أكتب لك بعد أربع ساعات من زمن المكالمة. الساعة الآن الثالثة صباحا. أستعيد صوتك اثناء المكالمة بتعب يشبه السعادة، سعادة غامرة - هشة تذوب في الفم بسهولة ويسر- مصحوبة بيأس مطلق مفاده أنني هنا وأنت هناك دون أن تعني تلك الحقيقة شيئا آخر وراءها، حقيقة لا هي عادلة ولا هي ظالمة. أعددت نفسي للمكالمة قبل شهرين، وعندما جاء صوتك علي التليفون تعثرت في فمي الكلمات ، وظهر في الحال العداء بين الوقت والرغبة. تخيلت أن إهدار زمن المكالمة في صمت هادىء -يتخلل بدعة مسافات بين الكلمات كما كان يحدث بيننا في زمن اخر- سينفي ضيق الوقت. وبينما كانت الرغبة في اتساع دائم كان الوقت في ضيق مستمر.
ما الرسائل؟ مصطفى ذكري يضع الكلمة في صيغة التعريف والجمع مجهولة بلا تحديد ولا تصنيف وإن كانت السابقة الـ العهدية تتقدمها وحيدة مع كثرتها، مفارقتان، وما أكثر المفارقات في تجربتنا التي نحاول لمها في علامات التواصل معايشين ألم فراق اللحظات، والمرجعيات واندثار الأصوات التي طرقت مسامعنا والصور التي عامت في بصائرنا والمعاني التي جالت في خواطرنا الرسائل كل ما ترسله الكائنات لبعضها بعضا، للآخرين للمجهول الذي تتوقعه ولا تدركه لكنك تقدّم تعريفا يحيل إلى المصطلح نفسه هذا خلط منطقي هكذا سمعت صوت رضا ينتقد ما أسترسل فيه وأنا أظن أن مجرد تدفق الحديث سيجعلها تنتظر حتى يكتمل كلامي تقول لي: أعتذر عن مقاطعتك، ولكن هل أكتمل كلامك أبدا يا برشومي؟ دعنا نقف عند نقطة للحوار نستدرك ما فات، نحاصر اللحظة، نضع مؤشرات لاتجاهات الكلام لا تنفرد وحدك بصياغة المراجعة وتترك لي هامش الاعتراض الذي يكاد ينزلق من حد المستطيل الأخير الرسائل هي الغياب وليس الحضور، أنت تبعث رسالة لأنك لست هناك لأن من تخاطبه ليس هنا لأن الأشياء التي تشير إليها ليست معك الرسائل إشارات في طريق مرت به القوافل والدواب والسيارات والأتوبييسات والتروللي الذي انتهت صلاحية عصره والميكروباسات التي لا تصل لخطها الأخير فتقف لتعيد التحميل بأجر جديد والتكاتك التي تشارك المارة الحارات الضيقة ومداخل البيوت الرسائل إحالات لتاريخ مندثر ترك الساحة لطريق فارغ وقف الناس في منتصفه لا يعرفون ما الماضي ولا يتصورون ملامح المستقبل بل لا يدركون وضعية الآن إنهم يشيرون لحياة كانت موجودة ولم يكتب لها الاكتمال أبدا مثل الحلّاق (المزين) الذي يحكي قصة ممسكا برأس الزبون الذي مات الحلاق المسكين يريد أن يعرف ما اللحظة التي انفصل رأس الزبون العميق عن رأسه الظاهر المادي البارد الذي بين يديه، كما كتب مصطفى ذكري في فيلم عفاريت الأسفلت أقول لرضا: لماذا منح مصطفى ذكري نصه السردي عددا ليس بالقليل من الأساليب؟ أنا لم أجد تفسيرا واضحا لذلك رضا تقول: كتب مصطفى ذكري نصه محاكيا أساليب خطابات متعددة، الصوفية، الفلسفية، الشعرية، النثرية المقالية، السردية الحكائية، السينمائية التصويرية بالوصف الذي يصبح مدخلا للذاكرة البصرية، بطرائق الحداثيين، بحيوية العامية التي تنطق بالأمثال الشعبية هذه ظاهرة مهمة تفسيرها أن كل الخطابات رسائل، كل المذاهب والطرق والمدارس والنظريات الأدبية والمواقف الفكرية هي رسائل كل المنجز البشري الرمزي المنفصل عن أعماقنا وعالمنا الداخلي هو رسائل الرسائل هي محاولات للانتقال من الذات الحقيقية التي تنظر إلى الكوجيتو الخاص بها وتقول له كلمهم، انطق بما أريد يتواصل الناس، أي نحن، دون أن يدركوا - ونحن معهم بالطبع يا صديقي - تمام الإدراك هل وصلت الأفكار والمشاعر والتصورات إلى اللغة ثم إلى الآخر الذي يشاركهم تلك اللغة من وجهة نظري أراد مصطفى ذكري أن يتحدث الراوي عنده ويكتب بكل الأشكال أن يستحضر