هل يصحّ تصنيف البشر بين محض أخيار ومحض أشرار؟ هل الخير قيمة مطلقة؟ والشرّ مثلبٌ يبدأ بزلَّةٍ لا رجوع عنها؟ وهل نتعاطف مع من يغرق، نشعر برغبته الدفينة في الانعتاق من هذا الفخ، أم نتشفّى به؟ هو صحافي. باع روحه للشيطان. أمعن في التورّط مع السلطة في لعبة مُحكمة النسج يمتهنها أقوياء البلاد. في تلك الدوّامة التي سلّم نفسه لرياحها، قام مطهَّر بكلّ ما طُلب منه من أعمالٍ دنيئة، لكنَّ ملمحاً إنسانيّاً طيّباً ظلّ لصيقاً به، يظهر في الخفاء، عند مفاصل الحكايات، في ثنايا المشهد القبيح، حين ينام جميع الحرّاس، وتنقشع قليلاً متطلّبات الوظيفة وأوامر الكبار... في بلادٍ لا تزال العبودية تُمارَس في دهاليزها، ثمّة «خادمات» يتنقّلن بين بيوت الأسياد، فتيات يشاهدن الرسوم المتحرّكة ويشرّعن أجسادهنّ وأعوامهنّ الطريّة لغزاة الليل والطفولة، وثمّة كرماء يُشهَّر بهم ومجرمون يكافَأون... في هذه البلاد صحافيٌّ فاسد، إنسانٌ فوّت عليه إنسانيّته، روّضها ببعض الدموع كلما ظهرت، ليموت كمداً بها...
حصل على بكالوريوس آداب قسم الجغرافيا، وأكمل دراساته في هو روائي، كاتب قصة قصيرة، وكاتب مسرحي يمني. ولد في محافظة الحديدة ودرس في جامعة صنعاء. نشر خمس روايات، سبع مجموعات من القصص القصيرة، ومسرحية واحدة وسيناريو فيلم واحد. جامعة صنعاء. يعمل موظفًا بوزارة الثقافة ويشغل موقع مدير تحرير مجلة الثقافة. صدر له (11) كتاباً ما بين الرواية والقصة القصيرة والمسرح والسيناريو. تُرجمت روايته “قوارب جبلية” إلى اللغة الفرنسية، وروايته “بلاد بلا سماء” إلى اللغة الإنجليزية، وروايته “حمار بين الأغاني إلى اللغة الإيطالية. وصلت روايته ” فيلسوف الكرنتينة ” إلى القائمة الطويلة في جائزة البوكر للرواية العربية في 2008. أُختير ضمن أفضل 39 كاتباً عربياً تحت سن الأربعين في مشروع بيروت 39 الذي نظمته مؤسسة (Hay Festival) هاي فيستفال للآداب البريطانية في عام 2009. حصل على منحة إقامة إبداعية في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة أربعين يوماً في مركز فيتوشا الثقافي (Vitosha Cultural Center) بولاية ميشيغان، وذلك خلال الفترة (20 يوليو – 30 أغسطس 2012).
هل أنت مواطن نزيه لأنك صاحب مبادئ أم لأنك لم تجد الفرصة؟
هل أنت مستعد لرفض المغريات: وظيفة مستقرة، راتب مجزئ، دعم لا محدود على جميع الأصعدة؟
المقابل هو أن تتنازل عن جزء صغير من ضميرك في كل مرة، لا تقلق، إذا جرت الأمور بالتدريج فلن تجد نفسك ألا وقد بعت البضاعة كلها.
"يقول الإنسان في البداية إنما هي خطوة صغيرة وينتهي الأمر، ولكن الخطوة الخاطئة تتبعها خطوات، إلى أن نضيع الطريق ونمضي بالتيه."
رحلة جريئة
في روايته المرشحة لجائزة الشيخ زايد، يأخذنا وجدي الأهدل على متن عربة "بيجو" إلى مدينة الحديدة، في رحلة أشبه بالدوامة. سنجلس في المقعد الخلفي ونحمل حقيبة الصحفي الذي سيجرّنا خلفه من صراع إلى آخر: صراع بين الطموح والضمير، بين الإنسانية والسياسية، بين المرأة والمجتمع. بقيادة حاذقة، يدير الروائي اليمني عجلة الأحداث فلا يترك لك فرصة للاسترخاء. حتى عندما ينام الصحفي مطّهر فالنوم متقطع وحافل بكوابيس تنذر بمؤامرات شائكة ومواجهات صعبة.
كثير من السياسة قليل من الإنسانية
كل شيء قابل للتسيس في عالمنا العربي السعيد، حتى القضايا الإنسانية البحتة، حتى تلك التي يبدو –للمنطق- أن الحق فيها بيّن. ستقف الحكومة مع ممثليها، و ستلقي المعارضة باللائمة على النظام. سيطبل الإعلاميون ويرقص المرتزقة لجمع العملة التي يغدقها عليهم أحد الطرفيّن أو كلاهما. اعتمادًا على خبرته الصحفية، يأخذنا الأهدل إلى كواليس الصحافة لنشهد عمليات البيع والشراء، كيف يمد النظام ممصّاته الأخطبوطية لتجنيد الصحفيين، لزرع بعضهم واقتلاع من يستعصي على الترويض. سنرى من زاويتنا الآمنة، كيف يطلق الإعلام كلابه المسعورة على كل من يقول: لا، كلمة قصيرة غير أنها فادحة الثمن.
"الدولة مسؤولة ...عن علف المتعلمين بالصحف يومياً دون انقطاع. هذا العلف ضروري للمدنيين كضرورة العلف للدواب... بدون هذا العلف تفقد الدولة سيطرتها على القطيع."
