يتداخل الحب بالقهر، بالضياع، وبالأسى في عالم من التناقضات والنقائض، يقع عدد من الشخصيات فرائس للخيبة والهزيمة والجنون. يبحث القتلة عن تبرير يتقنّعون به، في حين يمضي الضحايا في رحلتهم إلى المجهول. تقتفي الرواية أثر الأكراد الذين نزحوا من مدنهم وقراهم البعيدة في الشمال السوري إلى ضواحي العاصمة دمشق بعد سنة 2004، السنة التي شهدت أحداثاً دامية وقع ضحيتها عشرات الضحايا، وتم سجن الألوف، وقد عُرفت في الأدبيات الكردية بانتفاضة 12 آذار. تتقصّى التغيّرات التي طرأت على تفكيرهم وشعورهم المتعاظم بالاغتراب بعد أن أصبحوا نازحين في بلدهم، وقد أفضت بهم محاولات الاستقرار والعمل والتمكّن إلى عقد مصالحة مع المكان وأهله والحاضر ومتغيراته، ولكن سرعان ما صدمتهم الحرب التي دوّت طبولها في الغوطة الشرقية وضواحي دمشق، وذلك إثر نشوب الاشتباكات بين النظام والجماعات المسلحة المعارضة له، فوجد أولئك النازحون أنفسهم ضحايا نزوح آخر، وتهجير جديد إلى وجهات مختلفة هذه المرّة، عادوا إلى ضياع آخر أكثر شراسة وإيذاء. هذه الرواية قطعة من الذاكرة الكرديّة ومن أحلام جيل تهافتت كلّها تحت سطوة الاستبداد والتهميش، قطعة من الذاكرة يرفعها الكاتب في وجه النسيان حتّى لا يتكرّر ما حدث.
كاتب وروائي سوريّ كرديّ، من مواليد الحسكة، عامودا 1978 م، مقيم في المملكة المتحدة/ إدنبرة. عضو في جمعية المؤلّفين في بريطانيا، وفي نادي القلم الإسكتلنديّ، وفي رابطة الكتاب السوريين. تخرّج من معهد إعداد المدرّسين – قسم اللغة العربية في الحسكة سنة 1998 م.
يكتب في عدد من الدوريات العربية وعمل مراسلاً لشبكة الجزيرة نت )القسم الثقافي( لسنوات منذ 2012 – 2017 م. مؤسّس ومدير موقع الرواية نت
تنطلق الرواية من الشخصيات الضعيفة أو «الأبطال الضد» كما اصطلح على تسميتهم، حيث أبطالٌ يراقبون العالم ويرصدون حركته وحكاياته دونما أي بطولة، وحتى حينما يكونون قادرين وفاعلين ومؤثرين فإن فعلهم وحركتهم كلها تبلغ ذروتها في الإيذاء كرد فعل، أو توجيه الآخرين للمزيد من البطش والقهر بالآخرين المخالفين ـ
كما يفعل «المساعد أوّل» باقتدار، في الوقت نفسه لا يكفّون فيه عن السعي في محاولات تحسين أوضاعهم، مهما بلغ ازدراء القدر والعالم كله بهم، لهذا فإن الرواية تعتمد بشكلٍ أساسيٍ على راوية «منجونة» وهي شخصية «بكماء» يسخر منها الجميع ولا يولونها أي اهتمام، بينما تكون الأقدر على استيعاب حكاياتهم وسردها بل فضحها أيضًا في أوقاتٍ أخرى.
