هذا كتاب يحتوي على تفريغ للأشرطة السرية للجلسات التي كان يعقدها صدام حسين مع أعضاء حزبه، عثرت عليها القوات الأميركية أثناء احتلال بغداد عام 2003، وتم فرزها بشكل دقيق من قبل جهات أميركية، حيث تولاها “معهد التحليلات الدفاعية” للتسجيلات الصوتية بإشراف نائب وزير الدفاع الأميركي للشؤون السياسية. وصدرت في كتاب أعده 3 من المختصين؛ كيفن إم وودز، ديفيد دي بالكي، مارك آي ستاوت، وبلغ عدد صفحاته أكثر من 600 صفحة تضم آلاف الساعات من التسجيلات الهاتفية والمؤتمرات السرية.
عندما دخلت القوات الأمريكية المواقع الرئاسية العراقية بعد احتلالها العراق، وجدت كنزاً ثميناً من المعلومات متمثلاً بآلاف ساعات التسجيل للمكالمات والاجتماعات التي كان يقوم بها صدام مع القيادات المختلفة والوفود الدبلماسية. هذه التسجيلات غير متوافرة للعلن حتى الآن لكن هنالك أجزاء تسمح بها الولايات المتحدة للباحثين بدراستها. تلك المعلومات مثل الموجودة في هذا الكتاب مهمة جداً لكن يجب التعامل معها بحذر لأن هذا الجزء فقط هو ما تريد الولايات المتحدة من العالم أن يعرفه، لكن السنوات القادمة قد تميط اللثام عن تلك المعلومات لتجعل نظام صدام حسين كما قال المحررون يتحول بسخرية القدر من أكثر الأنظمة غموضاً إلى أكثرها شفافية في التاريخ. من التسجيلات الموجودة في هذا الكتاب يتضح ما يلي: 1- صدام حسين شخصية ذكية جداً لكنه جاهل ولديه خلل كبير في المعلومات والثقافة. 2- النقطة السابقة كان يمكنه تجاوزها كأغلب قادة العالم لو أنه اعتمد على مستشارين وخبراء كفوءين في مجالاتهم واحتفظ هو باتخاذ القرارات، لكن المشكلة أن مستشاريه كانوا مجموعة من الأغبياء وكان يقربهم على أساس الثقة لا على أساس الكفاءة، يستثنى منهم طارق عزيز فهو الوحيد الذي كان على درجة عالية من الكفاءة والحنكة. 3- أغبى شخصيتان في القيادة كانتا طه ياسين رمضان وعزت الدوري. 4- الولايات المتحدة كانت تخطط لتغيير النظام منذ التسعينيات وما دوامة التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل والحصار الاقتصادي سوى تهيئة للأرضية وقد دفع الثمن أولاً وأخيراً الشعب العراقي. 5- ارتكب صدام اخطاءً كارثية وسوء تقديرات من قبله ومغامرات اتخذها بصورة فردية أدت بالعراق إلى الهاوية والحضيض. فالعراق عام 1979 كان يشتمل على مقومات مرعبة اقتصادية وعلمية وعسكرية وكان سيلعب دوراً في تحديد مصير الشرق الأوسط لكنه أنتهى بعد سلسلة دراماتيكية من المغامرات والخسائر إلى واحدة من اضعف دول المنطقة للدرجة التي أصبح فيها منذ العام 2003 إلى ساحة لتصفية الصراعات بين دول المنطقة وأصبحت الدول المجاورة وأمريكا تتدخل حتى في تعيين أبسط موظف فيه. هنالك كتب مهمة تعتبر مع ها الكتاب مصدراً مهما لمعرفة ما حصل منها كتاب جنرالات صدام وكتاب آخر للفريق رعد الحمداني بعنوان قبل أن يدركنا التاريخ وغيرها لفهم الكيفية التي كان يعمل بها النظام وماهو تأثير ذلك على الوضع الحالي والدروس المستفادة.