المرأة كسلعة
يسوق لها البعض كمٌنتج الغرض من استخدامه هو الزواج في أقرب وقت ممكن، حتى وإن قسرًا. يروِّج لها الآخرون كوسيلة جسدية للإطاحة بالغرماء، لتمرير الصفقات وتليين الرؤوس المتحجرة. في كل الأحوال يتعاملون معها كسلعة، يسحبها البعض من المنافس، لا خوفًا عليها ولكن لبيعها بسوق آخر وعملة مختلفة. تحلى الكاتب بالجرأة المطلوبة لكشف الستار الديني والسياسي والاجتماعي خلف امتهان المرآة واستعبادها. يتطلب الأمر للكثير من الشجاعة للحديث عن زواج القاصرات وامتلاكهن كجواري بطريقة أو بأخرى. يميط النص كذلك اللثام عن النفاق الذي تتسم به المجتمعات المتزمتة، والتي يتهافت فيها البعض على لانغماس في شتى أنواع المحرمات ما أن تحين له الفرصة، ثم ينقلب إلى أهله ليتحدث عن الاستقامة. يغدو الكتاب في بعض الأحيان مؤلمًا إلى درجة لا تحتمل، ولكن من قال أن الحقيقة ممتعة.
ثمن الضمير
كل شيء قابل للشراء، حتى الضمير، أو فلنقل بالذات الضمير. السؤال هنا: هل من ثمن يعوض البائع عمّا فقده؟ هل الأمر يستحق؟ لنواجه الحقيقة: كل خبر يُنقل إلينا عن طريق الإعلام يُنقل بعدة روايات. أحيانًا يصل التناقض بينها حد الخط بين الضحية والجلّاد. تستطيع أن تستنج بأن الأمر لا يعدو عن كونه اختلافًا في وجهات النظر أو تفاوتًا في الاستيعاب. الحقيقة هي أن إحدى الروايات صاغتها يد بلا روح، ورواها لسان لا يعرف المبادئ. ومن كمّ الأكاذيب الكثيرة نعرف أن الباعة كثر، ولكل منهم سعر. يطرح وجدي الأهدل تساؤلًا مهما: ترى هل يمكنك استئناس ضميرك؟ هل يمكنك إخماده بالملذات والكماليات وتحقيق كل ما تهواه النفس؟ هو تساؤل مهم، حيث أن الجميع أصبح يُقسم بأن "المبادئ لا تؤكل خبزًا"، ربما كان هذا صحيحًا. ولكن أي نوع من الخبز ستأكله إذا تنازلت عن المبادئ؟ ذلك هو الأمر الأعظم.
"كنت أظن أنني شخصٌ في قمة السعادة، وأنني حققت النجاح في الحياة وانتصرت على عقدة الجوع والفقر...ولكنني أعلم الآن أني لم أكن منتصراً ولا ناجحاً ولا سعيداً. إنني شخص مهزوم، وهي هزيمة لم أشعر بها، وهي قاسية لأنها لم تخطر ببالي قط."
نص متقن
أرض المؤامرات السعيدة، رواية متقنة يتدفق فيها السرد بسلاسة، مع جرعات مناسبة من (الفلاش باك). الشخصيات واقعية وإن كانت تنتمي إلى طبقات ودوائر محدودة في المجتمع. الحوارات عفوية وفيها لمسات من الكوميديا غير المفتعلة. بالرغم من أن النص مأساوي إلا أنه لم يدخل في نطاق الميلودراما بفضل الطرح الناضج للكاتب الذي آثر سرد الأحداث على لسان الصحفي الفاسد نفسه. وهو خيار –من وجهة نظري- يدل على الذكاء الروائي، فالقارئ يطّلع على الأحداث بعيون غير عيون الضحية أو الشاهد، بل بعيون أحد شركاء الجريمة. طرح الكاتب العديد من مكونات الثقافة المحلية كالأطباق الشهيرة والعادات الرائجة والمصطلحات الدارجة. هذا وقد تجول في العديد من الأماكن، مما أضفى متعة على الرواية. وددت لو أنه أغدق المزيد من الوصف على الأماكن كي يتمكن القارئ من معايشة الأجواء والوقائع بصورة أعمق، خاصة أولئك اللذين لم يزورا تلك البقاع، واللذين هم من أمثالي، يحتضنون الوطن في ألحان الموسيقى وصفحات الكتب.
"أي هدف نضعه نصب أعيننا سوف نناله، طال الزمن أو قصر، ما دمنا نخصص له وقتنا وجهدنا وروحنا. تبقى الصعوبة الكبرى في معرفة ذلك الهدف الذي اخترناه في أعماقنا، لأننا في الحقيقة لا نعيه...إلا بعد فوات الأوان!
رواية جميلة كتبت بأسلوب سلس ومشوق. تطرق الكاتب في رواية أرض المؤامرات السعيدة إلى موضوع يعتبر من الموضوعات الحساسة في اليمن، الا وهو زواج القاصرات، والتي فشلت إلى يومنا هذا دعوات ومناشدات كل المنظمات الداخلية والخارجية في منع حدوث مثل هذه الزيجات.
تطرق الكاتب إلى المؤسسات الإعلامية، وإلي الصحفيين الذين يبيعون ضمائرهم وأقلاهمم، كيف يستلمون توجيهات من رؤساء التحرير بتزييف وقلب الحقائق. ومقابل كل مقال دسم هناك مبلغ مالي ضخم يتم تحويله فورًا إلى حساب الصحفي. “علينا الاستمرار في تقديم العلف للقرّاء. الدولة مسؤولة أيضًا عن علف المتعلمين بالصحف يوميًا دون انقطاع. هذا العلف ضروري للمدنيين كضرورة العلف للدواب التي تُربى في الحظائر. بدون هذا العلف تفقد الدولة سيطرتها على القطيع." ـ وجدي الأهدل.
الصحفي عندما يكتب منشور في الفيسبوك، لا يهتم بأراء القراء. هو يكتب فقط لأجل إثارة الفتنة والبلبة وخلط الأوراق. كمن يرمي عظمة لعدة كلاب جائعة ثم يتفرج عليها ويسمع نباحها من وراء الشاشة. “دخلت موقع الفيسبوك، كانت الحرائق التي اشعلتها أمس ما تزال مشتعلة، والمفسبكون والمفسبكات يعوون مثل الكلاب المضروبة”. ـ وجدي الأهدل.
“القتل في هذا العصر قتلٌ نفسي لا جسمي، والجروح لا تخترق الجلد بل الروح مباشرة. كانت المبارزة في الماضي أكثر شرفًا ونبلًا، وبرهانًا دامغًا على الشجاعة. أما اليوم فإنّ مبارازات العالم الإفتراضي تُعلّم الإنسان الخسّة والضعة، وتصنع من أكبر جبان في العالم بطلًا”. ـ وجدي الأهدل.
