إلهي، إلهي، لماذا تركتني، بعيدًا عن خلاصي... في النهار أدعو فلا تستجيبُ، في الليل أدعو فلا هُدوَّ لي... عليكَ اتكل آباؤنا. اتكلوا فنجيّتَهُم... عليك اتكلوا فلم يخزوا. أما أنا فدودة لا إنسان. عارٌ عند البشر ومُحتقرُ الشعب. كل الذين يرونني يستهزئون بي... لأنك أنت جذبتني من البطن. جعلتني مطمئنًا على ثديي أمي... لا تتباعَد عني، لأن الضيق قريب، لأنه لا مُعين... قد أحاطت بي كلابٌ. جماعة من الأشرار اكتنفتني... وهم ينظرون ويتفرَّسون في. يقسمون ثيابي بينهم، وعلى لباسي يقترعون... أنقِذ من السيف نفسي. من يد الكلب وحيدتي... في وسط الجماعة أُسبِّحك. يا خائفي الرب سبِّحوه... لأنه لم يحتقِر ولم يُرذِلْ مسكَنَة المسكين، ولم يحجب وجهه عنه، بل عند صراخه إليه استمع. العهد القديم، مزامير داود، المزمور الثاني والعشرون
اللهم إليك أشكو ضعف قوَّتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين، أنت ربُّ المستضعفين، وأنت ربي؛ إلى من تكلني: إلى بعيدٍ يتجهَّمني؟ أم إلى عدوٍ ملَّكته أمري؟ إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسعُ لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلُح عليه أمر الدنيا واﻵخرة؛ من أن تُنزِل بي غضبك، أو يَحِلَّ علي سخطك؛ لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك. من دعاء النبي في الطائف، السيرة النبوية، ابن هشام
قدرت الله شهاب؛ ولد عام 1917م في گلگت. التحق بكلية أمير ويلز، في جامو؛ وحصل على الشهادة المتوسطة في العلوم عام 1935م، ثم على بكالوريوس العلوم من نفس الكلية. عمل محررًا للقسم الأُردي والإنكليزي في مجلة الكلية. وفي تلك الفترة؛ عقدت جمعية علمية في إنكلترا مسابقة دولية لكتابة المقال، فأرسل شهاب موضوعًا من خمس وثلاثين صفحة. حصل مقاله على المركز الأول من بين 19 ألف متسابِق، فنال الجائزة الأولى. وبعد حصوله على البكالوريوس؛ ترك العلوم وحصل على ماجستير الأدب الإنكليزي من الكلية الحكومية عام 1939م.
عمل قدرت الله قبل التقسيم في أقاليم: أريسه وبهار والبنغال الغربية؛ مساعدًا ثم نائب رئيس مدينة. وأثناء مجاعة البنغال تطوَّع في المساعدات الخيرية. وبعد تأسيس پاكستان بعامين؛ ساهَم في تشكيل "حكومة كشمير الحرة"، وظل سكرتيرًا عامًا لها. ثم صار نائبًا لوزارة الإعلام، فنائبًا لحاكم مدينة جهنگ، ثم مسئولًا عن الصناعة في إقليم الپنجاب. وبين أعوام 1954-1962م؛ عمل مديرًا لمكتب الحاكم العام، غلام محمد؛ ثم لمكتب الرئيس إسكندر مرزا والرئيس أيوب خان. وفي 1953م؛ حصل على دبلوم العلاقات العامة، من المعهد الدولي للدراسات الاجتماعية في هولندا؛ ثم تولى منصب وزير الإعلام، وبعدها ابتُعث سفيرًا لپاكستان في هولندا لمدة ثلاث سنوات. وعُيِّن بعد عودته، في 1966م؛ وزيرًا للتعليم. وفي 1969م؛ استقال من وظيفته وغادر البلاد بعد انقلاب يحيى خان العسكري. وفي 1973م؛ استدعاه رئيس الوزراء، ذو الفقار علي بوتو؛ وعينه وزيرًا للتعليم مرة ثانية.
بدأ حياته الأدبية بمقالات عن "بابا گورو نانک"؛ نشرها في مجلة "چاند". وأول قصة نشرها كانت بعنوان "چند راوتي"، ونشرت في مجلة "رومان" الأدبية، التي كان يُصدرها الشاعر المشهور: "اختر شيراني". وقد أسس شهاب اتحاد الأدباء في 1959م، واختير سكرتيرًا عامًا له.
وإلى جانب مهامه الدبلوماسية والسياسية، فقد شغل شهاب مناصب أخرى مثل: رئاسة الجمعية المركزية للأردية في لاهور، ونائب رئيس الجمعية العلمية للأردية في لاهور، ورئيس جمعية تطوير الأردية في كراتشي.
وقد كان لنزوع شهاب الصوفي أثر عميق في كل أعماله. وتعد سيرته الذاتية، شهاب نامه؛ من أهم مصادر التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والروحي، والتي يحرص الپاكستانيون على اقتنائها وقراءتها.
العنوان الأردي الأصلي لهذه الرواية هو: يا خدا، أي يا رب... وكأنه ابتهالٌ من أعمق نقطة في روح المؤلف المكلومة، ابتهالٌ بحجم الألم الذي تفيض به هذه الرواية حتى تُغرِق قارئها فتُزلزله زلزالًا شديدًا...
وقد كانت تسمية الترجمة العربية بسِفر الخروج من مظاهر التوفيق الإلهي للفقير لعفو ربه، فما أعتى الخروج على أرواح الأمم، وما أشد أثره في تاريخها، وليست قصة الخروج التي تسرد هذه القصة الطويلة طرفًا منها بأقل مأساوية من خروج بني إسرائيل بقيادة الكليم موسى، أو خروج النبي المصطفى من مكة في سبيل دعوته ثم هجرته للمدينة... وإذا كان الكليم ومن بعده المصطفى -صلوات الله عليهم وسلامه- هم كمال تجسيد الرائد الصادق الذي لا يكذب أهله، فإن الخارجين في هذا النص الدامي قد اتبعوا أراذلهم، فخانوا الله فيهم، وألقوا بهم إلى التهلكة.
