في الستينات اتهم الشاعر برودسكي بالتطفل الإجتماعي ،التهمة تعني أنه عاطل عن العمل لا يبذل جهدا لبناء المجد الشيوعي في الاتحاد السوفيتي. للهرب من السجن لخمس سنوات عند إدانته طلبت محاميته خضوعه للفحص النفسي و بمستشفى تابع للأجهزة الأمنية يصف برودسكي تجربته هناك بأنها الافضع (يغسلون جسدي بالماء البارد ثم يغطونه بفوطة مبللة وبجلسوني قرب مدفأة ساخنة ليبدأ جسدي بالتشقق ) النصوص أثناء المحاكمة هي أجمل ما بالكتاب لكن مع الأسف لم تستطع فريدا فيغدوروفا كتابة سوى جزء بسيط منها حيث منعها القاضي من الكتابة . بالنسبة لي فريدا قصتها مشوقة أكثر من برودسكي فتبنيها لقضيته جعلتها تخسر كل شيء عملها و مكانتها ،كانت من قبل في وفاق مع الحكومة وتختار بعناية اي القضايا تناصرها بما يضمن لها السلامة ، لكن مع برودسكي كان الوضع مختلف فرغم إصابتها بالسرطان و خسارة وظيفتها أكملت دعمها له للآخر كانت تبكي وهي تتخيل العذاب الذي يمر به الصبي كما تصفه ،وأهدته في سجنه آلتها الكاتبة التي لا تملك أديبتنا غيرها. توفيت في الخمسين من عمرها قبل الإفراج عنه بعام وأربعة أشهر . يعلق برودسكي على ملاحظة لقد وقف بجوارك نساء رائعات - لأن الرجال لاقيمة لهم ويجيب على تغير المجتمع السوفيتي بعد تنحي القيصر وبداية الثورة - كثير من الناس اقتنعوا أن كل شيء حدث حسب تكهناتهم كأسلوب لتهدئة وعيهم عدى النساء فالرجل يتمكن من تبرير ذاته بمساعدة التعميمات بينما المرأة ترى التعاسة والحياة الممزقة و المعاناة لهذا تجهش بالبكاء عند التعبير عن الأشياء . من منفاه في أمريكا فاز برودسكي بجائزة نوبل للآداب.
حين أقرأ الآن ما سجلته خلال المحاكمة بعد مضي سنوات عليها يتهيأ لي وكانني أشاهد محاكمة ساخرة. لكن آنذاك لم يكن لدينا رغبة في الضحك إطلاقًا. لم يكن القاضي والسيد تيغالي بالممثلين ولم يكونا يقدمان مسرحية هزلية بل كانا يمثلان القانون والسلطة وكانا يقرران مصير إنسان.
أليس كل الشعراء في محاكمة مع المجتمع ؟ ألسنا كذلك كلنا ؟
محاكمة شاعر لأنه شاعر كتاب مليء بالمفارقات والتناقضات : محكمة | قصيدة سلطة | ادب تطفل | ابداع انسيابية الشاعر المبدع التي تجعله يقول مايقول ويكتب مايكتب ويطلق العنان لروحه ، تم محاسبته عليها من قبل المجتمع قبل الحكومة ،، في محاكمة شنيعة انتهت بالنفي والعقاب