أن تصحب وجدي الأهدل (1973) في روايته الجديدة «أرض المؤامرات السعيدة» (هاشيت أنطوان/ نوفل، بيروت)، فأنت على موعد مع وليمة سردية تنطوي على مكاشفات جريئة عن بلاد كان اسمها اليمن السعيد، قبل أن تصبح حطام بلاد. لكن هذا الروائي اليمني لا يكتب من موقع الحنين بقدر ما يعمل على نبش ما هو مخبوء أو مسكوت عنه في ما يخصّ تواطؤ السلطة مع الأعراف القبلية. إلا أن صاحب «قوارب جبلية» (2002)، (الرواية التي أدت إلى تكفيره ومحاكمته وهروبه من البلاد، إلى أن تمكّن الروائي الألماني الراحل غونتر غراس خلال زيارة إلى صنعاء من الحصول على عفو رئاسي عنه) لا يكتفي بحراثة المكان وكائناته أفقياً، إنما يتوغل عميقاً في هتك أسرار ما يجري في مدن وقرى الأطراف، وكيفية تزوير الحقائق في وضح النهار.
«سوف أتزعّم رجال قبيلتي الشجعان، وأشنّ الغارات على مقر صحيفة السنابل الحمراء، وغيرها من الصحف والمنظمات التي شوّهت سمعتي... ولن ينجو إنسان أساء إليّ من انتقامي، ولن يفلت حتى الحجر من نقمتي» يقول.
هكذا يعرّي صورة المثقف الانتهازي والمنافق والدنيء بإحالته إلى مجرد رجل قبلي لا يؤمن إلا بالغزو والثأر، بعدما فقدت السلطة السيطرة على مناوئيها، وإذا بالصحافي يتحوّل إلى مانشيت ساخن في الصحف بوصفه فضيحة متنقّلة. لكن مهلاً، أين القات؟ بالطبع ستتكرر جلسات القات في أكثر مفاصل الرواية خدراً ولذّة وشهوات. فضيلة وجدي الأهدل في روايته هذه، التفاته إلى تشريح صورة مثقف اليوم الذي خلع رداء اليسار، وانخرط في غنائم السلطة، دون أن تنقصه المبررات في اقتحام المستنقع، وربما علينا هنا أن نستدعي عنوان إحدى رواياته في توصيف الأحوال: «حمار بين الأغاني».
أرض المؤامرات السعيدة وجدي الأهدل رواية بدأت بالتحقيق الصحفي الذي أجري بعد جريمة اغتصاب الطفلة من قبل الشيخ بكري وكيف أصبحت الجريمة التي مزقت طفلة صغيرة وتحولت إلى مزايدات سياسية بين فريق يحكم وفريق يعارض . الصحافي الذي اتخذ مسار تكذيب الحقيقة لينال رضا السلطة مطَهَّر فضل الصحافي الذي ركب المتعة والتنعم ومسح من قاموسه مبادئ أبيه أرض المؤامرات والمكائد والدسائس بقدر ما يعمل القات بمن يخزنه الحُديدة لليوم لم تجد راحة المنظمات التي تنادي بمواثيق حقوق البشر تلقت صفعات من كبار المسؤولين الرواية بيد وجدي الأهدل كانت مثل قطع الدومينو عندما ترصف وتُسقط أول قطعة فيتتابع سقوط البقية مع استمتاعك بما ترى هكذا استطاع وجدي أن يصل لنهاية الأحداث وهو ممسك بخيوطها للصفحة الأخيرة ٣١٠ أستطيع تسمية هذا العمل الرائع يوميات الصحافي الذي تغيرت الحقائق بقلمه وسطّر تاريخ اليمن الحديث الذي تتنازعه القبلية والحزبية والفساد والمؤامرات . أن تكون إعلامياً باستطاعتك أن تنقل صوراً عن أحداث من ابتكارك رضاً وسخطاً مدحاً وذماً رفعةً وضِعةً . الحب في اليمن ينبت ��ي كل مكان ولا يعترف بعمرٍ إذ تجد الكل لديه تصور عنه إن كان يتعلق بأبوة أو رجولة أو نجدة أو سمرة أو بياض أو جسد. لو غرس مكان نبتة القات ما ينفع للطعام لكشفت غمة الجوع عن اليمانيين . عندما يلجأ اليمني لسطوة السلاح في أخذ ثأره والدعوة إلى التمسك بالعشيرة لنشر سلطته والدعاية لمبادئه، فاعلم أن النظام يسير بخطى سلحفاة ولن يبلغ مقصده.
في هذه البلاد ، إمّا أن تنحني للظلم فتأكل ملء الفم ، وإمَّا أن تحمل القلم وتتحمل الالم . دربان متناقضان ، وأنا اخترت الدرب الأول ، الدرب الأسهل .. إلاّ أنني اكتشفت أنّ الذي يفتح فمه سيأكل ، بالاضافة الى اللذائذ و الطَّيِّبَات أشياء أخرى لم تخطر بباله ،،، ، ، ، ذكرت خاتمة أنها هربت من شقتي إلى مقرّ منظمة الدفاع عن حقوق الطفلات لتطلب الحماية من الاغتصاب المتكرر ، والمعاملة الوحشية التي كانت تتعّرض لها . وصفتني بالوحش المدمن على نكاح الصغيرات ،وقالت أن طفلة أخرى اسمها منى قد تعرضت للمعاناة نفسها من الامتهان الجنسي و الجسدي ولا يزال مصيرها مجهولاً ،،،، ، ، ، ، ، الرواية عن صحفي مُطهّر ( فاسد ، انتهازي ، متلون ) الذي يكلف بمهمة من قبل رئيس التحرير للإعداد تقرير صحفي عن واقعة إغتصاب لفتاة قاصر تبلغ من العمر 8 سنوات ، وعليه يضطر للسفر من صنعاء الى مدينة الحُديدة للبحث عن خيوط الجريمة التي ارتكبها شيخ قبيلة موالية للسلطة . وعند وصوله يقابل جد الفتاة ، دوّن ملاحظاته الاولى و بعدها قام بتسجيل اقوال الفتاة . بما أن شيخ القبيلة مقرب من السلطة قام ( مُطهر ) بتحريف الحقيقة و أعد تقريراً يبرئ فيه شيخ القبيلة !! و إلحاق التهمة لطفل صغير !! بلاد يفرض فيها الظلم على الفقير و يصبح ذو النفوذ صاحب سلطة . ، ، الرواية رائعة و أحداثها مشوقة بالرغم من سوداويتها الا انها تجذب القارئ من الصفحة الاولى أنصح بها 👌🏻
أرض المؤامرات السعيدة لوجدي الأهدل ما بين اغتصاب القُصر… واغتصاب الأوطان، والتآمر على الذات!
