يعتبر هذا الكتاب من لبنات أسس البلاغة العربية . وقد ذكر أن بيان وجه الاعجاز في القرآن من أهم الواجبات، وأن الجاحظ في كتابه هذا لينبه الغافل عنه محاولا الإبداع بقدر الامكان فتكلم في : كون القرآن ووجوه إعجازه، نفي الشعر والسجع من القرآن، كيفية الوقوف على الإعجاز وجوانبه وقدره، كلام النبي وأمور تتعلق بالإعجاز . وهو يكثر من إيراد الشواهد الشعرية.
محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم، القاضي أبو بكر الباقلاني المالكي. فقيه بارع، ومحدث حجة، ومتكلم على مذهب أهل السنة والجماعة وطريقة الأشعري. انتهت إليه رئاسة المالكية بالعراق في عصره. كان قائد الكتيبة في الحرب التي دارت رحاها بين الدولة العباسية والدولة الفاطمية. وكان لقلمه الأثر القوي في تمزيق حجج الفاطميين.كان رحمه الله ذكيًا، غاية في الذكاء والفطنة وكان مسددًا في نقاشه، محافظًا على كرامة الإسلام، عفيفاً في لفظه. قال له طاغية الروم: خبرني عن عائشة زوجة نبيكم؟ فقال له الباقلاني: هما اثنتان قيل فيهما ما قيل: زوج نبينا ومريم ابنة عمران، فأما زوج نبينا فلم تلد وكان لها بعل، وأما مريم: فجاءت بولد، وليس لها بعل، وكل قد برأها الله مما رميت به. فسكت طاغية الروم ولم يُحِر جوابًا. قال أبو بكر الخوارزمي يصف سعة علم أبي بكر الباقلاني: كل مصنِّف في بغداد، إنما ينقل من كتب الناس إلى تصانيفه، إلا القاضي أبا بكر الباقلاني، فإن صدره يحوي علمه وعلم الناس. له مؤلفات كثيرة، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية: كان الباقلاني لا ينام حتى يكتب عشرين ورقة في كل ليلة مدة طويلة من عمره. ومن هذه المؤلفات الكثيرة التي كتبها الباقلاني: شرح الإبانة؛ شرح اللمع؛ الإمامة الكبرى والإمامة الصغرى؛ التبصرة بدقائق الحقائق؛ أمالي إجماع أهل المدينة؛ المقدمات في أصول الديانات؛ إعجازالقرآن؛ مناقب الأئمة؛ حقائق الكلام؛ التعريف والإرشاد؛ التمهيد في أصول الفقه؛ المقنع في أصول الفقة؛ كتاب في الرد على الباطنية الفاطميين، سماه: كشف الأسرار وهتك الأستار؛ تمهيد الأوائل وتلخيص المسائل. توفي ببغداد.
هذا الكتاب من وجهه نظري افضل واغني ما الف في بابه وقد الفه الامام للرد علي شبهات الجاحدين المنكرين لمعجزه القران والقائلين بان معجزته في الصرف عن معارضته لا في نظمه كالمعتزله وخاصه النظاميه والجاحظيه
وقد ارسي الامام قاعده هامه جدا لمن اراد التصنيف في هذا الباب (اعجاز القران وتفسيره) فقال" انه لا يزعم احد انه يمكنه ان يبين ما رام بيانه واراد شرحه وتفصيله الا لمن كان من اهل صناعه العربيه ومن وقف علي جمل من محاسن الكلام ومتصرفاته ومذاهبه وعرف جمله من طرف المتكلمين ونظر في شئ من اصول الدين "
وافتتح الامام الكتاب باثبات ان القران معجزه النبي ثم اعقب ذلك بالكلام عن وجوه اعجازه ثم عقد فصلين فصل لنفي الشعر من القران وفصل لنفي السجع من القران ثم عقد فصل لبيان البديع في القران (ويرجي التنبيه ان القدامي كانوا يطلقون اسم البديع علي اقسام البلاغه الثلاثه البيان والمعاني والبديع ولم تتغير هذه القاعده الا علي يد بدر الدين ابن مالك ) ثم اعقب ذلك بنقل خطب للنبي والخلفاء للتفرق بين نظم هذه الخطب ونظم القران ثم عقد فصل للمفاضله بين الشعر والنثر ونفي ان يكون الشعر افصح واقوم من القران (وهو من قبيل النثر ) ولكي يثبت ذلك جاء بمعلقة امرؤ القيس التي مطلعها .. قفا نبك من ذكري حبيب ... بسقط اللوي بين الدخول فحومل ونقدها بيتا بيتا بل وكلمة كلمة ولقد اجاد النقد وجعل امرؤ القيس في موقف لايحسد عليه ولما انتهي منه دخل علي افحل شعراء الاسلام البحتري ونقد قصيدته الشهيره التي مطلعها .. اهلا بذلكم الخيال المقبل ... فعل الذي نهواه او لم يفعل ونقدهاا كما نقد قصيده امرؤ القيس ثم بعد ذلك تكلم الامام عن تحدي العرب بالقران وعن قدر المعجز في المعجز وعن حكم العلم بالاعجاز ثم تكلم عن وجوه بلاغيه بلاغيه متنوعه في القران ثم ختم الكتاب بمساله كلاميه متعلقه بالاعجاز
وجدير بالذكر ان هذا الكتاب طبع عدة طبعات افضلها طبع مكتبه مصر الذي حققها وفهرس لها الاستاذ ابو بكر بن عبد الرازق ...
