أكثر ما يثير عجبي فى الإمام مالك شيئان: الأول هذه المكانة الفريدة فى قلوب المسلمين، وهذا الإجلال العظيم له فى حياته وبعد مماته على مر القرون، أزعم أنها فاقت الأئمة الثلاثة أبى حنيفة والشافعي وأحمد، لا أتحدث عن مذهبه، بل عن شخصه. الثاني هو أنى لم أجد أحدًا بعد الصحابة يعظم النبى صلى الله عليه وسلم وحديثه كمالك، حكايات عجيبة فى شدة تعظيمه لحديث النبى صلى الله عليه وسلم.. وأزعم للمرة الثالثة أن تعظيم الأمة له لهو فرع عن تعظيمه للنبى صلى الله عليه وسلم، ويحضرني الحديث المشهور للصحابي الذي سأل النبى صلى الله عليه وسلم كم أجعل لك من صلاتي؟ ف آخر الحديث قال :أجعل لك صلاتي كلها؟ قال صلى الله عليه وسلم : إِذَنْ تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ. والشاهد أنه لما جعل للنبي صلى الله عليه وسلم صلاته كلها كان الجزاء كفاية الدنيا والآخرة، وكذلك لما كان مالك عظم النبى صلى الله عليه هذا التعظيم بما لا يدانيه أحد فكان الجزاء من جنس العمل والله أعلم.
وهذا طرف من حكاياته : قال مطرف من عبدالله: كان الناس إذا أتوا مالكًا خرجت إليهم الجارية، فتقول لهم : يقول لكم سيدي تريدون الحديث، أو المسائل؟ فإن قالوا: المسائل خرج إليهم، وإن قالوا الحديث، دخل مغتسله فاغتسل، وتطيّب ولبس جُددا، ولبس ساجة - طيلسان أخضر- وتعمّم، ووضع على رأسه رداءً، وتلقى له منصة-شىء مرتفع- فيجلس عليه، وعليه الخشوع، ولا يزال يُبخر بالعود حتى يفرغ من حديثه. قال رضى الله عنه : أحب أن أعظّم حديثه صلى الله عليه وسلم، ولا أحدّث به إلا على طهارة متمكنًا، وكان يكره أن يحدّث فى الطريق أو هو قائم أو مستعجل. ومن أعجب ما روى، ما روى عن عبدالله بن المبارك : أن عقربا لدغته ست عشرة مرة ولونه يتغير ويصفر، ولا يقطع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصبر إجلالا لحديثه صلى الله عليه وسلم.!! ولا أظن القصة إلا مبالغة لكن ما ذكرت إلا ولها أصلاً أو على الأقل تحمل دلالة أن هذا شدة تعظيمه متداولة حتى نسجت حولها الأساطير.