رجل العسل، هذا هو اسم زهران القاسمي، لا صفته! وهذا نصّه المشغول كلّه ببشر لا يملّون البحث عن أنفسهم، ولا يتوقفون عن المشي فيها بذريعة البحث عن العسل الجبلي اللذيذ، يقتفون أثر النحل الفَطِن، يقابلونه بذكاء الإنسان الذي يزعم -في كلّ مرّة- أنه تمكّن من هذا النحل، فراح يبحث فيه عنه بعيدًا جدًا على أثر طيرانه المستقيم، وهو قريب منه، في مسافة نيّة جائع.
رحلات كثيرة للبحث عن العسل الجبلي، عن النفس في وجودها النقي، في فطرتها الأولى، وعمّا تشبّه فيه أحدهما بالآخر. خرج ثلاثة أصدقاء: عزّان بن سعيد، عبد الله بن حمد، وناصر بن سالم الحطّاطي للبحث عنه في الجبال البعيدة. صلوا الفجر، شربوا قهوتهم، وقرروا المشي. ولأن البحث عن النفس يستدعي الانفراد بها، بخوفها، بجوعها، بغضبها، بغارتها على نفسها، بذاكرتها في مواجهة صريحة، يفترق الثلاثة بقوة الطبيعة، كائنات ضئيلة أمامها؛ لتحقيق ذلك الانفراد الصريح: أنت وحدك. جوع العسل نص رائع، مكتوب بعسل نحل جبلي جائع. هكذا قرأته، أقصد تذوقته.
وأنا أقترب من نهاية هذه الرواية، فاتني أن أُحصي عدد أسماء الجبال والوديان، وأنواع الطيور والأعشاب، والحيوانات والحشرات، وقبل ذلك موضوع هذه الرواية: العسل وأنواعه، والنحل وأسلوب حياته. كانت كل هذه العناصر المضمنة في الرواية من الكثرة بحيث يمكن أن أعتبرها رواية عن البراري في عُمان، وعن إنسان هذه البراري، الملتحم بها، والمتطبع بطباعها.
في أول الأمر، ساءني كثرة الشخصيات وتفرعها مع عدم إعطائها حيزا كافيا يرصد نضجها وتحولاتها، ولكنني بعد أن تفكرتُ مليا، وجدت أن تعدد الشخصيات في هذه الرواية تحديدًا يخدم وحدة الموضوع، وما مجتمع القرية هنا إلا خلية أخرى، هناك حركة دائبة من الجميع، يؤثرون في بعضهم البعض.
اُعجبتُ بشكل خاص بشخصية الشاوية "ثمنة" _ 'الشاوي/ة، جمعها: شواوي، هو لقب يُطلق في عُمان على من يسكنون في الجبال ويعملون في الرعي، ويكتفون بالقدر القليل من أشكال الحضارة. ورغم أن شخصية "ثمنة" لم تظهر إلا في ثلاث مواضع أو أربع إلا أن حضورها كان طاغيًا، كانت بشخصيتها وعينيها العسلتين نحلة أخرى من النحلات التي تجد لنفسها بيتًا في كهوف الجبال، وحين كان النحال عزان بن سعيد يقتفي أثرها، فهو يقتفي أثر نحلة تغريه بالعسل. وهكذا هو حال رفيقيه وحال أي نحَّال آخر: هناك دائما رحلة توازي رحلة البحث عن العسل الجبلي، بحث عن عسل من نوع خاص: قد يظهر على هيئة إنسان وقد يكون على هيئة شيء آخر.
مستوى إعجابي بهذه الرواية كان يعلو حينا، وينخفض حينا. بعض الصفحات احتوت على التقاطات مدهشة من الحياة البرية، وذكاءًا في رسم الشخصيات، وفي أخرى لمستُ ضعفا فنيا، عدم وضوح في النقلات الزمنية. ما يميز هذه الرواية أنها فريدة في موضوعها: فيها طعم الشهد، ولسعة النحل.
حينما بدأ هذا الأسبوع كنت أشعر بأنني مدهوسة من قبل شاحنة كبيرة، وبأنني كنت طيلة الوقت مطالبة بتجميع أجزاء مني حتى أستطيع مواصلة الحياة، وفجأة طلبت مني زميلتي في العمل أن أبحث لها عن روايات خليجية مناسبة للباكلوريا الدولية فظهرت الرواية في وجهي، حملتها بنسخة الكترونية على الإنترنت وشرعتُ في القراءة، ومع كل جملة أقرأها، كل سطر وكل وحرف كانت روحي تتحررُ من أقفاصها وتسبح في المتخيل، في العاطفيّ الروحاني، في السارح البعيد، ومع زهران كان جسمي دائماً يرتعش حقيقة لا مجازاً مأخوذة بهذا السحر وبهذه الدهشة، وبهذا الجلال. أخذني من دنياي الضيّقة، وسحبني معه من يدي نحو الجبال والتلال، نحو سير النحلات البعيد، نحو الزهور البريّة، نحو الفطرة والبدايات الخام، وشعرت بأنني بعيدة ومنسيّة وسعيدة أيضاً.
قرأت هذه الرواية بقلب مكسور وانتهيتُ منها بقلب مضمد بشاش لونه أبيض، وفكرت أن كل روايات زهران تحتمل سعياً نحو مجهول بعيد، في تغريبة القافر كان الماء، وفي جوع العسل كانت خلايا النحل البعيدة، استمتعت وأنا أقرأ، أخذتني الوصوف نحو الطبيعة الغرّة، نحو البدايات ونحو التخلّي عن الماديّات فلا شيئ مُستحقٌ فعلاً، وبالرغم من العنوان الذي بدى لي غريباً وكليشيهاً بعض الشيئ إلا أنني أحببت هذا المسير، وهذه المراقبة الدؤوبة للتفاصيل، وهذا الافتتان الحاد بالطبيعة، وشعرت أثناء القراءة أنني بت أنظر للرجال الذين يبيعون العسل بنظرة مختلفة، وبأن ما أراه أمامي أكثر تعقيداً وصبراً وجمالاً مما أظن، تذكرت الشيخ والبحر، وتذكرت منيف وهو يطارد أسماكه في البحر، وشعرت بجمالية الأدب وهو يخطفني من دُنياي الضيقة لدنيا أكثر اتساعاً وجمالاً مما أظن، وبأن الأدب الجيّد واهب ومحررٌ ومهذب، وأنه وسيلة نجاتي في مقاومة الأيام حقيقة لا مجازاً .
