لعبد الرّحمن الجبرتي، وهو أحد كبار المؤّرخين في التاريخ العربي والإسلامي، وجاء كتابه هذا يستكمل مسيرةَ أربعة أجزاءٍ سابقة، يتقصّى فيها البحثَ في تراجم الرّجال عبر حقب زمنيّة معيّنة، و في حوادث مصر وتراجم أعيانها وولاتها، ثمّ ذكر من مات في هذه الأعوام من العلماء والأعيان، مرفقًا سيرةً لأبرز أعمالهم، مثلَ ما ورد في حديثه عمّن توفَّوا سنة ١٧٧٩م: "مات الشيخ الفقيه الإمام الفاضل شيخنا الشيخ عبد الرّحمن بن عمر العريشي الحنفي الأزهري، ولد بقلعة العريش من أعمال غزة، وبها نشأ وحفظ بعض المتون، ولمّـا مرّ عليه الشيخ العارف السيّد منصور السرميني في بلده وجده نبيهًا وفيه قوة استعداديّة وحافظة جيّدة، فأخذه صحبته في صورة معين في الخدمة وورد معه مصر ً فكان ملازما له لا يفارقه، وأž
عبد الرحمن بن حسن برهان الدين الجبرتي (ولد في القاهرة عام 1756 - وتوفي في القاهرة عام 1825). و هو مؤرخ مصري عاصر الحملة الفرنسية على مصر ووصف تلك الفترة بالتفصيل في كتابه «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» والمعروف اختصاراً بـ«تاريخ الجبرتي» والذي يعد مرجعاً أساسياً لتلك الفترة الهامة من الحملة الفرنسية. قدم أبو جده من قرية جبرت - والّتي تقع الآن في أرتيريا - إلى القاهرة للدراسة في الأزهر، واستقر بها.
دفع الجبرتي الاشتغال بكتابة تاريخه أن وقف موقف المعارضة لحكم محمد علي باشا منذ بداية حكمه لمصر وانشقاقه على الدولة العثمانية. وظل سنوات يترقب ما ستؤول إليه الأحداث في عهد هذا الرجل وكان خلال ذلك يرصد كل شيء، ويدوّن الحوادث والمتفرقات، ويسند كل ما يقول ويدون إلى مصدر ثقة أو شاهد عيان سماع عاصر الحدث أو سمع عنه. وكان يحرص أن يعاين الأحداث العامة بنفسه ليتوخى الصدق ويتجنب نقل الأخبار الكاذبة، لقد تعرّض الجبرتي في سياق ذلك لكل شيء، فقد ذكر الأحوال الاقتصادية من زراعة وتجارة وفلاحة، وإلى أنواع النقود المتداولة في الدولة وإلى الأسعار وأنواع المقايضات التي كانت تحكم العلاقات التجارية. وتعرض إلى الحياة الاجتماعية بكل ما فيها من أحوال شخصية وعادات أسرية وقيم سائدة في المجتمع آنذاك. كما تعرض إلى الحياة الدينية والثقافية وأخبار الأدباء والعلماء المشهورين والمشايخ البارزين.