What do you think?
Rate this book


188 pages, Paperback
First published January 1, 1990
هكذا تكلم نجيب سرور
تسرق شلن تبقى بلوه و جريمة
تسرق بلد تبقى من الأبطال
و كل ما السرقه تكبر القانون سيما
و كل ما السرقه تصغر فيه حلال و حرام
الشعب المصري شعب مهاود يا بوي. كالبوصة الخيزران تطويها دائرة في أصبعيك فتتخيل أنه – أقصد أنها – ملك يديك. فإذا ما غفل أصبعك برهة وجيزة اندفع الطرف و ارتدت البوصة عصا مستقيمة كأن شيئا لم يكن. هكذا كان يقول عمي الضرير لجلاسه في مندرتنا. و كلما دعكتني الحياة في مدينة القاهرة أحسست أنني يجب أن أكون مثل بوصة الخيزران لكي أعيش في هذه البلدة دون مشاكل و وجع دماغ و كراهية.و من القاهرة إلى البلد مرة أخرى بعد ما ضاق به الحال و انسدت الطرق في وجهه ثانية إلا أن البلد على حلاوتها لا تلبث أن تلفظه إلى القاهرة التي بات يحس أنها صارت بلده و موطنه الحقيقي.
هم يضحك و هم يبكي .. واحد يقتل من أجل تذكرة قطار .. و واحد يرمي بنفس التذكرة. نحن ندفع عمرنا ثمنا لتذكرة كهذه قد لا توصلنا إلى أي جهة.و لأن القاهرة اسم على مسمى فإنها بعد ابتلاعه تجتره مرة أخرى لتمضغه على مهل.
على الإنسان أن يمضي في هذه الحياة بغير تذكرة. لا في القطار و لا في الهباب. حين يزنقك إلحق إدفع و تخلص من الزنقة و السلام. ما بال الواحد منا يضيع وقته في قطع تذكرة. المهم أن تلحق القطار يا أبو العم.
التموين يدخل السجن برضاء العسكر و فوق أنوفهم أحيانا و من وراء مؤخراتهم أكثر الأحايين لكنهم جميعا مرزقون مسعدون و مع ذلك هم يشددون الحراسة على الآخر. عسكر من و بتاع من يا أبو العم. إياك تظن أن في بلادنا بالذات شيئا يمكن أن يمنعه الحراس. أو عملا يمكن أن يخلصه المستوظفون بدون أن تعطيهم عن يد و أنت صاغر. و طالما أن جميع القائمين على الشغل في بلادنا يمدون الأيدي حتى و إن لم يخرجوها من جيوبهم فإن ما تسمونه القانون و الضمير و العدل مجرد كلام في كلام يا بوي. خذ هذا الكلام من أخيك حسن ولد أبي ضب و قلبه في دماغك و أنت تعرف أنه حقيقي. اسأل نفسك هل استطعت طول عمرك أن تقضي أي مصلحة بدون أن تبرطل عليها و ترشو؟هذا الجزء البديع الذي برع فيه خيري شلبي بعد أن بدأ بحسن أبو ضب الذي يسكن قصرا منيفا يمتلكه في قلب القاهرة ثم عاد بنا في الزمن لنعلم أصله و فصله و منشأه هو جزء عظيم لا يصدر إلا عن حكاء عظيم كخيري شلبي.

