What do you think?
Rate this book


296 pages, Paperback
First published August 1, 2003
هكذا تحددت قوانين إنتاج المعرفة في الثقافة العربية على أساس سلطة النصوص. وأصبحت مهمة العقل محصورة في توليد النصوص من نصوص سابقة.
فإذا كان القرآن هو النص الأول والمركزي في الثقافة. لأنه استوعب النصوص السابقة عليه كلها. فقد تولد عنه نص "السنة". الذي تم تحويله - بفضل الشافعي كما سبقت الإشارة - من نص خارج إلى "نص متمم". ثم تولد النصين معاً تولد نصوصاً.
أي نصاً صار مشروعاً أيضاً - تم لاحقاً - ليقف عنده التوليد.
وإذا أخذنا من مجال علم الفقه مثلاً. شهدنا على سيادة فقه القرن الرابع الهجري تقريباً. وتم عزل نصوص الفقه التي أنتجت في عصور لاحقة. حتى على المذاهب نفسها.
حتى أن ما كتبه فقهاء مثل ابن تيمية. وابن عبد الوهاب. ومحمد عبده. لم يدمج في النص الفقهي.
الذين حول المذهب عن عدائه للأشاعرة إلى الاستناد إلى النصوص. وذلك بحكم ارتباطها بالسلطة العباسية. التي رفض أساتذها رفضاً قاطعاً التعاون معها أو مع النظام الأموي.
⭐️⭐️⭐️⭐️
واقتصرت المؤلفات على أن تكون شروحًا لمؤلفات سابقة. وقد يوضع المتن في الهامش الجانبي. ويُستهل الشرح بعبارة "الأصل المشروح عبارة ..." يشرحها اللغوي والفقهي وبيان ما غُصّ من معانيها.
ثم تتكرر الشروح على المشروح حتى يُبعد توالي المشروح في حاشية. ثم تشرح هذه الحاشية في حاشية تالية. وهكذا فنتقص الأثر على توريق المتون في الحواشي.
وما يُقال عن الفقه يمكن أن يُقال مثله على العلوم العربية كافة كنحوٍ وصرفٍ وبلاغة. وعلم القرآن والحساب والفلك. ولم تنتج العلوم التقنية تنظيراً مستقلاً أو نصوصاً تأسيسية مثل الكلام الإسلامي. والفقه. والعقيدة. والنحو. بل تخضع نصوصها لموروث الشرح.
وهمّ الشراح هو إبراز الفهم الذي توصلوا إليه. وفي معظم الأحيان إضفاء القداسة عليه. ذلك التراث. بمعنى تحويله إلى مرجعية لا يجوز تجاوزها.
كل ذلك قاد إلى تكريس النصوص الأبوية. واقتصرت مهمة العقل على التكرار والشرح والترديد.
وقد قاد كل هذا كله إلى ركود الثقافة. التي عززت بدورها ركود الواقع العربي المنتج لهذه الثقافة.
⭐️⭐️⭐️⭐️
هذه الازدواجية في النظر إلى أوروبا وفي استيعابها ازدادت تعقيدًا وتركيبًا حين حاول العقل العربي التوفيقي التوليف بين أوروبا والتراث الإسلامي. ذلك أن التراث الإسلامي العقلاني المؤهل للتواصل مع فلسفة الأنوار. هو بالأساس التراث الرمادي والمتمثل على مستوى الفلسفة بالكلام. واللاهوت. والتراث العلمي الجبري المتمثل في إنجازات الرازي ابن الهيثم وابن النفيس.
لكن. وهذا التراث ذاته الذي انتقل عبر الأندلس إلى أوروبا في عصر النهضة وأفادت منه في سياق معادلة فقهتها. لكن هذا التراث ذاته. في سياق تاريخ الحضارة الإسلامية. كان تاريخًا مهمشًا. أي أن حماره وهمشيته داخل دائرة حقيقة الصفرة الحضارية لحسابات ارتبطت بالهيمنة السلفية والشعرية والعرفانية.
وهذا التراث هو التراث المؤهل لتحديث البنية الثقافية والهيمنة التي ورثت منظومة الهيمنة التركية العثمانية على فضاء العالم الإسلامي.
⭐️⭐️⭐️⭐️
من هنا نفهم تردد محمد عبده بين عداله المعتزلة. ومرجعية الأشاعرة من جهة. في تفهم هذا التردد أيضًا مسألة "نظر القرآن". وهي مسألة كانت أشبه بقصوى في طريق فتح باب التأويل والاجتهاد على أساس لاهوتي وتفسيري وفلسفي.
كل هذا يشير إلى نقطة مفصلية تظهر مظاهر التردد كمنظومة تفكيرية. هذا النوع من الاختبار على العناصر التي يمكن من خلالها إعادة النظر في مسلمات هذا التراث.
وموجة إعادة هيكلة هذا التراث يمكن أن يضعنا على بوابة المتطلبات الفكرية والسياسية التي تفرضها مصالح ورؤى واتجاهات من جهة أخرى.
⭐️⭐️⭐️⭐️
وعلينا أن نتفق جميعاً - دون تبرير - أن التعددية تعني حق "الجميع" دون استثناء. وهذا التأكيد ضروري في سياق التوترات السياسية الناشئة عن أن "الجميع" ينادي بالديمقراطية وينفيها في الحال. لكن الديمقراطية سرعان ما ينتكس لها إذا أثبتت أن جماهير - طبقاً لمستوى وعيها الراهن - اختارت غيره.