أحببتُ زهران، أحببته وهو يكتب عن العاطفة، أحببته وهو يصف مشاهد حميمية برقّة آسرة تتماهى مع البيئة والطبيعة، وأحببت هذه الرواية التي أعادتني لفكرة القراءة والكتب والمكتبة، وكيف أنني بلمسة واحدة من الأدب ترجع لي مشاعري حيّة مرّة ثانية، كأنه مرهم عثرت عليه صدفة بينما أحاول عيش الحياة لأتفاجئ بقدرته اللامتناهية على الشفاء .
رواية بسيطة، هادئة وجميلة. تتحدث عن رحلة بحث ثلاثة اصدقاء عن عسل جبلي. وبينما نحن معهم على سفح هذا الجبل او ذاك، يأخذنا زهران القاسمي معه ليحكي لنا تاريخ هؤلاء الاصدقاء وقصصهم، احزانهم وافراحهم، ونجاحهم وفشلهم. فنكتشف ان هذه اكثر من قصة بحث عن عسل، بل أيضًا رحلة بحث عن النفس.
بدأتُ قرائتها في الرياض، وأنهيتُ الشطر الكبير منها في الأجواء من جدة إلى مسقط وأنهيتها كاملة في منزلي في وادي حطاط.
وادي حطاط، وناصر بن سالم الحطاطي إحدى شخصيات الرواية. رواية تسلط الضوء على ثلاثة أصدقاء هم عزان بن سعيد، عبدالله بن حمد وناصر بن سالم الحطاطي. جمعهم حب الجبال ووعورتها، وجوع العسل.
لكل منهم قصة،وقصة ناصر بن سالم هي التي مال لها قلبي، ممكن بسبب لقبه الأخير .
الملفت في هذه الرواية المعلومات الغنية المتعلقة بالعسل وتربيته وأسماء النباتات وأسماء الجبال والأودية والهضاب.
يتهيأ لي أن الروائي زاهر القاسمي هو شاوي بحت أو من أصول شاوية لانه كتب تفاصيل دقيقة لا يعرفها إلا الشوّان أو من اعتاد على مجالستهم.
فهلوة جميلة من زاهر حينما أورد معلومة تتعلق بغليون حطاط على أنه أجود أنواع الغليون. هذي الحقيقة لا يعلمها إلا القلة، وأجد أن زهران استقصى المعلومات بحرفية عالية وأوردها في سياق فذ لا مثيل له. وأقول له، ربما مضغة حريمل التي أعطاها لناصر بن سالم لا تُعادل مضغة جدي حمد بن سعيد الحطاطي 😎
أعجبتُ واستمتعت كثيرًا قي قراءة جوع العسل وأحي زهران على هذا السرد المُتقن
"أتذوَّق" هذا النَّص من زاوية مُختلفة، عن تفاصيل الإنسان العُماني الباحث عن خلايا العسل فوق الجبال الشاهقة، تتفرَّع الفكرة ليشارك الجميع في حُب العسل، بسرد آسر جعلني أتوق لأن أعيش هذه التجربة الفريدة، ومن جهة أخرى أستفهم هل يبحثون عن العسل الجبليّ، أم يبحثون عن أنفسهم وذواتهم؟ أمام الطبيعة البِكر، بين السفوح والوديان، وهواء قُرى عُمان الذي ينساب للرّوح فيُعيد تشكيل كل المفاهيم. استطاع #زهران_القاسمي أن يحكي عن العالم النفسي والاجتماعي للشخصيات، ويكشف أنَّ #جوع_العسل هي الرغبة المُلحَّة للبحث والجوع الحقيقي لاكتشاف المجهول خلف الجبال.
✏ ▪ ▪ اسم الكتاب: #جوع_العسل المؤلف: #زهران_القاسمي نوع الكتاب: رواية مكان الشراء: هدية من الجميلين @box_of_reading عدد الصفحات: 222 الدار: مسعى للنشر والتوزيع ✏ هل الكاتب #زهران_القاسمي هو أحد أبطال هذه الرواية الجميلة .، هل ببحثه عن العسل في قمم الجبال .، كان يبحث عن ذاته ؟! ستجد نفسك لا إرادياً تبحث عن "عسل" في البيت لتذوقه .، لتأمله .، ستذهب مع #زهران_القاسمي في رحلاته مع أصدقائه إلى الجبال البعيدة والعالية .، ستشعر بالتعب وأنت تمشي وتمشي وتصعد للبحث عن خلايا النحل والعسل .! ▪ ▪ كنت أقتفي أثر النحل وأقتفي معه أثر "ثمنة" .، كانت تعويباتها تصل إلى مسامعي وكأنها طنين النحل .، فأصمت .، علّني أصل إليها .، أجدها .، لـ أسد جوعي بها .، فـ بين "عسل النحل" و "ثمنة" مذاق لذيذ .، للحظة تمنيت أن أكون تلك الشاوية التي تتجول بين المراعي والجبال بصوتها الجميل والحزين .، وبعينها العسلية وكأنها ملكة من ملكات النحل التي يبحث عنها "عزان" .! ▪ ▪ ستدخل مع هذه الرواية لشخوص وحياة جميلة جداً .، لحياة بسيطة .، وقصص مدهشة لنساء ورجال عُمان .، ستتعمق بطريقة وصف الكاتب لها .، ستندمج معها .، أسلوب شاعري ولغة مُطعمة باللهجة العُمانية التي أعشق .، وكما يقول "حسين المحروس": #جوع_العسل نصٌ رائع .، مكتوب بعسل نحل جبلي جائع .! هكذا قرأته .، أقصد: تذوقته .! فعلاً ستتذوق حروف هذه الرواية ووصفها الدقيق بلذة وحلاوة كحلاوة العسل الذي كُتبت به .! ▪ ▪ كل الشكر لك أستاذ #زهران_القاسمي للحلاوة التي تذوقتها في حروفك وكلماتك وروايتك الجميلة .! ✏ كتاب رقم: 200 + 18 لسنة 2017 ❤📚 ▪ ▪ 📝 ملاحظة مهمة قررت أحطها مع كل رڨيو: لكل قارئ ذائقة مختلفة .، فأي كتاب يعجبني ما لازم يعجب غيري .، الأذواق تختلف والقراءات تختلف من شخص لثاني .، ف اقرؤوا وقيموا ولا تعتمدون على تقييمات أحد .، اووكي ؟! ▪ ▪ #مثقفات #قارئات #محبي_القراءة #أصدقاء_القراءة #أصدقاء_الكتاب #كلنا_نقرأ #القراءة_للجميع #الحياة_بين_الكتب #تحدي_القراءة #تحدي_100_كتاب_الرابع #كتبي #مكتبي #أمة_إقرأ_تقرأ #ماذا_تقرأ #القراءة_عالم_جميل #البحرين_تقرأ_10000_كتاب #الغرق_في_الكتب_نجاة #أحلم_بشغف #تحدي_الألم_بالقراءة #أنا_وكتبي#نجاتي_تقرأ #najati_books #ichooseabook #أنا_أختار_كتاب
��وع العسل- زهران القاسمي . كيان روائي رائع يأخذك تفاصيل البيئة العمانية بجبالها وسهولها؛ يعكس إليك ارتباط القاسمي بهذه الأمكنة الاستثنائية. ثلاث شخصيات، تدور في فلك الرواية تربطها الصداقة وشغف البحث عن العسل، ولكل شخصيّة عالمها الجوّاني.
