بفضل ما يسر الله بعونه , ووفق إليه بفضله , يحتوي هذا الكتاب على مواد كثيرة . منها ماهو سرد لمسار التاريخ , لا تخلو مادته من إمتاع وعبرة .. ومنها ماهو تحليلات سياسية, وفكرية لذلك التاريخ ومساره, ولا تخلو تلك الفصول من فائدة وفكرة.. ومنها ماهو سبحات فكرية و فلسفية , لا تخلو أيضا من دروس ونظرة .. وفيه فصول نقدية لمسار الصحوة وتجارب الجهاد عبر العقود المنصرمة .. وفي الكتاب فصول تربوية , وأحكام فقهية , ودروس شرعية .. وتوجيهات منهجية وأصولية .. وفيه مواد تربوية , ودروس في الأخلاق والرقائق , ونصوص شرعية في مسائل الجهاد والتحريض عليه, وفي غير ذلك.. وفيه خلاصة دروس تجارب جهادية كثيرة, عسكرية وسياسية وحركية وأمنية ..إلخ
فقد لخصت فيه خلاصة تجاربي و خبرة ربع قرن من مواكبة الصحوة الإسلامية والعمل وسط التيار الجهادي وسط الأعاصير الداخلية والخارجية التي عاشها .. خلال الفترة الواقعة بين ( 1980- 2004 ) عملت خلالها ميدانيا في مختلف وجوه النشاط والمساهمة فكريا وأدبيا وعسكريا وسياسيا وأمنيا .., في عدة ساحات وقضايا ساخنة وأسأل الله القبول .
ولقد تطورت أفكار هذا الكتاب ونضجت عبر أربعة عشر عاما منذ قيام النظام العالمي الجديد وغزو أمريكا للشرق الأوسط إبان حرب الكويت سنة 1990 . وخُطت مسوداته خلال في ( كابل ) في عهد الطالبان ( 1997-2001 ) , وكُتب بشكله النهائي خلال ثلاث سنوات عجاف قضيناها مطاردين من قبل الأمريكان وأعوانهم المرتدين , نتنقل بين المخابئ والملاجئ خلال ( 2001- 2004 ) , إلى أن صار إلى النص الذي بين أيديكم . ولله وحده الحمد والشكر والفضل والمنة .
وبهذا التنوع والسعة في مواد الكتاب , أرجو أن يكون لمختلف صنوف القراء , ورواد الدعوة الإسلامية من مختلف التوجهات , ولرجال مختلف التنظيمات والجماعات الإسلامية , وخصوصا شباب الصحوة الجهادية , ورجال المقاومة القادمة بإذن الله . أن يكون فيه مائدة واسعة ومتنوعة من المواد المفيدة والممتعة..يأخذ كل منها ما يناسبه .
ولكن حصول تلك الفائدة والمتعة لمن وجدها فيه - وإن كنت أرجو نفعه وأجره عند الله والدعاء من إخواني بظهر الغيب - لم يكن الهدف الأول والأساسي لكتابتي لهذا الكتاب الكبير الذي أعتبره كتاب العمر , وخلاصة أمانة القلم والكلمة التي وددت أداءها قبل أن ألقى الله تعالى , وأرجوه الصفح والمغفرة ..
فالهدف من هذا الكتاب هو إرساء أصول دعوة عمل وجهاد , أسميتها :
( دعوة المقاومة الإسلامية العالمية ) .