أي شيطانٍ ألقى بطلسمه على أرواح هؤلاء المناكيد، وأقنعهم بأن خلاصهم في فردوس أرضي موهوم، ليجدوا أنفسهم آخر الأمر يصطلون كل عذابات الجحيم على هذه الأرض المنكودة... في فردوسهم المأمول... أي شيطان أخرجهم من النور إلى الظلمات، أو على الأقل من بعض النور إلى ظلمات بعضها فوق بعض...
هل يُمكنك تخيُّل حجم الألم الذي يدهم روحك حين يتكشف لك أن الفردوس الذي تكبَّدت في سبيله كل شيء ليس سوى أسوأ كوابيسك متكاثفًا كأنه قُدَّ من عذابات الجحيم؟ بل أن تكتشف أنك كنت طوال الوقت تحث الخُطى إلى الجحيم وأنت تحسبه فردوسك الأرضي؟ فأي انطماس للبصيرة ذاك الذي ألقى بك في هذه الهاوية؟ وهل يكفيك توبة تسع أهل الأرض وأهل السماء حتى تكفر عن ذنبك؟
هذا النص المبهِر المزعج العذب المؤلم هو أول نص روائي باللغة العربية عن مأساة تقسيم شبه القارة الهندية، وآمُل أن يفتح الباب لا لنصوص أخرى في هذا الموضوع فحسب، بل لإعادة تقييم خرافة "الدولة الإسلامية" في الفكر السياسي الإسلامي الحديث، أو على الأقل يُمهد لذلك التقييم بتحطيم صنمها في روع عُبَّادها، الذين ما زالوا في غيهم يعمهون...
- سمعت أن واردات الخمور البريطانية قد تضاعفت ثلاث مرات فى لاهور وكراتشى منذ تأسيس پاكستان؟ أليس هذا مخجلا لدولة إسلامية وليدة؟ -إن باكستان خامس دولة فى العالم،وأكبر دولة إسلامية. -أليس هذا مخجلا لأكبر دولة إسلامية؟ - نحن نؤسس دولة يا سيدي،وليس مسجدا. ـــــــــــ ذكرتنى العبارة الأخيرة بالله يمسيه بالخيرويفك أسره الباشمهندس أيمن عبدالرحيم لما تحدث عن انفصال باكستان وتأسيس الدولة وكيف أنهم اختاروا العلمانية مرجعا وهى الدولة التى قامت بالأساس_ أو هكذا رأى الحالمون _ لحماية هوية المسلمين وإسلامهم ، وهذا الاختيار كان متوافقا تماماً مع بنية وطبيعة الدولة الحديثة ولم يكن بدعا.
ما بين هم الأمة ومآسي أبنائها يأخذنا قدرت الله شهاب عبر روايته القصيرة "سفر الخروج" في رحلة ملؤها الشقاء، يعرض فيها لواحدة من فترات المسلمين العصيبة -وما أكثرها!- في شبه القارة الهندية وقت التقسيم وما تلاه.. وما بين دولة تؤَسَّس هي باكستان، ونفوس تتحطم تمثلها (دلشاد) الفتاة المسلمة التي عانت ظلما وامتهانا، تتمنى وأنت تقرأ أن يكونا من وحي خيال المؤلف رغم علمك أن الواقع ربما كان أشد سوادا! تتنقل الرواية بين أنواع شتى من البشر، من الهنود السيخ ومجازرهم ضد المسلمين، إلى تجار الحروب ونخاسي الأمم، إلى المنظِّرين السلبيين المنفصلين عن الواقع (العجوزان ذوا اللحى على رصيف محطة القطار)، لكن جل اهتمام الرواية انصب على أولئك المهمشين الذين لا تذكرهم كتب التاريخ ولا تعبأ بهم، بل تعبأ بمن كانوا سببا في مآسيهم وتعاساتهم، أولئك الذين عانوا وماتوا في صمت، لم يعلم بهم سوى ربهم، وتناستهم البشرية بقصد وبغير قصد.. ثمة مقارنة تمتد على طول الرواية، بين جهة الغرب الكعبة وجهة الغرب الأقرب (باكستان)، بين رحلة الشيخ علي بخش إلى الكعبة، وبين رحلة ابنته دلشاد إلى الدولة الوليدة التي ستكمل انتهاشها، بين دار المسافرين التي نزلوها مكرمين قديما في طريقهم للكعبة، وبين دار المهاجرين التي أهينت فيها الإنسانية وذبحت على الملأ! يشير إلينا شهاب بروايته القصيرة أن الأمر -أمر هذه الأمة- ليس بقيام دول حديثة يقال لها (إسلامية)، بقدر ماهو قيام للدين في النفوس وقيام للنفوس بهذا الدين.. وأنه لا يوجد كبير فرق بين سيخي يقتل ويغتصب، وبين مسلم يستغل ويتاجر بالأعراض! لكن رسالة الرواية الحقيقية أنها صرخة ضارعٍ إلى ربه، صرخة من لاقى من الابتلاءات ما جعله عرضة لأن تحتوشه الشكوك؛ فتصبَّر وتأسى بدعاء الأنبياء بين مزامير داود في العهد القديم وبين دعاء سيد المرسلين وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في الطائف: (إلهي، لماذا تركتني، بعيدا عن خلاصي.. كل الذين يرونني يستهزئون بي/ إلى من تكلني: إلى بعيدٍ يتجهمني؟ أم إلى عدوٍ ملكته أمري)، ( عليك اتكل آباؤنا. اتكلوا فنجّيتهم/ أنت رب المستضعفين، وأنت ربي)، (أنقذ من السيف نفسي/ ولكن عافيتك أوسع لي)، (في وسط الجماعة أسبحك. يا خائفي الرب سبحوه.. لأنه لم يحتقر ولم يُرْذل مسكنة المسكين، ولم يحجب وجهه عنه، بل عند صراخه إليه استمع / يا أرحم الراحمين .. أعوذ بوجهك الذي أشرقت له الظلمات.. لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك) !