لا أريد أن ينتشلني أحدٌ من قعر حياتي، فلاشك أن العتمة التي عشتها أقسى من تلك التي أنا بصدد المضيَّ إليها والغرق فيها، لا أبحث لنفسي عن إجابةٍ لسؤال إذا ما كنت عشبةً ضارّة في فردوسٍ مخادعٍ مضلل أم لا، فمعظم من أتذكَّرهم كان يعُد الآخر عشبةً ضارّة في فردوسه، يلقي عليه باللوم لأنّه عكَّر صفو أيامه، ولولا حضوره الباهت لكانت حياته فردوسًا دائمًا متجددًا. يبدو المقطع السابق وعلى الرغم من كونه ينطلق من ساردة الرواية الرئيسيّة/البطلة، يبدو كأنّه لسان حال أبطال الرواية جميعًا، بل مرتكز الرواية في الأساس، كونه ينطلق من تفسير العنوان بشكلٍ واضح على هذا النحو، من جهةٍ أخرى تبدو الرواية كلها صورةٍ واقعية لحياةٍ المهمّشين والبسطاء، ليس الأكراد فحسب، بل في كل العالم بشكلٍ أكثر عموميًة، فلاشك أننا سنجد مثل تلك الأوصاف والحالات في كل بقاع الأرض على اختلاف جنسياتها وألوانها! ولعلّ هذا أحد سمات الكتابة الأدبية الجيدة، كونها تنطلق من الخاص للعام، وتصوّر أحداثًا وأشخاصًا في بقعةٍ من العالم يتعاطف ويتفاعل معها الناس في شتى بقاع الأرض.
أجاد «هيثم حسين»، وهو الناقد العالم بمواطن القوة والضعف في السرد الروائي على وجه التحديد، أجاد في تقسيم فصول روايته، وتوزيع السرد بين الساردة التي تبدو عليمة وبين الحكايات والمذكرات التي تجدها عند أبطال الرواية، فكل فصلٍ يُفتتح بطرفٍ من حكايتها الخاصة، يتبعه ما قرأته أو سمعته من حكايات الجيران أو الأقارب، حتى تتم فصول الرواية.
أذكر أصداء الحكايات وبقايا القصص، نثار البدايات وسراب النهايات، لا أكترث لتسلسلٍ منطقي، لا أتقيّد بالزمان والمكان، أنتقل من هذه الشخصية إلى أخرى دون شعورٍ بالذنب أو إحساسٍ بالغبن تجاهها. الذاكرة ميدان حريّتي، أعيد ترتيب العالم حسب رغبتي، وحسب الصور التي تتواتر عليَّ، دون أن أستدل على أسباب انهمارها من مختلف زوايا الذاكرة، ومن عتمتها التي كنت أظنّها مدفونة في صحراء حياتي الماضية. كنت مقبرة متنقلة. هكذا يقدّم الراوي من خلال الساردة طريقته في الرواية/الحكي، فهذا ما يجده القارئ في الرواية، تلك الحكايات المتتابعة، والانتقال بين الشخصيات، وإعادة ترتيب الأحداث والعالم، وهو ينجح مع كل ذلك في جذب القارئ لروايته، واستدراجه حتى يستكمل التعرف على رحلة تلك العائلة المأساوية التي ينتهي المطاف بها، بعد رحيلهم من بلدتهم إلى شمال سوريا حيث تطاردهم الحرب هناك مرة أخرى، وكأنهم موعودون بالحرب والدمار أيًا ذهبوا! . على إضاءات https://www.ida2at.com/weeds-in-parad...
ولأنى لاأحب ترك كتب معلقه حتى لو لم تعجبنى اصبحت انهيها بسرعه للتخلص منها كأنها صديق سوء اخذ وقته ورحل ووقتها احمد الله على تركه والتخلص منه لا ادرى معلاقة الاسم بالمحتوى من العشبة الضاره ومن الفردوس وماعلاقة البطله بالاحداث السياسية واى حقبه تاريخيه بالظبط الكاتب شعرت فيه بالخوف كتب دون وضوح ربما كانت بعض الخواطر المتجمعة فأصبحت روايه فى نظره مابين المساعد الاول جميله والاعمى الجنس الزائد مقزز فى الواقع انهيتها ولا انصح بقراءتها خرجت منها بلاشئ فى الواقع رأى قد يكون صادم ولكن لا أجامل فى الكتب
هيثم حسين يمتلك لغة قوية جدا جدا وهذا ما أعجبني في هذه الرواية ، إلا أن الرواية من ناحية الأحداث والحبكة كانت مملة جدا ، أكثر ما أحببته في الرواية بيت الشعر الذي ذكر على لسان إحدى شخصيات الرواية : نسيت من يده أن استرد يدي** طال السلام وطالت رفة الهدبِ
