كان طريقاً هادئاً ولا أحد غيري. الأشجار قليلة وكثيفة على الرصيف الأيسر وتحتها بضع عربات مركونة.
كنت أمشى وحدي إذن عندما سمعت صوتها الضاحك يقول إنها تريد أن تتتحدث حتى نهاية الطريق فقط وتنتظر من يسمعها.
عرفت الصوت ما إن سمعته وقلت إنني خير من يفعل ذلك. حينئذ تركت الرصيف وجاءت من فجوة بين عربتين ومشت إلى جواري .لاحظت أنها فتاة عادية ترتدى ثوباً منزلياً فقيراً وخطر في بالي أنها ليست جميلة ولكن روحها حلوة وتقول ما تريد.
كانت تتكلم وكتفها يلامس كتفي حتى وصلنا آخر الطريق الذي لم يكن طويلاً. وصعدنا الدرج حيث سبقتني ولم أرها بعد ذلك أبداً.
Ibrahim Aslan ولد إبراهيم أصلان بمدينة طنطا بمحافظة الغربية في عام 1935، ثم إنتقلت أسرته الى حي إمبابة الشهير التابع لمحافظة الجيزة. بعد أن أتم دراسته عمل بهيئة البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية. بدأ أصلان الكتابة والنشر في عام 1965. وفي عام 1987 تم إنتدابه للعمل نائبا لرئيس تحرير سلسلة مختارات فصول وإستمر بها إلى أن خرج للمعاش في عام 1995. فى عام 1997 عمل رئيسا لتحرير سلسلة آفاق الكتابة وأستمر بها الى أن استقال منها في عام 1999 عندما اشتعلت أزمة رواية (وليمة لأعشاب البحر) للروائي السوري حيدر حيدر، لكنه إستمر فى العمل لبعض الجرائد الخليجية بالمكافأة، والحياة اللندنية بالقطعة.
من أهم الأعمال التي كتبها أصلان هى : بحيرة المساء ، ويوسف والرداء ، وحكايات من فضل الله عثمان ، ومالك الحزين (والمأخوذ عنه فيلم الكيت كات الشهير الذى لعب دور بطولته الممثل محمود عبد العزيز)، ووردية ليل، وعصافير النيل، ثم خلوة الغلبان. يتميز إبراهيم أصلان بالمحلية الشديدة في كتاباته، فهو يستمد شخوصه ببراعة تامة من الحى الشعبي الذى عاش فيه كل حياته وهو حي امبابة الشهير، إضافة الى انه يرسم بكتاباته الأزقة وحواري تلك المنطقة فتشعر وكأنك تعيش فيها وتتحرك داخلها، وهو في هذا الصدد شديد الارتباط بالأرض والواقع الذى عاش فيه.
لن تشهد علينا الشوارع والحارات يا عم إبراهيم إنها عمياء عادلة أو ظالمة سيشهد علينا ذاك الذي يقف وحيدا يبدو منفيا مطرودا منسيا يرى ويسمع ويطبع في الذاكرة ضمير فضل الله عثمان وحاجبه هو أنت يا صديقي الجميل يا من تمنح الغلابة عينا ترى وعينا تفيض سردا حينما أختنق أراهم شخصيات حكايات من فضل الله عثمان ترتبط الكلمة اكثر بالأطفال ونحن أطفال الإنسانية ابناء الشوارع والحارات جمعتنا حكايات وحمعنا حكايات وصورنا في مرايا الحيطان ودقات البيبان حينما اختنق أراهم هؤلاء الغلابة الذين تبتلعهم الأماكن الذين يذوبون في أثير الحارات تنزلق الطرق بخطواتهم الحائرة يختفون في سراديب الزمن الذين تستهلكهم طواحين المدينة ويطيح رأسمال أصم بهدير بكائهم الصامت الذين يفتحون البيوت والقلوب والعقول لأنهم لا يملكون خزائن فجيوبهم بالكاد تحتفي بثمن وجبة الفول وأجرة الميكروباص الذين لا يتحدثون في الحب والموضة وماركات السيارات