رواية كئيبة جدا و مؤلمة للنفس صراحة تتحدث عن قصة معاناة فتاة مسلمة في الهند إبان استقلال دولة باكستان و حلمها للانتقال لباكستان حيث الفردوس الأرضي المتوهم و لكنها تصطدم بالحقيقة المرة حين تنتقل فعلا لباكستان و تكتشف أنه مجرد جحيم آخر اللطيف في الرواية انها بتجسد فلسفة اليوتوبيا الاسلاموية المتمثلة في الدولة الإسلامية او استعادة الخلافة او تطبيق الشريعة باعتبار ان حدوث هذه الأشياء يؤدي لنهاية التاريخ و تحقق حلم الكمال و نهاية الصراع و غيرها من التصورات الرومانسية الحالمة و الرواية تنقد هذا التصور بشكل غير مباشر
عن الكفّار لمّا يستعملونَ جوارحهم -شلّها الله- لقتلنا بدلَ آلاتهم. عن المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يستنفرنا الله بهم، فنخترعُ لهم ألفَ فتوى ونفتحُ لهم ألف طريق ثم نقتلهم بها.
عن طريق البأساء والضرّاء الذي يختاره الإنسان بمحض إرادته، كي يصلَ إلى: الدنيا.
نصٌ يطير بكَ لتنظرَ من عَلٍ إلى الحدود اللعينة التي رسمَها البغضاء البعداء ثم كذبوا علينا أنّ هناك بعيداً، ودائماً هناك في مكانٍ ما أرض الميعاد؛ ففي حالة الكشميريين كانت باكستان، وللشاميين أوروبا… عجيبةٌ النّفس البشريّة، دائماً تريد إحلالَ يقينها الغيبيّ في أرض، ثم تتهتّك أستارها على أيدي البارعين في استغلال يقين الناس.
يروي النصّ «التغريبةَ الكشميريّة» بآلامها التي تغيبُ عنّا تحت ركام تغريبتنا… تغريبتنا التي يصفها القفّال بأبدع وصف: مَا أَغْفَلَنا عمّا يُراد بنا.
دلشاد… يا وجعاً يتكرر علينا في كل يوم، ثم نهربُ منه؛ كلٌّ منّا إلى أرض ميعاده.
لم أهبط على الأرض إلا وقد انتهيت من الرواية القصيرة جداً/العميقة حقًّا.
قرأتها في متن طائرة كان الأطفال كعادتهم يملؤون الجو لحنا، لحظة قراءة الرواية كنت فيها خارج العالم، داخل سِفر الخروج. وهو عنوان واصف بامتياز.
أوقفتني تفاصيل كثيرة، وسأتحدث عن مشهدين: الثاني هو اللحظة الدرامية التي صورها الروائي لتلك الأم التي تعرّت لتنقل دفء ملابسها وأيضاً حضنها إلى طفلتها التي تتلحف السماء برداً. تنتهي اللوحة المؤلمة بموت الأم والطفلة لأجل قضية هجرتهم إلى الفردوس المنشودة.
أما أولاً، فهي فكرة الفردوس. كيف للملايين أن يركضوا خلف سراب فردوسي، يعتقدون أن الأرض المنشودة هي جنة، ولم يعلموا أن الجحيم والابتلاءات دوماً على هذه الأرض، ولا فردوس إلا في السماء.
الرواية فن يقول ما بين السطور، وما لا يقال في الحياه، وما يخشى الناس َأن يسمعوه و ما يشعرون به و يصمتونَ أمامه. " أنا أنبئكم بأقدار الأمم ، السيف و الرمح أولًا، و الموسيقى و الغناء أخيرًا " يمكننا أن نقول، إن هذه الشطرة من غزلية الشاعر محمد إقبال تصلح كمدخل لفهم هذه الرواية الملهمة و المؤلمة في آن. سفر الخروج هي نوفيلا قصيرة لا تتجاوز السبعين صفحة، صدرت عن دار تنوير في مصر عام 2017 في أول طبعة أصلية وشرعية بالاتفاق مع ورثة المؤلف( قدرت الله شهاب)، و هي الرواية الأولى التي تتناول تقسيم شبه القارة الهندية و ولادة دولة باكستان بعد خروج الاستعمار الإنكليزي من الهند، ذلكَ التقسيم الذي خلّف كارثًة إنسانية حقيقية و أثرها الاجتماعي على أهل الهند وباكستان، تحكيها الرواية ترثيهابرهافة حِسّ و قلم نازف.
لعبت شخصية الكاتب في هذه النوفيلا دورًا محوريًا فقد كانت تجربته الحياتية كأديب و سياسي و رجل دولة هي مادة صدق هذا العمل والسبب الرئيسي لعمقه براعته في رسم صورة حيّة لما حدث. كاتب الرواية قدرت الله شهاب ، الأديب الذي عمل في غيابات السياسة ، فبدأ العمل السياسي كمساعد نائب رئيس مدين��، حتى وصل إلى مناصب عليا في الدولة وصار وزيرًا للتعليم مرتين. بدأ الكاتب حيات الأدبية ، منذ كان طالبًا في الكلية فكتب المقالات الأدبية في المجلة ( رومان ) الأدبية، التي كان يصدرها الشاعر ( أختر شيراني )، كما ترأّس عدة مناصب علمية في الجمعية العلمية الأردية و جمعية تطوير اللغة الأردية في كراتشي. كان للرجل نزوعًا صوفيًا عميق- كما جاء في مقدمة الرواية- برز في أعماله، و يعتبر أحد أولئك الذين شَهدوا عملية التقسيم من الداخل، فانعكس هذا واضحًا في روايته سفر الخروج، و تتجلى لنا شخصية الكاتب كأديب مرهف الحسى قد اكتوى بنيران التقسيم وسياسي شاهدٍ على فداحة المصيبة و ما فعلته بالنفوس وعلى الديباجات الكاذبة التي تم تمريرها في الوعي الجمعي باسم الدين والمصلحة و الإسلام آنذَاك.
شخصيات في الرواية
لم تكن شخوص الرواية هنا إلا رموزًا واضحة وطاغية ومتجسدة لمعانٍ عميقة أراد الكاتب أن يعبر عنها من خلال الشخصيات.
