كتاب رائع يتحدث عن التناقض في الهوية ومحاولة البحث عن الذات والتداخلات التي توجد في الهويات المختلفة والت تفرق كل هوية من الاخرى. محاولة في تحديد ما هي الاشياء التي تعمل علي تحديد الهوية والتي تعمل علي تحدد الفرق بين الهويات. يتحدث بتفاصيل دقيقة عن اشياء تغيب عن اكثر الكتاب بدون ملل. كما له المقدرة على التحدث بلسان الاشياء ويوجد لها روح وعقل للحديث الجاد والهزل. لقد استنطق الاشياء المحيطة بنا ونحن لا نلتفت اليها عبر مرورنا اليومي بها. لو شهدت علينا هذه الاشياء وتحدثت لقالت من الاسرار ما يعجز بن الانسان من تحملها او التعامل معها كتاب رائع
فكرة الرواية جميلة جدا ان يكون البطل حذاء وان ترى العالم من تحت والجميع فوقك ان تتساءل احيانا ان كان ذلك حذاء فعلا ام انسان شاءت به الاقدار والظروف ان يوطى ويتألم ويتنقل ربما استحقت اكثر من ٣ نجوم لولا تكرار بعض الافكار والمشاعر خلال الرواية لكنها تجربة جميلة استمتعت بها وتمنيت ان اشاهدها كفيلم كرتوني من انتاج دزني وهوليوود فقد اسطاع كرم الله ان يسبغ الجماد روح ومشاعر سيكون لي لقاء اخر مع عبدالغني كرم الله ان شاءالله
ومن أنا كي أقول حرفاً في معية عبدالغني كريم؟ الذ يحثنا بالسؤال متى نستغني عن عيننا الشحمية؟ متى نتواضع ونرأف بالوجود نحن بعيدون عن منابع الجمال .. وربما نغرق في الجمال لكننا قاصرون عن إدراكه
نهيم على وجه البسيطة تائهون عن الهدف ونستحق كل مافي طريقنا من ورود ونبيد ممالك من النمل
ندوس على أي شيء، لكن ضميرنا يتبرأ من تلك الجرائم، فالفاعل هو حذاء قديم
أنا زوج حذاء رجالي، مقاس 42، مشكلتي بدأت مساء الأحد الموافق الأول من أبريل 1987 أي قبل ثلاثة أعوام، كنت قبل هذا التاريخ، ممتلئ الوجنات، ولين البطن والظهر، وتمشط شعري سيور جميلة، وأقطن فترينة هادئة، في شارع الجمهورية، يحرسني زجاج قوي مصقول من فضول بني آدم وتوقهم لاسترقاقي، ولمس جسمي الناعم. لا يعكر صفوي، في هذا السجن الزجاجي، سوى ضوء كاشف قوي مسلط نحو وجهي، وورقة سميكة كُتب عليها أنني حديث الوصول إلى هذه الفترينة، إلى هذه الزنزانة، وبحرف أسود عريض خط سعري، 210 ألف جنيه سوداني، سوق نخاسة، في قلب المدينة، لم يرض السعر غروري، لكنه لا يسمح لأصحاب الأرجل الخشنة المتسخة من شرائي، وامتطائي في أعمالهم الشاقة وسعيهم اليومي، الشاق، في سبيل القوت، واستغراقهم أثناء سيرهم في مشاكلهم وكبد العيش، مما يعرضني للانغمار حتى سيوري في البرك والاصطدام بالحصى والبعر وعلب الصلصة، فتلكم الأقدام الكريهة الرائحة لا تقطن إلا هذه الأحياء ذات الأزقة الضيقة المتسخة بالوحل والطلاق والمشاجرات، والحفر، تخلو من التعبيد والتخطيط، لا محال ستنتهك حقي الطبيعي في الأمن والسلامة والحياة. كل هذا، وأكثر، ناهيك عن الرطوبة التي ستتغلغل في عظامي بفضل عرق أرجلهم المتشققة والتي تحشر بداخلي بلا رحمة أو جوارب، مما يعرضني للترهل والشيخوخة المبكرة، ولن تفلح معها كل محاولات أطباء التجميل، من ماسحي الأحذية في صبغ تجاعيدي، وإبراز مواطن فتنتي، وتزييني لمواعيد غرامية، مع أرجل تمتطي زوج أحذية نسائية، طويلة وضامرة الذيل، وكعب عال، له وقع خاص على الإسفلت يثيرني، كما يثير الأرجل التي تمتطيني. طافوا حولي، أكثر من خمس مرات، نمور وفريسة مسالمة، فيهم الأسمر، والأسود، والقمحي، والقبطي والمسلم، والوثني، تعجبت لحاجتهم لي، تفرق سبلهم، لكن ألم شوكة، يغشي بني آدم أجمعين، كي أحميهم منه، ما أقرب صفاتهم الفطرية، ما أبعد تصوراتهم. لأول مرة أرى مرارة الحزن في عيونهم، بين رغبة في امتطائي، وخلو جيوبهم من سعري الغالي، شعرت بأن بعض قلوب الأمنيات، تناش بسهام الفقر، والعجز، لو جرى روح المسيح في عروقي، لقلت لهم (خذوا دمي خمرا، وجسمي لحما، وظهري دابة)، ولكن ! حتى هذا الاستسلام، وتضحيته حرمت منه، فكيف تصل أيديهم إلي، وأنا أسير قلعة زجاجية، ملك رجل أعمال في مدينة الخرطوم، لا أعرفه، ولم أره من قبل، يقال له رجل أعمال، مالك مصنع المنتجات الجلدية، فأي بؤس هذا، ألا ترى عدوك، بل لا تعرف سماته وملامحه، فكيف أنال منه ؟ وقد لا أراه حياتي كلها، بل قد أراه ولا أعرفه. أحدق في سيوري الجميلة، كي أشغل نفسي، عن الحال والمآل، سيور متينة، ملونة، حسبتها شعرا جميلا، مرسلا، أتبختر به في الطرقات والمناسبات، لم أتخيل أبدا، أنها ستكون حبال شدي، كالوتد لقدم بني آدم، حتى أنت يا سيوري ؟ تشدي وثاقي نحو ألد أعدائي، قدم بني آدم. لا أقدر على فتح عيوني على سعتها، نور الكاشفة يجهر عيناي، زحمة حولي، الحبس الزجاجي، جعلني لا أسمع، ولا أشم، ولا أتذوق، ولا أحس، فقط أبصر، فالضوء رغم هوانه، يجتاز قفصي الزجاجي بسهولة فطرية، لص ماهر، لا أثر لثقب في الزجاج، كيف دخل لي ؟ بينما توقفت الروائح والأصوات عاجزة عن اقتحام قلعتي، تلف كالجرو حولها، حرمت من الشم، والسمع، اكتفيت بحاسة وحيدة لتمثل ما يجري حولي، هي حاسة بصري العزيز، فارس أعزل، يتحسس حالي، ومآلي، شعرت بأن ألف حاسة لا تكفيني، كما يبدو لي من سعة ما أرى، فأنى لي معرفة نفسي ؟ وقدراتي، وعدوي، بهذه الحاسة اليتيمة ؟ خمس حواس لم تحرس بني آدم، فهو لا يرى وجه ملاك الموت الذي سيستل روحه، ولا الجراثيم التي تفتك به، كما لا يرى الطلقة التي تسرع نحوه رغم أنها أكبر من ثمرة البلح، ولا يملك القدرة على الفرار منها، حتى تغرس في صدره وترديه صريعا، خمس حراس ضعاف على بوابة قلعته، يؤخذ كل حين ومع هذا يحن للخلود، وينشده، ويحلم بقضم عشبة جلجامش، والفرار من الموت، لا أدري لم اختارت حواسه هذا الهوان، عن حفظ ذاتها، ديدبان أعمى يجلس على مدخل مملكته، عين وأذن، وأنف وجلد، ولسان، وأنا في حبسي هذا أتوكأ على عصى وحيدة هي بصري.
الآلام إن جاز الوصف والتصور ليست إلا وسيلة لإدراك أجل و أعمق، تجلي واضح لأسئلة من صميم الحدس. إذا غضضنا الطرف عن أخطاء الطباعة المؤلمة، فبتناغم سردي لطيف تتفجّر أسئلة بدهية بطلها حذاء.. يستدرجك لإجابات تنبع من صميم ولادتك الأولى، بما يولدُ استمتاع و دهشة تامين بالآم الحذاء، الذي يُنبه لغفلة المرء للأسئلة البسيطة، والتي -حسب رأيي- ساعد في توليدها، من الباب الأول، النزعة الصوفية للكاتب، إن صحت معلوماتي، أو كما هو واضح.
وتثبيتاً... نجد الحذاء يجرك للبحث عن الجوهر الوجودي، قيمتك التي غفلت عنها، ما فيك من لا إنسانية... و نسيانك للغاية التي من أجلها - يقول الحذاء - خُلقت يا ابن آدم.
مُذكرات حذاء رجالي , يحكي عن طفولته منذُ ان كان جلد بقرة أنقسنا و حتى صار بفِعل إبن آدم حِذاءاً جلدي بني اللون يُعرض على فترينة بشارع الجمهورية في إنتظار قدره المجهول .. إسلوب الكَاتِب فلسفي و رمزي و مُعتم في بعض الأجزاء و تتعجب عندما تكتشف أن ما حدث لهذا الحذاء يحدُث لنا كبشر ( الإستهلاك المُبالغ فيه للحذاء و الإساءة التي تعرض لها جعلته يقترب من ذاته أكثر و يعرف نفسه اكثر ، و لَمَّا توقف جابر عن إرتداءه حِزِنَ الحذاء و تمنى لو يتم إرتداءه مرة أخرى حتى لو روحه طلعت لأنه ببساطة لا يدرك له نفعاً غير أن يكون تحت أقدام بني آدم ) ..
هي رواية رمزية في المقام الأول حيث أن بطل الرواية هو حذاء رجالي مقاس 42 عاش كإنسان في حياته اليومية له احساس و شعور و عقل و سمع و بصر و روح، يحس و يشعر و يتألم كالإنسان تماماً، هي قصة تبدأ من الميلاد و تنتهي بالذبول مروراً بكل مراحل الحياة و تقلباتها. يحكي الحذاء منذ نشأته و طفولته منذ أن كان بقرة أنقسنا و كيف تحول إلى حذاء بعد قتل البقرة و صبغ جلدها حتى تحول إلى حذاء يعرض في فترينة بشارع الجمهورية، و بعدها حياته في أرجل البشر و الخفايا التي يراها من تجواله. يتحدث الكاتب بصورة رمزي�� و فلسفية عن الانسان و سعيه إلى الحرية و معاناته اليومية و العوائق التي تواجهه و تقف دون تحقيق أحلامه. و التفرقة العنصرية الموجودة في الحياة و ذلك من خلال تحول نفس جلد البقرة إلى حذاء أو كرة قدم أو شنطة أو كتينة لساعة فاخرة و كيفية المعاملة لكل منهم في حين أن الاصل هو واحد. اللغة و إسلوب السرد غاية في الجمال و الرمزية و الفكر الفلسفي في كيفية تجسيد الحياة كاملة عن طريق الحذاء.