⭐️⭐️⭐️⭐️
إن ممارسة الحياة السياسية ليست مشروطة دائماً بشروط الذات على أيّ مجتهد من الأفراد. بقدر ما هي مشروطة بقدرة الذات على استيعاب الشروط الموضوعية للنهضة من أجل إمكانية بناء نظام سياسي في المستقبل. فالديمقراطية ليست شكلاً. بل ناتجاً لتركيبة بنيوية داخل البنى المجتمعية ومصفّاتها. فشلنا في تفعيلها إسلاميّاً.
⭐️⭐️⭐️⭐️
المتضررون من صدق الانتخابات. هذه الديمقراطية فشلت على أيّ حال. إن يُعاد لها أن يكون فاعلها "الإسلاميون" أو العسكر طالما أن "الخشية" - مجرد الخشية - من احتمال الفضاء على الديمقراطية إن جاء الإسلاميون للحكم كأنه قفز إلى "التحليل المحتمل" أو "الممكن". إلى فعلي وواقعي. إنه الانحدار السياسي. والتخلي. استناداً إلى المثل العربي - ولاحظ الأناقة - "يدي لا تبدو عمرو".
⭐️⭐️⭐️⭐️
سنجد أن حالة الانتحار الجزائرية - والمصرية أيضًا - تجد تبريرًا آخر لها مبدئيًا عن التواطؤ الناتج عن النهج التلفيقي التوفيقي في العقل العربي الراهن. سنجد هذا التبرير في إعادة إنتاج "المُجمّع الفقهي القديم". دور التسلسل المفهم على جلب "المصالح".
وهكذا ندور مرة أخرى - من خلال العقل السياسي المناهض للعقل السياسي - على مستوى البنية السلطوية. إلى الكشف عن انكشاف حالة الاتفاق بين الديني والسياسي على عزل الجماهير وحرمانها من ممارسة حقها الطبيعي في الاختيار.
إذا كانت الجماهير — بسبب نقص وعيها — ستختار "حلاً استشهادياً" فإن من حقها أن تمارس هذا الحل. وعلينا أن نزرع الممكن اللازم لاستكمال نضجها التاريخي والاجتماعي. لا أن نحاصره بالشفقة والسياسي ينتهي كلما كان في نتيجة واحدة.
تلك الدكتاتورية السياسية المطلقة من جهة. وكوتوبيّة الفكر من جهة أخرى. ذلك أن الوصاية — على الجماهير — استنادًا إلى نقص وعيها. يفضي إلى تبرير هذا الوعي الناقص وتأييده.
⭐️⭐️⭐️⭐️
الضروري الإشارة إلى أن هذا الربط ليس جزءًا من العقيدة ذاتها. بل هو ربط حدث في لحظة تاريخية محددة من جانب قوى اجتماعية بعينها في خضمّ حركة الصراع الاجتماعي والفكري في تاريخنا.
لقد كانت الأجيال الأولى من المسلمين تدرك أن مجال الوحي والعقيدة مستقل عن مجال الخبرة والفعالية الإنسانية والتجريبية. ولم يتداخل المجالان إلا في سياق الصراع الذي أصّله الإمام الشافعي — من خلال "هيمنة" الدين والعقيدة على مجالات الحياة كلها.
وكان هذا التأصيل نتيجة لاجتهاد الذي أعلنه الأشاعرة "اسمهم الفكري". بكل التداعيات التي تمت صناعتها لاحقًا داخل الارتباط السلطوي المتبادل الذي رسمه الدعوة السياسية للسلطة آنذاك.
⭐️⭐️⭐️⭐️
فلك أن تلاحظ كيف يتجه عنه من هيمنة النصوص الدينية. ويُعبّر عن الدين في مرآة من الارتباط بالعقائد. مما جعل الممارسة الدينية تتجه إلى التجريد الكلي. أي بمعزل عن التجريب.
أحد أهم ما نذكره في مجال الدراسات اللغوية والأكاديمية. تفتح مجالًا لذلك الفعالية. لما نفهم ما وُضع فيه القدماء ونفسّره. ولكن من الخطر الفادح أن نكرره.
⭐️⭐️⭐️⭐️
التحليل النصي وهذا جانب المغامرة فيها.
لقد صار النص القرآني في الوعي الإسلامي العام نصاً ثانياً بكثافة الشروح والتفاسير التي تراكمت عليه منذ القرن الأول الهجري حتى نهاية القرن الخامس الهجري تقريباً. وظلت ملاحظته رهينة ومحاطة به منذ ذلك التاريخ حتى الآن.
واعتمدت الشروح والتفاسير التالية في أغلبها على التكرار والإعادة دون إفادة بالاختصار أحياناً. والإسهاب والإطناب في أحيان أخرى.
وكانت النتيجة قراءات جديدة مكدّسة فوق طبقات الشروح والتفاسير السابقة. وجعلت التحاور مع النص أو قراءة حديثة للنص تشير إلى العنف والتشكيك والتجريح والاعتراض من قبل الهجوم والاتهام. مما يجعل إثارة السلامة في المكوّن من النص تفضي تكرارًا وإعادة. تفقد الحيوية وتقتضي على الحداثة التي كانت من سمات القديم ذاته.