كان مراد بك على فراش الموت، بينما يجثو يوسف على ركبتيه باكيا بحرقة وتخرج منه آهات متتالية لا يستطيع كبحها، يمسك بيد سيدة يتحسسها تارة ويقبلها أخرى، كأنه يريد أن يشبع عينيه برؤية الرجل الذي عاش عمره كله تحت قدميه، ويُشبع جلده بلمسه لأطول فترة ممكنة. فتح الرجل السبعيني عينيه بصعوبة وحرّك شفتيه بمعاناة، فانتفض يوسف وكأنه بُعث من جديد، فها هو مراد يعود مرة أخرى إلى الدنيا، ربما كان في غيبوبة مؤقتة وأفاق منها، وقد يقوم بعد عدة ساعات ليتحرك فى أرجاء قصره الكبير مرة أخرى، مستندا على عصاه التي كثيرا ما أشبعه بها ضربا، لكن الخادم الأمين مستعد لنسيان كل الإساءات السابقة وتقبل المزيد، بشرط أن يعود سيده إلى الحياة.
تدور أحداث الرواية علي أكثر من حط زمني ، الخط الزمني الأول هو الحاضر في قرية ما بكفر الشيخ و ما يدور فيها من خلافات عائلية علي أراضي زراعية و خلافات أسرية وفي وسط كل تلك الخلافات تبدأ قصتنا مع الطبيب (خالد عبد الله) الذي شد الرحال من القاهرة إلي كفر الشيخ و يحاول التماسك بين أفراد أسرته لأنه أصبح الان كبير أسرته بعد وفاة والدة و يحاول أن يبقي صامدا حتي يوصل والدة إلي مثواه الأخير و هناك في وقت الدفن لمح خالد قبرا غريبا مكتوبا عليه أسم ( يوسف عبد الميت ) أستوقف خالد ذلك الاسم و سأل عنه أعمامه بما فيه عمه الأكبر (شحاته) الذي قص عليه حكاية عبد الميت منذ البداية إلي النهاية ، وننتقل هنا إلي الخط الزمني الثاني الذي يدور في ستينيات القرن الماضي لخادم سرايا الذي هو يوسف ومعه حاشيته من الخادمين الذين يعملون علي فدم وساق في خدمه سيد السرايا ( مراد بيك ) الذي كان بمثابة أب ليسوف الذي لم يكن من صلبه حيث عاش يوسف طفولته كلها في السريا ، حتي جاء اليوم الذي أعلن في السر الإلهي الخروج من جسد مراد بيك و من هنا انقلبت حياة يوسف رأسا علي عقب ، لان مراد بيك ترك كل أملاكه و أراضيه بما فيها السريا إلي يوسف اعترافا منه أنه أبنه الذي لم ينجبه ، و كره يوسف ذلك كره البصير للعمي حيث شعر أن كل من حوله سينقلبون ضده لأنه أصبح في يوم وليلة سيد من كان يجالسهم و علي خط ثالث نري تغطية بأسلوب الفلاش باك لأحداث محمد محمود عندما كان خالد يعمل في القاهرة و يري الرصاصات و هي تندفع في الهواء و تخترف أجساد المتظاهرين لتجعلهم في حالة سكون أبدي ، و يحاول جمع شتات نفسه لما يراه من تمزقات جسديه و أضرار جسيمه للمتظاهرين محاولا الاخذ بيديهم و علاجهم في المركز الطبي المقارب للأحداث ، و أيضا الخط الأخير الخاص بزوجة خالد ( سارة ) التي بدأت بينهم قصة حب واقعية مغايرة تماما لقصص الحب التي تكون في السينما و الدراما لكن تنقل حياتهم السرية فجاء ة بدون سابق إنذار بسبب أحداث 25 يناير التي تكرهها سارة ككره الاحياء لرائحة الأموات و لا تعترف بها بل أنها ترها سبب شؤم حياتهم و شؤم البلد بأكملها ، و الخط الأخير هو خط ( العمدة مبروك ) الذي يرأس القرية التي يعيش فيها خالد و أقربائه بكفر الشيخ الذي كان بمثابة طاغية في البلاد يبخس الناس حقهم ويستولي علي أملاكهم بغرض السيطرة والسلطة والحماية أيضا و ما يفعله و ينفقه من كل غال و نفيس في سبيل أن يظل عمدة القرية