عندما رأيت غلاف الكتاب اثارني الموضوع كنت أريد أن اعرف أكثر من هذه التسجيلات والتي حصلت عليها أمريكا كغنيمة حرب أثناء غزو العراق 2003 على عقلية صدام وحاشيته من نظام البعث
هذه الوثائق المهمة جداً تبين لك كثيراً من الأمور المتعلقة بحقبة صدام وتاريخ صراعه أثناء الحرب العراقية الإيرانية او ما تسمى بقداسية صدام وحرب الخليج وغزو/فتح الكويت والحرب مع 33 دولة في مقدمتهم أمريكا والعقوبات المفروضة على العراق بعد الحرب وقضية حسين كامل وخيانته لصدام وللنظام البعثي كل ذلك مدرج في هذه الأشرطة ورغم أن الكتاب يمثل اختيارات تسجيلية من قبل البلد الغازي أمريكا فربما يجب أن تكون حذراً في يتعلق بتعليقات المحررين في ثنايا الكتاب
الوثائق الصوتية والمرئية والفوتوغرافية التي اعتمد عليها هذا الكتاب كانت متوفرة في الموقع الالكتروني "مركز بحوث تسجيلات النزاع" وهو موقع أمريكي تابع لوزارة الدفاع الأمريكية، تم إغلاقه فيما بعد لنقص التمويل. يوميات قراءتي لهذه التسجيلات: ـ كان صدم منتشياً ومغروراً بعد دخوله الكويت واستسلامها له بهذه السرعة.
ـ دكتاتورية صدام تجعل وزراءه ومستشاريه لا يكاشفونه بالحقيقة لأنهم يخافونه ويخشونه على أنفسهم، وكان صدام يدرك ذلك أحياناً فيقلق منه ويصرح به لهم، لكن استبداده برأيه وإعجابه بذاته، وجبن من حوله يُذهله عن الإصغاء له.
ـ ترجمة هذا الكتاب سيئة، أو قد تكون جيدة لكن على عادة "دار الجمل" لصاحبها الجشع "خالد المعالي" فإنها لا تكلف أحداً بمراجعة الترجمة على نحو ما تفعله دور النشر التي تحترم نفسها وقراءها، لقد تحول مثلاً "فيصل الصانع" زعيم حزب البعث في الكويت إلى "فيصل سانح" وبلا شك هناك أخطاء كثيرة في الترجمة قياساً على هذا الخطأ، وأتساءل لماذا لم تتح هذه التسجيلات صوتياً لنا؟ لماذا تحتفظ بها أمريكا ولا تتيحها لأحد غير باحثيها الذين لا يعرف جلهم العربية، وإن عرفها فإن اللهجة العامية العراقية تتعذر عليه؟ نحن العرب وحدنا الذين نستطيع أن نفهم لغة هذه التسجيلات فننتفع ونستمتع بها، ولعل هذا ما يغيظهم!
ـ لا يمكن التسليم بصحة جميع ما في هذه التسجيلات أو أن يكون ما يضر بمصلحة أمريكا جرى حجبه أو العبث به، ولعله من المثير أن نعرف أن حوار صدام مع سفيرة أمريكا قبل غزو الكويت غير موجود في هذه التسجيلات رغم خطورته وأهميته! ومعد هذا الكتاب إذ ينتبه إلى ذلك لا يعلق عليه إلا بالأسف دون إثارة أي شك حول اختفائه، وليس هذا بمستغرب عليه لأن بحثه له صلة بوزارة الدفاع الأمريكية.