الذين يتفاهمون بالصمت ويثرثرون بخبرة أساتذة في اللاشيء حينما أختنق أحدثهم ولا أنتظر منهم إجابة سينظرون بشك ويقولون في أنفسهم مسكين لا يفهم ليس من حقنا ان نتحدث عنهم نحن الذين خرجنا من الحارة لعل الحارة طردتنا فهي تدرك أننا غرباء أينما كنا وهي لا تثق إلا فيهم هؤلاء الذين يعودون إليها كل مساء معهم رغيف خبز وفلافل هؤلاء الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لأنهم لا يشتكون أبناء الصمت كما كتب مجيد طوبيا يحتفظون بأسرارهم ويضحكون ويغنون على المصاطب مع الست وأصور لك ضنا روحي وعزة نفسي منعاني تحضنهم حاراتهم الضيقة بأمومة حانية ومعذبة ومشحونة بآلام الميلاد والموت وبينهما لحظات قليلة من العطف والمرح يضيق بهم الوقت لينحصروا في عالم مصمت بين رطوبته تجري الحواديت نزيفا داخليا وفيضا من دموع بحبر سري جاف نحن أبناء الأماكن التي تلفظنا مرويات من ورق يغلف بها المساكين عريهم ووجعهم وهم على مسافة من العالم وإن كانت حارتهم الرحم الواصل بين أبناء السبل فضل الله عثمان، أبوة المكان، جد أتى من الشمال او الجنوب، بني البيت الكبير وصنع واقعا تولد منه الحكايات، وانتشر أبناؤه وبناته في حارات جانبية حوله، واشرقت علي أيامهم شمس تعبر المحيطات يرونها صباحا ويعكس القمر قصتها في الجانب الآخر من العالم مساء وراوينا قمر أصلان الساهر على مصاطب المحال والبيوت في الأزقة المختنقة بهموم السائرين في التعاريج الضيقة لا تعرف خطواتهم سوى تلك التجاويف المتقاطعة خلف النيل يطلع أصلان من حدوتة الشارع لفضاء السرد فيضع إمبابة ضمن ايقونات الجمال بملامح عاشقة للحياة مع كل ما فيها من مواجع من عبقرية الكاتب ان يستمع إلى حكايات الشارع
أحببت أصلان كإمباباوية أصيلة-من إمبابة يعني-أرى روح شوارع واحياء تلك المنطقة مجسدة امامي في اعماله.
يلتقط إبراهيم أصلان أكثر التفاصيل اليومية اعتيادا وبساطة. ويستطيع بقدرة فطرية أن يلفت انتباهنا إلى حوار يومي تافه يتكرر في حياتنا كلنا.
تعلمت منه أنه ليس من الضروري أن يكون هناك دراما أو مأساة او عقدة أو حدث استثنائي في الحدوتة لكي أنتبه لها. تعلمت أن "نقار اتنين عواجيز على تفاصيل جملة تافهة سمعوها"، أو جدل زوجان حول فتح شباك غرفة، هو ما تكمن به روح حياتنا الحقيقية.
ربما يستلزم الاستمتاع بكتابات أصلان أن تكون ممن هم مثلي ،من يتركون خلفهم سنوات شبابهم بلهاثها وجريها المجنون، والذين ادركوا أن عليهم التأني والتأمل في كل ما كانوا يرونه من قبل تافها، أو لا يستحق التوقف أمامه للنظر اليه من الأساس.
أصلان يحكي حكايات بسيطة عميقة المعنى والأثر، في رأيي ألّا أحد يستطيع أن برويها كما يفعل.
مجموعة قصصية رائعة، كل قصة منها لا تقرأ أقل من مرتين من فرط عذوبتها، عدا آخر خمس قصص ستقرأهم كثيرًا وستستمتع بهم لكن لن تفهمهم، فهم قصص خاصة بإبراهيم أصلان، كتبها لنفسه. أنا لا أحب هذا النوع من القصص كثيرًا لكن سحر أصلان يجعلني استمتع بكل ما يكتب حتى وإن لم أفهمه.
