"ونكاد نسمع وقع اقدامهم على مر الادهار ومع ذلك لم يتركوا لنا اثرا يأتم به المستهدون أو قبسا يستضيء به المتعسفون في دياجير التاريخ" ناصر الخيري
من الصعب ان تقرأ كتابا بخط اليد ، ولكن حينما يكون كتابا عظيما مثل هذا الكتاب فانك لن تتمالك نفسك وانت تقلب صفحاته ، يعد قلائد النحرين احد اهم ثلاثة كتب سردت تاريخ البحرين الى جانب كتاب التحفة النبهاني للشيخ النبهاني وكتاب عقد اللآل في تاريخ اوال الى الشيخ محمد علي التاجر. وكل له روايته المختلفة والمهمة للتاريخ البحريني.
ان ناصر الخيري هو اديب بحريني سني اسمر البشرة من اسرة كانت من موالي العيونيين ، كم اتمنى لو كان هناك رجل مثل ناصر الخيري يعيش بين ظهرانينا اليوم، يقول التاريخ بانصاف وبصراحة ، في وطن مريض بالطائفية يجاهد فيه الشيعة لاثبات وجودهم التاريخي في أوال قبل ما يزيد على الالف عام دون ان يحصلوا على اقرار من الدولة او من النخب الثقافية السنية الا ما كان على استحياء ، فينكفئ الشيعة على انفسهم وعلى ثقافتهم ورؤيتهم الخاصة المختلفة مع السنة في كافة القضايا، فيصبح اهل البحرين كما تقول الاية ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان).
الا ان الخيري انصف كثيرا الشيعة وفهم وجودهم القديم واثارهم وطبيعة مشايخهم الدينيين الذين كانوا يتولون الزعامة الروحية منذ القديم، رغم عدم تحصيله على المعلومات الكافية كما هي لدى الشيخ التاجر الا انه ارخ بشكل جميل فيه الكثير من الانصاف والتحليل الذكي البارع مع الاختصار.
فمن مقابر دلمون الى سيطرة الاسكندر الى دخول البحرين الاسلام، فيا لزمان القرامطة وما سبب لنا من نكبات ، ويا لزمان العيونيين الزاهر المشوب بالفتن سقى الله ذكراها العطرة ، وحين تسقط دولة العيونيين على يد الهرامزة يعيش الشعب على دفع الاتاوات الى الدول النافذة في ساحل فارس وجزرها في مقابل حكم ذاتي عربي يتولاه العصفوريون ومن جاء بعدهم ، ، وتتعاقب السنون ويجيء العتوب باساطيلهم ليكسروا جيش نصر ابن مذكور ، وبين هذه التواريخ السحيقة قصص متنوعة وحكايات كثيرة تهم اهل البحرين يذكرها الاديب المذكور بصياغة ادبية فوق الرائعة والمشوقة.
حريٌّ بكل بحريني بشكل خاص وبكل سكنة البحرين الكبرى بشكلٍ عام أن يتطلع على هذا الكتاب لما يحويه من كمٍّ هائل وتفاصيل تخص منطقتنا بشكلٍ خاص.
قدرة المرء على كتابة هذا الكم من المعلومات في محيط صعب وأرضية ندر فيها العلم والمطالعة والحراك الثقافي لهو أمرٌ مذهل. بذل المؤلف جهدًا جهيدًا للخروج بهذه التحفة العظيمة، والذي بحمد الله وصلتنا دون تلف. الشكر الموصول لكل من حافظ على المسودة طيلة هذه العقود قبل أن ينشر كتابه بعد موت ناصر بأكثر من سبعة عقود.