ربَّما تقُلنَ إنَّكنَّ طلَبتُنَّ منِّي الحديث عن النِّساء والرواية، فما علاقة هذا بغرفة خاصَّة بالمرأة؟ سأحاول أن أشرحَ. عندما سألتُنَّني الحديث عن النِّساء والرواية، جلستُ إلى ضفَّة نهر وبدأت أتأمَّلُ معاني هاتين الكلمتين: (المرأة، الرِّواية)، وفكَّرتُ في أنَّهما ربَّما كانتا تعنيان ببساطة بضعَ ملاحظاتٍ عن فاني بيرني، وبضعَ ملاحظاتٍ أخرى عن جين أوستن، وشهادةَ تقدير للأخوات برونتي، ورسماً لهاورث بارسونيج مغطّىً بالثلج؛ أو ربَّما كانتا تعنيان طُرفةً، في حال كان الأمر ممكناً، عن الآنسة ميتفورد، أو تلميحاً يتَّسم بالاحترام لـجورج إليوت، أو إشارةً إلى السيِّدة غاسكيل! وأكتفي بذلك. ولكن، عند النظرة الثانية لم تعُد هاتان الكلمتان تبدوان على قدر البساطة ذاته؛ فالعنوان «المرأة والرّواية» قد يعني، وربَّما أردتُنَّ منه أن يعني ذلك، النساءَ وهيئتهنَّ، أو قد يعني النساءَ ونوعَ الرّواية التي يكتبنَ، أو قد يعني النساءَ وما يُكتَب عنهنَّ من روايات، أو قد يعني، على نحو ما، أنَّ هذه الاحتمالات الثلاثة اندمجت كلّها بحيثُ يصعب فصلها عن بعضها، وأنَّكنَّ تُردنَ أن أفكِّرَ في الموضوع ضمن هذا المنحى. ولكن، عندما بدأتُ دراسة الموضوع على هذا النحو الأخير، والذي بدا أكثر الحالات إثارة للاهتمام، أدركتُ حالاً أنَّ له عائقاً قاتلاً، وهو أنَّني لن أستطيعَ الوصول إلى خاتمة.
تبدأ الكاتبة في الفصل الأول بتسؤال لماذا قدم لها النبيذ وغداء فاخر في جامعة الذكور مقابل عشاء الماء والخوخ في جامعة الإناث. وانتقلت من هذا التساؤل البسيط للفقر وعلاقته بالمرأة والرواية. كان جدًا مثير للإهتمام هذه القراءة لتأثير الحركة النسوية على كتابات المرأة - والرجل أيضًا - في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. نوعًا ما حسيت بالحزن لأن حال المرأة النسوية الانجليزية في عام ١٩٢٨ ما يختلف جدًا عن حال العربية النسوية في هذا الوقت. ما قدرت أمنع نفسي من مقارنتهم وأحس أن الفرق الأوضح هو أن خلاف المرأة العربية، المرأة الإنجليزية لما بدأت بالحركة النسوية ما كانت تعرف كيف بيكون شكل العالم بعدها لذا تعبير فرجينيا بأنه "سيكون أمرًا مثيرًا للأسف بعد هذا إن كتبت النساء مثل الرجال، أو عشن حياتهم، أو ظهرن بمظهرهم..." غير مستغرب لأنها حالة تخوف طبيعية من شخص يشجع على الجمال في الاختلاف. بينما بالنسبة لنا هذه الفكرة تعتبر من الأغلب فكرة تقليدية لأن نقدر نشوف انه التنوع البشري ما زال موجود في المجتمعات اللي تخطتنا في مجال المساواة ولكن بصورة مختلفة عن المعتاد فمجتمعنا.
أزمة المرأة والكتابة في بريطانيا عبر العصور، ليست سوى أزمة المرأة العربية والكتابة والحياة في هذا الوقت من الزمان. كتاب نقدي ممتاز، لم يقدم نقدًا فقط لنصوص التي كتبت نقدًا عن توجه المرأة للكتابة وإنما عن كيف تأثير السلطة الذكورية على إبداع المرأة الأدبي، حيث أن مناخ الكتابة المتوفر لدى الرجل أفضل بكثير من المتوفر لدى المرأة.
. "المرأة و الرواية" هذا هو هيكل الكتاب، الذي اسقطت حوله فرجينيا تداعيات أفكارها، لتبني غرفة تخص الكتابة، بُنيت هذه الغرفة فوق آثار القرون الغابرة حيث سادت المجتمعات الذكورية، فلم تتمكن المرأة من ترك أي أثر لها في ساحة الأدب. . لاحقاً خاضت المرأة ميدان الكتابة بكل حذر مراعية مفهوم العفة السائد، "المجد المضيء في حياة المرأة هو ألا يتحدث عنها أحد" بيركلس، فما أبغض شهرة النساء ! . نرى البعض منهن قد سممته جرثومة الآراء الذكورية، المؤيدة لخضوع المرأة للرجل وخدمته كأساس وجودها، فما كانت تتجرأ على التعبير عن آرائها الا بحدود تُرضي الذكور في الميدان، و كأنها ترتكب معصية، وأخريات تلوثت اذهانهن و ذائقتهن باحاسيس الغضب و السخط، وبالتالي تحجرت أعمالهن بالعدوانية؛ انفعالات النسوية المتطرفة. و اخريات اكتفين بعدم النشر. . الآن وُضعت نوافذ الغرفة، كرمز على تحرر المرأة و خروجها لحيز الوجود، خوضها ميدان العمل حررها من خضوعها المادي للرجل، كما ان البعض فرضت عليه الظروف ليعمل، فسقوط الرجل في العائلة يعني تحملها مسؤولية الإعالة، هي الآن تكسب عيشها بقلمها. . "ان افضل النساء هن اللاتي عقولهن الأكثر تهذيباً"، . بدخول النور لهذه الغرفة، وعت النساء انهن عليهن الكتابة لا استرضاءاً، و لا لشن هجمات عدوانية، بل عليهن ادارة ظهورهن لهذه الأصوات و المشاعر السامة، الكفيلة بتشويه مبادئهم و كينونتهم. . عقد السلام مع الجنس الآخر، فهو الشريك، و القوة التي وجدت مع قوتها في الطبيعة، و لن يصلا للراحة الا بتناغم القوتين معاً في تعاون روحي. لتتحرر ارواحهن و يستسلمن للطاقة الابداعية في الكتابة، يلقين بحسهم المرهف على التفاصيل وبذلك يظهرن أجزاء الحقيقة المطمورة، فتكتب المرأة كامرأة.