هي هواية أثيرة لي، أن أقرأ، أو أن أعيد قراءة الأعمال المرشحة للجوائز الأدبية، خصوصًا الجوائز الثلاث الكبرى، وأعني هنا الروايات المرشحة للبوكر، ولجائزة الشيخ زايد، والفائزة بجائزة كتارا. ذلك -بطبيعة الحال- مشروط بتوفر هذه الأعمال في مكتبات مصر، وطباعتها بحروف مريحة للقراءة. وفور الإعلان عن القائمة الطويلة لفرع الآداب في جائزة الشيخ زايد، تفحصت مكتبتي فوجدت أن لدي منها 4 روايات بالفعل، وبدون الكثير من التفكير، قررت البدء بروايات هاشيت أنطوان، لما يميز مطبوعاتها من جودة وثراء الطباعة، وتميز المحتوى في غالبية الأوقات.
لم أتشرف بمعرفة الروائي اليمني وجدي الأهدل من قبل، إنسانيًا -وإن جمعتنا صداقة افتراضية عبر النوافذ الزرقاء- أو حتى من خلال كتاباته السابقة، ولعل في ذلك تقصير عظيم مني، بصفتي من المنتمين إلى قطاع الثقافة المصري، المنغلق على ذاته، الغارق في مصريته، المتصومع في محفوظيته. ومع الإقرار بكون محفوظ هرمًا رابعًا، إلا أن عظمة أدب محفوظ، لا تبرر حالة الزهد في متابعة الحراك الأدبي العربي في الأوساط الثقافية المصرية في العموم، ولعل أغلب القراء المصريين اليوم، وقطاع من المثقفين، لا يعرفون عن اليمن سوى حرب ١٩٤٨، وخرافة الأسلحة الفاسدة، والحرب الدائرة منذ سنوات وحتى وقت كتابة هذه السطور، وعلي عبد الله صالح، والمثقفين منهم يضيفون إلى ذلك معرفتهم بالقات! ولا أستثني نفسي من التقصير في الإطلاع على الثقافة اليمنية، فبذكر الأدب اليمني، لم أتذكر سوى ديوان شعر في مكتبة أبي لشاعر يمني كبير هو عبد العزيز المقالح، ورواية ابنة سوسلوف الرائعة، للكاتب الكبير حبيب عبد الرب.
يوم اشتريت هذه الرواية، كنت مدفوعًا بسابق ملاحظتي لازدهار الأدب العراقي والأدب السوري في الأعوام الأخيرة، فما تمخضت عنه معاناة الحروب، أفرز عشرات المعزوفات الأدبية الحاضرة عن جدارة فوق كل منصات التكريم والإشادة، ومن هذا المنطلق، وبعد بحث سريع عن الكاتب بمعاونة الصديق المخلص جوجل، توقعت أن تفرز لنا مأساة اليمن الشقيق، إبداعًا أدبيًا جديدًا يفتح لي آفاق قراءة جديدة، عن بلد عربي أتعاطف معه، ولا أعرف عنه الكثير.
بداية لابد أن أتوقف عند الغلاف، والعنوان، يُسمِّي ذلك أساتذة النقد بأول عتبات النص، ومفتتح تبشيراته، وقد تذكرت في البداية أن الغلاف كان أول ما لفت نظري لهذه الرواية، بعد ذلك جاء التضاد في معاني العنوان، في المزج بين التآمر والسعادة، وما يشي به من إسقاطات تتسع قاعدتها بدمجها بالظرف الزمني الراهن. وهكذا، تكالبت عليّ عناصر الجذب، كلها! امرأة ساهمة في أفق بعيد، لا نهائي، تقتعد هيكلاً حديديًا يستعمره الصدأ، ويراوده التداعي، على حافة المحيط مستقرها ومقامها، تغطي وجهها ونحرها بوشاح طويل، فيما تنضح معالم يدها بالتعب، وتقدم العمر. هكذا يتعرف القارئ على مدخل الرواية، ويعبر بوابتها الأولى، وقد ساورته مشاعر بالتعاطف مع امرأة لا يعرف ملامحها، ومهد له المحيط الملتحم بالسماء الأجواء لاستعادة أصوات السواحل من وشيش الموج، وهديره، ووقع المطر وهزيمه، وأصوات الباعة الجائلين…
توقعت رواية عن الحرب، ومعاناتها، وضحاياها الذين يصعب حصرهم، عن الجوع والمرض، وتأهبت لانقباضة الألم التي اعتدت اجتياحها لي كلما مررت بين أوراق حكاية حرب، حتى لو كانت حربًا مرت عليها قرون، لم أقرأ المكتوب على الغلاف الخلفي كعادتي في أغلب الأحايين، حرصًا على بلوغ ذروة المفاجأة، وبتصفح الأوراق الأولى لوجدي الأهدل، وجدت حكاية منافية لحدسي، فلا حرب تدور بين طائرات ومنصات صواريخ، ولا اشتباكات بين جنود عرب، وجنود عرب ومرتزقة آخرين، إنما وجدت حربًا تدور رحاها داخل الراوي، حرب أشد ضراوة من كل حروب العتاد العسكري، وقاذفات التحالف. لم أجد وطنًا يتصارع عليه المعتركون، ولا أعلام ترفع هنا ورايات تنكس هناك، بل وجدت جسد جليلة، الطفلة ذات الأعوام الثمانية، تتكالب عليه وتنهشه كل الجبهات، ومن لا ينبش أظافره في لحمها، يسوّق له ويتاجر به.