أعتقد بأني محظوظة لقرائتي للرواية بعد قراءة رواية الجوع للكاتب النرويجي كنوت هامسون قبل فترة، والتي تدور حول فلسفة الجوع وضراوته التي تستشف الذات وتضعها تحت مجهر الضغوط الحياتية إجمالاً.
عزّان بن سعيد، عبد الله بن حمد، وناصر بن سالم الحطاطي شخصيات لها علامتها الفارقة واستطاعت بجدارة إثراء مخيلتي في جو طبيعي خالص بعيداً عن الافتعال.
رواية تغريك بالسفر إلى عُمان للبحث عن العسل الجبلي رواية جميلة هل كان "رجل العسل" زهران يكتب جزءًا من سيرته ف عزّان على وزن زهران لفظًا رواية بها استرجاعات كثيرة ولقد نجح الكاتب في استخدامها تقنينًا ومن الجميل دراسة المكان بها نقديًا لتعدده وتنوّعه بين المغلق والمفتوح واختيار غزان في النهاية الأرض المفتوحة كالكهوف والسيح والبقاء في البرية بعيدًا عن القرية وحياتها الاجتماعية المدنية ونيته الزواج من الشاوية الدائمة التنقل ومن الممكن دراسة الرواية من الناحية النفسيّة ودراسة نفسيّات الأصدقاء الثلاثة سيما نفسية عزان.. الآن كيف اسكت جوع نفسي للعسل.؟؟؟؟
بدا لي الكتاب أقرب إلى مجموعة قصصية منه إلى رواية، فشخصيات الرواية كثيرة، وكل شخصية لها قصتها الخاصة، بعضها يلتقي مع بعض، وكثيرها لا يلتقي.
اللغة الفصحى قوية، واللهجة العامية التي يكتب بها جميلة، وإذ يكتب باللهجة البدوية يغدو الكلام أجمل.
أما العسل في الرواية فاثنان؛ العسل البري الشهي الذي يحصل عليه النحالون من الأشجار والصخور، والعسل الأنثوي.. الرواية تجعلك تجوع إلى كلا النوعين من العسل.
" تتناثر زجاجات الخمر الفارغة لقد انتهت دورة حياتها و انسكب ما كانت تحمله في بطونهم، لتبقى هناك تلفحها شموس الأيام الصهدة حتى تتطاير الأوراق الملصقةعليها ، يتكدس الغبار على زجاجها اللامع و تتبخر رائحة الشراب النفاذة التي كانت معتقة داخلها ثم تأتي اليد التي تأخذ بأعناقها و تجمعها لتعيد لها مكانة أخرى في المحبة تأخذها يد العسال، تنظفها مما أصابها من نوائب الدهر فيعود زجاجها لامعا، ثم يسكب في بطنها عسله الذي يبدو من خلف شفافية الزجاج البلوري اللامع نقيا، و لذيذا و مسيلا للعاب الباحثين عنه "
. الرواية عبارة عن رحلة تناقل بين الأزمنة و المكان لشباب القرية جمعتهم أخوية العيش و القدر عبر جني العسل
لم يكن هناك بطل رئيسي للرواية كما اعتدت بل أفراد القرية كانوا جميعهم أبطال الرواية، أدارهم المؤلف بالتساوي ، بالضبط كما نحن نؤدي دور بجانب أدوار الآخرين في الحياة
استمتعت بحكايات القرية التراثية العادات و الغزل الخجول و بت أكثر تقديرا لعسل ظفار السلطنة العمانية، لسرده تفاصيل من واقع جني العسل من الأودية و الجبال برية كانت أم من مزرعة مناحل الذي احتل النصيب الأكبر من صفحات الرواية
يأخذك زهران دائما لعالم مختلف بغواية ساحر (عادي لأنه عماني) يدخلك عالمه فينبض قلبك كثيراً مع تعويبات ثمنة بصوتها الرخيم ليخرج من صدرك ما يشبه الطير يحلق في الأجواء، دخلت عالم النحل اقتربت من الملكة وتذوقت بعد جوع عسل بالشينوز ، عرفت أن الشبع مفسدة وأن جوع الروح يفوق كل جوع، هذا الرجل يحب أن يأخذنا للجبل (يفكرني رشيقة وعندي لياقة) صعدت للجبل الذي أحببته من روايته القناص وتعودت صعوده( طبعا في القراءة بس )تعرفت على الكثير من الزهور والأعشاب وضعت قليلا من الجعدا في الشاي، القليل فقط لتستمتع بلذتها، عرفت معنى اللوفري ودخلت عالم النساء وعالم الرجال خبايا وقصص مدهشة ، الوصف عنده عالم دقيق جدا يصف لك الشيء وكأنك تراه، تخبره وتعرف تفاصيله بالرغم من إني لا أحب الوصف لكني أحببته هنا لأنه وهو يصف لا ينسى أن يباغتني بحكاية لطيفة تدهشني فأغفر له هذه الدقة في الوصف. تمنيت أن أكون شاوية تجوب الجبل وتشبه كثيرا ملكة النحل ببريق العسل في عينيها يتبعها عزان كما يتبع النحل الملكة عالم مشوق ومدهش هو جوع العسل مش حتقدر تسيب الكتاب