فهو كتاب كتب لدلالة الباحثين عن العمل من أجل أداء الفريضة , والقيام بالواجب في جهاد أعدائنا من الكفار الغزاة وحلفائهم وأوليائهم من المرتدين والمنافقين . وبإمكان من أقنعه هذا الكتاب بدعوتنا أن ينضم إليها . من دون حاجة لأن يلاقينا ونلاقيه . وفي ثنايا الكتاب ما يلزمه لكي يكون عضوا كامل العضوية والفاعلية كما سيرى . فنحن في عالم اليوم وما يسره الله من شبكات الاتصال , وطرق إيصال الخطاب . لم نعد بحاجة حتمية للتواصل واللقاء المباشر . وصار بالإمكان التواصل والتخاطب وتوفير مواد التربية والإعداد من دون كبير عناء . هذا إذا توفر العزم والإرادة . فليس القصد من هذا الكتاب المتعة والثقافة العامة , كما هو هدف أكثر قراء الكتب والصحف , والمتابعين للفضائيات والانترنت من المسلمين في هذا الزمان ... وللأسف . وبهذا الفهم والروح واستشعار المسؤولية , مسؤولية تلقي دعوة جادة للجهاد في سبيل الله أرجو أن يتناول القراء هذا الكتاب ويقرؤوه . بكل روح الجد والمسؤولية أمام الله , ثم أمام الأمة , ثم أمام أجيال عشرات آلاف الشهداء الذين قضوا خلال هذه العقود الأخيرة , كي يحيا هذا الدين , و كي تستمر راية الجهاد تخفق بكلمة التوحيد ؛ شهادة أن لا إله إلا الله إلا الله , محمد رسول الله ولتكون كلمة الله هي العليا , وكلمة الذين كفروا , كل الذين كفروا , وفي كل زمان و مكان .. هي السفلى .
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (التوبة:105) ولا غالب إلا الله .. والله أكبر ولله الحمد .
أبو مصعب، مصطفى بن عبد القادر بن مصطفى بن حسين بن الشيخ أحمد المُزَيِّكْ الجاكيري الرفاعي، وتُعرف عائلته اليوم بـ "ست مريم"، نسبة إلى جدة الأسرة؛ "مريم".
ولد في مدينة حلب، عام 1378هـ، ودرس في كليتها؛ الهندسة الميكانيكية.
التحق الشيخ بتنظيم "الطليعة المقاتلة"، الذي أسسه القائد الشهيد مروان حديد رحمه الله في سورية لقتال النظام النصيري البعثي.
تلقى الشيخ عددا من الدورات العسكرية بإشراف ضباط فارين من الجيش النصيري السوري في الاردن، وضباط من الجيش العراقي والمصري في بغداد والقاهرة، وكانت هذه الدورات ضمن دعم النظامين العراقي والمصري لتنظيم الإخوان المسلمين ضد النظام النصيري في سوريا لخلافات وجدت بين تلك الأنظمة في حينها.
تخصص الشيخ في علم هندسة المتفجرات وحرب عصابات المدن والعمليات الخاصة، وعمل مدربا في قواعد الجهاز العسكري لتنظيم الإخوان المسلمين في الأردن, وفي معسكراته ببغداد.
أثناء معارك حماة؛ عينت قيادة تنظيم الإخوان المسلمين المقيمة في بغداد الشيخ أبا مصعب عضوا في القيادة العسكرية العليا بإمارة الشيخ سعيد حوى، ونائبا للمسؤول عن منطقة شمال غرب سوريا.
إثر دمار مدينة حماة وانهيار برنامج المواجهة مع النظام النصيري؛ أعلن الشيخ أبو مصعب انفصاله عن تنظيم الإخوان المسلمين, احتجاجا على إبرامهم "التحالف الوطني" مع الأحزاب العلمانية والشيوعية والفرع العراقي لحزب البعث! وذلك لأسباب عقدية منهجية, واحتجاجا على الفساد وسوء الإدارة لدى الإخوان، واعتبرهم مسؤولين عن دمار حماة وفشل وإجهاض الثورة الجهادية.
وسجل فيما بعد تفاصيل ذلك في كتابه المشهور والذي أرَّخ فيه لتاريخ تلك التجربة ودروسها.
شارك الشيخ مرة أخرى مع الشيخ القائد عدنان عقلة في محاولة إعادة بناء "الطليعة المقاتلة" في سوريا، لكن تلك المحاولة باءت بالفشل، واعتقل الشيخ عدنان عقلة، ومعظم من تبقى من "الطليعة".