نقرأ في صفحات الرواية، وهي قرابة ٣٠٠ صفحة، عن الأربع وستون يومًا الأخيرة في حياة الراوي، حاولت الوصول إلى مدلول الرقم، ٦٤، فغصتُ في تاريخ اليمن، تخلصت من جهالتي، ونشطت ذاكرتي. لم أعثر على الدلالة، وإن فطنت لأن اليوم شديد الشبه بالبارحة، رغم تبدل الدور المصري من ناصري مُشعل للثورات، ومناصر ومحرض على حركات تحرر لا يمنحها لبني وطنه، إلى تابع يحمل غترة وعقال آل سعود، ولا يجرؤ على معارضتهم.
الصحفي مُطّهر فضل، يصحبنا معه في حرب ضروس تدور في أعماقه، تعصف به وتزلزله، وتمنح التاريخ توثيقًا لتحور المعارضة اليسارية، وفساد جيناتها، وصولاً إلى انبطاح رخيص في مخادع السلطة، وتنازل مجاني عن كل شعارات البطولة وأوهام المجد. عبر عيني مُطّهر، الذي لا يتسق فعله مع اسمه، ولا يستحق حمل اسم أبيه المناضل، ومن خلال شلال سرد بارع يسحب القارئ من يده ويجوب به عبر طرقات المدن والقرى اليمنية، ليكشف له عورات الكافة، نناظر مأساة وطن منتهك، اختزلته حرفية الكاتب في مأساة اغتصاب الطفولة في اليمن السعيد، الذي لا يعرف من السعادة غير اسمها، الكل متآمر على الوطن، المتمثل في جليلة الصغيرة، التي فور أن تستغرق القارئ حكايتها، لا تلبث أن تتشظى لتفرز في حشايا الرواية قاصرات أخريات، خلقن ليعْبرن عبر ذات الفصول من الامتهان والانتهاك.
والراوي -أي مُطّهر- عربي أصيل، وفـيّ لتقاليد التبرير، ضليع في مهارات التلون كحرباء في صحاري العرب، يُصارع نفسه، يبحث عن استعادة مجد أبيه، دون أن يبذل أقل جهد حيال استرداده، أو الإتيان بمحاولة خجلة لمحاكاته، يغار من ماضيه ويشاطره العداء، ويكرهه في ذروة إعجابه به، وبكل عدو يظهر من البسالة ما يعجز هو عن إبدائه من وضعية الانبطاح!
فشل مُطّهر في كل شيء، وأتى بكل الموبقات التي تربى على معاداتها، فهو في قرارة نفسه يكره نذالة الشيخ بكري حسن، ولكنه لا يمانع أن يعاشر القاصرات بدوره، بل ولا يخجل من الاعتراف بتشوهات نفسية تدفعه للافتتان ببعضهن، هي حكاية عربي أضاع كل الفرص، وأفرط في الاستسلام لعجزه، حتى اعتادت فقرات ظهرة آلية الإنحناء. فشل مُطّهر كأب، وكصحفي نزيه، وكرجل في نهاية المطاف، رضخ لجشع زوجته حتى انهارت زيجته على رؤوس صغاره، فرط في محبوبته القاصر، ولم يبد ردة فعل تجاه انتزاع تاتيانا من حياته، استجاب لكل وساوس شياطين الإنس والجن، حتى أمسى قادرًا على خلق وساوسه الخاصة، ورضي بأن يكون طرفًا فاعلاً في كل المؤامرات، تحركه أصابع السلطة كما تحرك غيره في مختلف المعسكرات، مثل دمى الماريونيت، دون أن يعي أنه شريك أساسي في التآمر على حياته، وعلى وطنه، وعلى الكافة!
ولأنني عربي بدوري، بذلت خلال القرن الماضي كل ما يلزم للتخلص من جينات الفراعنة، فقد عجزت على مواراة تعاطفي مع مُطّهر في بعض المواضع من النص، خصوصًا في خواتيم الحكاية، رغم كل ما سبق!
لم أبكِ بين صفحات الرواية، حتى حين ودعت جليلة صفحاتها كزهرة ذابلة تدعسها أقلام المهرولين بين خنادق الحروب، فيما الراوي يستشرف السنوات الثلاث التالية لرحيله في ذروة سكرات الغياب، لم أبكِ مصير الطبيبة الروسية تاتيانا، ولا اختفاء منى، ولا مصير سامي قاسم، ولا نهاية الشرفاء جميعًا، تابعت المأساة كما يليق بعربي يتابع -عبر نشرات الأخبار -تعداد ضحايا الحروب والتفجيرات ما بين اليمن وسوريا والعراق وليبيا، ولكن عينيّ اغرورقت بالدمع فيما أكتب هذه الكلمات الآن، وقد عجزت عن مقاومة أصوات أنين الضحايا المتواريات أسفل حروفها، وتحت وطأة صدقها، وتسرب إلى أذنيّ نحيب وطن ممزق الأوصال، إذ يصرخ كجسد فقد سيطرته على أطرافه، فراح كل طرف يقتطع من لحمه شبرًا تلو الإخر!
أنهيت الرواية، فعدت لمطالعة المرأة على غلافها الأمامي، ورحت أتصور ما مرت به خلال عقود عمرها، فجفلت، وفزعت!
في النهاية، لا أعرف في أي جانب ستضع الحرب أوزارها، ولا أعلم ما ستفضي به كآخر قراراتها، ولكنني أعرف أن وطنًا بأكمله قد اغتصب مرارًا، وأن قاصرات يمنيات بعدهن يتسولن قانونًا يحفظ لهن سنوات طفولتهن بمنأى عن شهوات الجياع، وفتاوى المشايخ، ولكن: في خمسينيات القرن الماضي، استطاعت قوة الإبداع أن تفرض تغييرات على القانون المصري عبر فيلم جعلو��ي مجرمًا، وفي السبعينيات، تكرر الأمر مع فيلم كلمة شرف، حتى جاء فيلم أريد حلاً، ليضع اللبنة الأولى في قوانين سوف تمنح المرأة حريتها تباعًا، لذلك، فإنني أرى في رواية أرض المؤامرات السعيدة، قوة إبداعية تشكل ذريعة حقيقية يمكن الارتكاز عليها لفرض سن القانون المنشود في اليمن الشقيق، فور استقرار أوضاعه، لعله يعود سعيدًا كما أسماه الأسلاف.