جوع العسل رواية مليئة بالوخز الروحي ، تأخذنا حروفها إلى رحلة البحث عن العسل المشتهى، هذا العسل الذي يختلف مذاقه من شخصية إلى أخرى . نلمس في الرواية طغيان الثقافة الشعبية العمانية و هذا يتجلى في عدة نقاط: ضيافة البدوي لعزان، تغطية زوجة البدوي أمام عزان لأنه غريب ، عادات البدو و رقصهم ، تعويبات التي تلقيها الشاوية ثمنة.. الخ . كما نجد أن الرواية تغوص بنا عميقا في دواخل لنفس البشرية، و تجمع لنا العديد من أنواع الجوع، لطالما ارتبط الجوع بالشبع هذا الأخير الذي لن تجده النفس البشرية أبدا، لان الإنسان بطبعه دائم الطلب، وهذا ما تجسد في مختلف شخصيات الرواية بداية من عزان الذي سحبه الجوع الروحي إلى هاوية الادمان و معاقرة الخمرة، ليستفيق في لاخير على خبر وفاة والديه، عزان كانت تنقصه بوصلة الوعي ليخرج من متاهة الضياع التي أَسَرَ نفسه فيها فصار مثل نحلة فقدت قدرتها في جمع العسل، كلما يقترب منه احد يؤذيه و يؤذي نفسه كما حدث مع سارة التي فقدت عقلها . قدّم لنا الكاتب شخصية عزان في قالب يدفعنا للتعاطف معه بدل لومه و الغضب منه،لان عزان يشبه كثيرا ذواتنا العارية الجائعة، التي تأبى الشبع و تتطلع دوما نحو المزيد. في البداية كان عزان يرى في بحثه عن العسل هلاكا لابد منه، فحسب ظنه انه يستحق كل هذا الوخز و الألم لأنه تسبب في وفاة والديه ، لكنه وجد حياة أخرى في سعيه نحو الموت و تعرف إلى مخلوقات صغيرة أنسته وحشية البشر، فرقصت روحه فرحا كما ترقص النحلات فرحا لوجود العسل. جوع العسل إذن عنوان يبوح لنا بالكثير فهو يقوم على ثنائيتي ( الحرمان /اللذة) ، هذه الثنائية لازمت كل شخصيات الرواية التي تنقاد نحو جوعها : مثل عبد الله بن حمد الملقب بـ( المغيزلو) الذي يقوده جوعه الغريزي ورغباته الشهوانية ، والحطاطي المعروف بتعاطيه الكيف الذي قادته رغبته في الوصول إلى قمة اللذة و الهلوسة ، و شخصية وضحى التي قادها جوعها المعرفي نحو عناوين مهلكة مثل كتاب شمس المعارف و غيرها ، اما سارة فقد فقدت عقلها في سبيل اشباع جوعها الروحي الذي ظل ملازما لها. فالجوع هو الحرمان و العسل هو اللذة التي تختلف باختلاف الاحداث و الشخصيات
"كل رحلة تحتاج إلى رفقة، فالرحلة ليست هدفاً، والبحث عن العسل ليس مهماً، الرفقة هي الأهم.. هي من تصنع الذكرى للسنين المقبلة وهي من تفتح سيل الحكايات في الظهيرة تحت ظلال الأشجار الجبلية.. تلك الظلال البائسة الضئيلة حيث ينكمش كل شيء ويبقى مجرد خيال ظل تحت كل جذع.. هناك سينكمشون، يحاصرهم الحر والوهج وانقطاع الهواء والعطش" جوع العسل
قرأتُ لزهران القاسمي سابقًا تغريبة القافر والرّوع.. ما يشدّني دائمًا في أعماله هو اختياره لمواضيع غير مألوفة لينسج حولها حبكات متفرّدة.. مقتفي الماء، الفزّاعة، النحّال!
كيف لخياله، المتكئ على معرفة عميقة بالثقافة والبيئة العُمانية، أن يتحد مع هذا الأفكار ليصنع نسيجاً سردياً مدهشاً يفتح لنا أبواب عوالم لم نفكر يوماً في طرقها؟
أجزم أنه لا يخلو بيت من علبة عسل، ولا متجر من رفوف مكتظة بأنواعه.. ومع ذلك، لم يخطر لي أن أتساءل يوماً عن أسرار هذه المهنة، عن صعوبتها ولذّتها، وعن العالم الذي يدور حولها في صمت.. أخذتني رواية "جوع العسل" إلى هذا العالم الموازي.. عالم قريب منّا دائماً لكنه مهجور في خيالنا!
ما بين الأودية الوعرة والأراضي القاحلة وقمم الجبال، تبلورت حكاية عزان حلّيه والحطّاطي وعبدالله بن حمد (المغيزلو).. حكاية تتأرجح بين خطايا النفس وتوبتها، وبين جوع الروح وجوع الجسد، وبين حياة الشواوي والبدو وما يختبئ في تفاصيلهم من أسرار..
أبدع القاسمي في أن يُشبع بهذا النص جانباً خفياً في النفس، جانباً لم نكن لنعرفه لولا قلمه الذي يجمع عمق الحكاية وتفاصيل السرد..
متألق كعادته… أربع نجوم للحبكة، ونجمة إضافية لجمال الفكرة وتفرّدها.. 5 نجوم بكل اقتدار!