نفسه التي يراها وحده ونفسه التي تفارقه بدرجة ما حين يلتقي بالناس ونفسه التي يحثها على الانطلاق كما يشعر بها ونفسه التي تجلس في هيئة الكاتب الذي تمثّل النظريات والمفاهيم وأساليب التعبير نفسه التي تسخر من الذين لا يفهمون مرادها ومع ذلك تبحث فيهم عن ملتقى يمنح الأمل في التفاهم نفسه التي تعي أن الجوائز محض وهم تتاجر بمواهب المبدعين وتكاد تستدعي صورة مصارعي الثيران فتطلق القوى الغريزية من قلب التجاوز الجمالي المتعالي نفسه التي جرّبت الكتابة السردية، والسينمائية والتي تعرض في كلمات تختارها بذكاء وتتركها تختار بعضها بعضا أحيانا كصديق تحبه يأتيك ومعه أصدقاء لم تدعهم مثل علاقات خالد الضمراني بكمال وجمال في متوالية وعلاقات مريم ونانو وسعدية في متوالية أخرى وتقاطع المتواليتين في تبديل وتوفيق تتكاثر به الكلمات ويمتد الخطاب لإنجاز النص كما يريد وكما يحتاج إلى وجوده المادي الحيوي والمعنوي الروحي أكثر
يكتب مصطفى ذكري رواية موضوعها رسائل يكتبها (خالد) إلى مريم، في حين أن الموضوع الحقيقي الذي كان مبثوثا على طول النص هو "الكتابة".. وفي الخلفية تأتي "السينما" مقدما رواية تحتفي بما يصح أن نسميه "الميتاليتراتورا" أي الفن الذي يتناول الفن نفسه كموضوع.. وفي مثل هذه الحالات يتقيد النص بالكثير من الإحالات والاقتباسات التي هي في النهاية محصلة ذائقة المؤلف.
على مستوى اللغة يقدم ذكري عصارة الكلمات، متخففا من قيد الحكاية الواحدة، فاتحا القاموس العربي على مصراعيه منذ عرب الجاهلية الأوائل وانتهاء بأحدث الاشتقاقات والنحتات الدارجة في العامية المصري، ويمنح هذا الاتساع المؤلف القدرة على ضبط إيقاع النص، سواء بالانزلاق الانسيابي بدفقة عاميّة، أو بكبح مسار السرد بقليل من الراديكالية اللغوية.
فيما يخص البناء، وهو بظني الجوهر الذي بنى عليه مصطفى ذكري روايته، ونلحظ ذلك في العنوان، ربما يكون هذا الاحتفاء اللغوي والتشعب القصصي بطريقة الأواني المستطرقة (على رأي العم يوسا) قد أثر بشكل أو بآخر على روح النص، على الحدوتة التي بدت في النهاية كشظايا بفعل التناوب المربك في السرد بين الراوي وخالد.. مما أفقد النص -وفقا لرأيي- قوة كانت تستطيع أن تضيف له بشكل أو بآخر.
في المجمل، مصطفى ذكري روائي مميز، لكتاباته مذاق خاص لايتقنه سواه، والرسائل ليست آخر ما سأقرأه لهذا الكاتب
إيقاع سريع نوعًا ما, في إطار مشهدي تحت ظِل ثنائية العلاقات.. جُمل قصيرة متواترة في ناحية وفي ناحية ثانية لاهثة ومتوترة, وكما سيبدو لكم (حديث سريع ضمن إطار الذاتيّة من نواحي أخرى). أيضًا سرد مختصر لكثير من الأحداث التي تمر علينا, وتبرير واسع لأحداث أخرى لا تستحق الذكر لكنها ذُكرت وقبل الذكر كانت قد وقعت فعلًا. عمومًا أنا شعرت كأن المتحدث واحد في الرواية سواءً كان البطل أم الكاتب. وهذا مأزق لم يستطع مصطفى أن يخرج منه.
كانت الرسائل آخر عمل في كتابه ما يعرفه أمين وخمس روايات أخرى، أتت بعد أن تشبعت تماما بأسلوبه ولغته فأصبح تقييمي للعمل مثقلا بتجربتي معه. الملل، هذا ما شعرت به مع هذا العمل لقد زهدت وبعد خمس روايات االبحث عن الجمل محكمة الصنع والقفزات الاسلوبية واللغوية المبتكرة. لا يصح ان يكون الأسلوب هو السيد، إننا لا نكتب للكتابة وإلا ما معنى اننا نختار قالبا معينا نكتب من خلاله.
للاسف كنت عايزة اديه اكتر من النجمة دي لان كل كاتب بيتعب تعب حقيقي على كل حاجة يكتبها بس كان السرد غريب , غريب جدااا وكلمات مفهمتش ليه حاططهم بالشكل ده وكذا الاوصاف ... مش عايزة احكم ع الكتاب بس معرفتش اكمله واضايقت من ده ... اتمنى اقرا للكتاب كتاب تاني يغير رايي :)