عندما تتراكم الحِكَم أو التوقيعات في كتاب يتكوّن منها بأجمعه، كما في هذا الكتاب، فهي يضيء بعضها بعضاً ونلفي أنفسنا أمام ما يشبه منظومة فكريّة متضافرة أجزاؤها أو وحداتها. هي شعريّة الأجزاء الدالّة في انفرادها وفي اجتماعها، كما في أبيات القصائد العربية القديمة، إذ يفرض مبدأ وحدة البيت أن يستقلّ كلّ بيت بدلالته وأثره الخاصّين، وأن يشارك في الأوان ذاته في إنعاش حركة المجموع وتحقيق أثر القصيدة بكاملها. تقدّم توقيعات الأديب الفرنسي لاروشفوكو، التي هي ثمرة عشرين سنة من الكتابة، رؤية للإنسان متكاملة ومتشعبّة. ليست توقيعات متناثرة، بل يكفي النظر بتمعّن لرؤيتها وهي تنعقد حول موضوعات مقبوض عليها ببراعة كحبّ الذات مثلاً، أو القناعة، أو الكبرياء والغرور، أو الاعتدال، إلخ.
نصوص منثورة وحِكم في الأخلاق والقيم ونقد للذات وعيوبها، أعجبتني الصراحة والشفافية في التعبير عن حقيقة الذات أمام الفضائل والرذائل. يقول فرانسو دو لاروشفوكو:
"عيوب الروح تشبه جراح الجسد: مهما تكن العناية في علاجها ، تظل الندوب ظاهرة دائماً ، وتكون مهددة دائماً بالانفتاق من جديد"
" يجب ألا نندهش إلا من قدرتنا على الاندهاش مجدداً"
" لا يمكن للمرء أن يدرك شجاعته إذا لم يختبر أي خطر"