ـ استطعت الوصول إلى الموقع الالكتروني الذي يشتمل على التسجيلات التي اعتمد عليها الكتاب وهو موقع "مركز بحوث تسجيلات النزاع" (http://crrc.dodlive.mil/)وللأسف فإن التسجيلات والوثائق التي أتيحت للقراء العاديين قليلة، لكنها رغم قلتها خطيرة ومثيرة، لعلها من الغنائم القليلة التي يستطيع الأمريكيون الافتخار بأنهم عادوا بها من العراق، رغم أنهم لم يتيحوا منها إلا بصيص قليل لا يضر مصالهم أو يسيء إلى مواقفهم وتاريخهم القميء.
ـ استدراك: الموقع الالكتروني "مركز بحوث تسجيلات النزاع" وهو موقع أمريكي تابع لوزارة الدفاع الأمريكية، تم إغلاقه فيما بعد لنقص التمويل، ويقال أنهم أعادوا جميع الوثائق إلى العراق بنسخها المادية والإلكترونية.
ـ سقوط الكويت في يوم واحد وتدني مقاومة الكويتيين مؤشر على النهاية التي يفضي إليها الترف، وهو داء ينهش المجتمعات الخليجية، ولذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: "اخشوشنوا" فإن النعم لا تدوم.
ـ كثيرة هي الانكسارات في حياة الطاغية صدام حسين لكن يظل انشقاق زوج ابنته (حسين كامل) الأكثر دوياً وتأثيراً ليس على صدام وأسرته وحدهما، بل على سمعة النظام برمته، وجاءت تصفية حسين كامل كدليل ناصع على غريزة الانتقام التي يفتخر بها صدام وتطبع دوماً سلوكه مع كل الذين اختلفوا معه.
ـ الآن عرفت كيف وافق صدام على نظام "النفط مقابل الغذاء" الذي اقترحته الأمم المتحدة ورفضه صدام حسين في البداية ثم رضخ له مرغماً فيما بعد على إثر انشقاق أو هروب حسين كامل.
ـ ثمة بتر وتعمية في بعض التسجيلات الصوتية التي اطلعت عليها تُرى هل تم حجب هذا التسجيلات من قبل مسؤولي نظام صدام أم من الأمريكيين؟! كل شيء متوقع منهما خدمةً لمصالحهم.
ـ أوصى صدام حسين كامل بأن يكونوا مستعدين لقصف الرياض وجدة بالأسلحة الكيمياوية والجرثومية، وقد جهز نظام صدام صواريخ وزودها برؤوس كيميائية، وكذلك جهز مجموعة من القنابل بهذه السموم، وحاول أن يهيئ إحدى الطائرات لتكون بدون طيار وركب فيها أجهزة لترش هذه السموم.
ـ تظل الحيدة العلمية غائبة عن هذا الكتاب، والمسحة الرسمية تطغى عليه، ولا يستغرب هذا فهو محسوب على جهة شبه رسمية في وزارة الدفاع الأمريكية.
يقول صدام فيما يشبه النبوءة عام 1991م "لقد أعطيتهم (الأمريكيين) كل شيء. أعني أعطيتهم كل شيء: الصواريخ، والأسلحة الكيماوية، البيولوجية والنووية. لم يعطوكم أي شيء مقابل ذلك، ولا حتى كسرة خبر. لم يعطونا أي شيء مقابل ذلك، حسناً لقد أصبحوا أسوأ... إنه يعني أنهم سيجلبون النظام الذي يريدونه ويعطونه للشخص الذي يريدونه"
ـ عودة "حسين كامل" إلى العراق، وتصديقه وعود صدام تؤكد ـ من وجهة نظري ـ أنه مصاب في عقله بلوثة (سبق لصدام أن أكد أن "حسين كامل" أجرى عملية في دماغه لاستئصال ورم حميد وأنه تغير بعد إجرائه لها، كما أكد أحد الأطباء لصدام أن لهذه العمليات آثار ظهرت بعينها على حسين كامل)
ـ صدام بلغ شأواً من القسوة لم يصله أحد قبله، فقد قتل أقرب الناس إليه في حزبه، وأسرته، ولا أعلم طاغية فعل هذا قبله.