العبدالله شاعر مجاز من الدرجة الأولى. وديوانه هذا شاهد إثبات.
فاز هذا الديوان بجائزة شاعر شباب عكاظ، عام 2013. وكان أسلوب العبدالله قد وصف فيه بالرقة في اختيار الكلمات وتوظيفها، ولئن لم أنكر اشتغاله على الصور الشعرية وتطعيمها بالانزياحات الملفتة والمجازات الزكية، وهو القائل في نص زفاف إلى اللغة ص 18: "ولا مقلةٌ غير المجاز أرى بها، فباصرة الألوان كابٍ حديدها"، إلا أني وجدت فيه توظيفا بدويا لكثير من المصطلحات التي فرضتها القافية حينا، والوزن أحايين أخرى، فعكست شيئا من اليبس فيه؛ اليبس الذي وصفه هو باللذيذ، معترفا بمحاولته ترتيب فوضاه المنتفضة بخياله الرحب، مستعينا في ذلك بلغة الخضرة والشجر فلها ما تشتهي ولشعره هو ما يهوى من لغة البداوة.
يقول العبدالله في نص ثقب أبيض (ص 23): سأركل للندى يبسي اللذيذ سأترك الأشجار تثقب ليلتي سهوا لها ما تشتهي للشعر ما يهوى أحاول أن أرتب هذه الفوضى التي تنتاب عافية المكان إذا انتفضتُ من الخيال الرحب من قلقي *(((ولا أقوى)))*
وكأنه حمل في روحه عهدا بأن لا يقوى -وإن كان يقوى فعلا- وهو القائل في نص (رملة تغسل الماء) ص 77: إنها الصحراء لا ننبذها ليس حتى ينبذَ العشبُ اخضلاله.
وكان الشاعر قد استحضر في نصوصه كعبا وزهيرا، وقس الأيادي، وأم أوفى وغيرهم.
ولعل في نصه بريد من أم أوفى (ص 59) في فكرته ومفرداته بل وفي بحره الطويل -الذي اعتمده في عدة نصوص أخرى بالمناسبة- ما ينقل القارئ لزمن الشعر الجاهلي.
في نصوصه، سنقرأ الصحراء والأثل والخيل والاحناش والعوسج والأساطير، وكذلك الصبابة والترحال والكثير من المفردات البدوية، بل والوحشية.
هو يتهم غيره -في نص دمًى للطفلة التي لعبتني- بأنهم جاؤوا من الروتين ليرثوا أتفه الأشياء من أسلافه ويستسلم لكل شئ في الطبيعة.
يقول في(صفحة 51): غيري وغيرك كلهم جاؤوا من (الروتين) لا إبداع في أعشاشهم
لكنه يعود يدافع عن هؤلاء الغير الذي يرى نفسهم منهم في نص سأغني قائلا: أيها الناشز عن غيري وعني أيها الفاشل في العزف سأبقى وترا يهتز بالمعنى وأما دمي الأحمر كالجوري فالحناء للرمل إذا اشتاقت يداه للتحني.
الرمل الرمل
هو يؤكد في نص رملته التي تغسل الماء أن الرمل وحده يترجم الفن في عبث الكثبان.
يقول في (صفحة 84): ها هو الرمل يرينا أن في عبث الكثبان فنا ورسالة
ولئن حاول العبدالله خلع ردائه بتطعيم نصوصه بمصطلحات تعكس روح الحضارة كما في (المطر اللندني، البيانو، الكوالا، وغيرها)، أو بنصوص تعكس زرقة البحر وألق الخليج والمراكب والغوص واللؤلؤ، إلا أنه يتعهد بأنه لن يخلع رداءه، ولن يخرج من نفسه.
في نص (سأغني) يقول: أنا لن أخرج مني إنها أرضي أنا أرضي على إيقاع نبضي خيّطتها الريح من وعيي وغمضي حُلُمي قمحي ومائي حجري غيمي سمائي وأساطيري وسلواي ومنّي أنا لن أخرج مني.
هو لن يخرج منه، لأنه يريد بردة عكاظ، وهذه الأخيرة لا تُقلَّد إلا على الصخر. يقول في نص أغاني عكاظ صفحة 75: وبردةٌ قلدنيها على صخرتها أميرها خالد
لكنه في نفس النص، وعلى مشارف نهايته يتوسل عكاظ أن تخلع هي بردتها وأن تواكب لغة العصر، دون أن تضطر لخلع أصالتها.
يقول في صفحة 83: يا عكاظ الفن روينا من الفن تجديدا وغذينا أصالة
هذا هو العبدالله، شاعر تائه بين ما يريد وما يحتاج، وإن لم يكن يحتاج ما يريد أو يريد ما يحتاج.
هذا الديوان الموصوف بالوطنية لما احتواه من نصوص ذات صلة، كان يليق به أن يعنون بـ (ثقب أبيض) وهو النص الثالث في مجموع النصوص.
ولعل قارئا يتفق معي بأن الثقب الأبيض للشاعر الذي اشتهر بـ (سكنانا) هو في حقيقته كذبة يراها هو بيضاء وإن لم تكن كذلك.