قرأت هذا الكتاب مكرها، مضطرا لا بطلا ، كنت أحاور أحد الاصدقاء في مسألة إعجاز القرآن و كان صديقي هذا ينتصر لفكرة أن المقصود بالإعجاز هو العبقرية اللغوية و البلاغية من دون أن يكون في الأمر خرق لعادة و كنت أعارض هذه الدعوى معارضة شديدة اجدها في نفسي من دون أن اوفق لصياغة بناء استدلالي أنافح به عن قناعتي الوجدانية أن القرآن الكريم كلام معجز بمعنى خرق عادة الناس في البيان و الفصاحة. و ركبني من ذلك غم شديد لم يفارقني بقية يومي و ليلتي، و كنت و لا أزال مزجى البضاعة في العلوم الشرعية، ادرك جهلي و قلة زادي ادراك الجاهل البسيط، لكن ذلك لم يمنعني أن أشمر عن ساعد الجد و أنفق ساعات نومي في البحث عن مقال أو كتاب أو أي شيئ يساعدني في إيجاد بناء استدلالي منطقي يعضد احساسي العميق بمعجزة القرآن البلاغية. أرشدني بحثي أولا الى كتاب دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني (توفي 471 ه )، قرأت مقدمته الجميلة و لم أجاوزها لأن لغتي لم تسعفي و أحسست بعمق جهلي بالنحو و البلاغة و تركت كتاب عبد القاهر مغلوبا على أمري، آسفا على نفسي و كان كتاب الباقلاني (توفي 403ه ) المرجع الثاني الذي هداني إليه بحثي، بدأت قراءته و أنا اكثر يأسا مما كنته مع كتاب عبد القاهر لكني وجدت نفسي اغوص في الكتاب شيئا فشيئا، متأنيا مستمتعا و منبهرا بأسلوب الباقلاني العجيب، الذي استطاع بسلاسة و يسر أن يقرب الى فهمي السقيم مسألة من أصعب المسائل العقدية. استطعت على ضوء ما قرأت في هذا الكتاب النفيس أن استدل على إعجاز القرآن بطريقتين: طريقة إجمالية يدركها كل مسلم و طريقة تفصيلية لا يستطيع الاحاطة بها الا ذوو الأذواق العالية في نقد الكلام مع إحاطة واسعة بعلوم اللغة من نحو و صرف و بلاغة (حاشاهم أن أكون من زمرتهم). هذا الكتاب الرائع بداية تعرفي على لسان الأمة رحمه الله تعالى و أثابه عن الإسلام و المسلمين خيرا كثيرا.
