عندما يعترف الإنسان بانتقاله من الإيمان بفكرة إلى التصديق بنقيضها، فإنه يشهر بكثير من الخوف والشك، ويزداد خزفه وشكه عندما يتذكر أحكامه التي كان يطلقها على المختلفين معه بإيمانه ذاك
إذا اعتبرته كتابًا في التصوف فهو ليس بشيء؛ فمن جهة لا يقدم شيئًا ذا بال عن التصوف والصوفية؛ ناهيك عن أن به أخطاء منهجية لا يمكن أن يُسامح باحث حق على ارتكابها؛ فمفهومه عن الفناء منحرف جدًا، وما سمعنا أحدًا قال بما قال به في العالمين. فهو يدعي مثلًا أن الصوفي يتألهن إذا فني في الله، والحق الذي عليه أهل الطريقة أن الفناء بقاء ومحو في ذات الوقت؛ فاللاهوت غائب في الناسوت، فإن نظق العبد نطق بلسان الرب وإن سكت فبه يسكت، وهذا معنى الحديث المشهور: «كنت سمعه الذي يسمع به». علاوة على أن الولي _ وكل ولي فان في الله _ أخشى الناس لله، فكيف يقال إن الصوفي إن فني يتألهن؟!!! أضف إلى ذلك أن فهمه لتوحيد الأفعال مغلوط حقًا، حتى لقد دفعه خطأه إلى نسبه الشنائع لله، والحق أن وحدة الوجود تقتضي أن الخير والشر بيد الله، لكن ما جرأ أحد على نسبة الشر المحض لله. ولئن كان فهمه للنبوة _ كمصطلح _ يمكننا التسامح معه فيه، باعتباره يقدمًا منظورًا فيها جديدًا، وقد أتى بالفعل ببعض النكت والاستبصارات الهامة. لكن _ وعلى الرغم مما فات _ إن نظرت إلى الكتاب على أنه كتاب في «فينومينولوجيا الإدراك» لكنت محقًا، ولوقعت فيه على الدر الثمين؛ فهو يقدم ترسيمات مهمة وإن كانت لا تغيب عن باحث ذي دربة ومهارة. وعلى كل فالكتاب خيب ظني، إلا أني لست نادمًا على قرائته، ولا يستحق أكثر من ثلاث نجمات.
تجربة صوفية ذاتية مر بها المؤلف وعلى مدى ١٥ عام نتج عنها توصله إلى نتيجة مؤداها انهيار منظومة المعرفة الصوفية (النبوية) القائمة على الوهم. الكتاب يتنقل بين مقارنة التجربة الصوفية والنبوة من حيث الاتصال بالمطلق والفناء فيه. الكتاب مختصر ومركز في نقل الفكرة منه. يتطرق بشكل مختصر جداً لموضوع سيكولوجي مهم في الوعي البشري واللغة كأداة لنقل الأفكار ليثبت أن اللغة لا يمكن بأي حال أن تنقل المفاهيم الخارجة عن نطاق البيئة التي يعيشها الانسان فما بالك أن تنقل أفكار المطلق (الله) للانسان البسيط، وهذا ما يضع علامة استفهام حول ما ينقله النبي أو الصوفي. أيضاً وبشكل مختصر فند فكرة المعجزة والتي عادة جاءت غير متماشية مع فكرة النبوة. في آخر الكتاب تطرق المؤلف للإلحاد من وجهة نظره الذاتية - المؤلف- حيث أنه يؤمن بوجود علة لكل شئ وهذا الكون وما فيه بالتأكيد له موجد ولكن لا يمكن أن يعرف أو أن يتم الاتصال به من خلال شخص آخر مثل النبي أو الصوفي لان النبوة والتصوف تجربة ذاتية لا يمكن نقلها للآخرين.