تقريبا انا الوحيد اللى معجبتنيش القصص ده .. انا من ساعة ما قرأت لأصلان رواية مالك الحزين وانا مجربتش اقرء له حاجة تانية لكن قلت أجرب..والحمد الله معجبتنيش حكايات فضل الله عثمان الا قصة او اتنين بالكتير
شوية قصص كل قصة من خمس الى تسع عشر صفح كدا قصص منفصلة تحكي واقع اشخاص تعيش فى الحارة ..لكن مش عارف ايه الاستفادة يعني لما اكتب صفحتين عن موقف معين لعائلة يعني واحد بيحب يتفرج على ماتش ومراته ومرات البواب منكدين عليه ومش عارف يشوف الاجوان وتحليل كابتن مدحت شلبي طيب ماشي موقف وبيحصل فى كل البيوت ايه الهدف اني اكتبه قصة قصيرة
ما هو القصة القصيرة لازم ترمز لحاجة يعني ولا احكي اي موقف ويبقي قصة جميلة يا اما انا مش فاهم اى حاجة بيرمز ليها الكاتب.
وكمان فيه قصص مش مفهومة وقرأت فى ريفيوهات الاصدقاء ان فعلا فيه قصص مش مفهومة وده سبب تاني لتقييمي القليل … وبعدين لو علي معاناة الماتشات ونطفي النور ده كدا كلنا نكتب مجلدات بقي
من كتر ما القصص معجبتنيش مش فاكر منها اصلا الا تلات قصص من عشرين قصة تقريباً
بعد "عصافير النيل " وهذه المجموعة أسطيع القول بأنى أصبحت أحد سكان فضل الله عثمان
فى القصة"قطرات من الليمون" عندما ذهب الأستاذ لزيارة عبد الخالق الحانوتى وخرج ليتكلم مع الراوى(أصلان نفسه بالتأكيد) وقال الاستاذ:ايه رأيك فى عبد الخالق..ورد الرواى: أعتقد انه كويس..ويقول الاستاذ : كويس ايه الراجل بيموت وبعد لحظات سمعوا صرخه مدوية تدل على ان عبد الخالق مات فعلا ..فيقول الاستاذ : اتفضل ياعم أهه مات
مش عارف فى هذا المشهد انتابنى شعور بأنى مسئول عن موت الرجل لانى ضحكت من رد الاستاذ تماما كمسئولية الرواى لانه قال :أعتقد انه كويس !!
القصة "خبر من طرف العائلة" نالت نصيب الأسد فى تمزيقى ..أخو الراوى الذى بترت قدمه بسبب مرض السكر وحيرة بقية الاخوه هل يجوز دفن القدم المبتورة فى مقبرة منفصة عن بقية جسم صاحبها ؟ هل سيتم تغسيلها كما لو كانت جثة كاملة وهل سيصلى عليها ؟!..القصة دى تخوف جدا :(
لا يغيّر ثيابه لأنه أصبح على المعاش. هذه جملة داخل المجموعة توحي لك بمقدار الإغراق في التفاصيل الحياتية والنفاذ إليها بطريقة مختلفة. تراه يعيش معك في البيت والشارع.. فضل الله عثمان بصورة أو بأخرى هي شارعك أو حارتك أو شارع كان يقطنه أحد معارفك، فالقصص وتفاصيل حتى طريقة الملابس والحوار موجودة من حولنا. وهنا تكمن صبغة أصلان الإنسانية. المجموعة ذكرتنّي بحجرتان وصالة، لكن هنا "فضل الله عثمان" كان هو المحور الذي عبره صُنعت القصص. أكثر ما راق لي في مجموعة قصص "مونديال" و"مشهد جانبي" و"خيط" و"طرف من خبر العائلة". في نهاية المجموعة القصيرة ثلاثة قصص تقريباً بهم رمزية عالية، وخيال خاص بالكاتب حاول دمجه بالواقع بطريقة متقنة.
يجب أن أرى الصورة/الحارة/ اللقطة كاملة حتى يتسنى لي رؤية التفاصيل و فهم المغزى و ملاحظة النقوش..
