من أين ينبع الضمير؟ وإلى أي مدى يمكننا الوثوق في أحكامه؟
في هذه المقدمة القصيرة جدًّا، يتأمل بول ستروم جذور الضمير الضاربة في عمق التاريخ، ويستكشف ما عناه الضمير بالنسبة للأجيال المتعاقبة، ملقيًا الضوء على أسباب استحقاق هذا المفهوم الأوروبي لمكانته المرموقة باعتباره «أحد الإسهامات الغربية الباعثة على الفخر في مجال حقوق الإنسان وكرامته في كل مكان في العالم».
بول ستروم: أستاذ العلوم الإنسانية بجامعة كولومبيا، وعمل في السابق أستاذًا للغة الإنجليزية وآدابها في العصور الوسطى بجامعة أكسفورد. من مؤلفاته: «شوسر ومجتمعه المعاصر» و«النظرية ونص ما قبل الحداثة».
١٩ من فبراير سنة ٢٠١٨ بِسمـ الله الرَّحمن الرَّحيم ــــــــــــــــــــــــــــ في مُقدّمة قصيرة جدا عن الضمير جمع الكاتب وبحث وكتب وتفكر في ماهيّة هذا الضمير وحضورِه في وجودنا الإنساني، وبعد مقدمة العمل التي شرح فيها وسيلته لشرح مفهوم الضمير من خلال اعتباره "يحيا في الزمن" وأنه "منقبة من صُنعِ البشر تحمل تاريخا زاخرا بالأحداث" وشرح خلالها أيضا الجغرافيا الثقافية للضمير -الدول الراعية له ومحددة لمفاهيمه-، يبدأ الكاتب في سرد لما يُشبه تأريخا لنشأة مفهوم الضمير وخصّ ذلك في الديانة المسيحية ثم في اللغات العالمية ومنها الإنجليزية والعربية واللَّاتينية وكيف كان الضمير في بدايته "الرّأي العام أو ما اتفق عليه المجتمع فإن الذين كانوا على خِلَاف مع الرأيِ العام أو الاتفاق الجمعي يجدون أنفسهم عُرضة لتأنيب الضمير واتهاماته" وجعل في أثناء ذلك يأتي بأمثلة على ألسنة الرُهبان وقساوسة الدين المسيحي وملوكهم أو أي مسيحي شُغِلَ بمسألة الضمير. أما في الفصل الثاني فيشرح علمانية الضمير وفصل الضمير عن الكنيسة حين "أدى تفكك الروابط بين الشعائر الدينية والضمير الفردي إلى إيجاد وضع ملائم لظهور ضمير أكثر دُنيوية" ورغم أن الضمير قد صار في هذه المرحلة عالميا إلا أنه أثبت كونه "ليس شيئا واحدا بالنسبة لجميع الأطراف ولا يمكن أن يكون كذلك" وكذلك فسّر كيف يقود الضمير لإقامة محكمة في نفسك ومدى صعوبة هذا الأمر وتأثيره.. ثم يأتي الفصل الثالث بنبذة أدبية ثم فلسفية ثم نفسية عن الضمير؛ أما الأدبية فيمثلها دوستويفسكي وروايته الجريمة والعقاب كمثال والفلسفية يتأملها نيتشة وكتابه ما الذي يجعلني أكتب تلك الكتب الممتازة؟ والنفسية يُشعرنا بها فرويد ونظريته عن الأنا والهو والأنا العُليا وقد أطلق عليهم الكاتب نقّاد الضمير وربط بين جهودهم قدر المستطاع، وطرحِهم لمجموعة مشتركة من المشكلات مثل: "ماذا لو كان الضمير يمثل عبئا اخترعناه وفرضناه على أنفسنا بلا داع؟" وفي الفصل الرابع يجعلنا نتساءل إذا ما كان الضمير حقا مدنيا حقا لنا وعلينا كذلك، وأخيرا يختتم بالفصل الأخير حيث شعرت أنه قد هدهدني من البداية فقط ليفجر قنبلته في وجهي في الفصل الأخير! لقد سأل السؤال الأكثر إلحاحا هل ما زال صوت الضمير مسموعا؟ وقبل أن تجيبوا فتشوا حولكم جيدا أو فلنقل: فتشوا داخلكم! فتشوا في سجون تقام أمام أعينكم مثل سجن أبي غريب والانتهاكات التي تحدث وحدثت وستظل تحدث بلَا رقابة أو الأسوأ برقابة هؤلاء الذين شُلّ ضميرهم العاجز، وليس في السجون فقط بل ما حولنا كثير.. الكتاب جيد جدا به الكثير مما يدفعني أن أنصحكم بقراءته فلغته يسيرة بليغة ونظامه جيد كذلك ولعل أكثر ما أعجبني أنه اتخذ الأدب مصدرا على مدى بحوثه في الكتاب باعتبار الأدب تاريخا للإنسانية ومشاعرها وطرحا متنوعا لمشكلاتها المؤرقة كالضمير، ولكن هناك أيضا بعض ما عِبته على الكاتب فقد حصر مفهوم الضمير في اللغة العربية رغم أن معانيها تمتد لأوسع مما ذكر بكثير، وأيضا اقتصاره على الدين المسيحي في شرحه مثالا دون أن ينوّه للسبب وعرضه لمثال وحيد في الفصل الخامس على انتهاك الضمير مما قد يدعو لاتهامه بالتحيُّز.. ولكن لعل ذلك كان مستطاعه فالكتاب أولا وأخيرا "مقدمة قصيرة جدا عن الضمير". ـــــــــــــــــــــــــــــ كِتـاب/ الضَّـمير الكَاتب/ بول ستروم ترجمة/ سهى الشامي عدد الصفحات/ ١٢٧ دار النشر/ مؤسسة هنداوي التقييم/ **** (٤ من ٥) ــــــــــــــــــــــــــــــ