. . . زهران القاسمي كاتب وأديب عماني صدر له القناص، وجبل الشوع وجوع العسل وسيرة الحجر وكاميرا والأعمى. . . الشغف والولع بالشيء يصلنا لمرحلة الجوع وعدم الشبع، كلما غرقنا بالشيء كلما زاد جوعنا للحصول على المزيد وعلى الأفضل وهذا ما وجدته في الثلاثي الجميل عزان والحطاطي وعبدالله، نحالين وجدوا سعادتهم في البحث عن العسل والاستمتاع بملاحقة النحل والاصغاء لكل صوت يصدر منهم حتى وان كان عن بُعد. . هكذا يكون الشغف لا حدَّ له، يجعل الانسان يبحث عن ذاته ويكتشفها بين الصخور والسهول والأنهار والجبال. الحياة العمانية البسيطة والجميلة وجدتها في سطور #جوع_العسل، أخذني معه الكاتب #زهران_القاسمي لتلك البقاع الخلابة، وتركني أعيش مع ناسها في كل حالاتهم، سافرتُ مع النحالين وتذوقت العسل بمختلف الأصناف واستمتعت بموسيقى النحل وهو يحلق من مكان لآخر بكل ذكاء، وقعت معهم في كل مأزق وتعثرت ومضيت مجدداً، بكيت وضحكت وغضبت واستنكرت بعض الامور وكأنني أحد تلك الشخصيات. . الرواية جميلة لها مذاق رائع من الروايات التي تحتاج لحاستي التذوق والسمع، بدونهم لن تستشعر سطورها ولن تعيش متاهاتها، ولن تجد نفسك ولن تفهم جوعها وخوفها ومشاعرها بل ستضيع على تلك الجبال وتقف في منتصف الطريق لا تعرف أين تذهب ولن تجد سوى الشتات. . لغة الرواية جميلة والمزج بين العامية والفصحى أيضاً له مذاقه وعشتُ أحداثها، واعجبتني فلسفة الشغف التي وصلت لحد الجوع، ولكن التشعب بين الحين والآخر لتعريفنا بحياة الشخصيات سبب لي نوع من الشتات والملل وهناك بعض الحشو لم يكن له داعي، بدأ الكاتب الرواية منذ النهاية وثم أخذنا رويداً رويدا إلى البدايات لو قلَّ الحشو والتفرع في الأحداث واختصر التعريف ببعض الأمور في نظري ستكون أجمل وبلا شك الكاتب له وجهة نظر مختلفة عنّا كقرّاء أما بالنسبة لي تشتتُ قليلاً وشعرتُ ببعض الملل في بعض الأحداث عدى ذلك فالرواية فكرتها جميلة والكاتب لديه قلم رائع ولغة أروع ويستطيع أخذ القارئ لعمان وجمال عمان وروعة أهلها وأن يعيشها بحذافيرها وكأننا نرى كل بقعة أمامنا ونتعرف على البيئة العمانية من خلال الرواية، وربما كان الكاتب أحد شخصيات الرواية فهو متذوق لكل شيء ومتقمص كل شخصية من شخصياته وخطوتهم ومذاقهم وكان في كل مكان رحلنا إليه في الرواية ويقص علينا الأحداث التي حدثت في يوماً ما. . أحببت استخدام الكاتب لكلمات عمانية وأكثرها لم أعرف معناه بعض المفردات تثير فينا فضول المعرفة والبحث، أحببت هذا التداخل وهو ما أضاف جمالية خاصة على الرواية فعلاً كانت بأكملها نكهة عمانية بطعم العسل ذو المذاق اللذيذ والخاص بأهل عمان الحبيبة، يجعلك الكاتب ترى كرم أهل عمان وطيبتهم ومعاشرتهم الرائعة، تحب بساطتهم وتعاملهم وكل شيء فيهم. . أيضاً كان للبدو حياة مختلفة، كان الكرم والضيافة أحد صفاتهم الرائعة والتي آنست سهراتهم عزان الذي عاش الحرمان ورماه هذه الأخير في حفرة عميقة دمر نفسه ومن حوله غاب عن الوعي بمعاقرته للخمر حتى فقد كل مايملك وأعز مايملك ربما القسوة التي عاشها هي التي جعلته يتمرد إلى الطريق السيء، جسّد لنا الروح الضعيفة حين تستسلم للضعف وتتجرد من الحياة والأمل وتدفن نفسها في الوحل، الفقد الذي أصابه جعله يستفيق لحياته وأصبح كالنحلة لا يهدأ ولا يعرف معنى المكوث في مكان واحد بل أصبح ذو عمل دؤوب كالنحل تماماً، وكان يتمتع بذكاء النحل يعرف أن يختفي ومتى يظهر، واخذ صفة النحل في المضرة والفائدة في آن واحد، لذا وجد عزان حياة البدو مختلفة تماماً متحررة من كل القيود وجد مايسرقه من نفسه بربوع البدو وحياتهم الجميلة وبيئتهم المختلفة عن بيئته. . أحببت الشخصيات الثلاث التي كان محور الرواية يدور حولهم، كانوا مختلفين في كل شيء لا يجمعهم سوى النحل وحياة النحالين، كل شخصية منهم تجسّد لنا بُعد مختلف وبيئة مختلفة عن الآخر. لكل منهم حكاية تختلف عن الآخر، جمعهم القدر والعسل، ولكل شخصية من شخصيات الرواية لها جوع وشغف مختلف، ثمنة ووضحى وغيرهم من شخصيات الرواية. . أما العنوان راق لي كثيراً ومناسباً للنص، الجوع الذي لا يسد رمقه شيء، هكذا هو الانسان لا يشبع ولا يكف عن طلب المزيد، كلما حصل على شيء طمع بالحصول على الأكثر، والعسل هو الحياة وحلو المذاق الذي يزيل علقم الحياة وقسوة ظروفها. وكل شخصية لها مذاقها الخاص ونوعها الخاص كالعسل تماماً، اختيار موفق🐝🍯 . هذه القراءة الأولى لي للكاتب زهران فلا استطيع مقارنة هذا الاصدار بالاصدارات الأخرى وان شاء الله ستكون لي قراءات أخرى للكاتب. تمت قراءة هذه الرواية مع صديقة القراءة العزيزة زهراء واستمتعت بمناقشتنا معاً بعض الجوانب والتي اتفقنا في الكثير منها. . #اقتباسات . {الروائح هي ماتبقى بعد الراحلين.} . {الأرزاق مقسمة قبل أن يُخلق البشر} . {الذاكرة تنفتح على التفاصيل الصغيرة جداً التي غيبها الزمن.} .