1-الشيخ علي بخش
" ثّمّة سحرٌ أسود في الآذان،و لذا ترتعدُ الفتيات عند سماعه، فلو أنَّ فتاه غير متزوجة أصابتها رعدة الآذان ، فثمة حطر شديد يتهدد قدرتها الإنجابية، و لو أصابت هذه الرعدة امرأة متزوجة؛لسقط حملها" علي بخش والد البطلة، رجل تقيّ،عابد، زاهد كان يعمل مؤذنًا لمسجد قرية ( جمكور) التي ضمّت السيخ و االمسلمين،شيخٌ يدعو إلى الله بمحض وجوده بالأذآن وصوته فقط. و مع ذلك قُتل هذا الشيخ الوقور داخل المسجد و تمزق جسده و ألقي به في الجبّ على يد " أمريك سنغ ".الفتنة الطائفية التي أشعِلت بين السيخ و المسلمين في تلك القرية، قَتل فيها السيخ علي بخش المسلم بغير معنى وسبب حقيقي، فقط بعض المعتقدات الخرافية التي أشيعت عن الإسلام و صدقها السيخ أو أرادوا تصديقها فقط كانت وقود نيران الفتنة.
2- أمريك سنغ " لكزَ أمريك سنغ ضلوع دلشاد بطرفٍ خنجره،و جذب خدها الأيسر،فأدار صفحة وجهها من جهة الغرب إلى جهة الشرق"
أمريك سنغ كبير السيخ في القرية،و( القاتل ) الذي قاد الفتنة الطائفية في جمكور بين السيخ والمسلمين، حتى نظفت القرية بدماء المسلمين،بسبب معتقداتهم عن الإسلام ، اختاروا القتل والإبادة في الوقت الذي " كان دستور السيخ يقرّ حرية العبادة المطلقة رمز واضح وصريح على الدور التي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية و الرجل الأبيض عموما في حياه المسلمين عامة و في الهند خاصة.
3- دلشاد " فيمَ تحملقين يا غبية ، ألكِ سيدًا في تلك الجهة ؟!!
تمتلئ هذه الجملة بمأساة البطلة و تلخص رحلتها الداخلية و الخارجية ، تلك الفتاه التي قضت طفولتها آمنة في حماية أبيها المؤمن، حتي قتل،فصارت موطئًا لكلّ مارّ ! دلشاد البطلة على طول الخط تتطلع إلى جهة آخرى ، جهة الغرب تبحث عن سيدها في السماء، وسيّدها في الأرض،حبيبها المفقود رحيم خان لعلّ أحدهم يخلصها من الذل الذي غرقت فيه! من غير أي مقاومةٍ تذكر لدلشاد و في استسلام مذلّ و مهين لواقعها، مشت بخطواتٍ ثابتة و بطيئة ،نحو مستقبلها الأسود بالصمت والأسى و الأمنيات الساذجة و أحلام اليقظة التي لولاها ما عاشت يومًا واحدًا حتى انتهى بها الحال ( في المعسكر ) كخادمة تقتات على تحضير الشاي و القهوة بالنهار،و تبيع الهوى في الليل و تظلّ تحلم و تأمل .. دلشاد علىمستوى آخر هي رمز الأمة المسلمة الحائرة حتى الآن .. " كانت دلشاد حطام نجمة ، تناثرت أشلاؤها في الفضاء الواسع المهجور، لتهيم فيه وحيدة ،، إذ سلب كساء السماء الذي تدثر به كيانها، و غاض الشمس و القمر ، وانطفأت قناديل النجةم، لتبقى هي وحيدة بلا نصير أو معين"
من الأفراد إلى المجتمع ( ميلاد باكستان الدولة )
لم يكن الإنكليز ليتركوا البلاد و العباد إلا بعد أن يطمئنوا أنها ستسير وفق ما يرجون، ففي الوقت التي بدأت فيه النوفيلا بحياه بسيطة هادئة في قرية ، انتهت إلى حياه منهكة في معسكر لآلاف رحلوا و هجروّاو أخرجوا من ديارهم بسبب التقسيم، منهم من ماتَ متجمدًا من البرد، ومنهم من مات من قلة الطعام ( على وفرته في مخازن الضباط وقتها) ، لم تكت تتفتح زهور العطاء عى أولئكَ البؤساء إلا عند زيارت الوفود للاطمئنان على حقوق الإنسان . من أجل با كستان الإسلامية شرد الألآف و مات الأطفال واغتصبت النساء!
الإنسان كلعبة
أسرة إنكليزية ، تتمشى في أرجاء باكستان، تتوقف أمام دلشاد الجالسة للتسول و ابنتها الرضيعة ليعطفوا عليها، فيعطيها الولد الصغير بضعةَ نقود، ويخبر أبويه برغبته في أن يقتني ( لعبة مثل رضيعة دلشاد ) ليخبروه أنهم سيحصلوان على واحدة قريبًا ! يختصر هذا المشهد كلمات كثيرة ربما لم تكن لتجدي شيئٍا ،في تصوير صورة الإنسان الشرقي بالنسبة للمستعمر الأبيض كلعبة !
من المجتمع إلى الدولة
في القسم الاخير من الرواية ينتقد الكاتب (بنية الدولة) والتي أسست بعد خروج الاستعمار وعلى يديه في مشهد قويّ و معبر لصحفي يسأل مستنكرًا عن تضاعف وارد الخمور البيريطانية في لا هور و كراتشي منذ تأسيس باكستان، ويتساءل : " أليس هذا مخجلًا لأكبر دولة إسلامية ؟" فيردّ التاجر قائلًا – وهو يشرب الويسكي- ": " سيدي نحن نؤسس دولة وليس معبدًا "
الرواية ساحرة و مؤلمة جدًا ، تستحق القراءة مرّات و مرّات ..