الواقع أن Wajdi Al-ahdal سارد مكين، وطني حقيقي، مبدع، سعدت بالتعرف عليه عبر قراءة أولى لإبداعه، وهي القراءة التي -بكل تأكيد- لن تكون الأخيرة، ربما فقط افتقدت مزيدًا من الإيضاح حول طفولة مُطّهر، عن أمه وعائلته، عن أبعاد حيا��ه بعيدًا عن ظل أبيه، ولكن، لا تنتقص تلك الملاحظة من قيمة العمل، وجودته. شكرًا وجدي على القراءة الممتعة لعملك المتميز، والشكر يتسع ليشمل دار هاشيت أنطوان، ولجنة تحكيم جائزة الشيخ زايد، لحسن اختيارهما لهذا العمل المتميز.
اول مطالعة لوجدي الأهدل .. حائرة كيف اراجعها! انهيتها في جلسة ، الرواية سلسة السرد لحكاية موجعة حتى العظم ، مُلتقطة من الواقع " الحزين " رغم أنها من بلاد اليمن السعيد .. شخوص مرسومة بعناية خاصة الصحفي الفاسد ، الذي يبدأ مهمة تغطية أخبارية خارج صنعاء ليكتشف من خلالها عالماً دنيئاً يسقط هو به ويكون أحد ممارسيه !
بشاعة السلطة ! السياسة والاجتماعية .. ظلم كثير برواية الاهدل، لكن الحقيقة الكبرى تدور حول مايتعرضن له صغيرات السن من اغتصاب ! اغتصاب حق الاختيار و حق الحياة الطبيعية والأهم حقهن بمعنى الحرية . تفاصيل منحت الرواية قيمة توثيقية للمكان والحدث ...
# كنت أظن أنني شخص في قمة السعادة، وأنني حققت النجاح في الحياة وانتصرت على عقدة الجوع والفقر .. ولكنني أعلم الان أني لم أكن منتصرا ولاناجحا ولاسعيدا إنني شخص مهزوم وهي هزيمة لم أشعر بها وهي قاسية لأنها لم تخطر ببالي قط
قراءة ثانية - سريعة قليلا - لكن اكثر امتاعا من سابقتها
انتابتني غصة مريرة طوال وقت القراءة، وتذكرت التفاصيل المريعة التي تتكرر كل يوم في بلدي، فداحة ظلم الضعفاء، واستباحة الفتيات الصغيرات وكأنهن لسن كائنات حية، بالإضافة إلى قبح وقذارة المجتمع الإعلامي اليمني ودوره القذر في التغطية على الجرائم. قراءة ممتعة رغم كل شيء، لم أترك الرواية إلا وقد أنهيتها. كتابات وجدي الأهدل مشوقة وقلمه ساحر.
عن علاقة السلطة بالإعلام وعلاقة الإعلام بالمال والسلطة، وكيف يمكن للإنسانية أن تباع وتشترى. وكيف ينزلق الانسان قليلا قليلا ليتحول الى مسخ. رواية جميلة لاتملك معه الا أن تبتسم رغم الألم .
تأخذنا أرض المؤامرات السعيدة، للكاتب وجدي الأهدل، إلى منطقة سوداء في مجتمعنا العربي. هنا الأحداث تدور في اليمن السعيد، لكنها حتما تتكرر بشكل أو بآخر في أكثر من بقعة عربية. تدور تفاصيل الرواية في "بلادٍ لا تزال العبودية تُمارَس في دهاليزها، ثمّة «خادمات» يتنقّلن بين بيوت الأسياد، فتيات يشاهدن الرسوم المتحرّكة ويشرّعن أجسادهنّ وأعوامهنّ الطريّة لغزاة الليل والطفولة، وثمة كرماء يُشهَّر بهم ومجرمون يكافَأون."
تفضح الرواية الاستغلال الجنسي الذي تتعرض له الطفلات، سواء تحت مسمى الزواج (وهن قاصرات لم يصلن العاشرة من عمرهن)، أو الاغتصاب، أو الاستعباد. ثمة الطفلة التي ماتت بعد تهتك جسدها من دخول "زوجها" عليها، وثمة الطفلة التي اغتصبت وهي ترعى الغنم، وثمة الطفلة المملوكة التي يمررها سيدها إلى بيوت من يريد مكافأتهم من رجال، وثمة الطفلة التي تلعب بها مؤامرات السلطة دميةً توجهها لإيقاع من تريد الدولة إيقاعه أو مكافأته.
إضافة إلى ذلك ثمة حكايات الفساد المستشري في كل دواليب الدولة، في الشرطة والقضاء والصحافة، في الحكومة كما في المعارضة. هنا كل شيء يصير سلعة. كل شيء قابل للبيع (الضمير والمرأة والأخلاق)، وكل شيء قابل لمساومات السياسة (اغتصاب الأطفال، زواج القاصرات). دون أن ينسى الروائي فضح النفاق المجتمعي وفساد المثقف، الذي انقلب على عقبيه ونزع عنه رداء الدفاع عن القضايا الإنسانية وتحول إلى محض أداة تتحكم فيها سلطة الحكم.
لكن، وطبعا لا بد من لكن، أليس كذلك؟ رأيي أن اختيار الكاتب السرد بضمير المتكلم لهذه الرواية لم يكن موفقا، (الراوي الغائب محدود المعرفة قد يكون أنسب.) وربما ذلك هو ما تسبب في كل الهفوات الأخرى، وأبرزها عدم الاقناع. مواقف الراوي، الصحفي مطهر، لم أجدها مقنعة أبدا. لا يوجد تعمق كاف في بناء الشخصية، فقط مرور باهت عليها، وحتى في المواقف التي قصد منها الكاتب نزع بعض التعاطف من القارئ لصالح الصحفي لم أستطع أن أتعاطف معه، أساسا بسبب المباشرة والتقريرية في السرد. أي بصيغة أخرى: لم أحس أن الراوي يعاني من أي صراع داخلي. لا توجد مواقف كافية للدلالة على ذلك، هناك فقط الأقوال المباشرة للكاتب الذي يقول لنا أن الراوي يعاني من صراع داخلي. شخصية مطهر، الصحفي، كان يمكن أن تكون تمثيلا ممتازا للوضع الميؤوس منه لكل العرب، بكل نفاقهم ونذالتهم، وكسلهم واستسلامهم... لولا الجمل التقريرية في السرد الروائي التي جاءت بديلا عن الغوص في نفسية الشخصية.
