ليست هي المرة الأولى التي يعالج فيها مفكّر عربي معاصر كـ "علي حرب" موضوعة "الإرهاب وصُناعه (المرشد/ الطاغية/ المثقف)، فقد سبق له إثارة قضايا سجالية تتعلق بالهويات وأنماط ممارستها أو بالأفكار وطرائق إدارتها، ولكن في هذا الكتاب سندرك "أنّ التاريخ لا يعيد نفسه إلاّ في شكل مهزلة" على حد قول ماركس؛ ففي هذه المقاربة النقدية حول (الإرهاب وصُناعه) يركز علي حرب في معالجته لظاهرة الإرهاب على المؤسسة الدينية، بآلهتها وعمالها، ومع ذلك فهي ليست وحيدة الجانب – يقول المؤلف - وإنما تشمل ثلاثة فاعلين يشكّلون ثالوث المرشد والطاغية والمثقف"، وهم كما يصفهم، ملاّك الله والأوطان والحقيقة وكل فاعل منهم قد أسهم في صنع التنين الإرهابي بأدواته على طريقته.ويتابع المؤلف: ولا أراني أظلم المثقف بذلك. فهو كأحد عمال الفكر مسؤول قدراً من المسؤولية عمّا حدث ويحدث، لأنه أخفق في تجديد الأفكار، بقدر ما تعامل مع قضاياه، بصورة، تقليدية، ديكتاتورية، بوصفها حقائق نهائية. بهذا المعنى، فالمثقف الحداثي قد خدم الطاغية السياسي من حيث لا يحتسب، وهو إلى ذلك قد شكّل الوجه الآخر للداعية الأصولي ومن حيث لا يعقل. كلاهما تحوّل إلى ديناصور، المثقف بعناوينه المستهلكة، والداعية بشعاراته البائدة. وإذا كانت الأفكار قد شاخت في الغرب لدى دعاة تغيير العالم، أمثال تشومسكي وباديو وجيجك، فليس لدى نظرائهم العرب، ممن نسميهم شيوخ الفكر ومنظريه، أفكار حيّة وراهنة، هي من بنات فكرهم فهم يفتقرون إلى النظرية الخارقة والرؤية المستقبلية. لأنهم استمروا، طوال عقود، يجترّون العناوين والشعارات أو ينتهكونها، حتى باتت خاوية، عقيمة، صدئة، مدمّرة، وإلا من أين كل هذا الخراب وكل هذا التوحش؟إن العالم آخذ في التشكل من جديد، وبصورة تنفتح معها الآفاق لولادة أنماط وأشكال وأساليب مختلفة من التخيّل والتفكير أو التأليف والتركيب أو التقدير والتدبير.والرهان هو الانخراط في المناقشات العالمية الدائرة، على وقع المستجدات الجسيمة والتحولات الهائلة، من أجل المشاركة في صوغ ما تحتاج إليه إدارة الشأن العالمي والكوكبي، من اللغات والمفاهيم أو القيم والقواعد أو الطرُز والنماذج.بهذا الكلام يوقّع علي حرب نهاية المرشد والطاغية والمثقف مقترحاً تجديد الفكر بوصفه الوحيد القادر على الفعل داخل حراك اجتماعي بدأ ويبدو أن لا أحد قادراً على السطو عليه أو إيقافه، إنهم أناس أرادو أن يحيوا قدراً آخر مختلفاً عن هذا القدر للمستغلين "الدين" وتحويله إلى تجارب انتحارية قاتلة...توزعت محاور الكتاب على العناوين الآتية: مقدمة: الأصولية والعنف، التنين الإرهابي من يصنعه؟، التهمة المزدوجة، لبنان بلداً معلقاً، تجديد الخطاب الديني، الإسلام والحداثة، التوسع الإيراني، أين هو الإنسان، الخاتمة: لعبة الخلق.
كاتب ومفكر علماني لبناني, له العديد من المؤلفات منها كتاب نقد النص و هكذا أقرأ: ما بعد التفكيك ويعرف عنه أسلوبه الكتابي الرشيق وحلاوة العبارة. كما أنه شديد التأثر بجاك دريدا وخاصة في مذهبة في التفكيك.
وهو يقف موقفاً معادياً من المنطق الصوري القائم على الكليات العقلية التي يعتبرها علي حرب موجودات في الخارج وليست أدوات وآليات فكرية مجردة للنظر والفكر. فهو يتبع منهج كانط في نقد العقل وآلياته وبنيته الفكرية.
ليس افضل ما كتب علي حرب في النقد الديني والسياسي، لكنني كلّ ما اقرأ لعلي حرب اكثر كلما ازدادت وضوح نظرتي حول هويته العلمانية والمتزمتة بشكل ما نحو عملية تهديم وتفكيك رموز الهيكل الديني... فالكاتب لا يعتبر نفسه مداناً ازاء ما يمارس بأسم بربرية الاسلام، وبالمقابل لا ينفي ان الاسلام كعقيدة منزلة لا ينتج سوى العنف والتعصب والانغلاق والتطرف والاقصاء كثافة الكتاب تجدها في الفصل الاول (التنين الارهابي من يصنعه؟) ليتحول الكتاب في الفصول اللاحقة الى عملية استحضار امثلة وتشبيهات
أسجل اعجابي اولاً أسلوب على حرب للكتابة والنقاش وتقديم الحجج، وجرأته النقدية القوية، والشجاعة الادبية، في كشف التناقضات وتعرية الاوهام. وعندي ثلاثة ملاحظات نقدية للكتاب:
- الكتاب هو مجموعة مقالات نشرت في جريدة النهار، وهذا في الحقيقة شتت تركيزي، وشعرت أن بعض الفصول والمواضيع ليس لها علاقة مع الموضوع او الموضوع الفرعي، لان طبيعة المقالات لها عاطفة وعقلية خاصة واستثنائية. - نقد علي حرب الشديد والقاسي، اله فتاكة، وتشعر في بعض الاحيان أنها تهضمه ايضا، ويفقد على حرب توازنه في النقد ويصبح هو ايضا جزء من مشروع الاوهام، وخاصة فيما يتعلق بالثنائيات المغلقة مثل فرنسا والاسلام، والاسلام والحداثة، لانه بالفعل يعيش في اوهام الثنائيات الضدية، الاسلام والحداثة، الاسلام والغرب، وهذه المواضيع مستهلكة ومنتهية الصلاحية. - يتصرف علي حرب وكانه مثقف يميني فرنسي، في محاولته نقد الحجاب، بوصفه موضوعا جماليا وشكليا، حيث يتوهم انه ليس جميلا ولايليق بالثقافة الفرنسية، فهنا يقع في مازق جمالي وفلسفي، وهي من يحدد الجمال؟ والشيء الثاني الذي هو أكثر خظورة من الأول، وهي إرتداده عن الحرية، وخاصة عندما تتعلق بالاقليات المسلمة في فرنسا، ويطالب ينزع الخصوصية عنهم، فهنا يقع في ردة عن الحريات الفردية، وقيم الحداثة، بدعوى أن آلإرهابيين يستغلون الحريات، وهذا بالتحديد مأزق المثقفين العلمانيين.