. • ملاحظة: كل قارئ ينتقد ما يقرأه بحسب وجهة نظره الخاصة دون التقليل من شأن الكاتب، فلا يحق لِـ أحد مصادرة حق القارئ في نقده سواء كان بالإيجاب أو بالسلب ولا الاستهزاء بخيارات أحد القرائية لكل قارئ ذائقته، ولا تعتمد في خياراتك على أراء الآخرين بل أعطي نفسك فرصة لتقرأ وتحكم بنفسك، فما يعجب غيرك ليس بالضرورة يعجبك والعكس صحيح. وأي تشابه بين مراجعاتنا كـ قرّاء فهو محض صدفة لا غير. . #البحرين_تقرأ #رباب_تقرأ #اخترت_متنفسي_بين_كتاب_وقلم #لكل_منا_عالمه_الخاص_وهنا_عالمي #ماذا_قدمت_لك_القراءة؟ #القراءة_نور #اتحدى_مصاعب_الحياة_وألمي_بالقراءة #لا_وحدة_مع_الكتاب #بادر_بالقراءة_واخلق_جيل_قارئ #أقرأ_لأن_حياة_واحدة_لا_تكفيني
جوعُ العسل رواية جميلة بأسلوب أدبي جميل و سلسل، الشخصيات و الأحداث و الأمكنة و الأزمنة المختلفة التي تجدها في هذه الرواية تجعلكَ تقرأها و تعيش أحداثها في الوقت نفسه. عزّان هو بطل الرواية، مربي العسل الشاب الذي يبحث عن العسل -و عن نفسه- في الجبال و الوديان! أحببتُ تفاصيل الرواية الدقيقة جداً؛ أنواع العسل و صفات النحل، أسماء الأودية و القرى و الجبال، سِمات الشخصيات المذكورة في الرواية و الكثير من التفاصيل. الشيء الوحيد الذي أعتبره سلبية في الرواية هي الأحاديث باللهجة العامّية، في رأيي كان بإمكان الكاتب أن يستخدم بعض الألفاظ من اللهجة العامّية و لكن ليس حوارات بأكملها! أيضاً الخاتمة بعض الشي مُبهمة و خيالية نوعاً ما بطريقة لا تناسب هذه الرواية الجميلة، و لكن عدا عن ذلك فأنا أرى بأنها رواية جميلة تستحق القراءة.
رواية *جوع العسل* للكاتب العماني ذو الحرف الأنيق *زهران القاسمي*
احتوت على 13 فصلا، افتتح كل واحد منهم ب *تعويبة*. التعويبة فن عماني اصيل، نوع من أنواع الشعر الشعبي تغنيه النساء أثناء الاحتطاب أو الرعي في الفلاة، السهول، الوديان وسفوح الجبال.
*فلسفة الجوع* هو جوهر الفكرة في الرواية كجوع الكيف، جوع الجنس، جوع الشوق وجوع العشق.
تأخذنا الرواية إلى عالم النحالين وولههم الذي لاحدود له بجمع العسل في القرى والجبال من خلال ثلاث شخصيات رئيسية، تختلف كل منهم عن الأخرى في الطباع، الأفعال، الأسلوب وطريقة الكلام.
كل شخصية تبحث عن ذاتها في الحل والترحال، في القرية وأثناء الرحلات المستمرة إلى الجبال العالية والوديان البعيدة. معهم كنت أحث الخطى بلا توقف وبلا ملل، أنفاسي كانت تنقطع من التعب والإرهاق أحيانا لكن نظراتي الباحثة عن خلايا النحل لا تهدأ ولا تستكين.
قصص مختلفة جذبتني مع الفصول المتلاحقة للرواية، حياة بسيطة وقلوب لم تعرف الغش والخداع يتخلل ثناياها صوت *ثمنة* وتعويباتها التي تداخلت مع نبضي، لم أشعر بالغربة معها بالرغم من عدم قدرتي على فهم بعض معانيها إلا ان احساسي بالحزن والذكريات المؤلمة المنبثقين بين كلماتها جعلني اقع في حبها.
بين الحين والآخر كانت رائحة العسل تسكرني فتثور الأسئلة في قلبي قبل عقلي: ما علاقة رجل العسل *القاسمي* بهذه الأمكنة؟ هل هو أحد الشخصيات المذكورة؟ هل عاش الأحداث أم رواها له كبار السن أم كلها من وحي تأليفه الساحر؟
ادخلني في عالم من التشويق، المتعة، الجمال والدهشة فلم اترك الرواية إلا بعد أن تذوقت العسل كله.
نصعد جبال شرقية عُمان مع القاسمي ونقاسي الحر والجوع والعطش والمخاطر المتمثلة في الانهيارات الصخرية والانزلاقات ومهاجمة الحشرات القاتلة والسامة، كل ذلك في سبيل الحصول على بيتٍ للنحل، نستقي منه العسل اللذيذ، الذي يُنسينا قسوة ومرارة الرحلة.. .. يحكي القاسمي في هذه الرواية قصة رحلة النحال عزان بن سعيد وصديقيه عبد الله بن حمد وناصر الحطاطي في قمم الجبل الأبيض أحد جبال محافظة الشرقية بالسلطنة في سبيل جني العسل، ويذكر المصاعب والعراقيل التي واجهتهم في رحلتهم، فهل سيصلون إلى بغيتهم في نهاية المطاف؟! .. يغوص زهران في تحليل شخصيات روايته ويفسر أسباب تكونها بالشكل الحالي، يتدر�� معها من سنين الطفولة إلى الكِبر، حتى نستطيع فهمها ونفهم دوافعها واتجاهاتها في الحياة، كذلك يتميز أسلوب الكاتب بالغِنى اللغوي والجمال التصويري، وقد أثبت من خلال هذه الرواية شغفه بتربية نحل العسل، وأظهر بعضاً من جوانب شخصيته كميله الموسيقي المتمثل في العزف على آلة العود، وطبيعته في حب نسج القصص والأحاديث، وحسهِ الشعري المرهف.. .. #اقتباسات: - "ما المحب إلا روحٌ تفترش الأرض، تحاول الخروج من جسدها، لتحلق في السماوات العُلى."