أخذت هذه الرواية من عبدالرحمن أبو ذكري صاحب دار تنوير، وقد سألته أن يشير علي برواية تستحق القراءة، سيّما وقد جرنا الحديث إلى مسلمي الهند وفارس. والرواية كما يظهر من عنوانها تحكي مآساة المسلمين الذين هربوا من طغيان السيخ والهندوس، ولجأوا إلى باكستان عسى أن يجدوا فيها دولة الإسلام. وقد كان الأمر على خلاف الظنون. ودلشاد هي بطل الرواية دلشاد. فتاة اعتركتها تجارب الحياة المرة، وأخطأت الطريق مرارًا تتجاذبها نزعات النفس تارة فتحدوها إلى الغرب حيث الكعبة والدين، وتتجاذبها نزغات الشيطان تارة أخرى إلى الشرق حيث الشرك والفجور. والقارئ يعرف ما آلت إليه الأحداث بعد ذلك. كانت بداية الرواية محكمة متينة، ففيها ذكر شيءٍ من تاريخ المسلمين قبل الانفصال، وعدوان المشركين عليهم، وخوفهم الشديد منهم حتى أن نسائهم لترتعد فرائصهن من سماع الأذان! حتى إذا توسطت الرواية، استحكمت مآساة دلشاد في معسكر المهاجرين، وجرى من البأس الشديد فيه ما تحار منه العقول، وتنفطر لأجله القلوب. وأما النهاية فأحداثها مبعثرة، وصورها شذرات متفرقة تجتمع في الشناعة والخزي. وإنك لتعجب من وصف المؤلف لحال الناس، وإيمانهم الرقيق، وأخلاقهم يعتريها الفساد العظيم. وقد ظهر لي من كثرة تعريض قدرة الله شهاب (ولست أدري بأي وجه كُتب اسمه كما في الأردية، أليس من الأولى أن يكتب عربيًا؟) بإقبال حنقه الشديد عليه، وأنه قد يومئ إلى أن أشعاره قد حملت الناس على الانفصال عن الهند، وأذكت فيهم الفخر بقوميتهم وأرضهم، فأساءوا معاملة المهاجرين. وبدا لي أنه اشتد على إقبال، ولست أدري لماذا. فما وصلنا بالعربية (أو الانجليزية) عن المؤلف قليل جدًا. وليت المترجم تفضل علينا بمقدمة أو دراسة عن حال المسلمين في باكستان والهند أثناء الانفصال، وأثر إقبال -إن وُجِد- في ذلك. هذا وقد بحثت عن مذكرات شهاب المعروفة باسم شهاب نامه (شہاب نامہ) ووجدت أول فصولها (اقبال جرم) وترجمتها (جريمة إقبال)! ولم أجدها مترجمة إلى العربية ولا حتى الإنجليزية، وقد حركت فيّ الشوق لمعرفة ما بينه وبين إقبال. وأما سفر الخروج (وأصلها في الأردية: ياخدا أي: يا رب) فقد أفادتني معرفة حال المسلمين في تلك الحقبة، على أن نظمها ونهايتها دون بدايتها القوية. وقد تأملت كثيرًا هذا النص في الرواية: "خلع أحدهما طاقية الصلاة الرمادية، ووضعها على رأس التمثال؛ فتركا المكان سعيدين بأنهما قد صيّرا التمثال مسلمًا وبغير ضجة"! والترجمة متوسطة في الجملة. ويزداد حسنها في مواضع عديدة، وينحط دون ذلك في مواضع أخرى معدودة. وأرجو أن لا تكون هذه آخر رواية أو كتاب أرديٍ تترجمه دار تنوير. وأرجو كذلك أن تترجم معارضات هذه الرواية لو وُجدت. :)
نص عذب في سلاسته و وصفه .. مؤلم جدا حد الإنهاك العالم الإسلامي الآخر الذي لم نعلم عنه شيئا غير السياسة و الافتخار بوجود الاسلام هناك لكن ما ينخر الأمة و ما يختبئ تحت سمائهم .. لا يراد له أن يُعرف
في رواية «سفر الخروج» للروائي الباكستاني قدرت الله شهاب نجد صورةً واقعية وإن كانت مأساوية بل وساخرة أحيانًا للمجتمع الباكستاني، بدءًا بمحاولات المسلمين الفرار من اضطهاد السيخ وقمعهم لهم في إقيلم «بنجاب» بين الهند وباكستان، وما تلا ذلك من محاولات الفرار والنجاة بأنفسهم إلى دولة باكستان الإسلامية الوليدة وما يجدونه هناك من تحول وضياع.
يقسّم قدرت الله روايته إلى ثلاثة فصولٍ قصيرة يوجز فيها تحولات الحياة في باكستان، من خلال بطلة روايته شهاباد بداية بإطلالة على حياتها بين أهل قريتها الذين استطاع السيخ إحكام سيطرتهم عليها، وقتل كل المسلمين، حتى أنه لم يبق غيرها، وسعيها بعد ذلك للهرب في قافلةٍ متجهةٍ للغرب باتجاه المدينة المنوّرة ومكة، حيث أحلام كل المسلمين معقودة بهذه الأماكن، ولكنها تفاجأ بأنها لا تتمكن من الوصول إلا إلى «كراتشي» وتكتفي ببقائها هناك والانغماس داخل ذلك المجتمع المختلف عن كل ما كانت تحلم به.
تمر الأيام والليالي، ويظل هذا التصوّر الفردوسي لجهة الغرب يُفعم صدرها بنور الأمل، برغم تزايد أعداد معسكر أنباله. عندما شبعت قلوب الضابط برتيم سنغ ومساعديه جيدًا جاء القطار ذات يوم. القطار الذي كانت قناديل الأمل لا تزال تضوي في انتظاره. وعندما ركبت دلشاد عربة القطار تذكرت الشيخ علي بخش. لقد استقل هو الآخر مثل هذا القطار في طريقه إلى الحج، وقد طوّقت عنقه عناقيد الورد، وفاحت من ملابسه العطور، إذ اصطحبه أهل القرية إلى المحطة وهم يعزفون الموسيقى من حوله.. مع كل محطة تمر تزول السدود بين هؤلاء النسوة وبين الحياة، وتبدأ الألحان الغافية داخلهن بالاستيقاظ ثانية، ويرحن يغنين ويبتسمن.
