«لامية العجم» للأديب المِصْقَع الطُّغْرَائي تسامي ضرتها «لامية العرب» للشَّنْفَرَى في المنزلة الأدبية والقيمة الفنية، وإن افترقا من حيث تناول الموضوعات.
ولقد حظيت «لامية العجم» في المحافل الأدبية بالاهتمام، فتناولها محبُّو الأدب بالحفظ والاستشهاد، وأشادوا بفنها وسموِّ أدبها.
وهبَّ غير واحد من المعنيين بالأدب العربي فنقَّبوا عن كنوزها، وغاصوا في لجِّها، واستخرجوا جواهرها، وأماطوا اللثام عن محيّا بلاغتها.
وكان ممن أعنق إلى تبيان ذلك الأديب المؤرخ خليل بن أيبك الصفدي، الذي سلك فيه منهج الاستقصاء والبسط.
وهو مع هذا أعنق في ذكر المِلَح والغرائب، وأضاف إلى ذلك نقل أشعار ماجنة، فاعتبر هذا الصنيع من المآخذ عليه رغم نفاسته، وودَّ الفقهاء لو خلا هذا الكتاب المفيد مما يعيب.
فجرده من الأشعار الخليعة، وحذف منه تديُّناً تلك الأقاصيص الشنيعة.
ثم إنه قام إليه ونقّحه، وهذّبه ودبّجه، واصطفى منه كل أبيات رائقة، وأدبيات شائقة، تهتزُّ لها الأفئدة فرحاً وطرباً، وتطرب لها المسامع تأثراً، فلم يدع لأحد بعده مقالاً.
وحينما عزمت دار المنهاج على إخراج هذه التحفة الأدبية إلى عالم المطبوعات، وإهدائها إلى الناطقين بالضاد.. وكّلت تحقيقها إلى لجنتها الموقرة، ذات الكفاءة العلمية والهمم العليّة، وذات الخبرة الأدبية، وسعة الاطلاع في علوم العربية، المضطلعة في هذا الفن.
فكان - ولله الحمد والمنة - أن تمَّ إخراج الكتاب في حلية التحقيق، والضبط والتدقيق، مشفوعاً بحلل فن الطباعة، ومتوّجاً بتاج الأناقة؛ لأن صفة الإتقان من أهدافها الأولية.
الدَّمِيْري كمال الدين محمد بن موسى (742- 808 هـ/ 1341- 1405 م) عالم باحث أديب، وفقيه شافعي. كان في أول أمره يعمل خياطًا، ثم غلبه حبُّ العلم فثابر على تلقيه حتى برَّز فيه، فأفتى ودرَّس بالقاهرة، ثم انتقل إلى مكة والمدينة للمجاورة والتدريس بهما قبل أن يعود إلى القاهرة مرَّة أُخرى.
في هذا الكتاب ننطلق من قصيدة "لامية العجم" للطغرائي وهي قصيدة رائعة مليئة بالحكمة والجمال؛ ومطلعها : أصالة الرأي صانتني عن الخطل *** وحلية الفضل زانتني لدى العطل ومنها البيت الذي يردده أغلبنا : أعلل النفس بالآمال أرقبها *** ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ
وهذه القصيدة سُميت بـ "لامية العجم" لأنه ظُن أن الطغرائي أعجمي ولأنها مشابهة للامية الشنفري فسموا لامية الشنفري لامية العرب ولامية الطغرائي لامية العجم" ، ولامية العرب هي التي يقول الشنفرى في مطلعها أقيموا بني أمي صدور مطيكم***فإني إلى قومٍ سواكم لأميلُ
وهذا الكتاب هو شَرْحٌ لقصيدة الطغرائي ، شَرَحَ القصيدة "الأديب والعلامة صلاح الدين الصفدي"،في مجلدين تقريباً وسمى شرحه (غيث الأدب الذي انسجم في شرح لامية العجم) ثم جاء بعده "الدميري" واختصر هذا الشرح وأخذ منه المفيد وضمنه هذا الكتاب الذي أخرجته لنا دار المنهاج في حلة قشيبة.
والطريقة التي شُرحت بها الأبيات هي شرح لمفردات اللغة ثم إعرابها ثم بيان معناها العام وذكر بعض الفوائد المتضمنة في الأبيات.. وأجمل ما في هذا الشرح هو الاستطراد الذي يسوقنا إلى أبيات أخرى وقصص رائعة يسردها "الصفدي" في أسلوب رائق.. وكأنك تتنزه في بستان تستمتع بأريج الأزهار ومنظر الأشجار؛ تقطف من شجر الفوائد ما لذ وطاب.. فحريٌ بكل محبٍ للأدب أو الشعر على وجه الخصوص أن يقتني هذا الكتاب ولا يفوته.
لامية العجم» للأديب المِصْقَع الطُّغْرَائي تسامي ضرتها «لامية العرب» للشَّنْفَرَى في المنزلة الأدبية والقيمة الفنية، وإن افترقا من حيث تناول الموضوعات.
لاميَّةُ العجم للطُّغرائي من قصائد الأدب الطَّنَّانة، وأجمَلُ اللَّاميّات الرَّنَّانة، وشهرتها تكفي عن نعتها، وشَرحُها للصفدي من الشروح المبسوطة التي ذهب فيها كل مذهب، ومختصر الدَّميري المتفنن في هٰذا الكتاب وانتقَىٰ من هٰذا الشَّرح أطيبه، ومن الروضة أزاهيرها، ومن المباحث زبدها، فأجاد حتّىٰ أوفىٰ علَىٰ الغاية، وارتفع بهٰذا ((المُختَصر)) علَىٰ منصّة الإتقان، ونسجت يراعته عليه جلباب الإحسان.
قد حَظِيَت (لاميَّةُ العجم) بمكانة سامية في الأدب العربي، وظَفِرت باهتمام الأدباء والشعراء، والشُّرَّاح والبُلغاء، فتناولوها بالشرح والإعراب، وتسابقوا في إظهار محاسنها، والكشف عن دقائق بلاغتها وجميل استعارتها، وعرض لطيف فوائدها ومواعظها فتكاثرت عليها الأقلام؛ فبين شارحٍ ومُختصِرٍ، ومُحشٍ، ومُعارضٍ، ومُخَمِّسٍ، ومُشَطِّرٍ، فممن شرحها:
- أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري. ت: (٦١٦ هـ)
- علي بن القاسم بن علي الطَّبري، المعروف بالأسترباذي. ت: (٦٨٣ هـ) وسمّاه: ((حل المُبهَم والمُعجَم في شرح لاميّة العجم))
- صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصَّفدي. ت: (٧٦٤ هـ), وسمّاه: ((غيثُ الأدب الذي انسَجم بشرح لاميّة العجم)) وعلىٰ هٰذا الشرح عدّة مختصرات، منه الشرح التي بين أيدينا.
فدُونكَ محُبَّ الأدب رياضًا نَضِرة، أغصانها زاهية، وقُطوفها دانية، فتنقَّل بين واحاتها، واستَمْتع بأدبيّاتها، وتصيد فوائدها وفرائدها، فإن مُحبِّرها علم متفنن، وفقيه متقن، وعلامة محسن، فقد نزّه كتابه هٰذا عن فُحش الكلام، وتوخَّىٰ أن يزف إليك كل حكمة عن النُّبلاء والأعلام. فعضَّ على هذا الكتاب بالنواجذ، وسامره تسعد، ومتّع ناظريك بحُسنه، واغترف من نبعه الصافي.
فإليكم عشاق الأدب هذا الكتاب يرفل في برد الجمال والسلام!