منذ القصة الأولى في الكتاب يرسم الظفيري لوحته التي لا تخلو من التفاصيل، تفاصيل تجعل الأبيض يتوحش وهو يعكس ملامح شخصيات تعبر الأمكنة بألم مقيم، وحقائب لا تقل ثقلاً عن هموم وهواجس أصحابها. أبيضٌ يعود كخلفيةٍ لذاكرةٍ لا تسعف الغرباء في محاولاتهم المتكرِّرة للنّسيان، نسيان ماضيهم، وما تركوا وراءهم من أحلامٍ صغيرة تعود بطرقٍ أكثر وحشيةٍ، معلنةً تمرُّدها على أمكنةٍ مهشَّمة كما يصفها الظفيري وأزمنة متوقفة تماماً، ولا تهمُّ بعد ذلك لا الأسماء ولا منطق الأشياء وهي تتدحرج بين مدن بعيدة وعواصم باردة، ومطارات أشدّ قسوة. الحرب التي اشتعلت بداية تسعينيات القرن الماضي، لا تعود كذكرى مؤلمة فحسب، إنما يمكن ملامسة ما خلَّفته من خراب، بشكلٍ حيٍّ ومرعب من خلال القصص التي كتبها ناصر الظفيري آنذاك وتمتد مع قصصٍ أخرى حديثة على مدار 112 صفحة. ليصبح البعد الزمني "ما قبل وما بعد" تعبيراً عن حياة تتشظَّى، في لعبة الموت والدّم، والذاكرة والنسيان، وفي كلِّ ما يحيل هذا الأبيض إلى التوحش.
١٩٩٣م يوم ولدت مجموعة ناصر الظفيري “أبيض يتوحش”، هذا يعني أنا تسبق ولوجه إلى عالم الرواية ومشروعه السردي الروائي الطويل بـ ١٥ عاماً، عندما دشّن أوّل رواياته “أغرار” في ٢٠٠٨م. ومن يعرف ناصر وملم بمنجزه السردي -الشيء القليل- سيدرك أن الظفيري صاحب مشروع سردي متمايز ونافر عن السائد والمعتاد والمستهلك. تجربة أبعد ما تكون عن التأثيرات التجارية وإشتراطات الجوائز ودوافع الشهرة. تجربة هاضمة للرواية الغربية. وما “أبيض يتوحش” التي جاءت في بداياته إلا بيّنة على ولادة تلؤلؤ نجم في سماء الرواية الكويتية بشكل خاص والعربية على نحو أعم.
نتحدث هنا عن مرور ٢٥ عاماً (ربع قرن تقريباً) بين أول ظهور لأبيض ناصر الذي يتوحش. ومن الطبيعي أن القصة القصيرة مرّت خلال هذه السنوات في عمليات بحث وتجريب على مستوى عناصرها وتكنيك كتابتها، بنيّة تطوّرها واستحداثها بما يواكب التغيير المستديم الذي تشهده الشخصية الإنسانية والحياة. لذلك، من الظلم لهذه التجربة أن يتم تشريحها بأدوات مستحدثة مؤخراً، بل يجب قراءتها وفق معطيات ظهورها. وإلا سيبدو وكأنك تقرأ نجيب محفوظ باشتراطات “أدائية” راؤول إيشلمان.
مع ذلك؛ ستجد أن “أبيض يتوحش” منجز قصصي سابق وقافز على أوانه. سابق من حيث خلق حبكات بدراما مُشذّبة، ومقلّمة لأظافر الإثارة المصطنعة. في “المرأة الغريبة” امرأة تنظر إلى سعد، يتواعدان، يلتقيان، تنتهي القصة وهي تأخذه إلى غرفة النوم، في حين لا يتذكر سعد اسمها. لم تحوي عقدة هذه القصة على إلقاء القنبلة الذرية ولا على إعصار “بتريشا”، لكنك تستشعر أثر القنبلة وسرعة رياح الإعصار.
في نفس الوقت، ينأى الظفيري في عرض شخوصه ببعديها الجسدي والاجتماعي، بينما يركز جل اهتمامه في تأطير البعد النفسي لشخوصه. وهو ما ذهب له السرد لاحقاً، حينما بدأ البعد الجسدي يفقد أهميته، وبدأت الأبعاد الاجتماعية كطبقات اجتماعية، واختلافات ثقافية، وعادات وتقاليد بالاندثار وتتماهي خلف فكرة العولمة والقرية الكونية، وصار الفرد في المنامة يتقاسم مع آخر في فرنسا الأكل ذاته، الملبس، طريقة العيش، أدوات الترفيه،.. إلخ.
وإن كانت فكرة المجموعات القصصة في بداية التسعينات وما قبلها، لا تتجاوز عملية رص قصص قصيرة وراء بعضها البعض، لا رابط ولا جامع بينها إلا الغلاف. ستجد أن الظفيري في أبيضه يحاول حصر هذا الانفلات نحو خلق خط يتمحور حول ثلاث ثيمات كما ذهبت إليه القاصة تسنيم الحبيب: الوطن/ الهوية/ الانتماء. وهو تقريباً الثالوث الذي لازم الظفيري كهاجس وقلق وكسؤال حقيقي في أعماله الروائية لاحقاً.