22/2018 •• الكتاب: جوع العسل. تأليف: زهران القاسمي. الدار: مسعى للنشر والتوزيع + العنوان للنشر والتوزيع. عدد الصفحات: 222. مكان الشراء: دار مسعى للنشر والتوزيع. •• رواية جوع العسل أخذتنا إلى الحياة البسيطة والجميلة لإحدى قرى سلطنة عمان. تتذوق القصص العجيبة لأهل هذه القرية. •• (الأرزاق مقسمة قبل أن يُخلق البشر). -اقتباس ص64- (الذاكرة تنفتح على التفاصيل الصغيرة جدًا التي غيبها الزمن). -اقتباس ص165- •• الرواية جميلة، إلا أن هذه الفقرة لم تعجبني: (إنها قسوة الطبيعة عندما تبدأ فهي لا ترحم المخلوقات الضعيفة، تمر بجبروتها في المكان غير عابئة بالحيوانات الصغيرة التي تدمرها، فمثلما تحدث البراكين والزلازل، ومثلما تغرق المدن من الفيضانات ويغيب ملايين البشر في غياهب النسيان جراء غضبها، ها هي تمر بكل ما فيها من عتو على ما بقي له من هذه الحياة لتجعله فارغًا وحيدًا لا يدري ماذا يفعل ولا إلى أين يتجه). -ص220-. ••
حين قرأت العنوان، ظننتُ أنه مجرد فخ، وابتسمت لأني لن أقع فيه؛ فأنا أعلم أن الروائي يختار عنوان روايته ليشد القارئ إلى حيث يريد، ثم يتركه يواجه الضياع في متاهات السرد الذكي، باحثًا عن إشارةٍ ما توصله إلى العنوان، أو حتى كلمة سرٍّ يستدل بها طريقه، دون أن ينفلت منه تسلسل الأحداث. اتّبع الكاتب تقنية (الراوي العليم) ليسرد أحداث روايةٍ بطلها (عسل النحل) بكل أنواعه، لم يكن الزمان ولا المكان ولا أهل القرية، ولا حتى (عزان بن سعيد) ورفيقيه عبدالله بن حمد) و(الحطاطي) بطلًا في الرواية، والعنوان لم يكن فخًا، بل كان عنواناً دقيقًا ومباشرًا للرواية. يأخذك الراوي مع عزان بن سعيد، وصاحبة العيون العسلية، راعية الغنم (الشّاويّة) وهو لقب يُطلق على ساكني الجبال، ممن يتنقّلون بينها دائمًا (ثمنة) التي سحرته بعينيها العسليتين الصافيتين من أول لقاء جمعهما، والتي أول ما جذبه إليها لون عينيها الذي أخذه إلى العسل، المرأة الغامضة التي لا يلقاها إلا مصادفة؛ إذ تغيب كلما بحث عنها، وتظهر كلما فقد الأمل في ظهورها، وما عاد ينتظرها؛ مُجيبة على سؤاله: - (وين ألقاش؟ - بتلقاني في كل مكان يوم غايته) تتداخل قصة (عزان بن سعيد) أو (حلّيْه) لقبه الذي اكتسبه ذات يومٍ – أترك للقارئ محاولة اكتشاف سبب تلقيبه بهذا اللقب الغريب – مع قصة رفيقيه عبدالله والحطاطي، ثم تتداخل قصص الثلاثة مع أهل القرية، في سرد متناغم، غير مشتت، ولا رتيب. جوع العسل أو رحلة البحث عن خلايا العسل في الجبال والوديان، رواية تتعرف من خلالها على أنواع النحل، والاعتناء به، وشروط بقائه على قيد الحياة والأمراض التي تُصيبه والحشرات التي تهاجمه، وطرق حمايته، والفرق بين نحل أبو طويق – الذي لم يتمكن أحد من ترويضه وتربيته – والفارسي – الذي تمكنوا من تربيته – بعد أن أدخله اليعاربة إلى عمان. كما تتعرف في الرواية على أنواع العسل، وطريقة جنيه، لدرجة أنك كقارئ تفكر للحظة بتربية النحل، مستمدًا من هذه الرواية كل ما تحتاجه من معلومات، ولكنك سرعان ما تتراجع عن الفكرة، عندما تعرف حجم المشقة، والخسارة التي قد تتعرض لها على حين غرة وفي لمحة بصر. في رحلة البحث هذه يتنقل عزان بن سعيد وحده تارة، ومع رفيقيه عبدالله والحطاطي تارة أخرى. في ترحاله وحيدا يذهب إلى إحدى الصحاري الممتدة، يتعرف على حياة البدوي الذي لا يترك الصحراء ولا (العزبة) ولو امتلك ما يكفيه من المال ليعيش حياة المُترفين. نتعرف معه على عادات البدو، وكرمهم المبالغ فيه. كما تتعرف على حفلاتهم المختلطة، ورقص الرجال والنساء، تحيط يد أحدهما خصر الآخر، ليأخذك فكرك إلى رقصات (الفالس) تلك الرقصة الإيقاعية المعروفة عالميا، وتبادل الشم (شم الأنف) أو (المخاشَم) كما يُطلِق عليه البعض نظرًا لأنه يتم بالتقاء أنف (خشم) الرجل بأنف الرجل الآخر، وهي عادة تكون بين الرجال فقط لدى أغلب قبائل عمان، وقد تكون بين الرجال والنساء من المحارم. ثم تضيع معه ورفيقيه في الجبال والأدوية، رفيقيه الذين لم يجمعه معهما إلا (جوع العسل) يعود كل منهما لحظة افتراقهما للبحث عن العسل في أحد الجبال، لتذكر بعض ذكرياتهما، كأن يتذكر عبدالله بن حمد مغامراته مع النساء، ونزواته التي طالت أغلب نساء قريته بسبب لسانه المعسول، والذي لم يجد رجال القرية من يشكونه له سوى صاحبه الحطاطي؛ ليرد عليهم الأخير: (لأنه رجّال، وانتو لو رجال ما تروح حريمكم صوبه) هذه الصراحة، أو الجرأة التي قد تصل لدرجة الوقاحة في رد الحطاطي، تمثل شخصيته البعيدة تماماً عن رفيقه عبدالله بن حمد – معسول اللسان – ورغم ذلك يلتقي الضدّان في رحلة البحث تلك. ورغم هذا الاختلاف في الشخصيتين، ورغم انحطاط عبدالله، ظلت (أسماء) زوجة الحطاطي التي تصغره بعشرين عاماً بعيدة عن مرمى لسان عبدالله المعسول، فلم تنزلق لنزواته التي لم تنتهِ إلا عندما رأى في زوجته ما لم يره في سواها ذات يوم. الحطاطي أيضاً له حكايته، بدءا من اسمه، أو لقبه (الحطاطي) والذي له حكايته أيضاً، وهنا أنوّه أن الكثير من العمانيين اكتسبوا ألقاباً إلى جانب أسمائهم، وغالباً هذه الألقاب يتم اكتسابها نتيجة حدث أو موقف معين. أعترف لزهران بقدرته السردية، ونفسه الطويل، وإمساكه بخيوط السرد من بداية الرواية إلى نهايتها، ولكني ظللت طوال الرواية أتمنى أن تتحول رحلة البحث تلك، من بحثٍ عن العسل إلى رحلة للبحث عن الله، والذات المفقودة والطمأنينة الغائبة. أن يتحول عزان بن سعيد من نحّال إلى ما يشبه الصوفي في محراب يمتد باتساع الصحراء، وعُلوّ الجبال، وأن يُشبَعَ (جوع العسل) بارتواء روحي، ولكن الرواية انتهت دون أن تتحقق أمنيتي تلك. أنهي قراءتي لهذه الرواية الجميلة بجملة وردت بها تختزل كل معنىً للفراق (لم يهل عليهما التراب، كان يرفعهما بعينيه، ويدخلهما في قلبه)