أعجبتني فكرة أن يكتب عن الشارع و أن يكون هو البطل الرئيسي.. أن يأخذنا من أيدينا ليطوف بنا _ بكاميرا المشاهد_ لرؤية اللقطات المختلفة في الحيوات المختلفة/المتشابهة.. دون أن يكون هناك رابط سوى سكنى الشارع نفسه.
توقفت كثيراً أمام سبيل للصغــار و طرف من خبر العائلة و تألمت.
أما الرسالة التي أراد إرفاقها مع المشهد الجانبي فقد استلمتها و وقّعت بالاستلام..
صالحني أصلان و أفهمني بهدوء و رويّة أن الكتابة لا يجب عليها أن تكون سهلة أو سلسة أو متاحة/مفهومة للكل.
بل يجب على البعض أن يُجهد نفسه لفهم ما يريد الكاتب أن يُوصله..
و لكن لا يعني هذا أن أخفي انزعاجي من بعض القصص المبهمة و النهايات التي شعرت بيها و كأنها بُترت دون أن أصل للمعنى.
ربما هو يكتب بدرجة يصعب علي إدراكها.. و لكني استمتعت بالكتاب بصفة عامة
كان تقييمي يتأرجح بين 3 نجمات و 4 و كادت الثلاثة أن تنتصر بسبب بعض القصص الأخيرة إلى أن أنقذ النجمة الرابعة القصة الأخيرة في المجموعة.
إبراهيم أصلان وقصصة القصيرة البسيطة التى وضع فيها خلاصة تجاربة وتأملاتة للمجتمع
يوجد بعض القصص الرائعة مثل مشوار التى تجسد عناء الام و تضحيتها ,الرجل و الاشياء عن وحدة الشيخوخة,خيط عن فقدان الاب وانتقال المسئولية من الاب عائل الاسرة للأم والابن,حوار والعلاقة بين الزوج و زوجتة,وطرف من خبر العائلة وفقدان الانسان لجزء من اعضائة
ويوجد بعض القصص الاخرى الغير مفهومة كعادة اصلان ,فى النهاية هى مجموعة قصص قصيرة لكنها تحتاج لتأمل عند القراءة بعضها ممتاز و البعض الاخر ضعيف
"كانت تتكلم ويدها مرفوعة فوق وجه عبد الخالق بالملعقة الممتلئة بعصير الليمون، ولاحظت أن الملعقة تميل فى بدها مع الكلام وقطرات الليمون تسقط على أنفه وشاربه، أما إذا كانت لا تتكلم فإن النلعقة لم تكن تميل بل تهتز قليلا والعصير يتجمع أسفل بطنها المعدنى ويصنع قطرة تنحرف ولا تسقط على أنفه أو شاربه بل تسقط على خده أو عينه. وكان عبد الخالق فى هذه الأثناء يفتح شفتيه ويحركها هنا وهناك مع حركة الملعقة العالية لكى يتلقى أى قطرة داخل فمه المفتوح ولا ينجح فى ذلك أبدا".
تبدو المجموعة القصصية الأخيرة للكاتب الجميل إبراهيم أصلان وكأنها خارجة من نار تسوية هادئة. والمعروف أن الكاتب الكبير – المقل جدا فى أعماله – يظل يكتب ويعيد الكتابة ويشطب وينقح لفترات طويلة جدا، تصل إلى عشر سنوات أحيانا، حتى يسمح للعمل بالنشر. وهكذا فإنه يكاد يكون من المستحيل أن يستطيع ناقد أن يمسك عليه ملحوظة نقدية ما! كما أنه من المعروف أن الدراسات النقدية التى كتبت عن أعمال الكاتب الكبير، تفوق فى حجمها كل ما كتبه هو نفسه طوال حياته!