الرواية تتحدث عن مفهوم العبودية لصالح الحكام و الانسياق وراء أوامرهم كأنها أوامر مقدسة بالإكراه و السلطة ، من خلال تشبيه قصة يوسف عبد الميت الزاهد العابد الولي من وجهه نظر أهالي القرية المحيطين به و الذي صبغ مبروك حوله هالة من القدسية في مفهوم الزهد و عدم الاهتمام بالأمور الدنيوية كغطاء سياسي لما يفعله من سرقة و نهب و ظلم بالإكراه لأهالي القرية ليغدوا الطاغية الذي لا يمكن ردعه بالقوي البشرية سواء كانت فردية أو جماعية ، حتي لا يتسنى لأهالي القرية سوي التبرك بقبر يوسف عبد الميت الذين يروا في التقرب إليه حل إلهي بلا تعب أو خوف علي مصائر حياتهم أن حاولوا الاعتراض علي سياسات مبروك بالطرق التقليدية أما ما لا يعلمه أهالي القرية عن عبد الميت أنه كان مثلهم تماما، كان عبدا لسيده مراد طيلة حياته وبعد مماته، حتى حين غدي من أعيان القرية لم يستطع الانسلاخ من دور العبد الذي ظل محبوسا فيه قرابة الثلاثين عاما، لم يستطع أن يكون شيء أخر سوي أن يكون عبدا، مثله كمثل أهل القرية الذين لا يملكون من الامر شيء سوي أن يكونوا عبادً للطاغية في رأيي الشخصي أن هذه الرواية مظلومة بشكلاً أو بأخر، قد تكون قصة الرواية مستهلكه، لكن أسلوب الحكي والتنقل بين الخطوط الزمنية بسلاسة هو ما يميز تلك الرواية في رأيي التقييم 4/5
العبد -تامر أبو عرب دكتور يموت ابيه فيذهب الى بلدته بكفر الشيخ لدفنه فيجد الجميع يحكى عن ظلم العمده مبروك وكيفية وصوله للعمدية فيقرر البقاء ومواجهته.و خط زمنى اخر بيحكى قصه يوسف عبد الميت وقصة حياته وكيف بقى ولى بالبلد اسلوب الكاتب فى السرد ممتع وبه الكثير من الجذب.. الاحداث سريعه الغلاف والعنوان حلوين ومناسبين للاحداث جزء الثور بيذكرنى بايام تحمل الكثير من الالم بداخلى
الرواية تجسيد مهم وسلس للواقع المصري، تتميز بالإسقاط المباشر في عرض الشخصيات، جمال العرض في كيفية رفض الفقير للثراء إذا حال بينه وبين أهله ومحبيه، تسلسل تقبل الخادم لثروة سيده الطائلة كان بديعا أيضا، وكيف صب هذا كله في إطار أن الزهد في الحياة ضعف وخنوع .. طبعا سرد أحداث العنف التي تلت ثورة يناير وأجواء المستشفى الميداني؛ أعاد للذاكرة صورة ينساها كثيرون، بالإضافة إلى ثورة شباب القرية على العمدة الطاغي ونزوح بطل الرواية الدكتور عن القرية دلالتهم كانت الأوضح في فشل الثورة مع عدم انتفاء الأمل بتجددها في أقرب وقت؛ بشرط أن يستمر التوعية وتعميق الإدراك .. أكثر ما مس قلبي إحساسه بفقد والده، ومشاهد توسل يوسف عبد الميت بسيده المتوفي بمناجاته سرا، وبقبره جهرا، كانت تثير المشاعر والشجن، ولكن لم أترك لها قلبي للتعلق بها لتأكدي من أنها دلالة على الهوان والخزي. .
الجملة الأخيرة كانت الأروع : ( عدوكم مش العمدة .. عدوكم عبد الميت ) ، خلاصة جلية أن العدو ليس حاكم طاغية، وإنما استسلام الشعب لظالمه والجهل والعبودية والرضا بالذل والهوان هو العدو الوحيد الحقيقي ..