"صباح ذلك اليوم، لم يكن يحمل كتبه، كان يحمل سلاحًا، لم يعتد على استخدامه،. سقط بعد أول الطلقات. دمه على يدي وملابسي. ملابسه ما تزال في الحقيبة. سيظل دمه طرياً حتى يأتي ثأره. سقط شهيد لجارتنا. توقعت أن تبكي علي، أن تتوسل العساكر العرب أن يبقوه لها. أن تمزق ثيابها. كانت تزغرد في الشاررع، وتشير إلى الانتفاخ المستدير في بطنها. تصرخ: هنا ثأره. وانزوت في مكان بعيد حتى يأتيها المخاض". كيف للأبيض أن يكون متوحشًا ؟ وهل له أن يكون نعم له ذلك حين يأتي بالموت والألم، في 12 قصة قصيرة كتبها الراحل ناصر الظفيري بين الأعوام 92 وحتى 2016 تخلص ربما بقليل من الأحمال المتعبة عن الموت والوطن، كان الموت وحقائب السفر أبطالاً في سواد الرواية الأعظم، تمكن من اللغة الأنيقة والصور بابداع.
الأدباء لا يموتون..الظفيري خلّد هواجس الوطن و الهوية و الزمن في قصص قصيرة بديعة.مفعمة بحسّ الروائي ،اختلطت بذاكرة روائح و ألوان،و انكسارات عمر الشباب .التشبيهات للملامح ،المدن و خيالات الشخصية رائعة.تنساب فناً راقياً وإنسانياً،بين يديّ القارئ.
مجموعة قصصية عن المنفى، الوطن، النسيان، الغربة الموحشة وعن ثمن الدماء عن الحرب وعن الزمن
الكثير من المعاني في القليل من الصفحات بأسلوب يفصل القصة عن جميع ما حولها، فكأني أسقط مرغماً إلى عالمها. لا أجلب الصور من الكلمات بل ألهث وراء الكلام اللذي لم يكتب وتفضحه المعاني.
بلغة ممتعة وأسلوب يجعل الحكاية نسيجاً أشبه بالحلم أعجبتني معظم القصص في المجموعة وأكثرهم
عندما يقف الز من المرأة الغريبة حينما في الصيف يوم للحياة مكتبة
❞ مهما بلغت قسوة المران. لن أُنكر أن الذي ساعد في تغلّبي على ذاكرتي هو انفصال المكان والخروج من دائرة الزمن الذي تحيط به. فمنذ النفي الأوّل وأنا في عزلتي لا ألتقي أحداً من وطني، لا يُكاتبني أحد، ولا أكاتب أحداً. أغرقتُ نفسي في تفاصيل المكان الجديد، وانتظام حركتي في مداره الزمني، تعثّرتُ قليلاً، تراجعتُ قليلاً، تقدّمتُ، هرولتُ، مشيتُ، ركضتُ، ولكني انتظمتُ مستفيداً من أقدمية الزمان وهشاشة المكان في ذاكرتي، المكان الذي تركتُهُ وأنا في العشرين من عمري، وكان حينها مكاناً مهشّماً، وزمناً متوقّفاً. ❝
12 قصة أغلبها قصص قبل أن يبدأ مشروعه الروائي وقبل غربته. شعرت أثناء قراءة القصص القديمة أنها مشاريع لروايته سماء مقلوبة وأيضا روايته اغرار لمن قرأ العملين سيفهم قصدي.. دائما أسمع من النقاد أو الروائيين الكبار أن كتابة القصة عمل صعب وأنا أعتقد إن القصة تحتوي على التجريب أكثر. وكتابة هذا النوع الابداعي أكبر تدريب لتعلم فن كتابة الس��د.
جعلتني هذه المجموعة القصصية أتيه بين الغربة والوطن، الحياة والموت، وبدايات غريبة مع نهايات أغرب. لست من معجبي الكتابات المبهمة قليلة الكلمات، ولكنني أعترف بأن بعض القصص جعلتني أستشعر خوف وكآبة الغربة كما لم أفعل من قبل. الكتاب ليس مسلياً. الكتاب لكاتب حاربه وطنه لأنه لم يولد في عائلة جديرة بالجنسية الكويتية كفاية. الكتاب موحش. رحمة الله عليك أستاذ ناصر الظفيري.
مجموعة قصصية دون المستوى ، فيها قصة او قصتين تستحقان القراءة ، اما البقية فقصص ضعيفة وضائعة ، بالنسبة لي هذه المرة الاولى والاخيرة التي اقرا فيها للظفيري.
كلماته مثرية، القصص بعضها ممل وبعضها يحمل من المشاعر ما يحمل وفيها الكثير من الحنين للمكان والوطن وبعض أيام الحرب. في أحيان كثير كان التشتت يغلب عليّ من كثرة الاسهاب فالاحداث.
مجموعة قصصية ( ١٢ قصة قصيرة) في عالم أبيض معزز بالحنين والمشاعر الملونة نحو الماضي والأمنيات والخيبات، اللغة عالية الدرجة في الانتقاء ، تشير لكاتب متمكن.
لقائي الأول مع القاص ناصر الظفيري وبالتأكيد لن يكون الأخير في مجموعة قصصية اتشحت بالسواد ورائحة الموت والغربة وآثار الغزو والحرب لا تغادر صفحاتها ابداً إلا في قصتة الأخيرة "مكتبة" التي حازت على اعجابي كثيراً بسبب شغف اقتناء الكتب والقراءة. قلم جميل متمكن من لغتة العربية السليمة وأداوته الفنية وإن عابه بعض الجرأة التي لا استسيغها في رواياتنا العربية. . . . . 10-12-2017