يفتح الكاتب هيثم حسين في روايته الجديدة "عشبة ضارة في الفردوس" نوافذ بيوت بلدة نموذجية ليطل من خلالها على حيوات وهموم مختلفة يجمعها، إضافة إلى المكان، التهميش القومي والسياسي والاجتماعي. تلك البلدة النموذجية من حيث حضور التراجيدي والكوميدي والدرامي فيها هي إسقاط لصورة ذهنية مرتبطة ببلدة بعينها (عامودا) رغم أن الكاتب لا يميزها إلا باسم "البلدة". تقوم الرواية على محاولة تجسيد فكرة أن كل فرد هو عشبة ضارة في فردوس الآخر: "فمعظم من أتذكرهم كان يعد الاخر عشبة ضارة في فردوسه. يلقي عليه باللوم لانه عكر صفو أيامه، ولولا حضوره الباهت لكانت حياته فردوسا دائما متجدداً." ونطلاقا من عنوان الرواية واستهلالها الجذاب الذي تسرده منجونة نستكشف لدى الكاتب تصوراً عما يمكن أن يكون ثمرة الصراع الذي يخلقه تخبط الأنوات "في فردوسها" المزعوم. في هذا الفردوس يمكننا تتبع كل أناة في صراعها على حدة، إذ ليس ثمة ما يجمعها سوى همومها الفردية الأنوية بشكل خاص، رغم أن همها الأكبر والذي يخلق لهذه الأنوات مصيراً جمعياً (لا مرئياً) لا يغيب عن الرواية، بل على العكس، يحضر بصورة مباشرة جداً من خلال أحداث وتواريخ حقيقية مرت على البلدة الكردية. كما أن العنوان يحمل تصورات سابقة على مصائر الأفراد بحيث نجد سعي الكاتب واضحاً لرسم فردوس شبيه، للمفارقة، بجحيم صغير. في هذا الجحيم يحترق الأفراد بنيران مزدوجة آتية من الداخل (نيران صديقة إن صح التعبير) ونيران خارجية تلهب تلك الكرة الجهنمية. مع إصرار الكاتب على دور النيران الخارجية التي تعد التهميش والتحطيم أدواتها، ويتمثل هذا بالإحتلال الداخلي لنظام البعث للكُرد في سوريا. تهميش مضاف إلى تهميش: لا أبتغي هنا إعادة سرد لرواية اكتفت بقول ما أرادت قوله بل أبتغي التركيز على نقطتين هما التهميش والنخل اللذان يبرزهما الكاتب بطرق واضحة وأخرى خفية. ما يتمثل للذهن بمجرد قراءة الرواية هي فكرة التهميش التي، وإن لم تُوصل الأمور إلى حدودها القصوى، تظل حاضرة حضوراً قوياً من حيث أنها المدخل والأرضية التي يبني عليها الكاتب روايته. هذا التهميش الحاصل هو ثمرة العيش في البلدة بقدر ما هو ثمرة لتصور الكاتب لشخصياته. إن فكرة التهميش تلغي هنا (ولا أقول تبرر) كل الأسس الأخرى للصراع الذي يسعى الكاتب لإبرازه. ففي هذا الفردوس الذي يشبه الجحيم لحد بعيد لا نكاد نجد صراعاً شريراً بمعناه العام. إذ أن الشرّ لا يأتي من أحدٍ ما بصورة قوية وتنافسية مقابل الخير، بل يعكس الشر نوعاً من القدرية التي يحكم بها أهالي البلدة على انفسهم. فلو تمعنّا بأكثر الأحداث إجرامية وشراً (عدا إجرام المساعد اول) لايمكننا إدانة الشرير إدانة واضحة صريحة، إذ أن البؤس المعمَّم أقوى حتى من الشر الذي يخلّفه هذا البؤس. هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى فإن أبعاد الخير والشر مختلطة ولا تقاس بمقاييس معروفة كمقياس الدين، أو القانون أو أخلاق المجتمع، بل تتعلق بالخيال الشعبوي والأحكام الاجتماعية كمثل الأحكام الخاصة بالمرأة أو قوة الإشاعة وتأثيرها في تغيير الأقدار. نتساءل هنا: هل يمكننا أن نرى في ذلك الإحجام عن إدانة الشر قوة للرواية أم ضعفاً لها؟ حقيقة لا أتخيل أية إمكانية لإعطاء الشر لمَعانه الشيطاني في بيئة شبيهة بالبلدة التي يرسمها الكاتب. لهذا فإن كل إدانة للشر لا تُقيّم إلا بالتفكير مجدداً بالنقطة الجغرافية المنتهَكة التي تولِّد الشر وتعززه أو تخفف من جرمه. أي العودة إلى مكانة البلدة من حيث تموضعها في أسفل السلم الإجتماعي والسياسي والضغط الممارس عليها من رأس الهرم انتهاء بأضعف نقطة فيها وهي النقطة التي تنتهي بمنجونة المهمّشة والمشوّهة. ولا يتعلق الأمر بتبرئة أطراف الجرم والتهميش بقدر ما يتعلق بالعامل النفسي الذي يلف تلك الأنوات البائسة الجامعة للخبث والبساطة في ذات الوقت. إن سمة التهميش لاتتفرّد بها رواية "عشبة ضارة في الفردوس" فحسب، بل ترد كذلك في كل روايات الكاتب بحيث تصبح الثيمة القائدة فيها، وإن كانت غير واضحة المعالم رغم حضورها الكامل. هذه الروايات تحدث كلها في ذات البقعة الجغرافية وتولّد بالتالي ذات المعالم المشوهة للإنسان الكردي المكلوم. هذا التتبع (اللا إرادي) لحياة المهمشين الفريدة يصورها الكاتب من عمل لآخر بتصعيد التهميش من جهة مقابل ازدراء البطولة من جهة أخرى. ففي "إبرة الرعب" التي تحدث في بقعة جغرافية شبيهة بـ"البلدة"، يختار الكاتب بطلاً مستهتراً بالبطولة، يختاره مهمشاً ومن عائلة مُورس عليها التهميش طويلاً ليؤسس عالماً غريباً، فيه معالم الخير والشر غير واضحة... أما في "رهائن الخطيئة" فلا شيء يمكنه البرهان على الدرجة المتدنية من التهميش سوى سيرة الأخوين أحمى وعلو بكل تفاصيلها بدأً من طفولتهما وحتى شبابهما وتخبطهما اليائس في أقدارهما. أما عملية النخل وإنتقاء أكثر الأفراد تهميشاً فتتجلى واضحة أكثر في "عشبة ضارة في الفردوس" من خلال إختيار تسليم مفاتيح السرد لمنجونة. إذ يفتتح الكاتب الرواية بالكائن الأكثر هشاشة وبالحدث الأكثر مأساوية. منجونة الساردة التي تمد الرواية بالحكايا تغرق وهي تكرر بوضوح تام كل الرفض الذي تلقته في حياتها. إنها تختار غرقها وشخصيتها وكل صورها الرديئة في عين المجتمع في رحلتها نحو الأسفل. تختار هامشيتها وهي تغادر عالم المهمشين المحيطين بها. هل ثمة شي أكثر وضوحاً من إصرار منجونة على موقعها الهامشي في عالم الأحياء ثم الأموات؟ شخصية منجونة تثير التساؤل حقاً. هل هي أعظم مما تبدو؟ هل هي أسوأ مما تبدو؟ أهي التي تساعد الكاتب في ترتيب الحكايا أم أنه يستخدمها استخداماً لا أكثر؟ ماهو واضح في متن الرواية هو أن منجونة هي إبنة وسطها المهمّش بحق، لكنها تختلف عن الآخرين بكونها لا تحارب ولاتناقض ولا تتمرد. وحتى حين تتولى سرد الحكايا نجدها غائبة كفرد غياباً تاماً كما هي في حياتها: "بكماء"، "متلعثمة"، "قطعة أثاث"، بلا مزايا. وبالمختصر عشبة ضارة في فردوس، عشبة، لا زهرة ولا شجرة، بل عشبة عديمة النفع، وضارة. أما الدور الذي تقوم به فهو دور مشكوك فيه، فلا ندري إن كان الكاتب يقصد استخدامها ليضفي عليها أهمية حُرمت منها، أم أنه يزيد هامشيتها بأن يستخدمها لتلتقط له حكايا الآخرين. فإضافة لكونها عكازة أبيها وعيون أمها فهي كذلك خيال الكاتب وأفكاره، ويده التي تكتب. إنها ليست سوى أدوارها. منجونة التي لاتظهر إلا لتؤدي دورها في إيصال الأصوات الأخرى وإرسائها على الورق ليست في الحقيقة وعياً على الإطلاق. إنها كائن من ورق إن صح التعبير. لكن ما دلالة خلق مثل هذا الكائن في الرواية؟ ألا يمكن أن يكون اختيار منجونة كساردة هو إحدى خطوات الكاتب للإقتراب أكثر فأكثر من حياة الهامش التي قُسمت لمنجونة ولأفراد البلدة وللكُرد عامة في البلاد التي تحكمهم ؟ ألا تكون دلالة اختيار كائن "شبه معتوه" تمسكاً بالهامشية؟ لا أكاد أرى، حقيقة، في تسليم مفاتيح السرد لمنجونة إلا اقتراباً من الهامشية وعوالمها (خاصة أن إعطاء الأولوية لمنجونة في السرد لا يعني مطلقاً انحياز الكاتب للجانب الأنثوي أو دعمه)، رغم قناعتي بأن منجونة في ثورتها الداخلية والإلتفاف على كل مخططات الآخرين ودخولها الخفي في عوالمهم هي اليد الوحيدة التي تكتب الرواية.
بناء الرواية: لايتوقف تأثير الهامشية على تصوير شخصيات متمرغة في البؤس والحيرة فحسب بل تتجاوزه لرسم مصائرهم بطريقة لايمكن فصمها عن كينونتهم. من وجهة النظر هذه، نجد أن الكاتب يقطّع جسد الرواية بكسر الزمن التقليدي الموصوف بالتتابع الزمني وذلك بخلطه أولاً بطريقة عشوائية "ترتيب حكاياتي بما يوافق هندسة الذاكرة، لا سياق الواقع المسجل أو التاريخ المفترض."، وبواسطة التباطؤ والتسريع الاختياري في وصف الأحداث ثانياً. فالزمن إما بطيء يتراوح في مكانه أو مسرَّع يبتلع الأيام والسنوات بطريقة غير متوقعة. لكن الملفت أن الأحداث المهمة والمصيرية لاتحتل إلا الجزء الأقصر من الزمن بينما البطء مخصص للسرد والوصف والأحداث التي لاتحمل معها تغييراً مصيرياً في حياة الشخصيات. ومن وجهة النظر هذه، لا أجد إلا رابطاً قوياً بين فكرة التهميش الواقعي للأفراد والتهميش الممارس عليهم من قبل آليات السرد المختارة. لكأن السرد يبوح بسر اختياراته فيحكم بألا تفضيل هنا للمصائر أو امتيازاً لحدث على آخر. فلا أبطال هنا ولا أحداث تستدعي النظر إليها، الجميع في البؤس سواسية. كذلك فإن انتفاء العقدة المركزية في الرواية يسلط الضوء لا على الأحداث بل على صورة المجتمع ومصادر تهميشه والأيادي التي تلعب بأقدار أفراده. كما أن لانتفاء هذه العقدة علاقة مباشرة مع قيمة الفرد وقيمة مصيره في حياة البلدة. فالقيمة الملغية للأفراد يبرزها الكاتب بالقفز السريع على المصائر المتشكّلة فيما يتوقف طويلاً عند المواقف التي تهتم بكشف المستور وإيضاح الرؤية العامة للبلدة، لهذا نرى مصائر تحاك بسرعة إعجازية وبسهولة غير متوقعة. فتصبح جميلة ابنة نغم بلمح البصر وتمر قصة خيانة بهو بسرعة مرور إشاعة، كذلك الانتقال الفعلي لدمشق وعقد مصير جميلة لايحتاج سوى لبضعة أسطر، والأهم السرعة في إنجاز عمليات القتل التي يقوم بها الجهاز الأمني داخل وخارج البلدة. وفي المقابل يسهب الكاتب في وصف الأسماء والحالات وبصائر وأفكار أفراد البلدة وحركة الإشاعات والفرضيات المحكية فيها. في هذه الرواية القوية بلغتها وباختيار المفردة الضرورية دون غيرها، وبنقل الواقع حيوياً ونابضاً على الورق يعيد الكاتب سيرة البؤس الواقعي للكردي. لكنها سيرة تتغلب على بؤسها للحظات بفضل الميزات التي اختُصت بها البلدة دون غيرها، كقدرتها الخارقة في التحويرات وتأليف القصص ونسف الواقعي فيها والأهم جعل الإشاعات الوجه الآخر المُحكم لحياة أفرادها. إنها عامودا التي لاتتكرر. تنتهي الرواية بما بدأت به وهي تسعى لأن تغلق علينا دائرة لم تتمكن تماماً من رسمها بشكلها الدائري المأمول. فنوقن من خلال تلك الدائرة غير المغلقة أن هناك شيئاً أكثر من الفردوس والجحيم في البلدة، هناك الكردي الضاحك الذي يسخر من كل الدوائر التي تُغلق عليه، ومن كل الحدود التي تردعه باحثاً عن مصير يشبهه هو، لا غيره.
