نص إبداعي توثيقي، مرآة لحقبة عصيبة من تاريخ سورية الحديث، مسكوتٌ عنها بفعل ماكينة الصمت الذي يأخذ شكل قوة العادة، وركام الديماغوجيا. لا يعكس مطر الغياب «هواجس» صفوة مثقفين معزولين عن شعبهم وهموم وطنهم، بل يتسلل إلى تفاصيل اشتباك يومياتهم في غمرة انشغالاتهم وملاحقاتهم مع هموم الناس على امتداد سورية والقلق الذي يتبدى أمام سياسات لا تشبه تاريخها الوطني العريق ولا تأبه لأهمية موقعها الذي يتعدى الجغرافيا ليطال التاريخ والثقافة ومجتمعها المتعدد والغني. مطر الغياب مدخل أدبي وتوثيقي لفهم ما آلت إليه مصائر سورية اليوم : ثورة وانتفاضة «محلية» بمطالب إصلاحية عادلة ومشروعة، إلى حرب، وعسكرة لامُسَوِّغ لها ولا ضرورة، وتدخلات دولية وإقليمية سافرة، فكارثة وطنية وإنسانية، تتعدى تخوم الوطن إلى مستويات عليا من التدويل لم يسبق لها مثيل. تلقي صفحات الكتاب «هموم» القمع في العقدين الأخيرين من القرن المنصرم وإضاءة من جملة إضاءات على واقع السجون وخاصة سجن تدمر الصحراوي الرهيب، من خلال تجربة الكاتب ومعاناته التي أمضى فيها سنوات اعتقاله، وأجواء المحاكمات المأساوية ـــ الهزلية في مجرياتها وأحكامها القاسية التي لا تتناسب وطبيعة «الجرم» الذي اقترفته تلك القوى الحية والحريصة على مستقبل سورية وتقدمها. مع ذلك عجز القمع عن إلغاء توق السوريين والسوريات إلى الحرية، وعجز عن إلغاء حلمهم بالعدالة والديموقراطية، ودولة القانون والمواطنة، وإنهاء الفساد. في مطر الغياب كلمة سر هذا الحلم الذائع الصيت: إنها ضرورة وإرادة التغيير.
أول رواية أقرؤها عن سجون الطاغية بعد استقلال بلادي، وهي تتناول سجن تدمر في فترة مختلفة -على ما يبدو- عن فترة سجن صاحب القوقعة، لكن رغم كل شيء يبقى التعذيب تعذيباً والسجن سجناً! الآن لستُ مضطرة إلى تجاهل الكتب التي أقرؤها وهي تتحدث عن سجون النظام السوري الساقط ولدي ترف إضافتها إلى لوائح القراءة مثلها مثل باقي الكتب. كما أنني لم أقرأ هذا الكتاب "تحت اللحاف" حتى لا يدري أحد، كما قرأتُ كتاب القوقعة ومن تدمر إلى هارفرد وخمس دقائق فحسب وما لا أذكره من كتب قصص السجون السورية.