تتميز المجموعة بلغة رقيقة شفافة، وإسلوب سلس ممتع وممتنع تميز به إبراهيم أصلان، وبحكايات رقيقة مدهشة، تدور كلها فى تلك المنطقة الشعبية التى اسمها (فضل الله عثمان). وتلتقط القصص لقطات من تفاصيل الحياة اليومية لسكان هذه المنطقة، وهى تفاصيل لا تستطيع أن تلتقطها وترصدها سوى عين فنانة مثل عين مثل كاتبنا الكبير. من أجمل قصص المجموعة قصة (قطرات من الليمون) التى تحكى عن الموت الكوميدى والتراجيدى فى ذات الوقت لعبد الخالق الحانوتى. ومن أكثر قصص المجموعة أثارة للدهشة والألم أيضا قصة (طرف من خبر العائلة)، التى تحكى عن تهرب الراوى من مسئولية دفن رجل شقيقه التى تم بترها فى عملية جراحية!
لستُ من دراويش أصلان، لأن حكايات من فضل الله عثمان كانت أول ما أقرأ لابراهيم أصلان، ولذلك كان حكمي حياديًا جدًا، وببساطة رأيتها مجموعة عادية جدًا إن لم تكن أقل من عادية أيضًا. قصص غير مفهومة، وحكايات لم يسعفني فكري الضئيل لمعرفة الهدف من ورائها، أو لم أجد فيها حتى ما يثير الأعجاب اللهم إلا قصة أو اثنتين لن تتوقف محاولاتي في دخول عالم أصلان عند هذه المجموعة بالطبع ولكنها بلا شك، لم تكن أبدًا تجربة موفقة بل تجربة مُحبطة للغاية.
ربما مر أكثر من ثلاث سنوات على آخر قراءة لي لإبراهيم أصلان، ولا أدري لم لم أقرأها قبل الآن وأنتهي من كل ما كتبه، وهو ليس بالكثير بطبيعة الحال، للأسف الشديد. وعلى الرغم من صغر حجم المجموعة إلا أني أعتقد صدقُا أني رأيت فيها مصر بأكملها، فقصة الرجل المبتورة - والتي ربما تتقاطع مع ما يجري في غزة حاليًا، كانت مبكية قدر ما كانت مضحكة، وقصة الحانوتي عبد الخالق ربما من أكثر ما أضحكني مؤخرًا، من سلاسة الحوار وبساطته وتشوشه، وربما هي السمة الأبرز في حوارات أصلان، عشوائيتها وتشوشها وضبابيتها، حيث أن كل شخص يعيش في عالمه الخاص وربما عن طريقة الصدفة ومن خلال الحوار تتقاطع المواضيع، إلا أن كل شخصية تجدها في ملكوتها الخاص مجموعة قصيرة جميلة مضحكة وتلقي الضوء على مصر ربما من حوالي العشرين عامًا، وعن فضل الله عثمان الذي ربما أزوره يومًا ما، إن كان ما زال موجودًا ولم تطله أيدي التطوير والكباري في مصر
بهذه المجموعة "الأصلانية" الأصيلة أكون قد اختتمت كافة أعمال إبراهيم أصلان أحد أقرب أصدقائي إلى قلبي (استثنيت من هذه الأعمال كتابه الأخير الذي نشر بعد موته عن الثورة لتجنبي قراءة أي شيء كهذا، لأن قراءة انطباعات عن الثورة أشبه بقراءة محادثات قديمة بينك وبين حبيبٍ رحل ولن تراه مرة أخرى، ولن ينفعك بشيء استعادة الذكرى المؤلمة أو إحياء الأحزان)
حكايات فضل الله عثمان يمتزج فيها الخيالي بالواقعي والذاتي بالعام، لتخرج تجربة أصلانية بديعة بنفس الأسلوب الذي تعودنا عليه دائمًا من هذا الرجل الرائع والحقيقي.. ميزة أصلان الكبرى أنه يكتب من قلبه ولا يكتب من قواعد الكتابة.. يكتب لنفسه قبل أن يكتب لأي أحد..
هناك بعض القصص كانت أشبه في ترتيبها بقصائد النثر، وأكثر ما اشتممت فيه رائحة أصلان الجميلة الطيبة، القصة الأولى المدخل، وقصة خبر من طرف العائلة،
والتي يبدو من عنوانها أنها تكريم لأحد رفاقه الراحلين "عبد الحكيم قاسم" صاحب رواية لها عنوان مشابه.
