يتيح هذا الكتاب للقارئ متعة استكشاف مفهوم الأنوثة في فكر ابن عربي وأسراره البلاغية والرمزية. فخطاب الشيخ الأكبر يعكس، في عمقه وشموليّته، خطاب الأنوثة. وهي قضيّة يشهد عليها النصّ الأكبري في اتساعه وتشعّبه، ويؤيّدها إصرار الشيخ الأكبر على إدراج الحديث عن الأنوثة في سياق مركزي، ضمن ديباجة مؤلّفه الفتوحات المكية وضمن مؤلّفات عديدة أخرى. ويبدو أن ارتكاز فكر ابن عربي على الأنوثة أسهم، مع عوامل أخرى، في فتح آفاق لإعادة تأسيس المفاهيم والمبادئ والتصوّرات على أساس نظرة متميّزة للأنوثة.+++هذا ما دفع بالمؤلّفة إلى خوض هذه المغامرة، خاصّةً أن مفهوم الأنوثة لم يلقَ الاهتمام المناسب لموقعه في فكر ابن عربي.
إنها مرّتي الأولى ، التي اقتربت فيها ودنوت من فكر الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي ، جل معرفتي السابقة به ، هو كونه سلطان العارفين ومن نٌعت من قبل بعض الأئمة بـ " القطب " ويقع على سمعي بعض من شعره فيغوص في أعماقي وأشرع أترنم به وأقول في داخلي ما أروع كلامه كان كلامه دائما كنفق الصلة الروحية الرابطة بيني وبينه ، لفت انتباهي عنوان هذا الكتاب وما جذبني إلى الإصرار على الاطلاع عليه هو تمحوره على جزء من فكر ابن عربي ، كأنني أردت التقرب أكثر ، التقرب مع عون بسيط ، مع توجيه طفيف أو تنظيم من قبل شخص أكثر اطلاعا ونضجا مني ، وكأنني أمهد نفسي منذ زمن ، فقبل أن أغوص بين أحرف كتب أصيلة للشيخ الأكبر ، احتاج للتمهيد طريقة منظمة من خبير ولا أزعم بقولي هذا هو اعتمادي على هذا السلوك ولكنه مجرد باب ممهد للدخول ، ألاحظ هنا الفرق جليا بين أسلوب الشيخ الاكبر ابن عربي وبين أسلوب مولانا جلال الدين الرومي ، فكما مر علي ذات يوم أن مولانا جلال الدين الرومي سئل عن الفتوحات المكية أو ذُكرت أمامه فقال فتوحات زكي أفضل من الفتوحات المكية كإشارة عن فجوة فكرية او ختلاف بين فكر هذين الشخصين العظيمين ، بإمكاني أن ألاحظ الفرق من ناحية البساطة ، فالفكر المولوي ان صح التعبير أكثر بساطة وأسهل فهما من الفكر الأكبري ولكن مع التدقيق في النصوص يتبين الموافقة في المعاني ، قرأت نصوصا لابن عربي وبعد تركيز كبير ومحاولة مني للفهم فهمت اخيرا وأدركت المعنى المشابه لما قرأته في كتاب فيه ما فيه من نصوص ألقاها مولانا على مريديه إلا أن طريقة الأخير كانت أكثر يسرا في أسلوب وضعها وتبيينها ، وهذه ليست سوى لمحة طفيفة جدا لاحظتها ولا اعني بذلك الشمول إطلاقا وقد يكون ما لاحظته لا يشكل إلا نزرا يسيرا الله أعلم فقد تكون تلك من مبادئ الفكر الصوفي الذي ينتمي إليه كليهما واستلهموه من الشخصيات الروحية ذاتها كالبسطامي والحلاج ابتداءا من الأب الروحي للصوفية " الجنيد " وكأنني اتأخر عن تعريجي بخصوص موضوع الكتاب الأساسي ، الأنوثة في فكر ابن عربي ، لا أخفي دهشتي ولا أخفي سعادتي ، وذهولي ، وشعور ممتزج بالفرح المتأثر بالتفاجئ ، هذا الشق من فكر ابن عربي كما توضح بداية الكتاب لم ينتشر طبقا للطابع الذكوري للمجتمع وبالضبط ربما لم يصلنا شيء كهذا أبدا من فكره كما وصلتنا مقتطفات أخرى من آراءه سواء من الناحية السلبية أو الايجابية ، نظرة ابن عربي للأنوثة ، وتبجيله الكبير للمرأة في الأوصاف التي يعتمد عليها ويستند عليها أثارت إعجابي واستغرابي ، منذ ذلك العهد ، في عهد المرابطين تقريبا كان هناك من يحاجج على هذا النحو لا فكر حديث يسمو أبداعلى ما طرحه ابن عربي بهذا الخصوص ، على العكس تماما بل أنني استشعر الدونية في النظرة الحديثة التي ما ان نتحدث عن حقوق المرأة حتى يربطونها بمسائل الجنس والأخلاق الدونية وكأنها تعميم لأسلوب الرق القديم فطالما لم يعد هناك إماء لنجعلهن جميعا كالإماء ، الفكر الأكبري مختلف كثيرا وحتى الرأي القديم الذي يستند إلى الشرع في " بعض " أقواله لا يخلو هنا من اللوم بل وأحيانا الاستهجان وهو ما رفضه ابن عربي تماما ، بصراحة واجهتني الكثير من الأمور والمسميات التي لم أفهمها ولكن ربما أتمكن من فهمها بعد حين ،، والخلاصة كانت مبهرة على نحو عظيم ، بخصوص الكروموزمات XX , XY "XX"حيث أن الـ هو الذي تظهر فيه الأنوثة " X" وكيف ان الكروموزم يكون حاضرا في الانثى والذكر أن يتفق العلم مع رؤية ابن عربي منذ زمن بعيد كانت بداية غاية في اللطف والروحانية بالنسبة لي لمن أسعد روحي دائما باستشهاده بقول الإمام علي " وتحسب انك جرم صغير ،،،وفيك انطوى العالم الأكبر
