ويسرد نظرية البطولة حيث البطل هو صانع التاريخ "فروح تاريخ العالم إنما هو تاريخ أولئك الفحول" والنظرية المعارضة التي تنص أن الجماعة أو الشعب هو صانع التاريخ وتساهم الحضارة الإسلامية في الانتقال إلى هذه الرؤية الجديدة.
ويختم بنماذج من النظريات الفلسفية في تفسير التاريخ على رأسها النظرية الدورية التي أسسها ابن خلدون - حيث أن الدول والحضارات لها عمر وهي أشبه ما تكون بالكائن الحي الذي يولد وينمو ثم يتجه نحو الهرم والفناء - ونظرية العناية الإلهية والتخطيط الإلهي للتاريخ يؤسس لها القديس أوغسطين، وأخيرا نظرية التقدم وتأكيد الفعل الإنساني في التاريخ يؤسس لها فولتير.
الكتاب بالمجمل ممتاز رغم حجمه الصغير وينظر للموضوع بشكل واضح وغير مشكل - وهذا بنظري ما يهم في أساسيات كل علم - بالإضافة إلى ميزة أن المؤلف ينتهي بعد تفصيل مواضيعه بسطور تلخص مقاله بإيجاز، كما أن الكتاب مزود بقائمة مراجع للاستزادة.
يقول الكاتب فى مستهل كتابه عن فلسفة التاريخ " إن قراءة التاريخ مسألة فى غاية الأهمية ؛ إذ لا يمكننا تخيل الحاضر بدون الوعى بالتاريخ المسبق ، فقراءة التاريخ من شأنها إزكاء روح المقارنة لدى القارئ بين تاريخه الماضى و بين التاريخ العام مما يدفعه إلى إدراك عمق تاريخه و إزكاء روح المنافسة لديه بين عمق ماضيه و حاضره ، و بين تاريخه و تاريخ الأمم الأخرى " . جميعنا نعلم ما هو التاريخ ( كعلم وصفى بدراسة تعاقب الأزمنة و حفظ الأحداث و تسجيلها ، أو كمعنى اصطلاحى يتسع ليشمل تاريخ المعادن و تاريخ كل شئ من الأشياء الطبيعية الأخرى ، او كمعنى عام بمعرفة الأحداث التى وقعت فى الماضى ) ، لكن ما هى فلسفة التاريخ ؟ يرى ڤولتير و هو اول من استخدم ذلك المصطلح ان فلسفة التاريخ تعنى تأمل التاريخ بطريقة أصحاب المذهب العقلى ، بينما يقول هيجل بأنها دراسة لمناهج البحث التاريخى أى دراسة للطرق التى يكتب بها التاريخ و كيفية التحقق من صحة الوقائع التاريخية و الكشف عن مدى صحة الوثائق و مناقشة فكرة الموضوعية فى التاريخ و يطلق عليها أيضا التاريخ الفلسفى . فالتاريخ عند هيجل ليس مجرد سرد لأحداث ولت فى الماضى إنما هو مسار عقلى يكشف فكر الإنسان الواعى عبر العصور . لكن ما الفرق بين منهج المؤرخ و منهج الفيلسوف ؟ إن منهج البحث عند الفيلسوف منهج عقلى يستند إلى النظرة الكلية الشاملة للظواهر التى يتفكر فيها و يتأملها ، فهو لا يبحث عن العلل القريبة للظواهر الجزئية و إنما العلة الكلية المفسرة لكل هذه الظواهر و الكامنة خلفها جميعها ، أما المؤرخ يتقصى أحوال الظاهرة الإنسانية موضوع الفعل التاريخى أو الحدث التاريخى الذى يؤرخ له و يحاول أن يصل إلى تفسير لهذا الحدث مستخدما فى ذلك الوثائق التاريخية و تأويلها و تمحيصها . و على ذلك فالمؤرخ بحاجة إلى الفلسفة لأن الفلسفة هى التى تنسق التاريخ و تبينه فبدونها لا يكون التاريخ سوى رواية للأحداث المحفوظة دون الاستفادة منها . ينتقل الكاتب فى الفصل الثانى إلى تساؤل هام : من يصنع التاريخ ؟؟ بمعنى من له الدور الأعظم فى صناعة التاريخ هل هم الزعماء و القادة العسكريون الأفذاذ الذين امتلكوا القدرة على تغيير مجرى الأحداث فى عصورهم ؟ أم أن الشعوب عامة هى التى تصنع تاريخها بما يقدمه كل فرد فيها فى إطار دوره المرسوم و فى إطار وظيفته سواء كان طبيبا أم مزارعا أو خفيرا ؟ بطريقة أخرى : هل إنجازات الكتلة البشرية لأية أمة مجتمعة هى من يصنع التاريخ أم إنجازات الأفراد العظام فيها ؟ ليأخذنا التساؤل إلى تساؤل آخر : ما المقصود بالأفراد العظام ؟ هل هم الزعماء السياسيون أم القادة العسكريون أم العلماء و المفكرون ؟؟ يجيب كارلايل فى كتابه " الأبطال و عبادة البطولة " أن البطل هو الذى يصنع تاريخ أمته ، معتبراً أن التاريخ الإنسانى هو تاريخ هؤلاء العظماء فالأبطال فى نظر كارلايل يتحلون بالدقة و الإتقان و الشجاعة و هم فوق ذلك مرسلون من عند الله ليقوموا بأعمالهم العظيمة فى التاريخ البشرى ؛ مما يجعلهم قدوة لكل البشر الآخرين . ثم يأتى سدنى هوك ليجيب عن ذلك التساؤل فى كتابه " البطل فى التاريخ " و لينتقد وجهة نظر كارلايل أيضا قائلاً أنه على الرغم من التأكيد على دور الزعامة و البطولة فى التاريخ إلا أنهم ليسوا وحدهم من يصنعوا التاريخ ؛ فبعض الأفراد العاديين يلعبون دوراً حاسماً فى إعادة توجيه الموجة التاريخية فى بعض اللحظات الحرجة ، فكل فرد كما يقول هوك ليس إلا قشة تطفو على وجه مسار التاريخ . و يضيف هوك منتقدا نظرية كارلايل : إن التاريخ لأى شعب و لأى أمة هو سلسلة من الأزمات المتعاقبة و إذا ما فُتح المجال للقول بأن الزعيم ضرورى و حتمى لحل الأزمة و أنه بدونه لن تُحل فسيكون كل ما مر على الناس من حكام فى عداد الزعماء و الأبطال ! فضلاً عن أنه إذا كانت صناعة الزعامة مترتبة على أنه هو القادر على حل الأزمة فإنه سرعان ما يمكن لأى حاكم أو قائد أن يصور لشعبه عن طريق أجهزة الدعايا أنهم يعيشون عصرا متأزما و أن هذه الأزمات تحتاج لشجاعته و تحتاج لقدرته الفذة على تجاوزها . إن البطل الحقيقى فى التاريخ كما يرى هوك هو الفرد الذى نستطيع أن ننسب إليه نفوذا طاغيا مؤثرا فى تقرير حدث ما . اما هيجل فيرى أن أبطال التاريخ هو أولئك الذين تتوافق غاياتهم الخاصة و أفعالهم البطولية مع إرادة روح العالم فهم يستمدون أغراضهم و دورهم لا من مجرى الأحداث الهادئ و المنظم الذى يباركه النظام القائم و إنما من منبع خفى لم يبلغ بعد مرحلة الظهور . إن هيجل يقر إذن بالدور الفاعل للبطولة فى التاريخ فالأبطال هم من يقومون بتمويل الإمكانات الكامنة فى التاريخ إلى واقع عملى . أما الغالبية من فلاسفة التاريخ المعاصرين يرون أن إنجازات الشعوب هى صانعة التقدم و بالطبع فإن شيوع هذه النظرية يتوقف على نمط النظام الاجتماعى و السياسى السائد فى المجتمع ؛ فإذا كان النظام الاجتماعى قائما على التضامن الاجتماعى بين الأفراد تصبح العلاقات بينهم أفقية و يأمن