قرأت الكتاب للمرة الأولى منذ عدة سنوات. و كان تقييمي له شديد السلبية. أعتقد أن أدب إبراهيم أصلان يستلزم منك بعض من عمرك لكي تفهمه و تحسه. لم أحب بعض نصوص الكتاب. و لكن ما أحببته كان عبقرية أصلان و هو يسرد المواقف العادية و الحوارات التافهة بشكل رائع.
إبراهيم أصلان لا يكتب قصة، إبراهيم أصلان يخلق قصة، ثم يتركها تكتمل بعيدًا عن الورق، في بعدٍ آخر ينفثأ من روحه وروح القارئ، حتى لتبدو كل قصة كالقمر يشجع نفسه على الظهور شيئًا فشيئًا وسط الغيم الكثيف، وما إن يظهر أول شعاع منه حتى يختفي وراء أمواج وأمواج من السرد الشاعري، ثم يظهر أخيرًا كصورة مكتملة، وحالة شعورية فريدة تتغذى من أبسط وأدق تضاعيف السرد مع الاستغناء عن التفاصيل المزدحمة. هنا تطغى الحالة الشعورية على البناء الظاهري فيكون الشعور نفسه هو البنية والمغزى.
في قصة "صمت" على سبيل المثال تتبدى حالة متفردة ومُختصَرة من شعور الاغتراب بحيث تكون هي القصة كلها: "لا بد وأنني غادرت قبل حين، لأنني كنتُ أقف على الحافة وأرى القرص الكبير الأصفر معلقًا في أول الطريق عند الطرف الآخر من الكوبري الحديدي القاتم، ولأن أسفلت الشارع الطويل بدا أكثر نعومة، وتغيّرت آلاف الظلال في أوراق الشجر، ولأنني كنت مبتهجًا، ومجهدًا، ووحيدًا. لقد عبرت نهر الشارع الخالي حتى انتهيت إلى الواجهة الزجاجية المصقولة لأراه أمامي في ثياب الليل بالوجه الغريب الذي أعرفه والعينين الحزينتين، وأدفن المديّة التي بيننا في صدره بألم ويسر، وأمد يدي إلى ما تحت إبطيه أعاونه وأراه في سطحها المعتم المصقول يرفع يديه ليضاهيني ويتهاوى بطيئًا ليريح ظهره، ويمد ساقيه ويضحك ساخرًا فجأة ليموت في ضوء النهار الخفيف الذي يسوق البخار عن وجه النهر، يعلو به الشاطئ، ويعبر به الطريق، ويصعد الرصيف والجدران، ويغرقني بينما أفتح بابًا في شرفة صغيرة وأجلس متدثرًا، وأراه مسجى هناك في ثياب الموت، ونفر من الناس يتحدثون عليه، ولا يصلني الصوت."
وهكذا من بداية المجموعة حتى نهايتها تتبدى التفاصيل الإنسانية وتنعكس على الأشياء في تتابع حركي ووصف زمني بطيء، فيكون كل لفظ لمحة، كحالة الرجل العجوز في قصة "سفر"، كان عجوزًا وحيدًا يقوم بطقوس اعتاد عليها بآلية، ثم سافر إلى قريته بعد غياب طويل، وعندما يجد الأشياء كلها غريبة، ما كان في الشرق صار في الغرب، غربت حياته هو الآخر، ولذلك يصمت ثم "يعبر طريق السفر ويمشي متمهلًا على شاطئ ترعة نحيلة غاض ماؤها أسفل الجسر المنحدر. يبول وهو يتكئ إلى جذع صفصافة مائلة. يصعد رصيف المحطة المهجورة صوب المبنى الحجري الصغير، ويجلس على طرف الدكة الخشبية القديمة. تمر فترة ثم يستلقي على جنبه ويضم ركبتيه إلى صدره، ويكون كلام وهسيس بخار وحقول، وتكون غفوة، وتلوح نجمة ثابتة في أفق غائم تومض وتنطفئ." هكذا مع كل تفصيلة في كل قصة، من السكين المتوارثة التي يبيعها الرجل بجنيه، وحتى قطراتٍ من الليمون، وتظل المجموعة في تصاعد شعري بليغ حتى تنتهي إلى ما نسميه بـ"القصة الشعرية".