• الرواية صادرة عن منشورات مسكيلياني، وميارة في تونس 2017م.
ينطلق السرد في هذه الرواية على لسان طفلة تشكو النبذ و التهميش من كل ما يحيط بها من أفراد و جماعات و رجال دين و سياسيين لترسم بذلك صورة أكبر عن الاقصاء الذي تتعرض له العرقية الكردية في سوريا على مدار سنوات من التاريخ المعاصر تحت حكم حزب البعث و الأحداث الدامية و الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية التي عاشها الأكراد و غيرهم من الفئات.
لا ينتصر الكاتب لمظلومية الأكراد بقدر ما يكشف عن مساهمتهم في تشكيل فصول مآسيهم بأنفسهم من خلال تبني سلوكيات تجعلهم أداة طيعة لدى السلطة متمثلة في شخصية "المساعد الأول". و يرصد الكاتب أيضا مسارات بقية الشخصيات في بحثها عن الخلاص الفردي من الضياع و .... العبث.
عشبة ضارة في الفردوس هيثم حسين دار مسكيلياني ٢٠١٧م ٢٢٠ص ⭐️⭐️⭐️ ——— أزمة الهوية هي المحور الرئيس الذي تدور حوله أحداث هذه الرواية ، الكرد ، تكوينهم النفسي ، و حياتهم الاجتماعية ، و الاقتصادية ، و السياسية ، و أوضاعهم وسط الحروب ، و في الهجرة و النزوح لمناطق أخرى ، ليواجهوا الحياة بأزمات متجددة في كل مكان . محاولة بعض في تقمص هوية ثانية ، أو التخلي عن أي هوية و الانكفاء على الذات ، أو اتباع الأقوى و البقاء تحت مظلته . الساردة (منجونة ) البكماء ، التي مكنها عجزها من تتبع الحكايات و معرفة الخبايا لكل الشخصيات المحيطة بها ، لتصنع عالمها من جهة و لتكون شاهدة على تلك التحولات من جهة أخرى . و لم تكن نهايتها سوى فعل أقوى / أضعف في آن لمواجهة الواقع و الحياة . هل تحتمل الحقيقة الكتمان ؟! هل تغييب أو تمييع الهويات طريق شائك في توريط المجتمعات و زرع المزيد من العنصرية و الفرق ؟! هل نصدق خططا كخطط ( المساعد أول ) في الرواية لتوهيم الناس بأن هوية ثانية هي الأجدر و الأفضل لكم كي تعيشوا في رغد !؟ رواية تطرح الكثير من التساؤلات ليس حول الهوية الكردية فحسب ، فهي رواية تفضح جزءا مما تعانيه أي أقلية في الوطن العربي . تنوعت الشخصيات في الرواية بين رئيسية و مهمشة ، و لكل منهم صوته الذي يبرز المعاناة و يصور الأزمة ، من منجونة و عائلتها حتى الأطفال الصغار في الشارع و النساء المختبئات في البيوت .