السَّبَبُ الأَوَّلُ: التعوذ بالله من شَرِّ السحر والحَسَدِ.
كما قال تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) [الفلق : ١-٥]. وقوله تعالى: (النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ): هُنَّ السَّاحِرات اللاتي يَنْفُثْنَ في العُقَدِ لعمل السحر، ويدخل في ذلك الرجال السحرة أيضًا، وإِنَّما خُصَّتِ النِّساء بالذكر لكثرة وقوعه منهنَّ. وحقيقة الاستعاذة: أنَّها فرار من شيء تخافُه وتخشاه إلى مَن يَحْمِيكَ ويقيك منه.
السّبب الثَّانِي: تقوى الله -عز وجلّ-:
فيَجِبُ على العِبادِ أجمعين أن يحرصوا على تحقيق تقوى الله ، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: ١٣١]، ويتأكَّد هذا الأمر فيمَنِ اشتدَّ به البلاء، وعَظُمَت حاجته للشفاء. وحقيقة تقوى الله: حِفْظُ أَمْرِه ونهيه، ولهذا عندما سُئل طَلْقُ بن حبيب الله عن حقيقتها قال: «التقوى عَمَل بطاعة الله على نور من الله؛ رجاء رحمة الله، والتقوى ترك معصية الله على نور من الله؛ خِيفَةَ عقاب الله» فإذا جاهد المؤمن نفسه على تحقيق التقوى كان مآله إلى السَّعادةِ والطُّمأنينة والعافية في الدنيا والآخرة، وفاز بالعاقبة الحَمِيدَةِ (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف : ١٢٨]. ومِنْ ثمار التقوى أيضًا: صلاح الحال، وسداد الرأي، وتيسير الأمور، وسَعَةُ الرّزق، كما قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: ٢-٣] وقال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: ٤] . ومن ثمار التقوى كذلك: أن يكون المتقي في حفظ الله وولايته، ومن كان في حفظ الله وكلاءته ورعايته فلن يَضُرَّهُ شيء أبدا؛ مهما عَظُمَ الكيد له، كما بين الله تعالى هذا بقوله: (وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران: ١٢٠]. وكان النبي ﷺ يقرر هذا المعنى لأصحابه؛ فقال لابن عباس وهو يُعلِّمُهُ كلمات تنفعُهُ: «احْفَظ الله يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ»
السَّبَبُ الثالث: الصبر على عدوه
فينبغي لمن ابتلي بشيء من السحر أو العين أن يصبر على عدوّه الذي حسدَهُ أو تسبَّبَ له بالسحر؛ وألا يقاتله، أو يَشْكُوهُ إلى الناس؛ فما نُصِر إنسان على حاسدهِ وعدوه بمثل الصبر عليه، وبذلك يرجعُ بَغْي هذا العدو عليه، ويعود سَهمُهُ الذي رماه عليه، كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر :٤٣]. فمن الخير أن يجتهد العبد في الصبر على ما أصابه، وأن يمضي بعد ذلك في عباداته وأعماله وسائر مصالحه الدِّينِيَّةِ والدُّنيوية، وأن يتغافل عن أعدائه ولا يُشْغل نفسَهُ بهم، فبذلك تزكو نفسه وتطهر، ويَنْخَذِلُ عدوه ويصغر.
السّبب الرابع: الرابع التوكل على الله -عز وجل-
والتَّوكَّلُ: هو ثِقَةُ القلب واعتماده على الله سبحانه- مع بذل الأسباب المشروعة في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. ويُعتبر التوكل على الله من أقوى الأسباب التي يَدْفَعُ بها العبد ما لا يُطِيقُ مِنْ أذى الخَلْقِ وَظُلْمِهِم وعدوانهم؛ فإذا توكل العبد على الله -عز وجل- حق التوكل فإنَّه سیكفيه، كما قال تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر : ٣٦] ،
ومن كان الله كافيه فأَنَّى لعدوِّهِ أَن يَضُرَّهُ؟! وبذلك يُعلم أن توكل العبد على الله سبب عظيم لحفظه وتأييده وحمايته وكفايته من كُلِّ شَر يسوؤُهُ؛ (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: ٣].
السبب الخامس: السَّبَبُ الخامس فراغ القلبِ مِنَ الانشغال بمَنْ أصابه
فإذا فرغ قلبه وفكره من الانشغال به واجتهد في محوه من بالهِ كُلَّما خطر عليه كان ذلك سببًا عظيمًا لراحة باله ودفع ما أصابه.
قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: «وهذا من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب المعينة على اندفاعِ شَرِّهِ، فَإِنَّ هذا بمنزلة مَن يطلبُهُ عدوُّهُ لِيُمْسِكَهُ ويؤذيه، فإذا لم يتعرض له، ولا تماسك هو وإيَّاه، بل انعزل عنه؛ لم يَقْدِرُ عليه - أي: لم يقدر العدو على أذيَّتِهِ ، فإذا تماسكا وتعلق كل منهما بصاحبه حَصَلَ الشَّرُّ، وهكذا الأرواح سواء... فإذا تعلَّقَتْ كُلُّ رُوحٍ منهما بالأخرى عُدِمَ القَرارُ، ودامَ الشَّرُّ، حتى يَهْلِكَ أحدهما، فإذا جَبَذَ رُوحَهُ عنه، وصانها عن الفكر فيه والتعلقِ به، وأن لا يُخْطِرَه بباله، فإذا خَطَرَ بباله بادر إلى مَحْو ذلك الخاطر، والاشتغال بما هو أنفع له وأولى به؛ بَقِيَ الحاسد الباغي يأكل بعضه بعضًا، فإِنَّ الحَسَدَ كالنار إذا لم تَجِدُ ما تأكله أكل بعضها بعضا » فبين رحمه الله أنَّ الأَنْجَعَ في علاج هذه الأمراض أن يصرف الإنسانُ قلبه وفكره عنها وأن لا ينشغل بها، بل يمضي في مصالحه الدينية والدنيوية مُسْتَعِينًا بربه، متوكلا عليه.
ذكر الأسباب الخمسة الأخرى:
السبب السادس: الإقبال على الله -عز وجل- والإنابة إليه.
السابع: التوبة إلى الله من جميع الذنوب.
الثامن: الصدقة والإحسان إلى الخلق
التاسع: الإحسان إلى الباغي والمؤذي
العاشر: تجريد التوحيد لله -عز وجل-.
وبعد ذكر هذه الأسباب ذكر المؤلف عشرة حروز هي أعظم ما يتحرز به من الشيطان،
والكتاب مستفاد من كتاب بدائع الفوائد لابن القيم كما ذكر المؤلف حفظه الله.