وذاك كله في المجمل يجتمع ويمتزج بالمكان حتى تُغمر الروح بشفافية وبساطة تجعل الواحد منّا كما لو كان واحدًا من أبناء المكان نفسه. في هذه الحكايات تتطور رؤية المكان وتأخذ منحًى آخر، المكان ليس خلفية يقام أمامها الحدث، بل إن "فضل الله عثمان" يبدو كبطل من أبطال المجموعة، يُقدّم في لحظات زمنية قصيرة، لكنها بليغة مغروسة في أعماق السرد، مُلتقطة ومختزنة بداخل كل شخصية ثم يُصاغ الكل كشخص واحد. ففي قصة "سفر" نجد الرجل العجوز بعد العصر بقليل ينتهي من ترتيب الكنبة التي ينام عليها، يغسل الأكواب ويلم الجرائد، يجلس على الكنبة، ويرتدي الشراب أولًا ثم القميص المعلق والبدلة الكاملة، قبل خروجه يضغط على زر التليفزيون ويسحب شيش النافذة، ويطفئ نور المكان ويجذب الباب. هذا الوصف التفصيلي يبتعد عن البلاغة المعتادة المحصورة في التشبيهات والمجازات، لكنه يتقدم إلى منطقة أخرى تقارب السرد السينمائي، كأنه لقطات من فيلم صامت.
المشهد القصصي الذي يقدمه إبراهيم أصلان لا يُشعر القارئ أن هناك وسيطًا حتى لو كان لغويًا، كأن اللغة غير موجودة، كأنها مجرد خيط حرير ناعم ليس له أول من آخر، يشد القلب من أعمق شراشيبه ويزرع فيه القصة كما لو كان هو بطلها، يختفي كل شيء، ويظهر الواحد منا كأنه البطل وروح إبراهيم أصلان من فوق، في البعيد، تشاهد بصمت وتبتسم.
- كتبه النحيلة التي لا تتعدى المئة أو المئة وخمسون - أسلوبه السهل جدًا والذي يجعلك تستنكر وتتساءل لماذا لا يحقق المبيعات ولماذا يدعي الكثير بعدمية الفهم لهذا الرجل العجوز صاحب الأعمال قليلة.
أصلان ممكن تشبيهه بمخرج سينمائي واقعي يعتمد على الوصف المادي أو التصويري للمشهد ولا يعبأ ككاتب بوصف دواخل الأشخاص. سيصف لك أي شيء، من حوار بسيط قد تسمعه في حافلة أو في الشارع إلى تفاصيل مزركشة لمنضدة خشبية تقبع في منتصف حجرة قديمة.. ولكنه لن يخبرك أبدًا ماذا يفكر هذا الرجل أو بماذا يشعر ذلك الطفل أو تلك المرأة. سيتركك هكذا تتسأل "ماذا بعد ؟!!".
قد تقرأ بضعة سطور مرارًا وتكرارًا لتفهم المغزى من قصة ذات صفحة واحدة، ولهذا، فأصلان يحتاج إلى نوع معين من القراء.. ورغم شهرته كإسم أدبي (إلى حدٍ ما) إلا أن كتبه ترقد على الأرفف لفترات طويلة، لا تجد من يشتريها.
وإذا فهمته، فأعلم أنك ستعبر على جميع أعماله لأنه يمثل نوع من التحدي والكثير من التفكير، والذي أحياناً قد يلمس جانب من مشاعرك.
حكايات فضل الله عثمان _ واحد وعشرون حكاية_ ترتبط أغلبها بالمكان والكثير من المهمشين الفقراء القابعين هناك كأي بشر في أي مكان.
احذر عزيزي القارئ، فالكادحين يملكون المشاعر، ولكنهم لا يعرفون كيف يصفوا ما بداخلهم في كلماتٍ منمقة.