تفرغ الشيخ بعد ذلك لاحياء العمل الجهادي في بلاد الشام، وقد قادته تلك المحاولات إلى أفغانستان، حيث تعرف في يبشاور/ باكستان على الشيخ الشهيد عبد الله عزام رحمه الله الذي أقنعه بالانضمام إلى تجمع المجاهدين العرب, ليضع خبراته العسكرية في تدريب الوافدين الجدد إلى أفغانستان.
التحق بتنظيم القاعدة في بداية تأسيسه، وقد كان قبل ذلك من المقربين من الشيخ أسامة خلال مرحلة الجهاد الأفغاني.
تعرف الشيخ أبو مصعب خلال الجهاد الأفغاني على الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز، صاحب كتابي "العمدة" و "الجامع"، واستفاد منه في تحصيله الشرعي، وكان الشيخ يتردد عليه دائماً ويعرض عليه كتاباته. وذكر مرة؛ أنه لم ينشر كتابه "التجربة السورية" إلا بعد عرضه على الشيخ عبد الله عزام, ثم مراجعته وقراءته من قبل الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز وإجازته له بنشره، كما عرض عليه البيان الأول لدعوة المقاومة الإسلامية العالمية، قبل نشره، وأجاز ما فيه من فتاوى.
انكب الشيخ خلال فترة الجهاد الأفغاني على دراسة الكتب الشرعية، وخاصة كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، واهتم بتراث علماء السلف وكتب أئمة الدعوة النجدية... واهتم بمطالعة كتابات الشيخين الشهيدين سيد قطب وعبد الله عزام, وتأثر بهما تأثراً بالغاً في منهجه وكتاباته.
أثناء وجوده في باكستان وأفغانستان درس الشيخ في جامعة بيروت العربية، في قسم التاريخ - بالمراسلة - وحصل على شهادة "ليسانس" في التاريخ، من فرع الجامعة في عمان / الأردن.
سافر الشيخ إلى بريطانيا بناء على دعوة الشيخ قاري سعيد الجزائري الذي عاد من أفغانستان إلى الجزائر ليشارك في تأسيس "الجماعة الإسلامية المسلحة"، فمكث الشيخ في لندن وعمل مع الخلية الإعلامية الداعمة للجهاد الجزائري، وكتب في نشرة الأنصار الجزائرية وغيرها من نشرات الجماعات الجهادية التي كانت تصدر من أوروبا خلال تلك الفترة، وخاصة "الفجر" الليبية و "المجاهدون" المصرية.
أسس في لندن "مكتب دراسات صراعات العالم الإسلامي"، وقام المكتب يتنفيذ مشروع مقابلتين صحفيتين مع الشيخ أسامة بن لادن، الأولى لصالح القناة التلفزيونية الرابعة في "BBC"، والثانية مع شبكة "CNN".
على إثر نجاح حركة طالبان في إقامة الإمارة الإسلامية، هاجر الشيخ إلى أفغانستان، وبايع أمير المؤمنين ملا محمد عمر في قندهار، وشكل مجموعة مجاهدة عملت ميدانيا مع الطالبان، كما عمل الشيخ مع وزارة الإعلام، وكتب في جريدة "الشريعة" الناطقة الرسمية باسم الإمارة، وشارك في إعداد برامج إذاعة كابل العربية.
أسس الشيخ في أفغانستان؛ "معسكر الغرباء"، في قاعدة "قرغة" العسكرية الشهيرة في كابل بتعاون مع وزارة دفاع الطالبان، وقد تعرض هذا المعسكر إلى تدمير الطائرات الصليبية بالكامل، أثناء هجومها على الإمارة الإسلامية إثر أحداث سبتمبر.
أسس الشيخ في أفغانستان "مركز الغرباء للدراسات الإسلامية