اقتباسات : - افرض على أي شخص نموذج حياة معين لسنوات، ثم اترك له حرية الاختيار وتأكد أنه بمحض إرادته سيختار ما كنت تفرضه عليه ..
- بقدر ما أحب مراد ومازال، هو غاضب منه لأنه لم يمنحه فرصة ليخرج من قمقمه ويرى العالم، ربما أحب أحداً أو أحبه أحد، ولولا ثقته في أنه كان يحاول إسعاده فعلاً حين كتب له نصف ثروته؛ لظن أنه فعل ذلك ليضمن أنه سيعيش ما تبقى من عمره معذباً بأموال لا يستطيع أن يستمتع بها، ولا أن يعود كما كان قبلها، ليسلي هو وحدته في العالم الآخر برؤية العروسة الخشب التي صنعها وهي تتحرك وفق إرادته ..
- يعتقد فهمي أن المزارعين لم يفعلوا ذلك لكونهم فقراء وفي حاجة للمال، لكن لأن كل الناس عندهم استعداد فطري للعبودية، زعمهم أن السلطة والثروة والقوة هي من تدفعهم لطاعة من يملكها ليست إلا حججاً يبررون بها بحثهم الفطري عن أسياد، ويؤمن بأن الفارق بين يوسف والجميع أن الأول متصالح مع كونه عبداً بحكم أنه وُلِد على ذلك ويمارس العبودية بشكلها التقليدي دون مراوغة، بينما يمارسها الآخرون بأسماء مختلفة، بعضهم يسميها الاحترام، بعضهم يسميها أكل العيش، بعضهم يسميها الصبر على البلاء، وبعضهم يسميها طاعة ولي الأمر ..
- غريب هو طبع البشر، باستثناءات قليلة لا يقابلون الاهتمام باهتمام، ويلهثون خلف من يتجاهلهم، يفهمون التباسط ضعفاً والسماجة قوة شخصية، ويحرمون أنفسهم من لذة العلاقات السوية ..
- يحتاج الظالمون مصادر قوة كثيرة تُؤَمِّن ظهرهم وهم يمارسون فعل الظلم، ولكن تبقى أهم مصادر قوة أي ظالم سكوت الضحايا ..
- أكَّدت لهم أكثر من مرة استغرابي من حبهم الكبير للثورة وفي الوقت نفسه رضاهم بالعيش في قرية يحكمها عمدة متسلط لا يسلم أحد من أذاه، سمعت منهم تبريرات مختلفة وحاولوا إقناعي بأنه لا تشابه بين الحالتين ولا تعارض بين الموقفين، لكنني لم أقتنع، يقولون أنه لو نجحت الثورة في القاهرة لتخلصوا من حكم مبروك، وأقول إنهم لو تخلَّصوا من حكم مبروك لنحجت الثورة في القاهرة ..
-ساعة الموت بيتساوى كل الناس يا أستاذ، لو فيه حد بيموت زعلان صحيح فهو اللي اتعلَّق بالدنيا وجرب حلاوتها، لأنه بيبقى عاوز يأَبِّد فيها ومايسبهاش، لكن اللي زي حالاتي هو اللي هيموت فرحان لأنه ماشافش من الدنيا حاجة يتبكي عليها.
الرواية رائعة .. الإسقاطات واضحة زى ان العمدة مبروك ده السيسى اللى جبناه يفض ما بينا لما اتخانقنا وهو افترى علينا بعدها.. مصر طبعا هى القرية وعبد الميت هو حال كل المصريين اللى بيبكوا على أيام مبارك أو عبد الناصر أو حتى السادات اللى كانوا ممرمطين الشعب بس هو فضل عايش على ذكراهم ومش عارف يعيش بعدهم.. فقط كان نفسى تكون أطول من كده شوية كمان زعلت من النهاية رغم انها واقعية جدا.. تامر أبو عرب كاتب موهوب وروائى مميز حتى فى تجربته الأولى
This entire review has been hidden because of spoilers.