بص هو كتاب اه وفيه شويه قصص .. قصيره او مواقف بس مش عارفه بيوصلونا لفين ، يعني واحد السرير وقع بيه طب نعمل اي احنا ؟؟ وواحده بتبيع لمون ف مخله .. معرفش هل في جزء تاني هيوضحلنا كل حاجه و لا كدا خلاص فرررركش 😂
حكاوي كدا لا ليها مغزي و لا فيها قصه ولا باينلها اي ملامح
تعجبني قدرة أصلان على تحويل الحكايات العادية جداً والمشاهد التي لا تلفت انتباه الغالبية إلى نصوص فنية حقيقية تسترعي انتباهاً وتأملاً ، كانت لمحات في منتهى الدقة والذكاء لحيوات أنماط مختلفة من الناس كان شارع فضل الله عثمان خلفيةً لها ، ورغم إدراكي أن الكتابة لا يجب أن تكون سهلة ومتاحة المعاني حيث ليس في هذا فنٌ بقدر ما فيه من ابتذال ، إلى أنني لن أنكر ارتباكي تجاه بعض القصص الأخيرة ، أعجبتني المجموعة بشكل عام ، وأخص منها بالذكر "مدخل" و"مشهد جانبي" حيث كاد يقتلني آخرها ضحكاً رغم إدراكي أن ليس هذا هو المقصود منه ، أيضاً تأثرت ب "مشوار" جداً ، الكتاب جميل ، وعم إبراهيم رحمه الله قصاص فذ ولا ريب .
شوفت فيها الام الي بتصحا من نومها مخصوص بدري علشان تجيب فطار لابنها والطريقة الي بيصحي بيها الاطفال امهاتهم وصفه لطريقة الولد وهو بيصحي مامته اسلوب جميل في السرد مازال ابراهيم اصلان الكاتب الذي اعشقه دون ان اراه رحمة الله عليه
- بهذه الكلمات يختتم أصلان حكايات من فضل الله عثمان، وأنا - أيضًا - أختتم قراءة أعماله بهذه الكلمات، انقضت جميع أعماله هذا العام فكان لأصلان النصيب الأكبر من القراءة والحب.
- للمرة الأولي أتتبع كاتب حتي أنتهي منه انتهاءًا كاملًا فألتهم أدبه الدسِم وقصصه رائعة الوصف التهامًا أصابني أحيانًا لدرجة التُخمة؛ بل إني سعيت لقراءة كل الكتب التي أشار إليها في كتبه ومقالاته، ولما كنت بقف عند قصة معينة وأحس بالتشتت وتطاير المعاني كنت بعيد قراءتها مرة واثنين وثلاثة؛ فبنود الثقة التي عقدها أصلان معي تقول لي أن - دائمًا - هناك معني من التشظي والرذاذ المتبعثر في كل مكان.
- أصلان لا يختلف عن أبناء جيله فهو مغرم بالمنشأ " إمبابة " كما أنه مغرم بناسه البسطاء المتراوحين بين أبناء المدينة نفسهم والفلاحين والصعايدة النازحين من القري وبعض الأجانب اللي استوطنوا في إمبابة واتخذوها بيتًا.
- ومع كل قصة ورواية كان أصلان يشرح نفسه سواء في صورة البطل/ الراوي / المتحدث/ أو حتي في الشطاحات الخيالية التي يصعب معها معرفة الراوي من المتحدث.
- في الكتابة كما في الحياة يجب علي المرء ألا يغترب عن نفسه ولا عن ناسه وماضيه، وأصلان استطاع وبكل سهولة أن يكون نفسه والآخرين معًا فلم يذهب أبعد من ذلك؛ بل كل مرة كان يقترب أكثر فأكثر حَد أننا نغرق في تحليل شخصياته وتوصيف مغزاه.
- وانقضي ما انقضي يا أصلان؛ لكنك وبكل تأكيد ستظل دومًا باقيًا في البال، ودومًا سأتي لزيارتك لا كقارئة مكتشفة بل كصديقة مشتاقة للأصالة والبساطة والحدوتة الحلوة:)