استخدم الدين- فى عصور التاريخ المختلفة - لتبرير العدوان على الشعوب واغتصاب أوطانها- فعلها الصليبيون على أرض فلسطين فى العصور الوسطى، وها هم الصهاينة يفعلونها على الأرض ذاتها فى القرن العشرين . بيد أن استخدام الدين فى العصور الوسطى لخدمة الأغراض السياسية يتجسد فى أوضح صورة فى الحركة الصليبية وذلك إلى حد نسج أيديولوجية تدعى الانتساب إلى الدين، على حين أن هذه الأيديولوجية فى حقيقة أمرها تناقض الاتجاهات الأصلية الأساسية فى هذا الدين. وقد تجلى الإفلاس الأيديولوجى فى حملة الأمراء . هذه الدراسة تحاول رصد تطورات الخلفية الأيديولوجية للحركة الصليبية خلال أحداث الحملة الأولى ومزودة بملاحق تضيف ثراءًا إلى ثرائها
دكتوراه فى الفلسفة من قسم التاريخ ، رئيس قسم التاريخ بآداب الزقازيق. عضو اللجنة الدائمة لترقيات الأساتذة والأساتذة المساعدين .
له العديد من المؤلفات منها: أهل الذمة فى مصر الوسطى، القاهرة. النيل والمجتمع المصرى فى عصر سلاطين المماليك، القاهرة. الرواية التاريخية فى الأدب العربى الحديثن القاهرة. رؤية إسرائيلية للحروب الصليبية، القاهرة. اليهود فى مصر منذ الفتح العربى حتى الغزو العثمانى ، القاهرة. بين الأدب والتاريخ، القاهرة. التاريخ الوسيط : قصة حضارة البداية والنهاية ( جزءان )، القاهرة. التنظيم البحرى الإسلامى شرق المتوسط ، بيـــــروت. جمهورية الخوف صورة للعراق تحت حكم صدام من الداخل، القاهـرة. بين التاريخ والفلولكلور، الـقاهــرة. حضارة أوروبا العصور الوسطى ( مترجم )، القاهرة. الأيوبيون والمماليك ( مشترك ) ، القاهرة. عصر سلاطين المماليك " التاريخ السياسى والاجتماعى، القاهرة. تأثير العرب على أوربا العصور الوسطى ( مترجم ).
الجوائـز والأوسمة : جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة. شهادة تقدير للتميز فى الإنتاج الأدبى من جمعية الآداب من مصر. وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى من مصر. جائزة الدولة للتفوق فى العلوم الإجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة.
رحمة الله عليك يا دكتور قاسم فهو من أبرز الأقلام التي حببتني في علم التاريخ، وذلك عبر أسلوبه البسيط وطرحة للأفكار بشكل سهل ومنظم، يجعل الكتاب أكثر سهولة واستيعاب مهما كان الموضوع.
هذا الكتاب بالإضافة إلى كتابه الآخر وهو "ماهية الحروب الصليبية" تمهيد رائع جدا لمن أراد الوقوف على أسباب الحروب الصليبية، وظروف الشرق والغرب وقتها، والحالة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية لأوروبا وبالتحديد غرب أوروبا، وظروف كل شريحة توجهت إلى الشرق في حملاتها المتعددة، مثل الكنيسة، والإقطاعيين، والطبقات المتدنية، وما هي الدوافع لكل شريحة التي جعلته يقطع كل هذه الأميال.
هذا الكتاب من الكتب المُختَلِفة موضوعًا وعمقًا عن الحروب الصليبية ، أنت هنا ستقرأ مع دكتور قاسم عبده قاسم الحروب الصليبية وفق الأيديولوجيا التي شكَّلتها ووجهت مسارها نحو المشرق الإسلامي، لتكتشف أن خطبة البابا أربان الثاني هي صدى لأيديولوجيا عدائية بدأت بذورها مع أغسطين وكلامه عن الحرب العادلة ، مرورًا بجريجوري السابع الذي كان أكثر البابوات ميلًا للحرب ، وكان على حد تعبير الدكتور قاسم هو المبتكر الحقيقي لفكرة الحرب المقدسة في العصور الوسطى ، حتى جاء أربان الثاني وقام بصياغة هذه الأيديولوجيا في كليرمون سنة 1095.