الفصل "ما بعد" الأخير جاء شرحا فقط للمستغلق من مؤامرات الرواية. علما أن الراوي (الذي يحكي لنا) مات في حادثة سير في الفصل الأخير، والرواية لا تحمل أي ملمح عجائبي أو سحري يجعل القارئ (أو ربما أنا فقط) يتقبل السرد من شخص ميت.
الرواية تستحق القراءة، وعلى القارئ أن يجهز نفسه لجرعة من الكآبة، لما تكشف عنه الرواية من سوداوية المجتمعات العربية.
أرض المؤامرات السعيدة ، وعن أية سعادة تلك ؟ الرواية مخيفة والشيء السيء فيها أنها حقيقة أي أنك لا تستطيع أن تنفي أيا تفصيل فيها مهما كان فظيع.. تبدأ الرواية عندما يتصل رئيس التحرير رياض كياد بالصحفي مطهر فضل ويلزمه بمتابعة قضية جليلة تلك الطفلة الصغيرة التي اغتصبها شيخ كبير لهُ سلطة ووقعت الحادثة في محافظة حُديدة في أحد أودية تُهامة النائية لتنطلق أحداث الرواية من هنا . أحب الروايات التي تحاكي واقع مجتمع ما هذه الرواية نقلت موضوع مهم جداً إلا وهو زواج القاصرات وليت القصة وقفت عند الزواج بل التجارة بالقاصرات وبيعهم والتمتع بهن وطبعًا حينما نتكلم عن كارثة ما في أوطاننا فلابد وأن للحكومة الباع الأكبر فيها نقل وجدي الأهدل من خلال روايته صور الفساد الكثيرة ، وكيف أن الفساد في بلادنا كشبكة خيوطها مترابطة بشكل معقد كمتاهة لا نهاية لها .
"والبطولة تتغيّر من عصر لآخر ،لذا أنا بطل بمقاييس هذا العصر"
أكثر ما أحببته في الرواية أن وجدي بين لنا أن بطل الرواية ما كان يفعل ذلك إلا انتقامًا من ماضي والده النضالي الشريف ولكنه بطلنا هنا كان لا يهمه من أمر والده سوى أنه وإخوته وأمه هم من دفعوا ثمن ذلك النضال حينما جاعوا وكانوا يقاوموا شبح الجوع والحرمان الذي خيم عليهم بينما والده كان يسطر قصة نضاله التي سيسجلها التاريخ ويكتب عنها فأراد هو أن يصير بطلاً ولكن بمعايير اليوم ليجد نفسه في الآخر ما هو إلا ألعوبة وضعوها في وجه المدفع وعلقوا عليها كل فظائعهم وأغرقوها بقذاراتهم ليجد بطلنا نفسه في نهاية المطاف قد خسر كل شيء وصنع من نفسه قزم ممسوخ ، وخسر حتى تعاطفنا نحن القراء فلم أجد في نفسي ذرة تعاطف اتجاهه..
رواية يمنية مميزة تخوض في عالم السياسة وزواج وإغتصاب القاصرات؛ تدور أحداثها في المدينة الساحلية "الحديدة".. تتميز هنا الرواية بلغتها السلسه السهلة البسيطة.. الكاتب وجدي الاهدل بعد قرأتي لروايته سأكون بإنتظار جديده..
اقتباسات:- "جهابذة الشر مهما أتقنوا خدعهم فإن الحقيقة لابد من أن تشرق في موعدها المحدد" "عادت تاتيانا وهي تحمل هاتفي المحمول، كانت الاتصالات جميعها من رئيس التحرير. يعلم الله أنني رأيته في الجحيم فكيف تمكّن من الخروج والإتصال بي؟! أم هناك كبائن هاتفية وفّرها السيد الموقر إبليس لنزلائه الأفاضل؟!..
رواية جريئة قاسية ومليئة بالحقائق التي لا تُقال. وجدي الأهدل لم يكتب رواية تقليدية، بل كتب صرخة ضد القهر وضد الاستسلام وضد نظام يجعل من الخيانة ضرورة ومن الكذب مهنة ومن الصمت بطولة. نعيش مع "مطهر" الصحفي الذي ظن أنه ينجو إذا أغلق عينيه. لكن الحقيقة تطارد الجميع، حتى من باعوها.
"في هذه البلاد، إمّا أن تنحني للظلم فتأكل ملء الفم، وإمّا أن تحمل القلم وتتحمّل الألم. دربان متناقضان، وأنا اخترتُ الدرب الأول، الدرب الأسهل.. إلا أنّني اكتشفتُ أنّ الذي يفتح فمه سيأكل، بالإضافة إلى اللذائذ والطيّبات، أشياء أخرى لم تخطر بباله."
عنجهية المتنفذين واستغلالهم واستعبادهم للفقراء هو مظهر قديم وحديث للمجتمع العربي المعاصر لغياب الوازع الديني. خروج زعيم القبيلة من السجن وتغير ال��وضاع القانونية ليس بالغريب بالرواية لم تخرج عن المألوف.
