تجلسُ تهاني فجر في ركنٍ ما من هذا العالم، معيدةً صياغةَ مفاهيم كثيرة باسم الحب. كما لو أنَّها تصنعُ ألبومَ صورٍ شخصي بما تلتقطه من مشاهد حميمة وما تكشف عنه من رغباتٍ حسّية في مواجهة الفقد، الحرب، والبشاعة الماثلة أمام باب البيت كصورةٍ لحياة مستهلكة. ليُمسي الانتظار مسافةً لزجة تتحايلُ عليها الشاعرة بكتابة تفاصيل يومياتِها، بما يجعلُ القصيدة مرآةً تعكس ذاتها المتمرِّدة على التقاليد والأفكار المسبقة في زمنٍ متسارعٍ ونمطي يلتهمُ ملامحنا، ويحيلنا إلى وجوه خالية تسقطُ منها مشاعر الخوف والدهشة حتى ونحن نسيرُ بخطى واثقة إلى الهاوية. تتعدَّدُ الصور التي تجمَعُها تهاني فجر من خلالِ اشتغالها على المفردة الواحدة في القصيدة، تُفكِّك الحروف والكلمات لتعيد تركيبَها بطريقتها الخاصة:
تماماً كلوحةٍ لـ «موديلياني» أبدو برأسٍ مَحشوٍّ بأغنيَّتِكَ المُفضَّلةِ بعُنُقٍ طويلٍ مُبلَّلٍ بِرِيقِ قُبلِكَ بفمٍ يُشبهُ كلمةَ «أحبُّكَ» بعينَيْن واسعَتَيْن لهما لونُ البُحَّةِ في كلمةِ «أشتهيكَ» بساقَيْن عاريَتَيْن تلتفَّان حول خصرِكَ كي أُبرِّرَ خوفي من العالمِ.
كائنات تهاني فجر في مجموعتها الشعرية "صورة شخصية للحب" لا تختلف كثيراً عن الحبِّ في حالات الخيبة والانكسار، كما في حالات الانتشاء والمتعة، يصبحُ للقلب أكثر من فم ويد، أكثر من خصر وقدم، تصبحُ الكلمات سكاكين حادّة، والفراغ فقاعات نلمحُ في إحداها الشاعرة وهي تتأمّل العالم من غشاءٍ شفّاف، لكن رغم هشاشتهِ له أن يقهرَ العتمة بالسخرية ويلتقط صورةً يمكن الاحتفاظ بها إلى الأبد. تقول تهاني في إحدى صور الكتاب:
تتسلّل من بين القصائد أغاني فيروز وبوب مارلي، نسمع إيقاعها منسجماً مع الكلمات والرّغبات المتصاعدة، وفي مشهدٍ لحياة يومية تتأثّث بهواجس الموت والفقد المتفاقم يأتي الشعر من مناطق معتمة لينقذ الشاعرة ويمنحها فرصة محاورة ذاتها والعالم، مستسلمة لأمواجِ الأفكار المتلاطمة بداخلها، دون أن يخفت صوتُها الساخر الخاطف كفلاش الكاميرا.
"صورة شخصية للحب" مجموعة شعرية للشاعرة والمترجمة الكويتية تهاني فجر، صدرت في 80 صفحة من القطع الوسط، ضمن مجموعة "براءات" التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
لن أنسى كم استمتعت بهذا الديوان! هذا أول ما خطر ببالي عندما انتهيت من التهام ديوان الشاعرة تهاني فجر دفعةً واحدة في مكتبي، صباحا، على معدةٍ فارغة! هذا الشّعر حقيقيّ إلى درجة الإدهاش! أعتقد بأن بعض القصائد جعلتني أندهش لدرجةٍ لم أندهش مثلها من قبل في حياتي. ياللروعة!
إنها القصيدة الخام/ الصافية اللاذعة والحارّة التي تسقط من يدك كلما حاولت اصطيادها. تهاني تكتب بلغة حادّة كسكين عن الحب! هذه المفارقة خلقت شعراً يمكنك أن تُحسّ به يجرح يديك. يمكن أن تحترق به أو تختنق أو حتى تحسّ به ينزلق رطباً دافئاً على ظهرك.
منذ مدة لم أقرأ شعراً يجعلني أحترق من الداخل، يجعل الألوان تتغير أمام عينَيّ! حتى الشاي، بات طعمه أكثر مرارةً.
لم أعرف أحدًا من قبل يستطيع ترويض اللغة كما تفعل تهاني. تعجبني الاستعارات والتشبيهات الّتي تخلقها، وتدهشني بصراحة. أشعر أحيانًا بأنّ لديها كيس كبير من الكلمات، والصور الشّعرية، أصيلة النشأة، حيث لا أحد يقدر على تركيبها. لكن على مستوى هذا الكتاب ما كان يجب الانتباه له هو التنوّع والتّكرار في النصوص، حيث شعرت بأنّ من الممكن جمع بعض النصوص وكأنهم نصّ واحد طويل. كما أن الكتاب يطرح موضوعين فقط : الحبّ والحرب. نصوص الحرب جميلة ومتنوّعة وقليلة، أما نصوص الحبّ فهي قريبة أكثر إلى التكرار، ليست فقط تكرار الفكرة إنما تكرار الكلمات. كتاب جميل ولطيف، شاعريّ، رومانسيّ يمكننا القول رغم بروز التعابير الجنسيّة، سلس، لكنه ليس أفضل ما يمكن لتهاني تقديمه.
لّ شيء انهالَ على رأسي دفعةً واحدةً ولا شيءَ أَحْدَثَ دَوِيّاً لا شيءَ كقلبي الذي سَقَطَ وجَلَسْتَ عليهِ / أُسلِّطُ مصباحاً يدوياً داخلَ رأسي لأرى نظرتَكَ الأخيرةَ وهي تلمعُ الآن مثل سكّينٍ حادّةٍ في ذاكرتي / هكذا يا حبيبي هكذا سأنساكَ بطُرُقٍ مُبتكَرةٍ أنا التي كلّما نَبَتَ لي قلبٌ جديدٌ أحبَّكَ!
بعد رحيلِكَ.. أقفُ عند البابِ لأراقبَ قلبي وهو يسندُ ظَهرَهُ في الزاويةِ وهو يثني ركبَتَيْهِ ويبكي في العتمةِ.
__________________________________ كلّما وجدتُ صوتَكَ في زاويةٍ وضعتُهُ في كيسٍ.. إلى أن أصبحَ لديَّ جملةٌ كاملةٌ منكَ.. الآن.. بإمكاني أن أسمَعَكَ مجدَّداً وأنتَ تقولُ لي صباح الخير.
_________________________________ لا أريدُ شيئاً سوى أن أرسمَ على وجهِ امرأةٍ في داخلي ابتسامةً عريضةً.
_________________________________ إنها الثانيةُ بعد مُنتصفِ الليلِ ولا أعرفُ كيف أُقنِعُ الطقسَ خارجاً ليكفَّ عن البكاءِ!
الحب والحرب ، حرف واحد قادر على خلق الحياة وانهاءها ، تهاني جمعت التضاد كانت الراء في القصيدة ، تارة ترتفع بي لسقف الغواية وتارة تدفنني مع جثث الحرب الغريبة . مدهش هذا الديوان حد وجع الحب والحرب معاً .
اول كلمة قلتها يوم قرات اخر نص: مسرع! : بمعنى انتهى بسرعة! كاني طفل جائع أُنتُزِع منه طبق لذيذ وهو لم يشبع بعد. صور شعرية كثيفة ورائعة -لا تخلو من جرأة- عن الحب والحرب والانتظار.