سيتكلم الدكتور قاسم عن ثلاثة روافد شكّلت هذه الأيديولوجيا الصليبية وهم [ رافد الحج المسيحي] و[الرافد الجرماني] و [ الرافد الإسلامي] ، فمثلًا طابع الحج المسيحي الذي بدأ يتغير منذ القرن السابع هو الذي سار بالحج نحو الحروب الصليبية ، فقد اعتبرته الكنيسة في ذلك الوقت إجراءً تكفيريًا ، ومن هنا كانت الحملة الصليبية الأولى في نظر معاصريها -كما يقول المؤلف- حجًا ولكنه حج غير مسلح .
أما الرافد الجرماني هو الذي بث صفات البطولة والعسكرية في الروح المسيحية ، وانظر في الكتاب إلى تحليل الدكتور الأكثر من رائع لكيفية تحول التراث الجرماني إلى تراث مسيحي ، وكيف تمت الصياغة المسيحية للقيم والمثل الجرمانية ، أما الرافد الإسلامي فيبحث عنه الدكتور قاسم في طيات الصراع بين المسلمين والمسيحيين في الأندلس، فهو يرى أن هذا الصراع هو الذي بلوَر الفكرة اللاتينية عن الحرب المقدسة، ورغم عدم وجود دليل حقيقي عند الدكتور قاسم على فكرة تأثر مفهوم الحرب المقدسة بمفهوم الجهاد الإسلامي إلا أنه يؤكد عليه ، وعلى كل حال كانت هناك نقطة في غاية الأهمية لو ذكرها الدكتور قاسم لأثرى هذا الرافد ، وهي نقطة صورة الإسلام في الكتابات الكنسية في القرون الوسطى وأثرها في تكوين هذه الأيديولوجية ، ولعل كتاب "ريتشارد سوذرن " حول هذا الأمر والذي سبق وتكلمنا عنه يضيف كثيرًا إلى هذا الرافد .
ومع كل ما سبق لا يُقدم الدكتور قاسم هذه الأيديولوجية كسبب أوحد للحروب الصليبية ، وهذا هو الفارق بين المؤرخ المخضرم كالدكتور قاسم والمؤرخ الهاوي ، فهو يقول أنها كانت حركة دينية بقدر ما هى حركة سياسية ، وحركة اجتماعية اقتصادية بقدر ما هي حركة فكرية سياسية ، ثم في شيء من البراعة الحقيقية يرسم الدكتور قاسم صورة دقيقة للقوي الاجتماعية الفاعلة في المجتمع الأوروبي عشية الحروب الصليبية وهم " النبلاء " و " الكنيسة" و " الفلاحين" ، ودورهم جميعًا في صياغة هذه الحرب ، وفي فهم دقيق يوضح اختلاف أهداف كل من القوى الاجتماعية التي ساهمت في هذه الحرب.
وثمة نقطة مهمة يشير إلها الدكتور قاسم حول العامل الديني ، هو أن هذا العامل كان حاضرًا وبقوة في الموقف الشعبي من الحملة ؛ لأن هؤلاء الفقراء كانوا يظنون أنفسهم أصفياء الرب في مواجهة أعداء المسيح، ومن ثم وجدوا المبرر لإرتكاب أحط أنواع الجرائم ، وهذه الحركة الشعبية ارتبطت بإسم بطرس الناسك الذي وصفه المؤرخ الصليبي وليم الصوري بأنه جمع الجموع من كل قبيلة وشعب ووطن ، وكل هذه الجموع ( جيش الرب) هي كما يصفها الدكتور قاسم بأنها أسرى الوهم .
يركّز الدكتور قاسم في أخر فصول الكتاب على فكرة " الإفلاس الأيديولوجي" = بمعنى ان العامل الأيديولوجي الذي كان شعارًا لتجميع الجموع ، سرعان ما توارى ليحل محله العوامل البراجماتية ، ومن هنا سيبحث الدكتور قاسم عن مدى التزام هذه الجيوش بالإيديولوجيا التى ارتضتها من خلال تتبع سير العمليات العسكرية الأولى ، ليكشف سقوط الأمراء الفرنج مثل (هوف) دوق فرماندوا و (جودفري ) صرعى أمام أطماعهم الدنيوية ، انظر مثلًا إلى أعمال النهب والسلب والقتل التي فعلها الفرنجة بحق البيزنطيين المسيحين وهم في طريقهم لمواجهة السلاجقة ، وهذا الإفلاس الأيديولوجي صاحب الحملة الصليبية الأولى حتى حطّت رحالها في القدس .