سلام الخالدين يا بغداد.. ربما ستقرئين هذه الرسائل بعد سنواتٍ طويلة، تكون فيها الأيام قبد تغيرت، والقلوب قد تبدلت، والجغرافيا أخبرت عمّا في جوفها من مكنون الأسرار، وقادم السنين.
وربما أموت قبل أن تعي ما بين دفتي هذا الكتاب، سيتألم قلبك، فالفقد صعب على القلوب التي تهوى وتشتاق، وهل في القلوب مثل قلب بغداد! لا تجزعي وقتها، فقط كوني حلوة ضحوكة. وانفقي على روحي الدعاء والحب، والأمانة، ونصرة المظلومين.. وسلام الخالدين عليكِ يا بغداد.. سلام الخالدين
سألت محمود جودة مرّةً: لماذا تكتب هذه الواقعية بحقيقتها، وكأنك مرآة بإطار مُزخرف، بدلًا من أن تتجه للكتابة الإبداعية بمعناها الحرفي الخلّاقي، فرّد بأنه يرى أنّ هذا الدور الذي ينبغي على المثقف تأديته، لِما يتطلبه الواقع الراهن، ولخصوصية الحالة الفلسطيني بتعقيداتها، التي تتطلب من يعمل على توعية العامة، وكتابة ما لا تقدر التعبير عنه.
في مغامرته الأدبية الأولى “غزة اليتيمة”، وثّق من خلال فنّ القصة حيوات الناس العاديين في الحربِ الأخيرة على قطاع غزّة، مُلتقطًا بكاميرته/قلمه خوف من هو حيٌ بعد، ومن على قيد الموت، وكيف يحبّون الحياة،
وهنا في “رسائل إلى بغداد” يعود لعملية التأريخ بطريقة القصّة، ضمن قالب الرسالة، كما أنّ هناك الكثير من "أدب الصداقة" في الرسائل، وملامسة كبيرة للحب الواسع الذي يبعثه كنصائح للقارئ، وهنا محاولة لتصحيح الوعي العام تجاه الكثير من القضايا، وكتابة للذاكرة الجمعية التي يعيشها العامة في غزّة، بصيغة أخرى؛ فإن هذه الرسائل تشبه المذكرات أو كتابة السيرة، ليس لمحمود جودة فقط، بل لكل من عاصر هذه الفترة.