بعض الأعمال الأدبية لاتحتاج للخيال ... لأن الواقع في بلادنا أغرب من الخيال ... الرواية تضع القارئ داخل أحداث متلاحقة لصحفي يخدم السلطة الحاكمة يبرر ويلمع صور الفساد ويلوي أعناق الحقائق فيسرد بطولات القتلة والمغتصبين ... ويصور الطفلة التي تعرضت للاغتصاب بمظهر المجرمة... تقرأ الرواية وأنت تتخيل أبطالها... المؤلف استطاع رسم الشخصيات بدقة بالغة ... اللغة البذيئة والخارجة عن حدود الأدب كانت مناسبة لتلك الشخصيات ... تصوير واقعي ...مؤلم ...لواقع كل ما فيه موجع ...واقع يصعب شرحه... لغة الرواية سهلة وأقرب إلى العامية ... استطاعت الرواية بنجاح ان تصور للقارئ جزء مما يحدث في بلد بلا قانون، تنتهك فيه إنسانية الإنسان وكرامته ... من يحكم يملك الناس وأقواتهم...ويحولهم لخدم بلا مشاعر ولا كرامة... بلد فيها من يستطيع بسهولة استخدام كل الالاعيب والمؤامرات والاشاعات التي تضمن استمرار سيطرته على حياة الناس ومصائرهم... أرض المؤامرات السعيدة من الروايات التي تترك غصة في حلقك وتبقى أشباح شخصياتها معك لبعض الوقت.. وكما جاء على لسان بطل الرواية في صفحة 13: "نعم، إن المال هو الذي يحفظ للإنسان إنسانيته"...
ويقول في صفحة 146: "ولكنني إنسان جبان، يخشى القتل ، ويخشى الفقر الذي هو أسوأ من القتل، ويخشى خسارة وضعه الاجتماعي الذي هو فاسد ومجلبة للعار. يقول الإنسان في البداية إنما هي خطوة صغيرة وينتهي الأمر، ولكن الخطوة الخاطئة تتبعها خطوات، إلى أن نضيع الطريق ونمضي في التيه".
فتاة قاصر ترعى الأغنام في قريتها، تتعرض للاغتصاب من قبل شيخ متنفّذ، وله علاقات مع السلطة، فيقوم أحد الناشطين المعارضين بتحويل قضية هذه الفتاة إلى قضية رأي عام. وهذا ما يدفع بالجريدة التي يكتب فيها "مطهّر" إلى إرساله إلى المحافظة الساحلية التي جرت فيها الحادثة ليكتب عن الأمر ويتابعه عن كثب.
هذه هي النقطة الأولى في رواية "أرض المؤامرات السعيدة" للكاتب اليمني وجدي الأهدل، ومنها تبدأ الأحداث بالتصاعد، ويبدأ عدد الأيام بالتناقص، إذ يختار الكاتب أن يكتب روايته بسرد كرنولوجي، يمتد على مدى أكثر من شهرين، يسجل فيهما الصحفي "مطهر" ما يحدث معه في أثناء متابعته للقضية، ومن يوم الثلاثاء الرابع والستين إلى اليوم الصفر، ستنشطر حياة البطل والراوي إلى نصفين. القصة التي ينطلق منها الكاتب في روايته على بساطتها إلا أنها النقطة التي ستمكنه من النبش في المسكوت عنه في بلاد اليمن السعيدة، وبخاصة تواطؤ السلطة مع الأعراف القبلية، وكيفية تزويرها للحقائق في وضح النهار، إذ بعد أن صارت القضية قضية رأي عام، ووصلت إلى الصحف العالمية، تجد السلطة نفسها مضطرة للتعامل مع القضية بطريقة مختلفة لإنقاذ الشيخ "حسن البكري" أحد رجالاتها، والمتهم الحقيقي في الاغتصاب، وإبعاد التهمة عنه. وفي سبيل ذلك يبعدون القاضي النزيه الذي ينظر في القضية ليضعوا مكانه قاضياً آخر، ويتم ترحيل الطبيبة الروسية التي أكدت في تقريرها وقوع حادثة الاغتصاب، بعد تشويه سمعتها، كما تتم محاكمة الناشطة الحقوقية "سلام" التي كانت تعمل على كشف الحقيقة بتهمة مفبركة.
كل ذلك يتم بتغطية ماهرة من الصحفي الذي خاض في وحول المبالغ المالية الضخمة التي تدفقت عليه، وفي الامتيازات التي يحصل عليها لقاء تنفيذه ما يُطلب منه من قبل رئيس التحرير المرتبط بدوره بمن هم أعلى منه، في إشارة واضحة لطبيعة العلاقة التي تجمع المثقف بالسلطة في الدول التي فيها فساد. نقرأ في الرواية الكثير من التفاصيل والحكايات عن الشخصيات الفرعية، إلا أن "وجدي الأهدل" يولي اهتماماً خاصاً بالشخصية المحورية، فهو يشتغل عليها اشتغالاً خاصاً، مصوّراً تذبذبات بطله وتقلباته، وكيف انعكس الماضي الذي عانى منه في طفولته على حاضره، فهو ابن معارض يساري، كرّس كل وقته وجهده للدفاع عن القضايا التي يؤمن بها، ولكنه بسبب هذا أهمل عائلته وأطفاله، وجعلهم يعيشون في فقر وحرمان، فما كان من الابن حين كبر إلا أن تمرد أولاً على صورة "الأب اليساري"، وانتهج طريقاً مختلفاً فانحاز للسلطة واقترب من مستنقعها، حتى لم يعد يملك خياراً سوى الغوص فيه حد الغرق، قبل أن تنتهي الرواية نهاية مفاجئة، وغير متوقعة. إلى جانب هذه الفكرة، فإن النقطة التي انطلقت منها حبكة الرواية وهي قضية الاغتصاب لا تتوقف عند حدود تغطية الصحفي لها، بل تتفرع لنصبح أمام ظاهرة منتشرة بطريقة مرعبة في اليمن، وهي زواج القاصرات، وما يفعله شيوخ القبائل ورجال الدين وأصحاب النفوذ الذين يعتبرون جزءاً من متعتهم ممارسة الجنس مع فتيات صغيرات في السن، وما يتبع ذلك من جرائم كالاستعباد والإكراه على الزواج والعنف والاغتصاب وتجارة الزواج من القاصرات، وغيرها من الأمور التي تعاني منها الفتيات هناك، في بلدٍ تغضّ السلطة فيه بصرها عما يفعله مناصروها مقابل بقائهم في صفها، وصولاً إلى تكريس هيمنتها.
تشتبك هذه الفكرة اشتباكاً كبيراً مع التغيّرات التي تطرأ على "مطهر"، إذ يمكننا أن نقرأ حادثة الاغتصاب التي تعرضت لها الفتاة بموازاة قراءتنا لاغتصاب حرية الصحافي، وتحويله إلى أداة طيعة في يد السلطة تغتصب بها الحقيقة وتزيّفها.