في لقطات مشهدية سينمائية موجزة شديدة الدلالة والتكثيف استطاع الكاتب أن يصوّر مأساة البلد والمجتمع والناس، بدايةً في القرية التي تقيم فيها دلشاد والتي لم يسمها الكاتب، وانتقالاته الزمنية بين ماضيها وأحلامها وبين معاناته�� في الحاضر. وفي الفصل الثاني، يعرض كذلك ملامح القسوة التي عاشت فيها هي وعدد من اللاجئين قبل أن ينتقلوا إلى العاصمة، وكيف كانت نظرة الناس لها ولمن حولها، حتى يصل في الفصل الثالث إلى تصوير المجتمع برؤية بانورامية عامة لا تركز على شخصية واحدة أو أبطال محددين وإنما ينتقل بين أكثر من مشهد وحكاية تعكس أوضاع المجتمع والناس في دولة باكستان التي يفترض أنها دولة إسلامية. مأخذي الأساسي على الناشر أنه لم يوضح في مقدمة الرواية ولا في نهايتها التفاصيل والخلفيات الهامة لأحداث الرواية، التي يبدو أن كثيرًا منّا لا يعرف عنها شيئًا
رواية قصيرة ولكن عميقة الأثر، تتركك تفكر طويلا في قول الإمام الشافعي : نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا. فتاريخ المسلمين ملئ بالمآسي والتي نلقي باللوم فيها على الآخرين من غير المسلمين وأننا مجرد ضحايا لتلك الأحداث الجسام دون النظر لما اقترفته أيادينا وعملناه من سوء، كما أنها ترمي بالضوء على نقطة توهم قداسة مكان دون الآخر نظرا لتجمع أعداد كبيرة من المسلمين فيه وتسمية هذا المكان بالدولة الإسلامية. رواية مؤثرة ومثيرة التساؤلات، أتمنى لو طالت.
ملحمة من البؤس الوجه الحقيقي للإنفصال منذ سنوات شاهدت مسلسل أنتجته الباكستان عن الإنفصال (داستان) مأخوذ من رواية (بانو) لراضية بوت وكانت خاتمته مأساوية لا اعلم كل الحيوات التي انتهت أو انهارت فوق رؤوس أصحابها فجأة وكل تلك العذابات !!إلى الآن على اختلاف المشاهد واختلاف المآسي عزاء المؤمن أن هناك آخرة
لم أقرأ شيئًا أشد إيلامًا –منذ "غارب"– مثل هذه الرواية صغير الجرم، كثيفة المعنى، ليست تراجيديا ولا فانطازيا ولا دستوبيا ولا رعبا نفسيا، لا يهم تصنيفها على الإطلاق، لكنها لا تتبع بحالٍ أيضًا فئة النهايات السعيدة، أو الصادمة، أو المتكلفة، في الواقع، لا توجد نهاية ولا يهم. كما أنها ليست كالمعلبات المعدة للاستهلاك على الأرفف المتخمة بالعفونة الإيديولوجية، أو تفوح منها الرداءة العامة المنتشرة كالنيتروجين في الهواء، لا فيها دروس مستفادة موجهة لإرشاد القطعان نحو الحظيرة، ولا حِكَم مضمنة مسطحة مباشرة ليزين بها المقتطفون نقولاتهم المستنيرة. إنها فقط تحكي جزءًا من قصتنا الحقيقية، قصة الإنسان كما هو عليه، ليس كما يتوهم نفسه.
سفر الخروج أم سفر الآلم! رحلة فتاة غاب عنها الله، فلم تجد من يحميها. يتحدث الكاتب عن المسلمين والسيخ والحروب والقتال من أجل الله والله ليس بجانب أي منهم. عندما كنت اقرأ كان يأتي كلام محمد إقبال في رأسي: إن أصنامي التي في معبدي مثل التي في معبدك كلاهما أصنام تربية وكلاهما أصنام فانية. .رغم عدد الصفحات القليل لكن سببت الكثيرمن المُعاناة والألم
رواية عذبة الأسلوب، مؤلمة الأثر على النفس. على الرغم من صغر حجمها إلا أنها عكست لنا صورة مكثفة جدا عما حدث لمسلمي الباكستان إبان تقسيم شبه القارة الهندية وحجم الألم والمعاناة التي لاقوها في سبيل خروجهم للبحث عن فردوس أرضي موهوم، لم يتحقق وأخشى أنه للأسف لن يتحقق
تم الانتهاء في ١٨ - ٧- ٢٠٢٥ مـ جاءت في وريقات معدودات، صغيرة الحجم وصحبتها معي في سفري اليوم، إلا أنها جاءت كبيرة المعنى، ثقيلة المشاعر، تجرّعت معها أنواعا من الألم المسموم، ظفرت ماء عيني بجدارة واستحقاق، ولا أجد أفضل مما قيل عنها إلا كلام أ. عبد الرحمن أبو ذكري وهو القائم بتحريرها وخروجها في هذه الحلّة اللغوية البديعة المرهفة، قال عنها: العنوان الأردي الأصلي لهذه الرواية هو: يا خدا، أي يا رب.. وكأنه ابتهال من أعمق نقطة في روح المؤلف المكلومة؛ ابتهال بحجم الألم الذي تفيض به هذه الرواية حتى تُغرق قارئها فتُزلزله زلزالًا شديدًا...
وقد كانت تسمية الترجمة العربية بسفر الخروج من مظاهر التوفيق الإلهي للفقير لعفو ربه، فما أعتى الخروج على أرواح الأمم، وما أشد أثره في تاريخها، وليست قصة الخروج التي تسرد هذه القصة الطويلة طرفا منها، بأقل مأساويّة من خروج بني إسرائيل بقيادة الكليم موسى، أو خروج النبي المصطفى من مكة في سبيل دعوته ثم هجرته للمدينة .. وإذا كان الكليم ومن بعده المصطفى -صلوات الله عليه وسلامه- هم كمال تجسيد الرائد الصادق الذي لا يكذب أهله فإن الخارجين في هذا النص الدامي قد اتبعوا أراذلهم، فخانوا الله فيهم، وألقوا بهم إلى التهلكة.
أي شيطانٍ ألقى بطلسمه على أرواح هؤلاء المناكيد، وأقنعهم بأن خلاصهم في فردوس أرضي موهوم، ليجدوا أنفسهم آخر الأمر يصطلون كل عذابات الجحيم على هذه الأرض المنكودة.. في فردوسهم المأمول.. أيّ شيطان أخرجهم من النور إلى الظلمات، أو على الأقل من بعض النور إلى ظلمات بعضها فوق بعض...