“إن الرجال الذين العرفُ عينّهم** هُمُ الإناثُ وهم نفسي وهم أملي” ابن عربي-
انبثقت أحكام الإسلام الخاصة بالمرأة من الشريعة وتشعباتها ، وهو مجال أخذ مقاليده الفقهاء واعتبرو أنفسهم أصحاب الكلمة الفصل فيه . واعتمادا على تصورهم للشريعة صب الفقهاء نقدهم على كل من عارض تأويلهم للدين ، حيث استقبل الفكر الاكبري منذ قرون والى حدود هذه الفترة المعاصرة ، نقمة التوجهات الفقهية . إن الإختلاف بين الخطاب الاكبري والتوجه الفقهي لا يجد تفسيره في الدين لان كلا منهما حاول الوصول الى المعاني الحقيقية للشريعة ، لكن اجتهادات كل طرف شيدت على تصوره للوجود والكون والإنسان ؛ إذ لا يخفي أن النظرة الى هذا الأخير ( الانسان ) تتحدد بالنظرة الى المرأة ، فبقدر ما تمحورت قراءة الفقهاء للنصوص الشرعية حول مركزية الذكورة وسيادة الرجال ، انبنى تصور ابن عربي على قطبية الوجود وعلى التماثل بين المرأة والرجل على المستوى الإنساني
إن الحديث عن امرأة / رجل باستحضار بعدي الانوثة والذكورة يندرج في سياق الإختلاف بين منفعل وفاعل من الناحية الروحية والمعرفية ، أما الحديث عن المرأة والرجل من الناحية الإنسانية فيقتضي النظر الى الوحدة التي تطبع الكائن البشري في أصله واحكامه فالتصور الاكبري يفسح المجال للنظر الى أدم على أنه الإنسان الكلي الذي بطنت الانوثة فيه وظهرت ذكورته . وبهذا التركيب اكتملت الإنسانية في أدم لانه صدر عن عين الجود الإلهي المعبر عنه في الاية القرأنية " أعطى كل شيء خلقه " ( سورة طه ) وبذلك ، يمثل أدم موجودا واحدا بصورتين مختلفتين ، تغلب عليه الوحدة من حيث انسانيته ، ويبرز فيه إختلاف رمزي من جهة ذكورته وانوثته .
يفتح الفكر الاكبري أفاقا واسعة للفعل الإنساني في حين تضيق غالبية المذاهب الفقهية من هذا المجال . ويعكس إختلاف الخطاب الاكبري عن بعض التوجهات الفقهية تباينا في تصورات كل منهما للوجود والإنسان ، ويعبر بدرجة كبيرة على تقابل نظرتي كل منهما الى الجنس ، حيث يسمو ابن عربي بالجنس الى مستوى رمزي وكلي ، وتقف نظرة الفقهاء عند عتبة الجنس الطبيعي في مباشرته . وعلى أساس منظورهم الحسي للجنس ، ميز الفقهاء في الإنسان بين المرأة والرجل تمييزا شيدوا عليه تصوراتهم للمجتمع ، وفصلوا بين عالمين متقابلين : عالم أول يتمثل بالبيت الذي خصص للانجاب والعاطفة والمرأة ، وعالم ثان يمتد واسعا خارج البيت ويعج بالمصالح والحروب ... وألصقو معالم هذا التقسيم بالدين ليجعلوه مرجعية تمنحهم المشروعية اللازمة للسيادة
يكمن المرض في رؤية الرجل لذاته ذكرا ، وليس انسانا ؛ ومن علامات المرض حيازة الرجل للسيادة لمجرد كونه ذكرا ، وإضفاء القدسية على قضيب يرفعه إلى برج عالي يؤلهه ويجعل منه نموذجا مطلقا للسيطرة إن تفسير إبن عربي لاحكام الشريعة الخاصة بالمرأة ينطلق من تصور تذوب فيه الخصوصيات المميزة لكل من المرأة والرجل ليندمجا عبر حد واحد أسمه الإنسان . وتتساوى عند شيخ العارفين حظوظ الإنسان في الحياة البشرية بتشعباتها الخاصة والعامة ، الفردية والإجتماعية ... ، فمن هذه الجهة ، كل ما يحق للرجل يحق للمرأة ، وحدة الإنسان لا يفككها الإختلاف إلا حينما يتدخل باطن الإنسان وعبره تتجلى قطبية : أنوثة وذكورة بما هي إختلاف بين منفعل وفاعل من الناحية الروحية والمعرفية ، لذا أخبر الحديث النبوي بأن " النساء شقائق الرجال " ، الذي يفهم منه الشق ، والشق في الأصل اللغوي " هو النصف من كل شيء ، و " الشقة " تعني إنشطار الشيء الى نصفين ، غير أن ألفصل بين النصفين لا يلغي كونهما شقيقين ، من هذا المنطلق يبني إبن عربي تصوره للإنسان أساس تكونه من وحدة انشقت وظهر منها الرجل والمرأة كشقيقين متماثلين .
