تعتبر المعتقلات الجماعية إحدى الوسائل القمعيّة في برنامج الإرهاب الفاشيستي الذي استهدف إنهاء المقاومة .في الجبل الأخضر بأية وسيلة دون اعتبار لأية مبادئ إنسانية، أو مثل حضارية، أو اعتبارات قانوينة
فمتى وأين أقيمت تلك المعتقلات؟ ومن اعتقل فيها؟ وما نظامها؟ وما هي طبيعة الحياة فيها؟ وكيف كانت ردود الفعل إزاءها؟ وهل حققت الهدف من إقامتها وانتهت.. أم استغلت لتحقيق أهداف أخرى؟. والأهم من هذا وذاك، ما هي الأضرار التي لحقت بالمعتقلين فيها، وببقية المواطنين وبالبلاد ككل؟ هذه الأسئلة وأخرى كثيرة غيرها، حاول الإجابة عنها الأستاذ يوسف سالم البرغثي، مستندًا على مجموعة من المصادر والمراجع، جمعت بين الرواية الشفوية، والأدب الشعبي، والمقابلة الشخصية، والزيارة الميدانية، والصورة الفوتوغرافية، وجملة من .الوثائق العربية والإيطالية، دون إغفال لبعض الدراسات الجادة ذات العلاقة بهذا الموضوع
الكتاب في الأصل رسالة ماجستير للمؤلف: يوسف سالم البرغثي، قام بمراجعتها الدكتور حسن السوري، وأصدرت الطبعة الأولى منه عام 1985 (وحملت الرقم 5 ضمن سلسلة دراسات تاريخية نشرها مركز دراسة جهاد الليبين ضد الغزو الإيطالي - جامعة الفاتح (طرابلس
قسم الكتاب إلى خمسة فصول، تناول الفصل الأول منها الحالة السياسية والعسكرية بالجبل الأخضر خلال المدة 1922 - 1930 م ، وتحدث الفصل الثاني عن الجذور التاريخية لتطبيق فكرة المعتقلات الفاشيستية بليبيا، وجاء لبّ الكتاب في الفصل الثالث الذي عنون بالمعتقلات الجماعية للإبادة وكيفية الحياة بداخلها، أما الفصل الرابع فقد تناول المعتقلات بعد سنة 1932 وحتى بوادر الحرب العالمية الثانية، وخصص الفصل الخامس والأخير للأصداء .العالمية للمعتقلات الجماعية بليبيا
استند الكاتب على عدد من الوثائق والمخطوطات والكتب العربية والأجنبية والمجلات والبحوث، واعتمد بشكل كبير على الرواية الشفوية لأكثر من سبعين .شخصًا عاش أو سمع ممن عاش بين أسوار تلك المعتقلات
أما عن رأيي في الكتاب، فرغم إلمامي بشكل جيد عن ما عانه أجدادنا في تلك المعتقلات اللإنسانية من قراءات سابقة، ومن أحاديث أقاربي، إلا أنّ الكتاب أغرق عينيّ بالدموع في كثير من صفحاته، وذلك بسرد تفاصيل الحياة اليومية في المعتقلات، بل قبل ذلك بذكر المعاناة التي عاشها المهجرون من الجبل الأخضر أثناء الرحلة إلى أماكن الاعتقال جنوب بنغازي، وقد قطعوا تلك المسافات البعيدة سيرًا على الأقدام، وتأثرت كثيرًا لما لقيه أولئك التعساء ليس فقط على أيدي الطليان، بل من بعض أبناء جلدتهم ممن عيّنهم الطليان "شيوخ أشواط" أي رؤساء صفوف الخيام، ولم أمتلك إلا الدموع عند قراءة البيت : حتى اللي ماو لابس كاكي ... هابه فينا ياما دار
وليس جزء المعتقلات الأليم فقط الذي استثار شجوني، بل كثير مما ورد في الفصل الأول وفي غيره عن المجاهدين وتضحياتهم، ومما أسبل دموعي قول عمر المختار عن رفيقه الشهيد حسين الجويفي البرعصي: سوته عليك الغوط ... يا نيسة اللي استاحشن
وقد توقفت كثيرًا عند بعض المعلومات التاريخية الواردة في الكتاب، مثل ما ذكر عن اتفاقية الرجمة "حيث قبل إدريس السنوسي مبدأ حلّ الأدوار ونزع سلاح المجاهدين، وتم الاعتراف ولأول مرة بالسيادة الإيطالية على ليبيا وبشرعية احتلال برقة" وكذلك تهادن كثير من مشائخ القبائل مع الطليان وقد استمالوهم بالأموال وغيرها
أما ما أزعجني في الكتاب فسقوط معظم همزات القطع، والأخطاء المطبعية العديدة، وكذلك عدم وجود كثير من الصور والأشكال المشار إليها من المؤلف، .وذكر بعض المعلومات دون مرجع، وأرجو أن تكون هذه السقطات قد عدلت في الطبعة الثانية
بصفة عامة، أضاف لي هذا الكتاب جزءً كبيرًا كان ينقصني من تاريخ بلدي الحبيب - أصلح الله حاله - وأثار عندي تساؤلات عديدة سأسعى جاهدة .للبحث عن أجوبتها إن شاء الله