الكاتب جال في الكثير من البلاد من الصين وتايوان وهونغ كونغ شرقاً مروراً بدول أوروبية كثيرة وانتهاءا بكندا ومقاطعة كيبيك شمالَ غرب..
وكان يراقب السياسات اللغوية لتلك البلاد، وتمسكهم بلغاتهم الأم رغم أن هذه البلدان منها بلدان ذات نشاط تجاري عالمي (كالصين) وتقني (كهونغ كونغ وكوريا)، ومنها بلدان سياحية (كألمانيا وجيرانها) ومنها إقليم يقع في بلد لغته الأولى هي الإنكليزية (كإقليم كيبيك في كندا)..
الكاتب يقارن في ثنايا الكتاب ومع مروره على كل التجارب بين ذلك الاعتزاز والتمسك باللغة وبين سياسة بلاد المغرب -والمغرب خصوصا- من حيث تقديم الفرنسية والشعور بأنها لغة الرقي والسياحة والمعلوميات...
لقد أتى الكاتب برابط مهم من (ويكيبيديا) يريك نسبة التصفح بحسب اللغة في كل بلد من البلدان..
فعلى سبيل المثال: أمريكا ما يزيد عن 98% يتصفحون الويكيبيديا باللغة الإنكليزية.. في اليابان كذلك النسبة العطمى تتصفح باليابانية.. وهكذا أغلب البلدان بلغاتها الأم.. وعندما تأتي الإحصائيات إلى البلدان العربية ترَ الشيء المخزي.. خصوصا في بلدان كالمغرب ولبنان...
كل البلاد التي يأتي على ذكرها.. تدرّس جامعاتها بلغاتها الأم، الطب وغيره.. إلا في بلدان عقدةِ النقص بلدانِ الوطن العربي الكبير.. حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله..
يختم الكتاب بملحق هو قانون حماية اللغة العربية في المملكة الأردنية.
على العموم.. الكتاب عبارة عن مذكراته في رحلاته وتنقلاته في مخلف البلدان وملاحظاته المنصبة على الجانب اللغوي والسياسة اللغوية لتلك البلدان..
الكتاب محاولة جادّة جدا وغيورة ومشكورة جدا في بابها.. لكن ينقصه شيء يقعد به عن التقييم العالي..
تعرفت على الأستاذ أحمد منذ شهر تقريبا حينما وقعت مصادفة على مقطع له في صفحته على الفيس بوك كان يتكلم فيه عن العلمانية في فرنسا .. وكان طرحه ينتمي للطرح الشبابي الجديد الذي ترى فيه تجاوزا "للكليشهات" التي يرددها الكثير من مثقفي العرب الذين أخذوا فرصتهم في الساحة الثقافية (والكلام هنا عن كلا طرفي الصراع: الإسلاميين والعلمانيين) وانتقلوا بالحوار خطوة أخرى إلى الأمام بإثارة أسئلة جديدة أو عرض المعلومات بطريقة مغايرة .. عموما لفتني كما ذكرت طرحه الذي تجاوز النظرة التقليدية المعتادة في الحديث عن العلمانية ثم في طريقة تناوله التي اعتمدت على أسلوب "دراسة حالة" .. عموما شدني طرحه وأخذت أبحث له عن مقاطع أخرى وحينها اكتشفت شغفه ومحل اهتمامه الرئيسي وهو موضوع اللغات والسياسات اللغوية في البلدان المختلفة، وهو يبحث عن هذا الموضوع مستحضرا الوضع في بلدان المغرب العربي ومكانة الفرنسية فيه.. وهو إلى حد ما قريب من وضع اللغة الإنجليزية في بلدي وفي بعض بلدان الخليج العربي وإن كانت أخف درجة ولكننا فيما يبدو نسير على نفس الطريق.
وشاهدت له أكثر من مقطع (هنا محاضرة قصيرة ، وهنا محاضرة مطولة ) في موضوع اللغات وكيف تتعامل الحكومات والشعوب المختلفة مع لغاتها، وكانت مقاطعه ممتعة جدا حيث أنها مبنية بشكل رئيسي على قصص شخصية من شخص كثير السفر ودقيق الملاحظة، يعرض لك ما شاهده وكيف تتعامل الشعوب مع لغاتها ومدى المساحة التي تتيحها للغات الأجنبية وهل العوائق التي نعتقدها سببا كافيا لاستخدام لغة أخرى هي بالفعل عائق لدى كل الشعوب (موضوع السياحة والدولة المفتوحة على العالم / موضوع المراجع العلمية ولغة العلم...الخ) .. الصين /اليابان / فيتنام /أيسلند/الكيبك/سويسرا .. الخ أمثلة كثيرة وقصص متنوعة تبين لك أن ما تعتقده أنه أمر منطقي ومسَلَّم به؛ ليس بالضرورة هو كذك.. وما شاهدته من جهد بحثي وقصص متنوعة وتتبع للموضوع على مدار سنوات جعلني أتساءل إن كان قد ألف فيه الأستاذ أحمد كتابا يلم فيه هذه المعلومات بشكل سلس ومرتب .. وقعت على هذا الكتاب الذي نشره إلكترونيا، للأسف لم يكن بالمستوى الذي توقعته، عبارة عن يوميات وقصص ذكر كثيرا منها في محاضراته، وملاحظات كتبت في الفيس بوك ثم جمعت في كتاب .. وددت لو أعيد صياغة الكتاب بشكل أكثر ترتيبا وتوثيقا ومناسبة للنشر الورقي.
كخلاصة: المحاضرات تغني عن قراءة الكتاب .. وربما تكون أمتع ^^
ومادام الموضوع (روابط في روابط) هذه مقاطع في اليوتيوب تتقاطع مع موضوع الكتاب: - اللغة العربية والهوية للدكتور عادل باناعمة فرج الله عنه.
الكتاب قريب لقلبي بشكل كبير، اعتبرته صديقي من الآن. كما هو موضَّح في العنوان يتحدث الأستاذ أحمد القاري -من واقع تجارب عاشها بنفسه- عن دول كثيرة في مناطق مختلفة من العالم وطريقة تعامل كل دولة مع لغتها (أو لغاتها)، وكيف تنظر كل دولة للغة على أنها جزء لا يتجزأ من الهويّة. ومن هذا المُنطَلق يسرد لك جزء من الإجراءات التي تتخذها الدولة ويقوم بها الشعب من أجل الحفاظ على لغتهم واستخدامها في كل مجالات الحياة (حتى و لو كان المتحدثون بها أقلية). أتمنى أن تتم الاستفادة من هذه الإجراءات لتعزيز التحدث باللغة العربية في كل الوطن العربي من المحيط إلى الخليج خاصةً دول المغرب العربي،و أن يعتزّ كل مواطن عربي بلغته ويحرص على تعلمها كما تعتز الشعوب بلغاتها، بل وأكثر.
أختم بجملة قصيرة علقت في ذهني من الكتاب، لعلها تكون محلًا لتأمل حالنا كعرب: "الحرية والترفُّع عن الهوية لا يلتقيان".
إشراقات متباينة على تجارب الشعوب في التعامل مع لغاتها من رعاية وحماية، يتخلله قصص طريفة عن نظالات بعض الأفراد دفاعاً عن لسانهم مع مقارنات مؤلمة بين حالهم في بلدانهم وحال العربية في بلدانها🤕