لا جدال في كون الأمة العربية التي تتحفز لتنباع وتستوفز لتمد طائل الباع، لم تكن لتحدث نفسها بالنهوض الذي جعلته نصب نواظرها، والاتحاد الذي سيّرته شغل خواطرها لو لم تكن رقَّت من رئاسة الممالك فيما غبر هاتيك الدرجات العالية، وطالعت من تاريخها تلك الصفحات المتلالية فجعلت الحاضر منها يخجل أن يقصر عن شأو الغابر، ويستطار أن يعلم أباه سيدًا في الأوائل وهو عبد في الأواخر، فكان إذن تاريخ العرب هو عمدة العرب فيما يطمحون إليه من معالٍ، ووسيلتهم فيما يندفعون إلى تحقيقه من آمال، إن هذا التاريخ المجيد وإن سقته سيول المحابر واخضرَّت له أعواد المنابر، وسبقت فيه تآليف استولى أصحابها على الأمد إخراجًا، ولمعت فيه كتب أو لاحت لكانت بروجًا، ولو نضدت لكانت أبراجًا، لا تزال فيه نواقص بادية العوار ومعالم طامسة الآثار، ومظانّ متوارية غامضة، ومعلومات قاعدة غير ناهضة، تحتاج إلى همم بعيدة من الأفواج الآتية ليثيروا من دفائنها، وإلى معارف واسعة عند السلائل المقبلة لينثلوا من كنائنها .
شكيب ارسلان (25 ديسمبر 1869 - 9 ديسمبر 1946)، كاتب وأديب ومفكر عربي لبناني إشتهر بلقب أمير البيان بسب كونه أديباً و شاعراً بالإضافة إلى كونه سياسياً. كان يجيد اللغة العربية والتركية والفرنسية والألمانية. التقى بالعديد من المفكرين والادباء خلال سفراته العديدة مثل جمال الدين الأفغاني واحمد شوقي. بعد عودته إلى لبنان، قام برحلاته المشهورة من لوزان بسويسرا إلى نابولي في إيطاليا إلى بور سعيد في مصر واجتاز قناة السويس والبحر الاحمر إلى جدة ثم مكة وسجل في هذه الرحلة كل ما راه وقابله. من أشهر كتبه الحلل السندسية[1]، "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم"، و"الارتسامات اللطاف"، و"تاريخ غزوات العرب"، و"عروة الاتحاد"، و"حاضر العالم الإسلامي" وغيرها. ولقد لقب بأمير البيان لغزارة كتاباته، ويعتبر واحداً من كبار المفكرين ودعاة الوحدة الإسلامية والوحدة والثقافة.
كتاب تاريخي مهم ، يسلط الضوء على فترة طالتها أيادي النسيان من تاريخ العرب و المسلمين في غزواتهم و فتوحاتهم لقارة أوروبا فيما وراء جبال البرانس،هذه الفترة التي لم تنل حظها من كتابات المسلمين ولا تزال حتى اليوم مجهولة بالنسبة لهم ،مما أتاح الفرصة للمؤرخين النصارى وأغلبهم قساوسة في ذلك الوقت لكتابة تاريخ العرب على أراضيهم ، فجاءت رواياتهم مشوَهة و مشوِهة لواقع الحال يدفعهم إلى ذلك حقدهم على الرسالة الإسلامية و حملتها. وبما أن أمير البيان اعتمد في كتابه هذا على ترجمتين لمؤرخين من القساوسة، فقد ورد فيه من الأفعال الشنيعة المنسوبة للعرب ما يدفعنا إلى الإعتقاد بأن فيها الكثير من المجازفة و البهتان،وهو الأمر الذي تنفيه كتابات المنصفين و المتجردين من المؤرخين. وعلى كل فالكتاب يحوي كما هائلا من المعلومات لا تجدها في غيره ،و ما أحوجنا إلى من ينفض غبار القرون عن تلك المرحلة من مراحل تاريخنا المجيد.
هذا الكتاب هو جزء من رحلة الأمير شكيب أرسلان في الأندلس، وقد ابتدأ رحلتَه من لوزان مرورًا بباريس، ووصولاً إلى مدريد وذلك عام ١٩٣٠م.
فكرة الكتاب عبارة عن طرح موضوع غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزر البحر الأبيض المتوسط، وقد اعتمد أرسلان في كتابه هذا على كتابَيْن تاريخيين غربيين، هما:
- "غارات العرب على فرنسا ومن فرنسا على ساڤوي وبيمونت في القرن الثامن والتاسع والعاشر من التاريخ المسيحي بحسب روايات المؤرخين المسيحيين والمسلمين" وهو من تأليف المؤرخ والمستشرق الفرنسي جوزيف رينو (١٧٩٥-١٨٦٧م). - "غارة العرب على سويسرا في أواسط القرن العاشر" للدكتور فرديناند كيللر.