تكمن قيمة هذا الكتاب في كونه من أوائل الكتب التي صنفت في إعجاز القرآن يغلب على الكتاب الأسلوب الكلامي، كون صاحبه من أئمة المتكلمين وقد ساءني محاولة الكاتب الحط من قيمة الشعر العربي وبلاغته في سبيل إعلاء بلاغة القرآن وبيان أنها دليل على إعجازه، حتى أنه تناول معلقة امرؤ القيس بيتا بيتا، فلم يسلم بيت منها عنده من وهن وضعف وركاكة وسوء تعبير... من أراد قراءة شيء في إعجاز القرآن، فعليه بكتاب مصطفى صادق الرافعي، فهو أفضل من كتاب الباقلاني في حسن ترتيبه وتبويبه وعرضه لللإعجاز البلاغي والإستدلال عليه
يعد هذا الكتاب من الكتب المهمة التي تناولت قضية إعجاز القرآن، في بداية كتابه ذكر أن من سبقوه في هذه المسألة قلة من العلماء مع أن الحاجة للحديث عن هذه القضية ماسة جدا، في الفصل الثاني تعرض لقضية أن القرآن الكريم هو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم ودلالة على نبوته. وفي الفصل الثالث ذكر ثلاث وجه للإعجاز وهي: الاخبار عن الغيب وتضمنه أخبار الأمم السابقة وأخيرا أنه بديع النظم معجز في البلاغة، وذكر عشر وجوه اشتملها القرآن الكريم في بديع نظمه. وقد فصل في شرح وجوه الإعجاز الثلاث في الفصل الرابع. ثم نفى أن يكون الشعر عن القرآن في الفصل الخامس. وقد خصص الفصل السادس لنفي أن يكون السجع من القرآن الكريم، حيث يرى الباقلاني أن السجع مذموم ونهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأن السجع يكون فيه المعنى تابعا للغظ، وأن القرآن تميز بالفواصل. وفي الفصل السابع ذكر وجوها عدة من البديع في الكلام، وأجاب عن سؤال هل يمكن أن يعرف إعجاز القرآن من معرفة البديع. أما فصله الثامن وهو أكبر الفصول فخصصه للحديث عن توضيح البين الواضح بين كلام العرب وبين القرآن الكريم، فتناول معلقة امرئ القيس وقصيدة للبحتري ليوضح النقص فيهما ويثبت أن القرآن كامل ولا نقص فيه. وقد قدم السيد أحمد صقر مقدمة غاية في الروعة تقع في ١٠٠ صفحة تقريبا للحديث عن الباقلاني وعن الكتاب، فكانت إضافة رائعة وقيمة جدا للكتاب. تميز الكتاب بمناقشة لأفكار لم يسبق لأحد التطرق لها كما تميز بأسلوب مميز ساهم في سهولة تلقي المعلومات والأفكار. لكن ما كان واضحا في الكتاب تحامل الباقلاني على نص معلقة امرئ القيس وقصيدة البحتري في النقد حين أراد أن يثبت أن كلام البشر ناقصا مقارنة بالقرآن، حيث أنه شوه الأبيات وعابها بشكل جاوز فيه الصواب وكان بعيدا عن الموضوعية، وذلك أشار له السيد أحمد صقر في مقدمة الكتاب وكان رد عليه الدكتور محمد أبو موسى في كتابه الإعجاز البلاغي. كما أن الباقلاني كان متعصبا لرأي أن السجع مذموم وأن المعنى يكون تابعا للفظ، وهذا ما رد عليه محقق الكتاب في مقدمته، وكان الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه أسرار البلاغة تناول السجع وتحدث عنه.
رغم اختصاره وغياب الكثير من التفاصيل التي يبحث كل متعطش إلى كشف أسرار إعجاز القران إلا أن الجدل الذي يثيره الباقلاني يؤسس لأهم المباديء التي يتوجب لكل باحث في هذا الموضوع الثري والمبهر أن يستنير بها . أما موضع المقارنة بالشعر فلم أعتبر أن فيه حطا من قدر الشعر بقدر ما هو تعظيم له كقمة البيان العربي في ذلك الزمان وهو يحاول ان يظهر كيف أن تطبيق ميزان القران على ما سواه من المنتج الأدبي الإنساني لن يكون له أثر سوى تعميق اقتناعك بإعجاز اللغة في كتاب الله . من المهم أيضا التنبه كيف أنه من الصعب شرح البديهيات . وبما أن الفصاحة بمقياس الباقلاني ومعاصريه هي أقرب إلى البديهيات فقد كان صعبا عليهم أن يلتفتوا إلى إعجاز القران بشيء من الوضوح والتفصيل . وإنما كان كافيا له أن يعرض ايات القران مقابل أي عمل أدبي شعري أو نثري ويفترض في قارئه أن يستوعب الفرق بين كلام الخالق والمخلوق ساخرا من كل من عجزت ملكاته عن إدراك الفرق بينهما