لا يتوانى، هشام جعيّط، كلما سنحت له الفرصة، على التهجم على الاستشراق واتهامه بمعاداة الإسلام، رغم البرقع الظاهر لبعض صفحاته التي تُبدي نوعاً من الحياد أو بعضاً من الثناء، حتى أنه انخدع ليس العرب فقط، بل رجل من قامة مكسيم رودنسون. لقد أشاد هذا الأخير بأعمال جعيّط وأثنى عليه بسخاء مستعملاً كلمات إطراء نادراً ما يتفوه بها عالم في حق عالم آخر؛ سمّاه مؤرخاً موهوباً، ومدحه لأجل تحرره من النظرة الدينية. لكن رودنسون أخطأ خطأً فادحاً لأن جعيّط إسلاموي قلباً وقالباً، روحاً ومضموناً.
سنقرأ هذا الكتاب، وسنبين للقرّاء بالدليل والحجة، وبالنصوص الصريحة أن جعيّط لم يكن في يوم كما اعتقده رودنسون، وأن بوناً شاسعاً يفصل بينهما، من حيث الذهنية والمنهجية العلمية والخلفية الأيديولوجية.
محمد المزوغي هو أكاديمي وباحث تونسي مقيم بإيطاليا، أستاذ الفلسفة بالمعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية بروما. من مؤلفاته "نيتشه، هايدغر، فوكو. تفكيك ونقد" دار المعرفة، تونس 2004؛ "عمانويل كانط: الدين في حدود العقل أو التنوير الناقص" (دار الساقي، بيروت 2007)؛ "العقل بين التاريخ والوحي: حول العدمية النظرية في إسلاميات محمد أركون" (منشورات الجمل، بيروت 2007)؛ "نقد ما بعد الحداثة" في جزأين (دار كارم الشريف، تونس 2010)؛ "تحقيق ما للإلحاد من مقولة" و"منطق المؤرخ، هشام جعيط: الدولة المدنية والصحوة الإسلامية" وكلاهما صادر عن منشورات الجمل 2014.