شكل هذان الكتابان متن كتاب أرسلان بشكل شبه كامل، أما الهامش، فقد اعتنى به أرسلان فأضاف ما عنده من علم وأدب ودراية تاريخية وجغرافية، داعمًا ما ورد في المتن أو داحضًا له.
وفي نهاية الكتاب، تناول أرسلان آثار العرب المتبقية إلى الآن في سويسرا، والأسماء العربية الموجودة حتى وقت تأليف الكتاب.
كما عرّج على جزيرة مالطا، وكتاب أحمد فارس الشدياق "الواسِطة في معرفة أحوال مالطة"، فنقل عنه بعض النقولات المتعلقة بتاريخ الجزيرة وأهلها وثقافتها.
وأخيرًا، عرض رسالة بعث بها إليه مستشرق إيطالي عثر على كتابات عربية على شواهد القبور في مالطا. كما أنه ضمّن كتابَه مقالة للأستاذ عبدالعزيز الثعالبي، تناول فيها غزوات العرب في أوروبا والبحر الأبيض المتوسط.
لغة الكتاب بسيطة، والعبارة سهلة غير متكلفة، وترجمة الأمير شكيب لكتابَي الأستاذَين الفرنسي والسويسري ترجمة رائعة، حتى لتخال أنهما ألِّفا بالعربية.
الهوامش كانت غنية بالإضافات العلمية والتعليقات المهمة لأرسلان، عابها بعض الإطالة، حتى لتجد بعض صفحات الكتاب يكون المتنُ فيها سطرًا أو سطرَين أما بقية الهامش فهي تتمة للهامش الذي ابتدأ في صفحة سابقة، ويمتدُ لصفحة تالية.
كتاب رائع تعرفت من خلاله على معلومات جديدة كليا من غزوات المسلمين في أوروبا و عن أحوالهم التي منها ما يسر ومنها ما يحزن وقد عشت من خلال قرائته أياما سعيدة بالانتصارات الخالدة و الانتصارات التي لا نعلم عنها شيئا و أياما حزينة تدمي القلب بالتعرف على أسباب هزيمة المسلمين و التي لم تكن عسكرية بالدرجة الأولى و إنما سببها البعد عن الدين والتفرق والطمع في المغنم و ما أشبه اليوم بالبارحة، استعانة بالنصارى على المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله كتاب جميل جدا أنصح بقرائته
هنا يتقمص أمير البيان دورا جديدا غير معهود عليه وهو دور الرحالة المستقصي عن تاريخ أجداده العرب فيبدأ البحث من الشمال للجنوب أي من سويسرا مرورا بفرنسا وصولا فالنهاية لاسبانيا عكس الطريق الذي بدأ به طارق بن زياد و موسي بن نصير. في هذا الكتاب تكتشف أن فتوحات المسلمين لم تتوقف عن الأندلس بل تخطوا جبال البرانس و غزوا غرب فرنسا و سويسرا .تفاصيل كثيرة يسردها الكاتب عاني كثيرا للوصول إليها من بحث في مكتبات الأديرة في أوروبا ومشيا علي الأقدام ليصل لقري علي قمم جبال سويسرا تسري الإشاعات أن من سكانها بقايا عب و مسلمين
كتاب ممتع و مليء بالمعلومات يتناول مرحلة تقدم المسلمين في جنوب اوروبا حسب الروايات الاوروبية و وضعها تحت المجهر و التحليل من وجهة نظر اسلامية للكاتب شكيب ارسلان، الكتاب قيم جدا و لكن ربما يحتاج لتحديث من طرف باحث معاصر نظرا للاكتشافات الاخيرة جنوب فرنسا مثلا و الوثائق الجديدة التي ظهرت من ارشيف الفاتيكان. أكثر ما أعجني في الكتاب الجزء المخصص بجزيرة مالطا ربما لأن اللمسة العربية مازالت حاضرة بقوة في الجزيرة في اللغة و العادات و العمران و أنواع المأكولات،
بعد إنتشار الإسلام في العراق وفارس والشام ومصر وإفريقيا، بدأت غارات العرب على إسبانية إلى أن بلغوا فرنسا، وصارت جميع قارة أوربا تحت تهديد المسلمين حتى معركة بواتييه التي انهزم فيها العرب. بعد تفشي سوء الأخلاق وانتشار الفساد قام طارق بن زياد بتجهيز جيش رغم صغره فتح قرطبة ومالقة وطليطلة، إذا اجتمع حب الرغد في الدنيا؛ بما في الأندلس من جمال وحب الآخرة في الجنة؛ بما للجهاد من ثواب فكانت قوة باختلاف أهدافها حققت انتصارات كثيرة.