اسم الكتاب: جوع العسل اسم الكاتب: زهران القاسمي نوع الكتاب: رواية الموضوع: اجتماعي، عادات وتقاليد، علم النحل، علوم الطبيعة صادرة عن : مسعى للنشر والتوزيع واقعة في : ٢٢٢ صفحة مدخل: بدأ العشق مثل بذرة صغيرة سقطت فجأة وبللتها قطرات مطر خفيف، عشق العثور على العسل، عشق البحث لا لحاجة، ولكن لتوق البحث ذاته. نبذة عن الرواية: رواية تبدأ بمحاولة النحّال عزان بن سعيد أن ينقل منحله إلى منطقة جديدة بصفة بدوية، تتهيأ فيها كل الظروف المناسبة ليزدهر ويتكاثر، وهناك يتعرف على أصحاب المكان ويستأنس بهم، وتظهر للعيان قصة حب عزان للشاوية (ثمنة) التي تظهر برفقة كلبها وقطيعها فجأة وتختفي فجأة. تدخل بعدها الرواية منعطف جديد من بطل واحد إلى ثلاث أبطال، عزان بن سعيد، وعبدالله بن بن حمد، وناصر بن سالم الحطاطي، الذين يقررون الذهاب في رحلة بين الجبال والأودية؛ للبحث عن العسل كما هي عادتهم. من ذلك المكان تخرج براعتهم وشغفهم كقناصي العسل وهم يرقبون حراس العسل من النحل ليجرونه نحو عرين العسل الذي يتضورون جوعا نحو مغامراته أكثر من عسله. هناك وأثناء مشاهد متتالية من ملاحقتهم للنحل والعسل، تتدفق حكايات كل واحد منهم وتتكشف حقائق للقارئ حول ماهية كل واحد من قناصي العسل، حياتهم، ناسهم، وحتى ألقابهم. ستواجه النحالين الثلاثة عقبات في درب جني العسل. ترى هل سينجحون في الحصول عليه في هذه الرحلة؟ ترى: من هي ثمنة الشاوية؟ لماذا لُقِّب عزان ب (حلّيه)؟ من هو الشايب سالم بن علي؟ لماذا لُقّب عبدالله بن حمد ب(المغيزلو)؟ ومن أين جاء اسم الحطاطي لناصر بن سالم؟ من هم (اللوفرية)؟ من هي أسماء بنت نوفل؟ ما حكاية ود مرزوق وماعلاقته ب عزان؟ من هي سارة بنت سلطان ولماذا جُنّت؟ مخرج: ولكن جوع الروح يفوق كل جوع. رأي شخصي: رواية عظيمة كُتبت بقلم يقطر عشقا في محراب الطبيعة، في دمه طبيعة عرب الأوليين، وعلى ورقه وأسطره ينساب ابن القرى بدقة متناهية وهو يصعد الجبال ويقطع الأودية وينام في السواقي وي��تسل ويشرب من الفلج. من يقرأ العنوان أو يقرأ صفحات البداية قد يظن أنها حكاية نحّال عاشق عادية أقام منحله وسيستعرض خبراته الحديثة، ويحكي مغامرات الحب والمنحل ويعود لأهله، ولكن حين تجتاز الفصل الثالث تتضح معالم الطريق، ويخرج ابن الجبل والوادي والقرية وتتناسل حكايات القرى وتشتعل ليالي الأبطال يشوون جديا اقتنصوه، تتسامر عقولهم بمعية القارئ لتصل به نحو دواخلهم وعوالمهم في الجانب الآخر التي قادتهم لما هم عليه من التوحد مع الطبيعة وكائناتها ويعودون إلينا محملين بقصص الفطرة الأولى حيث القرية وهموم الإنسان البسيط، حيث سكيك الحارة التي تعج بألقاب التصقت بأصحابها لأسباب لم تخطر على البال. نتلمس بشكل مبهر وعظيم قاموس خبرة الكاتب المتأمل في الطبيعة (زهران) وهو يحيكها ببراعة القصاص، مستعرضا الكائنات بنباتاتها وحيواناتها وطيورها وطبائعها، ويرشدنا بوصف عبقري نتلمس فيه بصورة واضحة تفاصيل أماكن شخوص الرواية منذ بداية موقع منحل عزان ومرورا بالأودية والجبال والقرية والمزارع والبيوت، ونحن نحث الخطى خلفه لنصعد الجبال ونرتاد الأودية ونشرب من نبع الماء الذي تحسست عذوبته وبرودته من دقة التفاصيل. ستجد بشكل لن يخفى عليك عادات وتقاليد مختلفة تحمل الهوية العمانية بكامل جمالها من الملبس والمأكل وتفاصيل المعيشة القروية تحديدا، وتتجلى الأمثال والتعويبات بجلالها لتبجل ثقافة وطنية قد تكون غابت عن البعض. رواية عظيمة ممتعة بمهرجان وكرنفال الطبيعة الصاخبة من (دوربين) القاسمي الدقيق، هنا حقا ستتحرر من قيود المباني الاسمنتية. اقتباسات عن الرواية: *كان يمارس في خلوته ما يشبه الصلاة، بهدوء تام،وصمت لا يقطعه إلا تغريد صفارد في الجوار. *رقصت أمامه كشجرة لا أصل لها في الأرض. *بدت أشجار اللقم في المنحدرات البعيدة وكأنها حيوانات أسطورية تراقبه. *بدأ الضيق ينبت في صدره، الملل كائن سرعان ما يخرج قرون استشعاره، خصوصا في مكان صامت جدا. *الحكاية العادية تشبه الحمل الثقيل الذي يعلق في الكاهل، لا يخف وزنه، ويعلق طول الدهر مثل ذنب غير مغتفر. *أما الخرافات فتجعلنا نطير، نتحرر، ونحلم أن كل شيء في المستحيل ممكن. *كانت ضحكته تأتي متقطعة، ثم انهمرت مثل شلال عال، تسقط مياهه متدفقة إلى بطن الوادي. *ها هو ينصت إلى صوتها القادم من خلف الحجب الصخرية، يسمعها تناديه تعال تعال، لنعش في هذا الغياب حياتنا دون أن يعرف بها الآخرون.
مراجعة : أمل عبدالله الصخبوري الثلاثاء ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٣م