هل يمكنك تخيل حجم الألم الذي يدهم روحك حين يتكشّف لك أن الفردوس الذي تكبّدت في سبيله كل شيء ليس سوى أسوأ كوابيسك متكاثفًا كأنه قُدّ من عذابات الجحيم؟ بل أن تكتشف أنك كنت طوال الوقت تحث الخطى إلى الجحيم وأنت تحسبه فردوسك الأرضي؟ فأي انطماس البصيرة ذاك الذي ألقى بك في هذه الهاوية؟ وهل يكفيك توبة تسع أهل الأرض وأهل السماء حتى تكفّر عن ذنبك؟
هذا النص المُبهر المزعج العذب المؤلم هو أول نص روائي باللغة العربية عن مأساة تقسيم شبه القارة الهندية. وآمل أن يفتح الباب لا لنصوص أخرى في هذا الموضوع فحسب، بل لإعادة تقييم خرافة مشروع "الدولة الإسلامية" في الفكر السياسي الإسلامي الحديث، أو على الأقل يُمهّد لذلك التقييم بتحطيم صممها في روح عُبّادها، الذين ما زالوا في غيهم يعمهون...
الرواية كشفت لي التقصير الشديد نحو الأدب الأردي و فتح عيني على بعدنا تمامًا عمن نمتلك معهم أخوة الدين و أتمنى من أعماق قلبي أن تعمل الدار أكثر على انتاج الترجمات لا سيما للكتب الكلاسيكية التي تم التلخيص عنها ف البداية " كتاب شهاب نامه " نموذجًا فما اتضح لي من بحث أولي مُضني أن الكتاب لم يُترجم إلى الإنقليزية حتى و هذا يضعني تحت كشاف لمدى تقصيرنا في أعمال الترجمة و بشكل حقيقي " هل نضيف إلى أدب القارة السمراء المنسية أدبًا آخر لا يكاد يعرفه أحد ؟ " و شكرًا جزيلًا على الكتاب قرأته مرة واحدة و للحقيقة شعرت بمأساة حقيقية فبعد انتهائي من فصلها الثاني قمت بعمل شاي الكرك الهندي ثم أتيت الفصل الثالث لقراءته لكي أدخل في أجواء الرواية و هذا ما داعب داخلي شيئًا من المرارة أن تكون معاناة إخواننا فيلمًا قصيرًا نعيش تجربته ثم نمضي فلا يحمل أكثر من ذكرى لليلة عشتها و عليها السلامة .. و هذا الكتاب بكل تأكيد يمنحني نظارة جديدة.
الرواية مؤلمة، تتكلم عن فترة ولادة دولة باكستان. والحق إني لم أتبين مغزى الرواية جيدا ورموزها إلا بعدما قرأت مراجعات أخرى لها. ربما احتاج لمعرفة المزيد عن هذه الحقبة التاريخية، فهي مجهولة عندي تماما. والرواية لم تبدُ لي متماسكة الأطراف، ففيها مواقف كثيرة لم أتبين علاقتها ببعضها إلا بعد قراءة مراجعات أخرى كما أسلفت. والترجمة ليست سيئة، لكني لم أشعر بأني أقرأ نصا عربيا أصيلا. لو لخصت الرواية، ربما قلت: والمستجير بعمرو عند كربته، كالمستجير من الرمضاء بالنار. وربما قلت: أعيذها نظرات منك صادقة، أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم.
رواية مؤلمة ، تبين لك باختصار الحال الذي كانت عليه الحرب بين الهند وباكستان ، بين السيخ والمسلمين ، وما نتج عنه من تشرد وبؤس الكثير من البشر لقاء وضع الدين والعقيدة كواجهة سياسية ومبرر للقتل والتنكيل والكراهية والحرب.
ويأتي السؤال : ما نفع الدين إذاً ، إذا كانت هذه نتيجته ؟ لماذا كل هذا الحقد وهذه الكراهية ؟
سٍفر الخروج ، حكاية ممتعة بقدر ماهي مؤلمة . رغم عدد صفحاتها القليل لكنها قصة تترك الولدان شيبا . قصة من قصص الظلم والتهجير والإقتلاع من الوطن والأهل . حكاية الأمل الذي كان فخا ، والخلاص الذي أصبح لعنة وعذاباً مضاعفاً عليهم . وهم الدولة الإسلامية والمدينة المنورة التي خرجوا فارين إليها يظنون أنهم سيجدون الأنصار كما وجد رسول الله وأصحابة الأنصار ، فإذا بهم كالمستجير من الرمضاء بالنار . " الكعبة جهة الغرب ، الكعبة بيت الله . أسبوع .. أسبوعان .. شهر .. شهران .. تمر الأيام والليالي ويظل هذا التصور الفردوسي لجهة الغرب يفعم صدرها بنور الأمل"!! تحكي الرواية عن تقسيم شبه القارة الهندية وما نزل بالمسلمين في هذه البقاع من اضطهاد وتعذيب وتطهير عرقي . من هؤلاء المسلمين الشيخ علي بخش مؤذن المسجد الذي قتل وألقي في الجب وترك ابنته دلشاد تعاني الويلات من السيخ كل يوم وليلة لم ينجها من ذلك مؤقتاً إلا تكور بطنها وكبر حجمها فأرسلوها من جمكور إلي أنباله ومن أنبالة إلي البنجاب ليستقر بها المقام أخيرا في معسكر المهاجرين في لاهور . لتبدأ من هناك قصة أخري من العذاب والألم التي كانت تظن أنه سينتهي للأبد عندما تصل إلي هذة البلاد الإسلامية .