بعد هذه الرحلة القصيرة في الفكر الأكبري ، تظل عدة اسئلة مطروحة منها : ما هي المؤثرات التي مكنت ابن عربي من تناول موضوع الانوثة والذكورة بعمق وشمولية فريدين في عصر تغيب فيه الشروط المادية المعرفية لبلورة تصور ديني ينبني على التناغم بين الذكورة والانوثة والمساواة بين المرأة والرجل يمكنني الركون الى جواب بسيط يعفينا من التنقيب الموضوعي عن الاسباب ، حيث لا يمكن إغفال القضية المحورية التي شيد عليها ابن عربي كل تفكيره ، والمتمثلة في كون الحب اساسا للوجود ، إذ أن فحص هذه الفكرة وتتبع تمفصلاتها يبينان أن الوجود الكلي والجزئي لا يقوم الا بحضور الذكورة والانوثة إن التركيز على الحب كمصدر للوجود وسبيل للمعرفة ، سمح لابن عربي ببناء نظرة متميزة للإنسان تقوم على إرجاع حقيقته الى الانوثة والإنفعال . ويستطيع الإنسان بفعل المجاهدة ، كولادة جديدة ، بلوغ حقيقته والتخلق بشمائل الانوثة . وهذا يعني أن الإختلاف بين الانوثة والذكورة لا يتعلق بطبيعة بشرية ثابتة بل بمقامات معرفية ، وبلغة العصر يتعلق بعقليات وسلوكات ثقافية . هذه النظرة الروحية ، المحروسة بلغة ثيولوجية، لا تتعارض مع المقاربات العلمية ، فقد بلور العلم المعاصر أطروحات تسير في سياق توجهات الفكر الاكبري وابرز علم الوراثة أن جميع الثدييات ، بما فيها الانسان ، تحمل الكروموزومات XX اوXY ، وحينما يملك كائن الكروموزوم XX تطهر فيه الانوثة ، أما عندما يتوافر له الكروموزوم XY تطهر فيه الذكورة ، ويظل الكروموزوم X حاضرا في الانثى والذكر ، مما يسمح بالقول إن الانوثة عنصر مكون لجميع الثدييات بما فيها البشر . وعلى مستوى التكوين الكروموزومي للجنين البشري فإن التماثل وغياب الإختلاف يشكلان محطة أولى للكائن البشري .
ختاما يمكنني القول بأن الشيخ الأكبر منظومة فكرية تنبني على معرفة ذوقية وقلبية لا تقتصر على العقل ومبادئه المنطقية التجريدية ، ولا تقف عند حدود معرفة الظاهر . وسلملي على شيوخ الوهابية
احد اهم الكتب التي قرأتها في حياتي، مع معرفتي بأني سأقرأ الكثير.. خلال رحلتي معه اجبت تساؤلات عاشت معي منذ زمن، معه تأكدت من مكانتي كأنثى واكتشفت النسوية الخفية في القرآن والحديث.. وشرف مكانة سيدي ابن عربي
التصوف في عمومه تجربة تولد رغبة ملحة للإتصال مع الله والسلوك في طريقه، فلكن هناك جزئيات مهمة في معناه ومفهومه وهو الإتصال بالأخر خصوصا [الأنثى]، في هذا الكتاب يسلط الضوء ابن عربي في خطابه وعمق أفكاره على الأنثى، مفهومها وخطابه وأفق تأثيرها على السالك ومحور الموضوع الذي يستقبط السالك مع الأنثى .. أيضا ينطلق من أفكار فلسفية يؤطر فيها مفهوم الانوثة والخطاب الأنثوي بأسراره الرمزية والمجازية .. كتاب ممتع جدا ومؤنس ويسلط الضوء على حقل أخر ربما منسي من حقول التصوف والجمال.
نظرة مختلفة الي الانوثة ومكانة المرأة للصوفي والفيلسوف الكبير ابن عربي يسرد فيها من وجهة نظره مقام الانوثة الروحي ومكانها في الحياة واشارات باطنية لمكانتها وصورة الانسانية الكامنة بداخلها ، وكذلك السر العظيم فيها ودورها في حفظ التراث البشري والروحي وكذلك اشار الي نظرة الدين الحقيقية لها ومقامها عند النبي عليه الصلوات والسلام الكتاب دسم ولغته ليست معقدة مناسب لجميع المستويات