الناس فى ظل هذا النظام و يكونون أميل إلى تلك النظرية القائلة بأن الجماعة هى صانعة التاريخ ، و العكس فى مجتمعات الديكتاتورية حيث تكون العلاقة بين أفرادها رأسية . يعرض الفصل الثالث نماذج من النظريات الفلسفية فى تفسير التاريخ فمنذ أن قدم الفيلسوف العربى ابن خلدون أول نظرية فى التفسير التاريخى توالت النظريات الفلسفية المفسرة للتاريخ و على رأسها نظرية الفيلسوف الإيطالى ڤيكو و من بعده فلاسفة التنوير ڤولتير و كوندرسيه ، و نظرية العقل يحكم التاريخ لهيجل ، و التفسير الاقتصادى للتاريخ الذى قدمه ماركس و إنجلز ، و تفسير نشوء الحضارات الإنسانية الذى قدمه أرنولد توينبى . أسس ابن خلدون للنظرية الدورية التى تصف أطوار الدولة و هى طور البداوة و طوى التحضر و تأسيس الدولة الجديدة و طور التدهور و الانهيار . ثم تظهر بشدة فى عصور طغيان الكنيسة نظرية العناية الإلهية و التخطيط الإلهى للتاريخ التى أسسها القديس أوغسطين الذى يرى أن التاريخ يدور حول كل من المؤقت و الأبدى و الله هو الأبدى و هو من يسيّر التاريخ و يشمله برعايته و لذا يجب على الكنيسة أن تشرف على الدولة و توجهها إلى الاهتمام بالحياة الأخرى الدائمة . و يأتى بوسويه فى القرن السابع عشر ليجُب آراء اوغسطين واصفا إياها بأنها لا تنظر للبشرية إلا من منظور كنسى ،فهى تنحو العقل و الفكر البشرى و تسخر الانسان لخدمة الكنيسة . اما عصر التنوير و الذى قاده ڤولتير و هيوم و مونتسكيو فهو يؤمن بالعقل البشرى كالمسيّر الرئيس لحركة التاريخ ، مؤكدا على قدرة الإنسان بأفعاله و افكاره على إحراز التقدم . يرى ڤولتير أن الله خلق العالم وفقا لقوانين ثابتة لا علاقة لها بأفعال الإنسان من خير أو شر و أن الله منح الانسان العقل من أجل سعادته و سعادة الآخرين و من ثم فإن التاريخ لا يسير وفقا لمفهوم العناية الإلهية و إنما يسير بمقتضى العقل البشرى و هو ما يراه كوندرسيه أيضا الذى كان صديقا لڤولتير و رفيقا له فى طريق التنوير .
الكتاب بالمجمل جيد و إن كان لى انتقاد لا يسعنى ذكره بعد تلك المراجعة الطويلة و لكنه مقدمة غير مخيبة للآمال فى موضوع كهذا اقرأ عنه للمرة الأولى .
كتاب مهم جدا لفهم التاريخ الأهم من تسجيل الأحداث هو توجيهها ومحاولة الإستفادة من الماضي و الحاضر لتكوين رؤية للمستقبل مدارس فلسفة على تنوعها إلا أن اسهام العرب فيها لم يكن متمثلا إلا في مدرسة ابن خلدون و الذي يعتبر رائد رواد المدرسة الدوية اللولبية لابد أن يوضع كأولوية من أولويات القراءة لكل من له رغبة في قراءة التاريخ بشموليته
'إن المؤرخ الذي يروى الأحداث دون أن ينظر إليها تلك النظرة الشاملة كالحمار يحمل أثقالا ، فهو يحمل الأحداث على ظهره أو بالأحرى يضعها على الأوراق دون أن يتساءل عن مغزاها والهدف الذي يراد تحقيقه من وراء روايتها' بلغة واضحة و عبارات بسيطة يقدم الاستاذ الدكتور مصطفى النشار موجزا عن بعض النظريات الفلسفية حول تفسير التاريخ و آراء الفلاسفة