لكن هيهات !! ستبدأ فصول جديدة من الوجع والقهر والعذاب يبدع المؤلف في وصفه وصفاً دقيقاً موجعاً ومحزناً . يتحدث عن أوضاع المعسكر المزرية عن الموت البطئ فيه ، عن القضاء برداً وجوعاً والعمال يغلقون علي البطاطين ويستأثرون لأنفسهم بالطعام ، يحكي عن الأم التي تخلع ثوبها الوحيد لتغطي طفلتها و" عندما انفلق نور الصباح ، لمع تمثال من المرمر ، كالفضة في ميدان المعسكر ، كان الجسد العاري للمرأة ، التي كفنت ابنتها في ملابسها قد تجمد واقفاً. وقد التصقت جثة ابنتها بصدرها الميت ، كأنها شرعت ترضع منها . كأن فناناً عظيماً قد نحت هذا التمثال الجميل من المرمر . كانت قطرات المطر تلتمع مثل الدُر فوق جسدها كأنه قُدَّ من حليب ، ثمة طبقة من الماء المتجمد فوق عينيها ، نصف المفتوحتين ، كأن دموعها تجمدت هي الأخري مع دمائها " هناك أيضا كانت جثة جد زبيدة ومحمود قد تخشبت من البرد ليترك لزبيدة مهمة الإجابة عن أسئلة محمود المتكررة عن جده وأمه وأبيه ، ويتركها تواجه وحيدة ويلات الأيام القادمة . " تدور رحي الحياة في معسكر المهاجرين ، كأنها فيلم تتابع مشاهده علي الشاشة ، واحداً تلو الآخر ، قبل أن ينتهي " يحكي عن هؤلاء الأثرياء الذبن توافدوا علي المعسكر لأغراض مختلفة ليس من بينها مساعدة هؤلاء المنكوبين . تكرر علي أسماعهم وأبصارهم القصص والحكايات عن عذابات هؤلاء المناكيد لكن وكما يقول المؤلف " ظل السامعون يستمعون والقاصون يقصون وظل الأرز والحلوي يوزعان بالنهار ، وظل سيف البرد القارس يضرب هؤلاء المساكين بالليل ، لتدور آلة العرض في معسكر بلا توقف ، مشهد بعد مشهد ، واحداً تلو آخر.. لا بداية ولا نهاية ، نظام من العطف معقد ومستمر ، نظام يصبح فيه الإنسان مولع بلعب دور الرزاق للإنسان ." وليتهم اكتفوا بالسماع والعطف البارد . كانت دلشاد تعيش علي أمل لقاء رحيم خان حبيبها القديم ، كانت تذكر قسمه ، لو أن القمر أو الشمس أو حتي النجوم اختطفتها ، فإنه سيشق أقطار السماوات والأرض ليعيدها مرة أخري . ومن باب الأمل في عودة رحيم خان ستدخل دلشاد في حلقة جديدة من حلقات الألم والعذاب والإستغلال وسيصبح لقاء رحيم خان هو حجة كل من أراد أن ينهش ذلك الجسد وان يفرغ فيه شهواته وأولهم الحاج مصطفي . وسيكون حال زبيدة هكذا أيضا سيظهر لها كل يوم جد جديد يعطف عليها وعلي أخيها ليعلق المؤلف علي هذا بسخرية مؤلمة " لم تكن لاهور هي المدينة نفسها بل كانت المدينة المنورة ولم يكن أهل لاهور هم عين أهلها ، بل كانوا هم الأنصار ... كلا ! ربما كانوا أفضل من أنصار المدينة المنورة بدرجات ، فها هنا ، وفي كل يوم ، يظهررحيم خان جديد لدلشاد ، ويولد جد جديد لزبيدة . آباء جدد للبنات وإخوة جدد للأخوات ، الأجساد تلتقي بالأجساد ، والدماء تختلط بالدماء "....
فصل الخروج الأخير " علي الأقل في القصة " سيكون في كراتشي سيحكي المؤلف عن انتظار تجار الرقيق والقوادين للكوارث والحروب لتزدهر تجارتهم ، وعن جمال النساء ذوات البراقع وارتفاع ثمنهن وشدة الطلب عليهن ، عن بكاء الشباب والشيوخ علي فردوسهم المفقود في دهلي ، ستدار مصائر الأمم والشعوب علي طاولة في ملهي ، بكأسين من الصودا والويسكي . " عندما تكبر ابنة دلشاد ويكبر محمود أخو زبيدة ، فسيضاف إلي لُحمة الأخوة الإسلامية عضوان عظيمان . أخ فتِيُّ وأخت حسناء .... قوة البدن وجمال الجسم ! هذه هي اللبنات التي بها يعمر الخلق بنيانهم ... قوة البدن وجمال الجسم" ! انتهت القصة لكن علي الورق فقط أما في الحقيقة فهي لم تنتهي ، فهي قصة المسلمين في سوريا ، المستضعفين في غزة والمظلومين في مصر . قصتنا نحن شباب رابعة وما بعد رابعة شباب المعتقلات والمنافي والمكتب القديم والجديد ، الشباب الذي وقع فريسة لأحلامة وأماله ومطامع السادة وبطش الطغاة . هي حكاية الجيل الذي قتلته اوهامه وأمله في عيش حر وحياة كريمة ، حكاية الخروج هنا هي نفس حكاية الخروج في يناير ، الحلم الواحد والمصير البائس ، اختلفت اللغات والاماكن وربما الشخوص لكن ظلت القصة مشابهة تماماً لقصتنا نحن !!
" اللهمإنا نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا علي الناس ، أنت رب المستضعفين وأنت ربنا "
قرأت الرواية بعدما استمعت للمهندس أيمن عبدالرحيم وهو يقترحها في احدى دوراته كمثال على مشاكل المسلمين في شبه القارة الهندية التي هي جزء من مشاكل المسلمين حول العالم والتي يجب الاهتمام بها.
فعلا لا يعلم الكثير منّا عن مشاكل المسلمين في ما سماه أجدادنا ببلاد ما وراء النهر وهذه الرواية تشرح بعض الحقد العقدي في بدايتها تجاه المسلمين وكيفية الانتقام لمجرد أساطير يؤمن بها أعداء الاسلام في هذه البلاد ثم تنتقل الرواية لترينا كيف أن الخلاص التي سعت له دلشاد هو مجرد جحيم جديد سببه من يقتاتون على حاجة الغير بشكل مقرف غير مكترثين للروابط التي تجمعهم بهم وهذا ما نراه في كثير من بلاد المسلمين والعرب للأسف.
في الشطر الأخير يستعرض الكاتب (أو المترجم فلا أعلم من وضع هذا الترتيب) بعض اللقطات التي توضح عدم انسجام بعض أطياف المجتمع الباكستاني مع هوية الدولة الاسلامية, لا أنكر وجود مثل هذه الأطياف لكني شعرت لوهلة أنها وضعت عمدا لاستغلالها في ما بعد كحجة على المسلمين ولو كان بحسن نية لاصلاح المجتمع.
في النهاية لم أجد عناصر روائية قوية (ربما ﻷنها مترجمة) لكن الهدف الأساسي من هذه الأعمال بنظري هو توعية المسلمين بمشاكل أخوانهم في كل الأقطار لعلها تكون بداية الصحوة.